حوار مصطفى أفضل زادة، مراسل “زاد إيران” في طهران
ترجمة: علي زين العابدين برهام
تعتبر إيران أن بغداد هي الامتداد الاستراتيجي لطهران، ويرى بعض الساسة الإيرانيين أن القواسم المشتركة بين البلدين أكبر من أن تحصى، لذلك تسعى الولايات المتحدة لخلق فتن تقوض هذه العلاقات.
حول هذا الموضوع أجرى “زاد إيران” حوارا مع عبد الرضا فرجي راد، أستاذ الجيوسياسية والخبير في الشؤون الدولية، وسفير إيران السابق لدى النرويج والمجر. وفي ما يلي نص الحوار:
هل ترى أن الولايات المتحدة تسعى لخلق فجوة بين إيران والعراق بعد أكتوبر ؟
تواصل الولايات المتحدة، كما في السابق، محاولاتها لخلق فجوة بين إيران والعراق، وتعتبر واشنطن أن النفوذ الإيراني في العراق يعزى بشكل رئيسي إلى الجماعات المقربة من طهران مثل الحشد الشعبي وحزب الله، وتهدف إلى تقليص هذا النفوذ عبر حل هذه الجماعات والضغط على الحكومة العراقية.
هذه الجهود لفرض الضغط على بغداد بدأت قبل وصول ترامب إلى البيت الأبيض، ويدعمها في العراق كل من السنة والكرد، إضافة إلى بعض الفصائل الشيعية، مما يشير إلى أن الضغوط الأمريكية ستستمر.
من جهة أخرى، أعلن بعض السياسيين العراقيين أن الجماعات المقربة من إيران يجب أن تكون تحت إشراف الحكومة بالكامل، وأن تقطع علاقاتها بالدول الأخرى. وبناءً على ذلك، من المتوقع أن نشهد تقليصا للتوترات بين هذه الجماعات والولايات المتحدة في المستقبل القريب، فالحكومة العراقية لن تسمح لهذه الجماعات بشن هجمات على الأمريكيين، خاصةً أن هذه الجماعات لم تعد نشطة في المنطقة الحدودية بين العراق وسوريا.
هناك فصائل تشملها المقاومة العراقية موالية لإيران، ولها أنشطة ضد وجود القوات الأمريكية في المنطقة. إلى أي مدى ساهمت هذه الأنشطة في جهود الولايات المتحدة لخلق فتنة بين إيران والعراق؟
هناك مشروع كبير يهدف إلى قطع العلاقة بين إيران وجبهة المقاومة، وهو لا يقتصر على العراق فقط، فقد تم قطع العلاقات بشكل كامل بين إيران وسوريا، كما تم فرض قيود شديدة على العلاقات بين إيران والشيعة في لبنان، وبالتالي، يبدو أن هذا الاتجاه نحو مزيد من القيود سيستمر.
بخلاف مسألة المقاومة، ما الأهداف الأخرى التي يسعى الأمريكيون لتحقيقها من خلال خلق فجوة بين إيران والعراق؟
في العراق، هناك جماعات معارضة لإيران تسعى لمنع حدوث أزمات وتوترات داخل البلاد. خاصة بعد ما حدث في سوريا، فإن الجماعات المعارضة لإيران في العراق تشعر بالقلق من تقوية تنظيم الدولة وضعف الوضع الداخلي في البلاد. بشكل عام، بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، كانت الأوضاع في المنطقة سواء في العراق أو سوريا أو لبنان أو غزة غير مريحة لإيران، كما أن الجماعات العراقية المقربة من إيران تحت ضغط، وقد فرضت الأوضاع الإقليمية عليها أن تتوخى الحذر في الصدام مع أمريكا وإسرائيل.
ما هو تصور المسؤولين العراقيين لمستقبل العلاقات مع إيران؟
تتمتع إيران والعراق بعلاقات جيدة في المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية. على سبيل المثال، مشاركة الإيرانيين في مسيرة الأربعين (مسيرة شيعية يقوم بها الشيعة من كافة أنحاء إيران والعراق نحو مدينة كربلاء في ذكرى أربعين الإمام الحسين) مع الشعب العراقي تعدّ عملا كبيرا ودليلا على الروابط الثقافية بين البلدين، بالإضافة إلى وجود علاقة اقتصادية تتجاوز قيمتها 10 مليارات دولار.
تحاول الولايات المتحدة أن تضمن أن الدول الأخرى هي من توفر السلع الاستراتيجية في العراق، مثل الكهرباء والغاز. ومن المهم بالنسبة لها الحفاظ على علاقة وثيقة مع الحكومة العراقية، مع تقليص الروابط بين إيران والعراق. بالطبع، هناك بعض القضايا مرتبطة بالعلاقات الإيرانية الأمريكية، فإذا تقدمت المحادثات بين البلدين، فمن المرجح أن يقل الضغط الأمريكي على العراق.
ما هي التداعيات المحتملة على العراق على المديين القصير والطويل في حال قررت الحكومة العراقية الابتعاد عن إيران؟
في ما يتعلق بالسلع الاستراتيجية، يقوم العراق بتنفيذ مشاريع تهدف إلى تقوية علاقاته مع الدول العربية، ومن جهة أخرى، يسعى لتقليل علاقته العسكرية مع إيران وتخفيف ارتباطه بجبهة المقاومة تدريجيا. لذلك، إلى جانب الولايات المتحدة، يظهر العراق أيضا رغبة في هذا الاتجاه.
على سبيل المثال، لطالما سعى الإيرانيون لإنشاء “سكة حديد الشلامجة – البصرة”، لكن العراقيين لا يزالون يضعون عراقيل أمام هذا المشروع، وهذه الإجراءات تشير إلى أن العراق يسعى لتجنب الاعتماد الشديد على إيران.
رغم أن رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، لم يعبر بشكل مباشر عن انتقاداته، فإن سياسة تقليل الاعتماد على إيران لم تتغير مقارنة بالماضي. كما أن العراقيين لا يرغبون في تصعيد التوترات مع إيران، ويفضلون الحفاظ على علاقات ثقافية واقتصادية معقولة بين البلدين.
قد يسعى العراق لأن يصبح دولة محايدة ومستقرة في المنطقة على غرار عمان. إلى أي مدى يمكن للولايات المتحدة أن تسهم في تحقيق هذا الهدف، وما مدى قابلية تنفيذه؟
يعتقد العراقيون أنه من خلال الابتعاد عن إيران، ستزداد رغبة الدول الغربية في الاستثمار في العراق.
يسعى المسؤولون العراقيون إلى أن يظل العراق دولة مستقرة ومحايدة، وقد صرحوا مرارا بأنهم لا يرغبون في أن يتحول أراضي العراق إلى ساحة صراع بين إيران وأمريكا أو دول أخرى. ويعتقد المسؤولون أن تقليص العلاقات مع إيران سيسهم في زيادة استقرار العراق، مؤكدين أن العراق دولة مستقلة ويُفضل ألا تتدخل الدول المجاورة في شؤونه الداخلية.
العراق يصدر نحو 4.5 مليون برميل من النفط، وتستفيد الجماعات المقربة من إيران من عائدات النفط أيضا. لذا، لا توجد رغبة في تصعيد التوترات مع إيران، بل هناك رغبة في استمرار العلاقات بين بعض الجماعات العراقية والإيرانيين، حيث يدعم عدد من هذه الجماعات سياسات الحكومة الإيرانية.