كتب: محمد بركات
اختتم الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، زيارته الرسمية لمحافظة بوشهر، وهي رابع زيارة داخلية له منذ توليه مهام منصبه في يوليو/تموز 2024 والتي استمرت يومي الأربعاء والخميس 13 و12 فبراير/شباط 2025، وشهدت الإعلان عن عدد من المشاريع التنموية الكبرى في مجالات الطاقة، والبنية التحتية، والإسكان، حيث رافقه خلالها عدد من أعضاء حكومته.
وقد أكد الرئيس الإيراني خلال جولاته الميدانية، أن الحكومة ملتزمة بتنفيذ خططها الهادفة إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المتوازنة في جميع المحافظات، مشيرا إلى أن الهدف الأساسي من هذه الزيارات هو الاستماع إلى مطالب المواطنين والمسؤولين المحليين بشكل مباشر، والعمل على تلبية احتياجاتهم وفق خطط مدروسة.
حيث بدأت الزيارة باجتماع مغلق بين الرئيس وعدد من المسؤولين المحليين، ناقشوا فيه التحديات التي تواجه المحافظة، خصوصا في مجالات توفير المياه، الكهرباء، والاستثمارات الصناعية، ووجه الرئيس وبضرورة تسريع تنفيذ المشاريع المتوقفة، وتعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص لخلق فرص عمل جديدة، خاصة في المناطق التي تعاني من ارتفاع معدلات البطالة.
كما زار بزشكيان عددا من المنشآت الصناعية والاستراتيجية في المحافظة، من بينها منشآت الطاقة النووية والصناعات البحرية، وفي أثناء زيارته مفاعل بوشهر النووي، أعلن عن بدء تنفيذ المرحلتين الثانية والثالثة من مشروع محطة بوشهر النووية، والذي يُتوقع أن يعزز إنتاج الطاقة في إيران، ويقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري، كما شهد توقيع 11 اتفاقية استثمارية كبرى مع شركات وطنية ودولية، بقيمة إجمالية بلغت مليارات الدولارات، شملت مجالات الطاقة، والبتروكيماويات، والبنية التحتية.
إلى جانب ذلك، دشّن الرئيس الإيراني عددا من المشاريع التنموية الجديدة، حيث تم تسليم 10 زوارق متطورة إلى غفر السواحل لتعزيز الأمن البحري، وافتتاح مشروعات إسكان اجتماعي تستهدف توفير مساكن لأكثر من 2500 أسرة، كما تم الإعلان عن تنفيذ 43 مشروعا بيئيا ومائيا، بهدف تحسين جودة المياه وتقليل التلوث الصناعي في المنطقة.
في إطار تطوير شبكة النقل والمواصلات، أعلن بزشكيان عن تخصيص ميزانية ضخمة لاستكمال شبكة السكك الحديدية في المحافظة، بهدف تعزيز الربط بين بوشهر والمناطق الأخرى، مما سيسهم في تسهيل حركة البضائع والمسافرين، ودعم الأنشطة التجارية والصناعية، مؤكدا أن الحكومة تضع تطوير البنية التحتية في المحافظات الجنوبية على رأس أولوياتها، بهدف تحويلها إلى مراكز اقتصادية محورية.
كما عقد الرئيس لقاءات مفتوحة مع المواطنين، وممثلي القطاعات الاقتصادية، وشخصيات أكاديمية، حيث استمع إلى آرائهم حول التحديات التي تواجههم، وناقش سبل تطوير الاقتصاد البحري من مكران إلى بوشهر بالتعاون مع مستشارين محليين ودوليين. كما شدد على ضرورة تفويض صلاحيات أوسع للمحافظين والمسؤولين المحليين، لضمان سرعة اتخاذ القرارات التي تتناسب مع احتياجات كل منطقة.
وفي ختام الزيارة، أشاد الرئيس بحفاوة استقبال أهالي بوشهر، وأكد أن الحكومة خصصت ميزانية بقيمة 530 ألف مليار ريال، ما يعادل 581 مليون دولار تقريبا، لتنفيذ المشاريع التنموية في المحافظة، مشيرا إلى أن تنفيذ هذه المشاريع سيُتابَع بشكل دقيق؛ لضمان تحقيق الأهداف المرجوة، كما تعهد بأن تكون هناك زيارات مستقبلية لمتابعة التقدم المحرز، والتأكد من تنفيذ جميع الخطط وفق الجداول الزمنية المحددة.
تصريحات بزشكيان خلال الزيارة
لم تكن الجولات الميدانية وحدها هي ما جلب الأنظار لتلك الزيارة، فخلال سفره إلى بوشهر، أدلى بزشكيان بتصريحات قوية تجاه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وقضية الملف النووي الإيراني، والتفاوض مع الولايات المتحدة.
فخلال يومه الأول من الزيارة انتقد بزشكيان وصف رئيس الولايات المتحدة، في توجيهاته وخطاباته الرسمية، الحكومة والشعب الإيراني بالإرهابيين، كذلك فقد انتقد ادعاءه المستمر أن إيران تشكل خطرا على الأمن الإقليمي، حيث صرح: “لقد قاموا باغتيال 18 ألف شخص من أبناء شعبنا، بينهم مسؤولون وعلماء، ثم يتهموننا نحن بالإرهاب! إلى أين وصل العالم عندما يدّعي من يتحدث عن حقوق الإنسان أنه يحميها، في حين أنه نفسه يمارس الاغتيالات، ويدعم إسرائيل عسكريا، ثم يقول إنه يسعى لتحقيق أمن المنطقة؟”.
وأضاف بزشكيان: “بعد ذلك، يقف أمام المنابر ويعلن رغبته في التفاوض مع إيران، بينما في الواقع، يغلق كل الطرق، ويضغط على العالم لعدم التعامل مع الإيرانيين، ثم يدّعي أنه يسعى للحوار معنا!”.
تأتي تلك التصريحات على خلفية تصريح الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في عدة مناسبات، بأنه يريد أن يصل لاتفاق مع إيران يضمن استمرار التنمية فيها، واضعا شروطا لبدء التفاوض، أهمها تخلي إيران عن حلمها النووي على حد تعبيره، حيث قال إنه لن يسمح لإيران بأمتلاك سلاح نووي، وفي الوقت نفسه فقد أعاد ترامب سياسة الضغط الأقصى ضد إيران بمرسوم وقعه أمام الصحفيين في البيت الأبيض في الرابع من فبراير/شباط 2025.
كذلك، فحول التفاوض مع الولايات المتحدة، صرح بزشكيان: “نحن لا نقول إننا نرفض الحوار أو الامتناع عن التفاوض، ولكن عندما يأتي ترامب ويقول: عليكم أولا أن تفعلوا هذا ثم ذاك، ثم يفرض جميع العقوبات ضدنا، وبعد ذلك يدعونا إلى الحوار، فكيف يكون رجلا للحوار وهو يتصرف بغير إنصاف؟ لماذا يغلق طرق الماء والخبز والدواء والطعام أمام الناس؟ هؤلاء لا يسعون إلى الحوار، بل يريدون إذلالنا أمامهم، ولكننا، بقدراتنا وإمكاناتنا، قادرون على حل كثير من مشاكلنا. هم لا يستطيعون إغلاق طريقنا، فنحن سنجد الطريق بأنفسنا، بشرط ألا ننشغل بالخلافات الداخلية وأن نتيح الفرصة للأشخاص الأكفاء والعلماء الحقيقيين”.
وكان عي خامنئي، المرشد الأعلى الإيراني، قد صرح في 7 فبراير/شباط، بأن المفاوضات مع الولايات المتحدة لن تؤدي إلى نتيجة، حيث قال إن “هناك نقاشات حول التفاوض تُطرح في الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي، ومحورها هو مسألة التفاوض مع أمريكا، حيث يُشار إلى التفاوض كأنه أمر جيد، وكأن هناك من يعارض مبدأ التفاوض بحد ذاته، نحن لا نعارض التفاوض مع أحد، سوى الولايات المتحدة، وبالطبع، نحن لا نذكر اسم الكيان الصهيوني كاستثناء، لأنه ليس دولة أصلا، بل هو عصابة إجرامية غاصبة للأرض”.
وأضاف خامنئي: “إن البعض يرى أن مجرد الجلوس إلى طاولة المفاوضات سيؤدي إلى حل المشكلات، ولكن الواقع الذي يجب فهمه بوضوح هو أن التفاوض مع أمريكا لا يؤثر إطلاقا في حل مشكلات البلاد، فعامان من التفاوض، وتقديم التنازلات، وإبداء المرونة لم يفضيا إلى أي نتيجة”، مؤكدا: “لقد انتهكت أمريكا الاتفاق الذي تم التوصل إليه رغم ما كان فيه من نواقص، ثم انسحبت منه. لذا، فإن التفاوض مع مثل هذه الحكومة تصرف غير عقلاني، وغير حكيم، وغير شريف، ولا ينبغي الدخول فيه”.
كذلك، وخلال زيارته لمنشآت نطنز النووية في بوشهر، صرّح الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان بأنه في حال تعرض منشآت نطنز أو غيرها من المنشآت النووية الإيرانية لهجوم، فإن إيران قادرة على إعادة بنائها وإنشاء منشآت نووية جديدة، حيث قال: “إنهم يهددوننا بضرب مركزنا النووي في نطنز، نعم، يمكنكم قصف المباني، لكن الشخص الذي بناها، إن كان لا يزال موجودا، فلن تستطيعوا قصفه”، معتبرا المنشآت النووية ثمرة علم وخبرة القائمين على البرنامج النووي، مضيفا: “اضربوا مئة من هذه المنشآت، سيبني هؤلاء الشباب ألفا غيرها”.
تأتي تلك التصريحات في الوقت التي تتوارد فيه التقرير عن ضربة إسرائيلية محتملة للمنشآت النووية الإيرانية، حيث قالت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، الخميس 13 فبراير/شباط 2025، إن إسرائيل قد تحاول في الأشهر المقبلة، تنفيذ هجوم استباقي يستهدف البرنامج النووي الإيراني، وهو هجوم قد يؤخر برنامج طهران لبضعة أسابيع أو ربما أشهر، لكنه وفقا لتقييم أجهزة الاستخبارات الأمريكية، سيؤدي إلى تصعيد التوترات في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وسيعيد احتمال اندلاع مواجهة إقليمية واسعة النطاق إلى الواجهة.