كتبت سارة محمد علي
مرة تلو أخرى يتعهد الرئيس الإيراني المنتخب حديثا مسعود بزشكيان، بإيقاف ملاحقة الشرطة للنساء في إيران على خلفية عدم التزامهن بالحجاب، وسحب شرطة الأخلاق من الشارع، ابتداء من حملته الانتخابية وحتى مؤتمره الصحفي الأخير بالتزامن مع الذكرى الثانية لوفاة الشابة مهسا أمينى إحدى ضحايا شرطة الأخلاق، وأخيرا في تصريحات صحفية أدلى بها من نيويورك على خلفية مشاركته الأولى في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
لكن رغم وعود الرئيس الإصلاحي، كانت الأيام الأولى لحكمه تشهد انتشار مقطع مصور يوثق اعتداء الشرطة بالضرب على فتاتين مراهقتين واقتيادهما لمركز احتجاز بدعوى عدم التزامهما بشروط الحجاب الإسلامي، وفي ذكرى أميني وبينما كان يجدد تعهده، كانت الشرطة الإيرانية تقوم بحملات اعتقال لبعض ذوي ضحايا الاحتجاجات التي جابت إيران عقب وفاة مهسا أميني منذ عامين، وأخيرا أقر البرلمان الإيراني بموافقة مجلس صيانة الدستور، قانونا حول الحجاب كان قد بدأ العمل عليه في عهد الرئيس السابق إبراهيم رئيسي، ويتضمن سبعين مادة تناقض كل ما وعد به الرئيس الإيراني الجديد، مما يطرح تساؤلات، هل يستطيع بزشكيان تنفيذ وعوده وإلغاء قوانين إلزام النساء في إيران بما تسميه الدولة “الزي الإسلامي”، التي بدأ العمل بها منذ انتصار الثورة الإسلامية وإصدار زعيمها الخميني مرسوما يقضي بإلزام الإيرانيات بالحجاب؟
وهل يمكنه حقاً سحب شرطة الأخلاق من شوارع إيران؟
خلال حملته الانتخابية، قال مسعود بزشكيان: “إن التعامل مع مسألة الحجاب لا ينبغي أن يكون مشفوعا بالعنف والقوة والإجبار، ولا يمكننا أن نطلب منهن بالإجبار ارتداء ما نرغب فيه”.
وبينما كان البرلمان الإيراني يعمل على سن قانون بشأن الحجاب، أكد بزشكيان أنه “لا يمكن من خلال القانون تغيير سلوك الناس، وكما لم ينجحوا سابقا (في إشارة إلى العهد الملكي قبل ثورة 1979)، في نزع الحجاب عن الإيرانيات بالقوة، نحن أيضا لن نستطيع فرض الحجاب عليهن بالقوة”.
وفي رده على تصريحات المرشحين المحافظين بشأن ضرورة احترام المرأة ومكانتها، قال بزشكيان: “إننا لم نستطع حل مسألة العنف ضد النساء، والآن نتحدث عن ضرورة احترامهن.. الاحترام يجب أن يكون على الصعيد العملي وليس الكلامي”، منتقدا رئيس بلدية طهران، الذي ترشح للانتخابات الرئاسية عليرضا زاكاني، لوجود “حراس الحجاب” في محطات المترو بالعاصمة.
لم تكن هذه التصريحات هي الأولى لبزشكيان التي ترفض فرض الحجاب على الإيرانيات بالقوة، بل سبقها تاريخ له في انتقاد قوانين الحجاب الإلزامي وطريقة عمل شرطة الأخلاق، أبرزها كان عقب وفاة الشابة مهسا أميني عام 2022 أثناء وجودها بمركز احتجاز في العاصمة طهران، بعد إلقاء القبض عليها من قبل شرطة الأخلاق بتهمة عدم التزامها بارتداء الحجاب بشكل سليم.
بزشكيان الذي كان عضواً في البرلمان الإيراني حينها، طالب بمحاكمة المسؤولين عن وفاة أميني، وطالب بإعادة النظر في قوانين إلزام الحجاب، وإيقاف عنف شرطة الأخلاق ضد النساء الإيرانيات، وهي المطالب التي حولها في ما بعد لوعود انتخابية في أثناء ترشحه للرئاسة، ثم تعهدات بالعمل على تنفيذها خلال مؤتمره الصحفي في 16 سبتمبر/أيلول 2024، وبين الوعد الانتخابي والتعهد الرئاسي، عين بزشكيان زهرة بهزوز نائبة له وهي المعروفة بكونها أحد أبرز منتقدي عمل شرطة الأخلاق، لكن هل يعني ذلك أن باستطاعة الرئيس الإصلاحي المنتخب حديثا وحكومته الجديدة، تحقيق تلك الوعود؟
من الشرطة إلى الرئيس: وعودك لن تنفذ
في رسالة غير مباشرة من الشرطة الإيرانية إلى الرئيس، بعد إعلان فوز بزشكيان بالانتخابات الرئاسية وقبل إتمام مراسم تنصيبه، نقل موقع العربي الجديد في الرابع عشر من يوليو/تموز الماضي، عن نائب القائد العام للشرطة الإيرانية، العميد قاسم رضائي، قوله: “القانون هو أساس عملنا، ومع تغيير الحكومات لن يحدث خلل في تنفيذ هذه الخطة”.
وأضاف: “لن نبقى رهن الأمواج، وفي مجال العفاف والحجاب لدينا وظائف ومسؤوليات قانونية وتكليف شرعي”، مشددا على أن “خطة النور غير قابلة للتعطيل، لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروع الدين، ولا يمكن تعطيلها”.
ما هي خطة نور؟
يعود تسلسل الأحداث وصولا لميلاد خطة “النور”، إلى ما بعد وفاة الشابة مهسا أميني في سبتمبر/أيلول 2022 عقب توقيفها واحتجازها من قبل شرطة الأخلاق، حيث جابت الاحتجاجات مدن إيران، إضافة إلى غضبة دولية تضامنا مع أميني ودعما للتظاهرات الإيرانية، كما أصدرت مؤسسات حقوقية دولية عدة بيانات إدانة للنظام الإيراني، أعقبها بيان من وزارة الخارجية الأمريكية يعلن فرض عقوبات على قيادات وضباط بجهاز شرطة الأخلاق.
وفي محاولة لاحتواء غضب الشارع الإيراني والمجتمع الدولي، أعلن المدعي العام الإيراني محمد جعفر منتظري، قرار حل “شرطة الأخلاق”، وفقا لما أفادت به وكالة الأنباء الإيرانية (إيسنا) في 4 ديسمبر/كانون الأول 2022.
لكن لم يدم الأمر طويلا، ففي الأسبوع الأخير من الشهر نفسه، قدمت حكومة الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي مشروع قانون جديد للحجاب، ليبدأ البرلمان الإيراني النقاش حول خطة جديدة للتعامل مع أمور العفة والحجاب، وإن تم إقرار خطة عقوبات فبالتبعية تنفيذها يحتاج قوة إنفاذ قانون، مما يعني عودة محتملة لشرطة الأخلاق، وفقا لما نشرته وكالة أنباء إرنا الإيرانية.
وقبل أن يقر البرلمان قانونه الجديد، أصدرت وزارة الداخلية الإيرانية في 30 مارس/آذار 2023، بيانا وصفت فيه الحجاب بأنه “من ركائز حضارة الشعب الإيراني”، و”أحد المبادئ العملية لجمهورية إيران الإسلامية”، وأكدت أنه لن يكون هناك “تراجع أو تسامح” في عدم الالتزام به، كما حث البيان المواطنين على مجابهة النساء غير المحجبات.
وأعلنت الوزارة عن استخدام الكاميرات كبديل لشرطة الأخلاق، حيث يتم وضعها في الشوارع والأسواق والمحال التجارية لضبط المخالفات لشروط الزي، ومن ثم اتخاذ الإجراءات القانونية معهم، بحسب وكالة أنباء تسنيم الإيرانية.
عقب ذلك البيان، وثقت حالات إغلاق محال تجارية بدعوى سماحها بدخول غير محجبات إليها، أثبت دخولهن كاميرات وزارة الداخلية، إضافة إلى إلقاء القبض على غير الملتزمات بمواصفات الحجاب التي تقرها السلطات، وفقا لبيانات منظمة العفو الدولية.
كما وثقت المنظمة حالات اعتداء من قبل مواطنين إيرانيين على غير المحجبات، منها قيام رجل بإلقاء الزبادي على رؤوسهن، وسيدة تقوم بتصوير غير المحجبات في حافلة نقل، وتتوعدهن بإرسال صورهن إلى الحرس الثوري الإيراني، ليصبح قطاع من المجتمع هو القائم مقام شرطة الأخلاق، مثلما طلب منهم بيان وزارة الداخلية الإيرانية.
ثم بعد أربعة أشهر أعلنت السلطات الإيرانية في 17 يوليو/تموز 2023، عودة شرطة الأخلاق إلى الشوارع واستئناف دورياتها رغم وجود قرار سابق بحلها، وتأتي عودتها بدعوى فرض قواعد اللباس الإسلامي الصارمة في البلاد، والتي تشمل فرض الحجاب، بحسب وكالة أنباء (فارس) الإيرانية المقربة من خامنئي.
وصرح سعيد منتظر المهدي، المتحدث باسم الشرطة الإيرانية في ذلك الوقت، بأنه إضافة إلى واجبات شرطة الأخلاق العادية، ستقيم الشرطة “دوريات راجلة وبالمركبات” في جميع أنحاء البلاد.
وأضاف المهدي أن الضباط سيوجهون أولا ويحذرون النساء اللاتي لا يمتثلن، وأولئك اللواتي يواصلن “الإصرار على خرق الأعراف قد يواجهن إجراءات قانونية”، وأكد أن “عودة شرطة الأخلاق تأتي استجابة للمطالب الشعبية لمختلف الفئات والطبقات الاجتماعية، وتأكيدا من رئاسة الجمهورية والسلطة القضائية لتطبيق القانون وبسط الأمن العام وتوطيد أسس الأسرة”، حسب تقرير وكالة أنباء فارس الإيرانية.
وفي أغسطس/آب 2023، أعلن الرئيس الإيراني السابق التابع للتيار الأصولي إبراهيم رئيسي أن ممارسة “عدم ارتداء النساء للحجاب سيوضع له حد حتما”، حسب ما نقلته عنه وكالة أنباء تسنيم الإيرانية.
وبعد تصريح الرئيس بشهر واحد ومع اقتراب الذكرى الأولى لمهسا أميني، قام البرلمان الإيراني في 20 سبتمبر/أيلول 2023 عبر لجنة خاصة ودون طرح الأمر في جلسة عامة للتصويت، بإقرار قانون جديد للحجاب، للتجريب لمدة ثلاث سنوات، يغلظ العقوبات على من تقوم بخلع الحجاب، وتتنوع عقوباته بين الغرامة المالية والسجن من خمس إلى عشر سنوات، وتطال حتى من يروج لخلع الحجاب عبر الإنترنت أو يسخر منه أو من المحجبات، وذهب القانون إلى مجلس صيانة الدستور ليعتمد بصورة نهائية ويبدأ تنفيذه، بحسب وكالة فارس الإيرانية للأنباء.
وهو القانون الذي أدانته منظمات حقوقية، واعتبرته انتهاكا لحقوق النساء، وأعربت بعثة الأمم المتحدة في إيران عن قلقها من أن يتسبب القانون في عودة عنف شرطة الأخلاق ووقوع ضحايا جدد مثل مهسا أميني، حسب بيان البعثة على الموقع الرسمي للأمم المتحدة.
وفي صباح السبت 13 أبريل/نيسان 2024، وقبل أن يعتمد القانون بصورة نهائية، أعلن قائد شرطة طهران عباس علي محمديان، تنفيذ عملية جديدة للتعامل مع الحجاب تحت عنوان “خطة النور الوطنية”، وأوضح في بيانه الذي تناقلته عنه صحف إيرانية محلية ووسائل إعلام عالمية، أنه انطلاقا من الواجبات الشرعية، سيتم اتباع خطة الحجاب والعفة في كافة الطرق والأماكن العامة، ولهذا السبب، يرجى من جميع المواطنين- خاصةً الفتيات والسيدات- احترام خصوصية الحجاب والعفة احتراما للقانون والحفاظ على القيم الأخلاقية والأعراف الوطنية والدينية للمجتمع”.
وبحسب البيان ذاته، ذكرت الشرطة أنها ستتخذ حتما، انطلاقا من واجباتها، الإجراءات القانونية ضد المخالفين لقانون الحجاب والعفة، وفقا لما نشرته وكالة أنباء فارس.
ليبدأ العمل بـ”خطة نور” قبل الموافقة على القانون الجديد بصورة نهائية، واتفق مؤيدو الخطة ومعارضوها في المجتمع الإيراني حين إعلان العمل بها أنها مجرد واجهة أخرى لشرطة الأخلاق، فاعتبرها المعارضون تراجعا عن قرار حل الجهاز منذ عام، ورأى المؤيدون أن خطة نور تطوير ذكي لعمل شرطة الأخلاق، بحسب تحقيقات صحفية نشرها موقعا “الجزيرة” و”بي بي سي فارسي”.
من السلطة التشريعية إلى الرئيس: لا تراجع عن فرض الحجاب
وبينما كان القانون الجديد ينتظر الإقرار النهائي من مجلس صيانة الدستور، وشرطة الأخلاق ودوريات الإرشاد في الشوارع، وخطة نور يتم تطبيقها، كان مسعود بزشكيان يخوض حملته الانتخابية يعد الناخبين بسحب شرطة الأخلاق وإيقاف العمل بخطة نور وجعل قرار الحجاب حرية شخصية وليس قانونا إلزاميا.
على التوازي تمت إعادة القانون من مجلس صيانة الدستور إلى البرلمان ثانية، لإجراء بعض التعديلات عليه، ومع فوز بزشكيان بالانتخابات الرئاسية تطلع بعض المجتمع الإيراني والمؤسسات الحقوقية إلى حدوث تغييرات في القانون أو إلغائه وتحقيق الوعد الانتخابي لبزشكيان بإيقاف العمل بقوانين الحجاب الإلزامي.
لكن بعد شهرين فقط من تنصيب الرئيس الجديد، وفي تاريخ 26 سبتمبر/أيلول 2024 أعلن أحمد راستینه المتحدث باسم لجنة شؤون الثقافة في البرلمان الإيراني، عن موافقة مجلس صيانة الدستور على مشروع قانون دعم الأسرة من خلال تعزيز ثقافة العفة والحجاب، الذي أصبح معروفا الآن باسم قانون العفة والحجاب.
وتتناقض بنود القانون تماماً مع وعود بزشكيان الانتخابية، والتي لم يلتفت إليها لا البرلمان ولا مجلس صيانة الدستور، وأقر قانون العفة والحجاب رغم كل وعوده، مما يطرح سؤالا، هو: هل يستطيع بزشكيان حقا تجاوز قناعات نواب البرلمان ومجلس صيانة الدستور ووزارة الداخلية وجهاز الشرطة، فضلا عن المرشد الأعلى الذي سبق أن كرر مراراً، أن الحجاب جزء من هوية إيران لا تهاون فيه، إضافة إلى أن من أقره هو روح الله الخميني المرشد الأعلى الأول للثورة الإسلامية والذي يمثل في الثقافة الشيعية، القائم مقام المهدي المنتظر، فهل يستطيع الرئيس الإصلاحي تنفيذ وعده بإنهاء ما بدأه خليفة الإمام الغائب؟.