ترجمة: هاجر كرارة.
قام وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، بزيارة لباكستان الأسبوع الماضي، وعقد خلالها سلسلة من اللقاءات على أعلى المستويات السياسية، وكان الهدف الرئيسي من هذه الزيارة هو التوصل إلى آلية تعاون مشتركة لمكافحة الجماعات الإرهابية التي تتخذ من منطقة بلوشستان الباكستانية مقرا لها، والتي تنفذ عمليات إرهابية في محافظة سيستان وبلوشستان الإيرانية. وقد تسببت هذه العمليات خلال العام الماضي، في هجمات أدت إلى مقتل عدد من أفراد حرس الحدود الإيراني.
موقع خبر أونلاين الإيراني أجرى حوارا مع السفير الإيراني الأسبق لدى باكستان محمد علي حسيني، حول العوائق التي تحول دون القضاء على الجماعات الإرهابية في باكستان، وحول ما يمكن أن تقدمه زيارة وزير الخارجية الإيراني لباكستان في هذا الملف، وجاء في الحوار:
في السنة الماضية، زادت الحوادث الإرهابية في سيستان وبلوشستان، مما وجه أصابع الاتهام إلى باكستان. هل تعتقد أن باكستان لا تستطيع منع الجماعات الإرهابية أم أنها لا تريد ذلك؟
شهدت المناطق الحدودية بين إيران وباكستان خلال العقود الماضية تصعيدا ملحوظا في الأعمال الإرهابية، والتي تسببت في خسائر فادحة بالأرواح والممتلكات على جانبي الحدود. وتتمثل هذه الأعمال في عمليات اغتيال وتفجير واختطاف، تستهدف بشكل أساسي، قوات الأمن والمواطنين المدنيين.
ومن هنا نرى أن عددا كبيرا من الجنود والضباط الباكستانيين قد وقعوا في كمين هؤلاء الأشخاص أو قتلوا خلال الاشتباكات معهم على مر السنين. والسؤال المهم التالي هو: ما الفائدة التي يمكن أن تجنيها باكستان من إثارة عدم الاستقرار على حدودها الطويلة مع إيران وتغذية الاضطرابات في المناطق الحدودية ودعم الجماعات الإرهابية الانفصالية ضد القوات الإيرانية؟ من الناحيتين المنطقية والسياسية، لا يمكن لباكستان أن تحقق أي مكاسب من وراء ذلك؛ لأن باكستان تواجه تحديات أمنية داخلية كبيرة، حيث تعمل جماعات مثل حركة طالبان الباكستانية بنشاط لتحقيق أهداف مناهضة للدولة ووحدة الأراضي الباكستانية.
ثانيا: تواجه باكستان تحديات أمنية وسيادية كبيرة على حدودها مع كل من الهند وأفغانستان، مما يجعلها تفضل الحفاظ على استقرار حدودها الطويلة مع إيران بعيدا عن الاضطرابات والأنشطة الإرهابية.
وثالثا: من الحكمة أن تسعى باكستان لتحقيق مصالحها السياسية والأمنية والتجارية والاقتصادية من خلال تحقيق الاستقرار والتنمية في المناطق الحدودية مع إيران، بدلا من إثارة الاضطرابات وعدم الاستقرار.
رابع: تقتضي الحكمة السياسية وحسن الإدارة أن تدرك دولة مثل باكستان، التي تواجه تحديات كبيرة على الصعيد السياسي والاقتصادي والخارجي والأمني، أهمية الحفاظ على حدودها المشتركة مع جارتها التي تربطها بها روابط تاريخية ودينية وثقافية ولغوية عميقة، وتجنب أي تصعيد أو أزمة قد تهدد هذه العلاقات.
خامسا: تؤمن كل من إيران وباكستان بأن الجماعات الإرهابية العاملة على حدود البلدين هي أدوات بيد أطراف خارجية معادية مثل النظام الصهيوني، والتي تستهدف العلاقات الأخوية الوثيقة بين البلدين المسلمَين المؤثرَين في المنطقة، وتسعى إلى زعزعة أمنهما واستقرارهما. وتؤكد العمليات العدوانية الأخيرة التي نفذها النظام الصهيوني ضد إيران، بالتزامن مع هجوم إرهابي أسفر عن استشهاد عشرة من جنودنا وضباطنا على الحدود الإيرانية الباكستانية، صحة هذه المقولة.
ومن ثم، أرى أن تعزيز وتكثيف التعاون المشترك بين إيران وباكستان في المجالات الأمنية والعسكرية ومكافحة الإرهاب، إلى جانب تسوية الخلافات وإزالة سوء الفهم وبناء الثقة المتبادلة، هو أفضل وأكفأ سبيل لمواجهة الجماعات الإرهابية والقضاء عليها، كما أنه يخدم مصالح البلدين. وتعد العمليات المشتركة الأخيرة التي نفذتها الدولتان ضد جماعة جيش العدل نموذجا جيدا لهذا النوع من التعاون.
يعتقد البعض أن بعض الأطراف القوية في باكستان كانت تستخدم الجماعات الإرهابية كأداة لفرض سيطرتها، ولكن الأمور خرجت الآن عن سيطرتها، ما مدى اتفاقك مع هذا الرأي؟
لا يمكنني تأكيد المزاعم المطروحة في النص. من الطبيعي أن يتحمل أولئك الذين يؤمنون بمثل هذه المعتقدات مسؤولية تقديم تفسير ومبررات مدعومة بأدلة قابلة للفحص. يرى بعض السياسيين والإعلاميين والمحللين في باكستان أن سياسة البلاد على مر السنين تجاه الجماعات المتطرفة التي لجأت أحيانا إلى أعمال إرهابية، كانت سياسة خاطئة وتحتاج إلى تغيير وإصلاح. كما ذكرتُ في إجابة سابقة، فإن أحد أهم التحديات التي تواجه باكستان حاليا هو التحدي الأمني الداخلي ونشاط مجموعة أو مجموعتين إرهابيتين معروفتين في مناطق مختلفة من البلاد. تسعى الحكومة ومؤسسات صنع القرار في باكستان إلى مواجهة هذه الجماعات بجدية واستعادة الأمن الكامل في الولايات المتضررة.
ما الحل لمشكلة الإرهاب في منطقة بلوشستان؟ هل يجب التفاوض مع طالبان؟
شهدت العلاقات بين باكستان وأفغانستان، منذ وصول حركة طالبان إلى السلطة، تصاعدا ملحوظا في التوتر على مختلف الأصعدة، وتجدر الإشارة إلى أن التطورات التي شهدتها هذه العلاقات منذ ذلك الحين جاءت مخالفة للتوقعات السائدة في باكستان، وبعيدة عن الآمال والأهداف التي كانت تسعى إليها إسلام آباد، ومع ذلك، يسعى الطرفان إلى إدارة هذه الأزمة والسيطرة على الوضع.
تتمتع إيران وباكستان بتسعمائة كيلومتر من الحدود المشتركة، وتجمع بينهما العديد من النقاط المشتركة، ومع ذلك لا يمكن وصف العلاقة التجارية والسياسية بينهما بأنها علاقة استراتيجية أو حساسة. بغض النظر عن التسمية التي نطلقها على هذه العلاقة، لماذا لا تتطور هذه العلاقة؟ أحد أهداف العلاقات بين إيران وباكستان هو الوصول إلى مستوى تجاري مثالي. ولكن على الرغم من أن العلاقات بين إيران وباكستان تسعى لتحقيق هذا الهدف التجاري منذ سنوات، فإنها لم تصل إليه بعد، أساسا، هل من الممكن تحقيق ذلك مع الاقتصاد الباكستاني المتعثر؟
في إجابة لسؤالكم، أود أن أشير إلى عدة عوامل رئيسية أدت إلى بطء وتيرة التعاون المشترك بين البلدين: على الرغم من وجود سوق ضخمة في باكستان يبلغ عدد سكانها 240 مليون نسمة، والحدود المشتركة الطويلة التي تتجاوز 900 كيلومتر، والموقع الجغرافي المشترك، وإمكانية النقل المتعددة الوسائل (بري، بحري، جوي)، والتكامل الاقتصادي بين البلدين، وشعبية المنتجات الإيرانية، وغيرها من المزايا، فإن هذه الدولة لم تحظَ باهتمام كافٍ من قبل المسؤولين في الفترات السابقة، ولم تتبوأ الأولوية المطلوبة لدى العديد من صناع القرار والقطاع الخاص في بلادنا. ثانيا: نقص الوعي الكافي لدى تجار البلدين بالإمكانات المتبادلة للتعاون. ثالثا: ضعف الاقتصاد الباكستاني وهشاشته، والالتزامات المالية للدول والمؤسسات الدولية. رابعا: بطء وتيرة متابعة تنفيذ الاتفاقيات من قبل الجانبين الإيراني والباكستاني. خامسا: فرض عقوبات غير قانونية وتبعية باكستان للنظام العقوباتي نتيجة للضغوط السياسية والاقتصادية وفرض عقوبات قاسية على الجانب الباكستاني.
رغم التحديات والعقبات التي ذكرتها، فإن الإرادة السياسية القوية لدى كبار المسؤولين في البلدين، إضافة إلى وجود نقاط مشتركة كثيرة وفرص وإمكانات متنوعة، تفتح آفاقا واسعة لتعزيز العلاقات الثنائية في مختلف المجالات، ولذلك، لم تتوقف العلاقات بين البلدين عن التطور، وإن كانت بوتيرة أبطأ، ويتضح ذلك من خلال زيادة حجم التبادلات التجارية من 1.4 مليار دولار إلى نحو 2.5 مليار دولار خلال السنوات الثلاث أو الأربع الماضية، وزيادة المعابر الحدودية الرسمية والأسواق الحدودية، وإنجاز أحد أهم مشاريع نقل الكهرباء من إيران إلى باكستان وغيرها من الأمثلة التي تشير إلى الاتجاه التصاعدي في التعاون بين البلدين.