كتبت- رضوى أحمد
قدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان قائمة حكومته إلى البرلمان الإيراني يوم الأحد 11 أغسطس/آب 2024، وقد تضمنت قائمة الحكومة ترشيح عباس عراقجي لوزارة الخارجية، فمن هو الوزير الجديد؟
ولد عباس عراقجي عام 1962 في طهران لعائلة من أصل أصفهاني، متدينة وثريّة. وهو من شارع بهار، أحد شوارع طهران الطويلة. حدثت الثورة الإسلامية في إيران وهو ابن 16 عامًا ولم يكن قد أنهى تعليمه المدرسي؛ وعندما حصل على شهادته ووصل إلى الجامعة كانت جامعات البلاد مغلقةلإحداث ثورة في ثقافة الجامعات. فانتظر بعض الوقت، ولكن لم تفتح الجامعات، بل بدأت الحرب! وبعد أشهر قليلة، انضم عراقجي للحرس الثوري عن طريق أحد أصدقائه، الذي كان على صلة بحسين شريعتمداري -المحرر المسؤول عن صحيفة كيهان- وذهب عراقجي إلى جبهات الحرب.
وفي عام 1985 تغيّر مسار حياته، يقول عراقجي: “ذات يوم، أخبرنا أحد زملائنا في الحرس الثوري الإيراني، والذي كان صديق حميمًاً لنا، أنهم أصدروا إعلانًا لكلية الشؤون الخارجية، وقال لي: إذا كنتَ تريد ذلك فلنذهب. فقلنا: ليس سيئًا، لنذهب حالًا لإجراء الاختبار ولنرى ما سيحدث. وبالفعل ذهبنا وسجلنا، وأدينا الامتحان معًا، ونجحت.”
وبذلك التحق عراقجي بكلية وزارة الخارجية كطالب، فكان إلى جانب الدراسة موجودا في الحرس الثوري؛ حتى عام 1989، عندما أنهى درجة البكالوريوس، والتحق بوزارة الخارجية كخبير.
-استبدل الزي العسكري
وقال عراقجي عن استكمال تعليمه: “منذ عام 1989 فصاعدًا، وبعد الدراسة في جامعة آزاد وقبولي فيها، وقد كانت حصص الجامعات العامة محدودة للغاية، شاركنا في دورة العلاقات الدولية بالجامعة الحكومية، والتي طلبت حوالي 11 أو 12 شخصًا، وكنتُ الشخص العشرين، وباختصار، لم يتم قبولي. وفي جامعة آزاد وأثناء عملي، حصلت على درجة الماجستير من جامعة آزاد في مجال العلوم السياسية، ثم حصلت على منحة دراسية من وزارة الخارجية، ذهبت إلى إنجلترا، حيث يمكنني أخذ درجة الماجستير مرة أخرى، ثم الاستمرار حتى الدكتوراه. ولكنهم قبلوا درجة الماجستير من إيران، ثم حصلت على الدكتوراه (في الفكر السياسي من جامعة كينت)، في حوالي عامين.”
بعد ذلك ترقى عراقجي بشكل تدريجي؛ فبدأ كخبير في إدارة الجمعيات الإسلامية الإقليمية والمستقلة، -وتلك الإدارة لم تعد موجودة الآن، حيث تقوم الإدارة السياسية الدولية بنفس العمل-، ثم أصبح عراقجي نائبًا في تلك الإدارة 1993-1994.
ثم ذهب عراقجي إلى بريطانيا، وبعد عودته أصبح رئيس مجموعة الدراسات في مكتب دراسات وزارة الخارجية؛ أي ما يعادل رئيس الإدارة.
ومنذ عام 1999 حتى 2003، تولى سفارة إيران في فنلندا لمدة أربع سنوات. وبعد عودته إلى طهران، أصبح رئيسًا للدائرة الأولى غرب أوروبا. ثم تولى بعد عام رئاسة كلية وزارة الخارجية.
مع تغيير الحكومة ووزير الخارجية، تولى منوشهر متكي وزارة الخارجية. كما أصبح عراقجي في تلك الفترة معاونًا دوليًا لوزارة الخارجية لمدة عامين، ومنذ عام 2007، تم تعيينه سفيرًا لإيران في اليابان لأربع سنوات. بعد عودته، أصبح معاونًا لشؤون آسيا في وزارة الخارجية عام 2011.
في أواخر عهد محمود أحمدي نجاد، عندما أراد رامين مهمانبرست، المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية آنذاك، الترشح للرئاسة، تولى عراقجي مؤقتًا هذا المنصب أيضًا؛ وفيه قضى عدة أشهر، مما جعله يُكتب اسمه بين المتحدثين الرسميين لوزارة الخارجية.
-عراقجي في مفاوضات إيران مع مجموعة 5+1
مع بدء عهد حسن روحاني ووزارة ظريف، انتقل عراقجي إلى معاونة الشؤون الدولية في وزارة الخارجية؛ لكن مهمته الأهم كانت المشاركة في المفاوضات النووية بين إيران وست قوى عالمية. بدأت المفاوضات منذ سبتمبر 2013 في نيويورك على هامش اجتماع الجمعية العامة، وكان عراقجي أحد المسؤولين في فريق المفاوضات النووية، وكان معه عضوان بارزان، هما جواد ظريف رئيس الفريق، ومجيد تخت روانجي معاون وزارة الخارجية.
وخلال الأيام الأولى من المفاوضات، تعرضوا لهجمات من المعارضين من داخل البلاد، وكانت تتزايد الهجمات يومًا بعد يوم. فمن جهة، كان عليهم القتال مع ممثلي ست قوى عالمية، ومن جهة أخرى، تحمل هجمات المعارضين في الداخل، وربما اعتقد البعض أنهم إذا شرحوا سياسات النظام لهؤلاء المعارضين، ستتقلص هجماتهم بالتدريج، ولكن كانت أفواههم مغلقة؛ لأنه إذا أجابوا، قد تتعرض مصالح البلاد في المفاوضات للخطر.
ومن هنا استغلّ المعارضون هذا الصمت، وشنّوا هجمات على المفاوضين بأساليب مختلفة وغير محدودة من خلال أذرعهم الإعلامية والسايبرية.
فكانوا يهدفون إلى تخويف المفاوضين وداعميهم في الداخل لتعسير المفاوضات حول رفع العقوبات عن إيران؛ وقد اتخذ المعارضون في الداخل مواقف تتوافق بشكل كبير مع مواقف المعارضين الخارجيين للاتفاق النووي؛ وكان كلا الطرفين يسعى جاهدًا لعدم التوصل إلى اتفاق.
وبعد التوصل إلى الاتفاق النووي، عاد عراقجي إلى عمله في وزارة الخارجية وكان يتابع القضايا المتعلقة بالاتفاق.
وفي فبراير 2018، انتقل من معاونة الشؤون الدولية في وزارة الخارجية إلى معاونة الشؤون السياسية.
وعندما خرج ممثل المعارضين للاتفاق النووي دونالد ترامب ، رئيس الولايات المتحدة من الاتفاق في عام 2019، كان ذلك فرصة أخرى للضغط على فريق المفاوضات.
فعلى الرغم من أن بعض التيارات الأصولية كانت ترى اختلافات بين عراقجي وظريف وروانجي، إلا أن المعارضين بشكل عام كانوا يهاجمون الفريق بأكمله وتمكنوا من اكتساب اليد العليا، وبدلاً من انتقاد الطرف الخارجي، وجهوا نيران مدفعيتهم نحو الفريق الإيراني.
-عراقتشي من حكومة روحاني إلى المجلس الاستراتيجي
تم تعيين عراقتشي نائب وزير الخارجية في فترة تولي جو بايدن السلطة في البيت الأبيض، حيث كان يعتزم العودة إلى الاتفاق النووي، لكن المعارضين الداخليين وضعوا عقبات في طريقه، فلم يتمكن من ذلك. وبعد انتهاء عهد روحاني، تم تعيين عراقجي كأمين المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية؛ حيث يتم تعيين أعضاء هذا المجلس من قبل القيادة.
الآن، عراقجي البالغ من العمر 62 عامًا، وبعد 8 سنوات من المفاوضات تحت الضغط و3 سنوات من التعرض لهجمات غير محدودة من المعارضين، تم تقديمه مرشحا لوزارة الخارجية إيران ليأخذ زمام الأمور من علي باقري، القائم بأعمال وزارة الخارجية؛ وهو الشخص الذي قال عنه في عام 2013 في حديث مع مجلة بنجره بأنه “صديق حميم” له.
-هل يتشابه عراقتشي مع ظريف؟!
يعتبر عراقجي شخصاً لديه اختلافات كثيرة مع ظريف؛ سواء من حيث الشخصية، أو الخلفية، أو السياسات التي يتبناها؛ فهو شخص معتدل يمكن أن يتفق عليه الأطراف السياسية، ولكن بالطبع، فإن معارضيه الدائمين قد بدأوا بالفعل في المعارضة.
قد يؤدي تولي عباس عراقجي إلى كبح التوترات الدولية ضد إيران إلى حد كبير وتقليل الضغوط الناتجة عن العقوبات بفضل قدراته؛ بالطبع، إذا لم يرغب المتشددون كما هو الحال دائماً في عرقلة الأمور؛ ولكن هذه المرة يوجد شخص أمامهم يحظى بدعم مستشاري القيادة ويشغل منصب أمين المجلس المعين من قبل القيادة.