محمد بركات
تعود أزمة انقطاع التيار الكهربي لتلقي بظلالها مرة أخرى على الشارع الإيراني، بعد أن وعدت الحكومة والبرلمان بأن التيار الكهربي سيستمر دون انقطاع خلال فصل الشتاء.
فقد فوجئ الإيرانيون، الخميس 12 ديسمبر/كانون الأول، بانقطاع التيار الكهربائي على عدد من المناطق في طهران دون إخطار مسبق من الحكومة أو شركة الكهرباء، بل إن بعض المناطق قد شهدت انقطاع التيار الكهربي مرتين على مدار اليوم.
على أثر ذلك، أعلنت الشركة القابضة لإنتاج وتوزيع الكهرباء في إيران “توانیر“، في بيان لها، أن سبب انقطاع التيار خلال موسم البرد الحالي هو أن استهلاك الغاز والكهرباء وصل إلى الحد الحرج، داعيةً المواطنين إلى ترشيد الاستهلاك. وقد أكد البيان أن خطط قطع الكهرباء ستنشر السبت 14 ديسمبر/كانون الأول 2024.
كذلك، أصدرت شركة توزيع الكهرباء في طهران بيانا صباح الجمعة 13 ديسمبر/كانون الأول، تعلن فيه إعادة خطة تخفيف الأحمال، وجاء في بيانها: “نظرا إلى بدء موسم البرد وزيادة استهلاك الغاز في المنازل والقيود المفروضة على تزويد محطات الطاقة بالغاز، وبناءً على القرارات المتخذة، نؤكد ضرورة الترشيد الجاد في استهلاك الغاز والكهرباء. بإمكان المشتركين الكرام بشركة توزيع الكهرباء في طهران الكبرى الاطلاع على جدول مواعيد فرض قيود الكهرباء في القطاعات المنزلية والتجارية عبر منصة برق أو من خلال البوابة الإلكترونية للشركة”.
في الوقت نفسه، طالب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، المواطنين بالمشاركة في خطط ترشيد استهلاك الكهرباء، حيث صرح بأن “تلوث الهواء والأضرار الصحية التي يسببها لمجتمعنا بأكمله، إضافة إلى استخدامنا وقودا غير مناسب، يستدعي منا التحكم في تدفئة منازلنا وأماكن عملنا قدر الإمكان. نطلب من جميع أبناء وطننا الأعزاء، إذا أمكن، خفض درجة حرارة التدفئة في منازلهم بمقدار درجتين على الأقل؛ حتى نتمكن من توفير مزيد من الوقود وتوصيله لجميع أبناء شعبنا العزيز في هذا الطقس البارد”.
يأتي ذلك فيما تشهد إيران حاليا فترة صقيع شديدة أدت إلى انخفاض ملحوظ في درجات الحرارة، خاصة في المناطق الشمالية والغربية من البلاد، حيث تعتبر هذه الموجة الباردة من أشد موجات الصقيع التي مرت على إيران خلال السنوات الأخيرة، فقد وصلت درجات الحرارة في بعض المناطق إلى ما دون الصفر بكثير.
خلفية الأزمة
تواجه إيران منذ سنوات، أزمة حادة في قطاع إنتاج الكهرباء، حيث تؤثر انقطاعات الكهرباء بشكل كبير على جميع القطاعات الاقتصادية في البلاد، وفي حين أن إيران كانت تعد أكبر منتج للكهرباء في منطقة الشرق الأوسط حتى العام 2007، فإن الأزمة الحالية تكشف عن مشاكل متعددة في إدارة وتوزيع الطاقة الكهربائية.
وقد أرجع الخبراء عوامل الأزمة في هذا القطاع إلى عدة أسباب، كان أهمها غياب الاستثمار في البنية التحتية، حيث تعاني صناعة الكهرباء في إيران من نقص حاد في الاستثمارات وضعف ملحوظ في هذا المجال.
ومن الجدير بالذكر أن إنشاء محطات توليد الكهرباء، سواء الحرارية أو الكهرومائية، يتطلب استثمارات ضخمة وتكاليف باهظة، وفي ظل الوضع الاقتصادي غير المستقر، لا تستطيع الحكومة تخصيص جزء كبير من إيراداتها لهذا القطاع، ونتيجة لذلك، يتفاقم النقص في الاستثمارات عاما بعد عام.
كذلك فإنَّ ضعف أداء محطات الطاقة الكهرومائية في الصيف يؤدي إلى أزمة كبيرة، فارتفاع درجات الحرارة ونقص الأمطار وزيادة التبخر في فصل الصيف تؤدي جميعها إلى انخفاض مستويات المياه المستخدمة في محطات الطاقة الكهرومائية، مما يُخرج جزءا كبيرا من قدرة التوليد الكهربائي في البلاد عن الخدمة.
وفي الوقت نفسه، يرتفع استهلاك الكهرباء بشكل كبير خلال فصل الصيف، مما يزيد من الضغط على الشبكة الوطنية. تشير التقديرات إلى أن ما يقارب 10.000 ميغاوات من الطاقة الإنتاجية للكهرباء تتوقف بسبب ضعف محطات الطاقة الكهرومائية.
كذلك، فمن بين العوامل التي زادت الضغط على الشبكة الكهربائية في السنوات الأخيرة، انتشار ظاهرة تعدين العملات المشفرة، مثل البيتكوين، خاصة في ظل صعود قيمة هذه العملات عالميا ومحليا، حيث تستهلك أنشطة التعدين كميات هائلة من الكهرباء، مما يزيد من الضغط على شبكة الكهرباء الوطنية ويستنزف الوقود المستخدم في إنتاج الطاقة.
وعلى الرغم من تقديم الحكومات المتعاقبة خططا نظرية عديدة لتطوير قطاع الكهرباء، فإن التنفيذ العملي لهذه الخطط كان محدودا للغاية، مما أدى إلى زيادة الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك، وأسهم في تفاقم أزمة الكهرباء.
أما في عهد حكومة بزشكيان، فكانت للأزمة عدة محطات، أبرزها، عندما أعلنت المتحدثة الرسمية باسم الحكومة، فاطمة مهاجراني، في 6 نوفمبر/تشرین الثانی، أن الرئيس قد اتخذ قرارا بمنع استخدام المازوت في ثلاث محطات توليد طاقة في البلاد؛ وذلك للتقليل من تلوث الهواء الذي صار أزمة حقيقية تواجه المجتمع، وقد صرحت بأنه “لا يمكن أن نتهاون في صحة الشعب في سبيل إنتاج الكهرباء”.
بعدها نشرت الحكومة فی 11 نوفمبر/تشرين الثاني، جدول تخفيف الأحمال، مما أدى إلى حالة استياء كبيرة بين الإيرانيين.
حينها صرح رضا سبه وند، عضو لجنة الطاقة في البرلمان الإيراني، بأن عدم استخدام المازوت سيؤدي إلى انقطاع مبرمج للكهرباء والغاز، كما حدث في الصيف مع انقطاع الكهرباء للقطاعات الصناعية التي تأثرت بشكل كبير، خاصة في مجالات الصناعة والزراعة.
وأضاف سبه وند أن “هناك حاجة لزيادة واردات الغاز من الدول المصدرة، لكن الأسعار ترتفع في فصل الشتاء بسبب زيادة الطلب، مما يجعل الغاز غير اقتصادي في بعض الأحيان، لذلك يجب اللجوء إلى المازوت لسد الفراغ”.
بعدها عادت مهاجراني لتعلن أن استهلاك المازوت لم يتوقف بشكل كامل، بل تم تقليصه، حيث قالت إن هناك نوعا من المازوت يعتبر ضارا بالصحة وقد تم إيقاف استخدامه.
كما أوضحت أنه في المناطق البعيدة عن المناطق السكنية، سيتم استخدام خليط من المازوت والديزل، مشيرة إلى أن تقليل هذا الوقود ضمن الخطط الحالية، ويتم استخدامه لتوفير الوقود لمحطات الطاقة، في تراجع مباشر للحكومة عن قرارها السابق.
كذلك، فقد صرح وزير الطاقة الإيراني، عباس علي آبادي، خلال الجلسة العلنية للبرلمان الإيراني التي عُقدت الثلاثاء 26 نوفمبر/تشرين الثاني، في أثناء مناقشة تقرير لجنة الطاقة حول انقطاع الكهرباء في فصل الشتاء وتأمين وقود محطات الطاقة، بأنه سيتم وقف العمل بخطط تخفيف الأحمال، وأنه الآن لا توجد مشكلة في عملية إنتاج أو نقل الكهرباء.
وعن سبب تراجع الحكومة في قرارها الاستغناء عن المازوت، فقد أشارت تقارير إلى أن المازوت لم يكن سبب المشكلة من الأساس، حيث لم يتم استخدامه في المدن الكبرى مثل طهران لعدة سنوات، ولم يكن له تأثير كبير في تلوث الهواء.
ووفقا لتصريحات ناصر إسكندري، نائب مدير إنتاج الكهرباء في شركة الكهرباء الحرارية، فإن حصة المازوت في سلة الوقود للمحطات منذ بداية عام 2023 حتى أكتوبر/تشرين الأول 2024، كانت 3% فقط، بينما 93% من الوقود كان الغاز الطبيعي و4% من الديزل.
كذلك، فقد أشارت تصريحات المسؤولين في وزارة الطاقة إلى أن انقطاع الكهرباء كان بسبب نقص الوقود الكافي من الديزل. وعليه، فإن المازوت كان ذريعة استخدمتها الحكومة لتبرير عملية قطع التيار.