كتبت: شيماء جلهوم
يحتفل العالم هذه الأيام بأشجار الكريسماس، يعلقون عليها أمنياتهم وأحلامهم، لعام قادم، يتمنونه أفضل من سابقه، الشجرة العمودية دائمة الخضرة التي تمتلئ بها المنازل حول العالم في هذا التوقيت من كل عام، قدسها الإيرانيون في عهود سابقة، وحمت الطبيعة نسختها الأولى على أرض دولة فارس القديمة، عمرت أكثر من 4000 عام، لتصبح شجرة “سرو أبركوه” ثاني أقدم شجرة لا تزال حية عرفتها البشرية.
أهميتها التاريخية
بحسب موقع إيران تو إيران، فإن الإيرانيين أطلقوا اسم الشجرة المقدسة على شجرة “سرو أبركوه”، التي حمل لها التاريخ العديد من القصص والأساطير، التي ذكرها حمد الله المستوفي، في وثيقته الجغرافية “نزهة القلوب”، الذي يعتبر من أهم الكتب التي وثقت لجغرافيا العالم الإسلامي، وصفها المستوفي في كتابه بأنها من عجائب الدنيا “توجد في تلك المنطقة شجرة سرو، تتمتع بشهرة عالمية، كما تشتهر شجرة سرو كشمير وبلخ، إلا أن هذه أكبر وأقدم”، ترجح العديد من التقديرات أن عمر الشجرة العجيبة يرجعها إلى 4000 عام، إلا أن هناك تقديرات يابانية وروسية مؤخراً أرجعتها إلى 8000 عام.
يبلغ ارتفاع شجرة سرو أبركوه حوالي 25 متراً، وهي لا تشتهر بالطول، قدر ما كان عمرها القديم هو سبب شهرتها، كما أن جذعها الملتوي كان من أهم أسباب تفردها على مدار التاريخ، ويبلغ محيطه حوالي 11.5 متر، تقع شجرة سرو أبركوه على طريق الحرير، لذلك ليس من المستغرب أن نرى اسم هذه الشجرة كثيراً في روايات الرحلات القديمة، كتب عنها الرحالة الإيطالي ماركو بولو في مذكراته عن رحلته إلى إيران: “من أشجار السرو القليلة التي رأيتها في إيران، السرو الطويل الموجود على قمة أبركوه، والذي ينحدر مثل شلال أخضر من السماء على بصق أبركوه، ومن كل شجرة سرو، في اتجاه دخول أبركوه، السرو القديم يشبه المنارة السبزي يدعونا إلى ميناء بحر الصحراء والشمس الساطعة”.
أساطير الشجرة المقدسة
الأساطير التي رويت عن سرو أبركوه، كان من أهمها تلك المرتبطة بالنبي الفارسي “زرادشت”، فتروي الأسطورة الفارسية التي رواها حمد الله المستوفي في “نزهة القلوب”، أن زرادشت عندما وصل إلى أبركوه، كان وصوله متزامناً مع فصل الربيع، فنثر حبات السرو في أرض بركوه، ليبشر الناس أن من بين تلك البذور تنمو شجرة تبقى حية حتى نهاية الأرض.
جذبت الشجرة العجيبة التي يقدسها الفارسيون اهتمام الآلاف من السائحين من جميع أنحاء العالم، وصارت مدينة يزد التي تقع فيها الشجرة من الوجهات السياحية المشهورة في إيران، والتي لا يخلو منها برنامج سياحي، وبحسب ما ذكرته موسوعة المعلومات العالمية ويكيبيديا، فإنه قد تم تصنيف الشجرة ضمن أقدم عشر أشجار عالمياً، وجاء ترتيبها الثاني في هذا التصنيف، الذي أعدته صحيفة تشاينا ديلي الصينية.
نالت شجرة سرو أبركوه مكانة خاصة في الثقافة الإيرانية، فقد ذكرها شعراء الفارسية في الكثير من مؤلفاتهم، ففي مقال نشرته عن الشجرة المقدسة مجلة بيني هيرست أن الثقافة الإيرانية تعتبر شجرة السرو “الأرز” رمزاً للمقاومة والجمال، وهو ما تؤكده نقوش برسيبوليس -المدينة الفارسية القديمة- وقد ذكر العديد من الشعراء مثل السعدي الأرز في قصائدهم:
أنت يا صاحب هذا الوجه الطويل والجميل.. لا تلتفت إلى أشجار السرو والتيوليب وخشب البقس والزهور.
حتى الشعراء المعاصرون ذكروا جمال الأرز.
وكتب أحمد شمالو: “من أنت؟ أرزتي الحرة/ نور عيني التي وهبها الله لي/ عينك، كأسي، ريحي/ أنت رجائي، أستطيع البقاء”.
تسعى منظمات البيئة في إيران إلى حماية وصيانة شجرة الأرز الأهم في العالم، وبرغم التغيرات المناخية والظروف السيئة التي مرت بها البيئة في إيران، إلا أن الشجرة العجيبة لا تزال تحافظ ذاتياً على مقومات الحياة بها، بالإضافة إلى بعض الأعمال التي قامت بها الدولة للحفاظ على الأهمية التاريخية للمكان وحمايته من الأذى البشري، كتركيب صواعق حوله حتى لا يتعرض للتخريب.