ترجمة: دنيا ياسر نور الدين
نشرت وكالة أنباء”خبر أونلاين” الإيرانية المحافظة المحسوبة على مكتب علي لاريجاني مستشار المرشد الأعلى علي خامنئي، الخميس 17 أبريل/نيسان 2025، تقريرا استعرضت فيه التوترات السياسية في إيران حول دور علي شمخاني في المفاوضات النووية، خاصة خلافه مع حكومة روحاني وانتقاداته الأخيرة. كما ناقش تأثير هذه التصريحات على السياسة الداخلية والإعلام، إضافة إلى دور المصادر المجهولة في نشر الأخبار.
ذكرت الوكالة أن الأداء غير المهني لبعض وسائل الإعلام خلال السنوات الأخيرة أدى إلى أن تُحمَّل تبعات أفعالها على عاتق جميع وسائل الإعلام، حتى تلك التي تعمل بمهنية.
وباتت مواقع التواصل الاجتماعي مصدرا إخباريا للعديد من الناس، حيث ينشر كل شخصٍ محتوى باسم “خبر” بدافع الشهرة.
وتابعت أنه “في فترات المفاوضات، يزدهر سوق الشائعات والأخبار الكاذبة، وليس فقط في الأسواق والشوارع حيث لا نعرف المتحدث، بل أحيانا في مواقع التواصل الاجتماعي عندما ينشر بعض المشاهير السياسيين محتوى بلا علاقة بالحقيقة بدافع الظهور أو الأغراض السياسية تحت مسمى (خبر)”.
وأضافت الوكالة أن الأسوأ من ذلك، أن وسائل الإعلام التي يُفترض أن تكون مرجعية إخبارية، تسلك سلوكا مخالفا للتوقعات، ما يؤدي إلى التشكيك في مصداقية الإعلام عموما.
ادعاء صحيفة “طهران تايمز”
يوم السبت 12 أبريل/نيسان 2025، وقبل ساعات من انطلاق الجولة الأولى من المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة في سلطنة عمان، ادعت صحيفة “طهران تايمز” الناطقة بالإنجليزية أن هذه المفاوضات لن تكون مثمرة أو بنّاءة.
وقد كتبت الصحيفة، التابعة لمنظمة الإعلام الإسلامي، على منصة X: “بحسب مصادر مطلعة لصحيفة طهران تايمز، يبدو أن الأمريكيين، بسبب خلافاتهم الداخلية، يهدرون الوقت وليس لديهم نية لإجراء مفاوضات بناءة، ويطرحون مزاعم غريبة في الفضاء الإعلامي”.
تابعت الصحيفة: “هذا الادعاء رغم أن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، وصف الجولة الأولى من المفاوضات بـ(البنّاءة) و(في أجواء من الاحترام المتبادل)، ما يشير إلى أن لعبة (المصادر المطلعة) الإعلامية قد عادت من جديد عبر وسائل إعلام معينة”.
وذكرت الوكالة أنه منذ بداية المفاوضات النووية في عهد حكومة روحاني، سعت بعض وسائل الإعلام المعارضة للمفاوضات إلى إفشالها من خلال تغطياتها.
ويُعد العنوان الذي نشرته صحيفة “كيهان” بعد جلسة سرية وخاصة مع وزير الخارجية الأسبق محمد جواد ظريف، والتي أدت إلى توتره العصبي وجلوسه على كرسي متحرك، من أشهر الأمثلة على هذا السلوك الإعلامي.
كما أنه، في نهاية حكومة روحاني، عندما أصبح عراقجي مسؤولا عن مفاوضات إحياء الاتفاق النووي، ظهرت حملة إعلامية تنشر أخبارا تم نفيها من قبل المفاوضين أنفسهم، وكانت تُظهر بوضوحٍ أنها ذات أغراض سياسية، تحت اسم مستعار وهو “نقلا عن مصادر مطلعة”.
في مقدمة هذه الحملة: شبكة “برس تيفي”
قالت الوكالة إن شبكة “برس تيفي”، التابعة لهيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية والتي كان يديرها آنذاك “بيمان جبلي” (رئيس الهيئة الحالي)، كانت تقود هذا التوجه الإعلامي.
وتُثار تساؤلات حول هوية هذه “المصادر المطلعة”، إذ في وقت كان عباس عراقجي يجري مفاوضات في فيينا، ادعت “برس تيفي” على لسان مصدر مطلع، أن الولايات المتحدة تحاول إجبار إيران على قبول رفع تدريجي للعقوبات، وإنشاء فريق ثالث في المفاوضات كان هدفه فرض خطوات متبادلة بين الطرفين.
وأضافت الشبكة أن رفع العقوبات لفترات محددة (120 و180 يوما) من شأنه أن يُبقي الاقتصاد الإيراني في حالة ترقب دائمة، ويمنح أمريكا وسيلة للضغط لفرض مطالبها في ما سُمي لاحقًا بـ”الاتفاق النووي 2 و3″.
وتابعت أن هذه الادعاءات، رغم تصريح النظام بأنه لن يقبل إلا برفع كامل وفوري للعقوبات، كانت توحي بأن الدبلوماسيين الإيرانيين لا يلتزمون بسياسات النظام.
وقد رد عراقجي حينها على منصة X قائلا: “لا أعلم من هو المصدر المطلع لـ’برس تيفي’ في فيينا، لكنه بالتأكيد ليس مطلعا”.
غير أن “برس تيفي” عادت وقالت: “بدلا من التشكيك في مصداقية مصادرنا، كان على عراقجي أن يوضح بالضبط أي جزء من المعلومات التي نشرناها كان مغلوطا. نحن بانتظار رده”.
ذكرت الوكالة أنه في تلك الفترة، ردت الحكومة على هذا السلوك الإعلامي. وصرّح المتحدث باسم الحكومة آنذاك، علي ربيعي، أن هذه السياسة الإعلامية تضر بالمصالح الوطنية، كما نفت وزارة الخارجية رسميا صحة الأخبار التي بثتها “برس تيفي”.
وأصدرت الوزارة بيانا جاء فيه: “إن الشبكة الناطقة بالإنجليزية، التي من المفترض أن تكون صوتا موحدا لإيران في الساحة الإعلامية الدولية، تجاهلت كل التعاون والتسهيلات التي وفرتها لها فرق التفاوض، وكذلك التوصيات والنصائح وبيانات وزارة الخارجية المتكررة بشأن عدم الاعتماد على مصادر مجهولة.
ولم تكتفِ ببث أخبار مشوهة ومفبركة، بل وضعت المفاوضين الإيرانيين في موقع ضعيف أمام خصومهم، بل ذهبت إلى حد المجادلة معهم”.
جبلي الآن في رأس الهيئة
ذكرت الوكالة أن هذه الجولة الجديدة من المفاوضات، أصبح “بيمان جبلي” مسؤولا عن الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، بدلا من “برس تيفي” فقط. وقد أظهرت الهيئة أنها لا تتبنى موقفا محايدا تجاه المفاوضات، بل تُعد أداة إعلامية في يد التيار المتشدد الذي يسعى إلى نسف المفاوضات.
وتابعت أنه ومع وجود شخصيات مثل جبلي و”وحيد جليلي”، المرتبط بجبهة “الصمود”، على رأس هذه المؤسسة، فمن المتوقع أن يواجه المفاوضون حجما أكبر من المحتوى الإعلامي الموجه، يتضمن هجوما على شخصياتهم، وتشويها لمسار التفاوض، بناءً على مصادر “مطلعة” لم تكن يوما كذلك، كما تبيّن من التجربة السابقة.
وأضافت أنه في الوقت نفسه، تكهّن البعض بأن المصدر المطلع كان مقربا من علي شمخاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي آنذاك.
بل إن البعض اتهم شمخاني نفسه، وآخرون أشاروا إلى أفراد يديرون موقع “نور نيوز” القريب منه، والذي اتبع خط التيار الأصولي المتشدد خلال مفاوضات إحياء الاتفاق النووي. وقد توالت بعد ذلك الروايات عن دور شمخاني في إفشال المفاوضات.
وصرّح محمود واعظي، رئيس مكتب الرئيس في حكومة روحاني، لصحيفة “اعتماد”، قائلا: “لقد تبنّى بعض الأشخاص في الأمانة العامة للمجلس الأعلى للأمن القومي أساليب مختلفة. كانوا يتبعون سياسات لم تُطرح أبدا في جلسات المجلس.
وتابع أنهم أسسوا وسيلة إعلامية، وكانوا ينشرون فيها محتوى، وعندما كنا نعترض، كانوا يقولون إن هذه الوسيلة ليست تابعة للأمانة العامة بل لأحد الأفراد العاملين فيها.
من الواضح أنه عندما يكتشف الداخل والخارج أن هناك وسيلة إعلامية لديها معلومات لا تمتلكها الصحف ووسائل الإعلام الأخرى، بل وحتى هيئة الإذاعة والتلفزيون، فإن تأثيرها سيكون واسعا”.
وذكرت الوكالة أنه خلال حديثه مع موقع “انتخاب”، سرد محمود واعظي دور علي شمخاني غير البنّاء، مشيرا إلى أن الرئيس حسن روحاني كان يسعى لإقالته. وأضاف واعظي في حديثه: “خلال مفاوضات الاتفاق النووي، كان من المفترض أن يحصل شمخاني على إذن لتوقيع مستند وينقله إلى محمد جواد ظريف في فيينا، لكننا لم نتمكن من العثور عليه أصلا. في بعض الحالات التي كان من المفترض أن يقوم فيها شمخاني بمهام معينة، كان إما غير موجود أو تأخر عن الموعد المحدد”.
وأردف واعظي أنه كان لشمخاني دور خلف الكواليس في صياغة قانون “الإجراء الاستراتيجي” الذي أقره البرلمان، والذي كان روحاني يعارضه بشدة.
وتابع أنه على الرغم من تعيينه من قبل روحاني في الأمانة العامة للمجلس الأعلى للأمن القومي، كان شمخاني بعيدا عن التوافق مع سياسات الحكومة في دفع المفاوضات النووية قدما.
وقد تم تداول مقطع فيديو لشمخاني على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أعلن صراحةً أنه لم يصوّت لصالح أحمدي نجاد، ولا إبراهيم رئيسي، ولا حسن روحاني، بل هو الوحيد الذي صوّت لصالح مسعود بزشکیان.
وأردفت الوكالة أنه بالنسبة للمواقف الأخيرة لشمخاني، فقد أثارت ردود فعل واسعة؛ حيث قال إن استمرار التهديدات قد يؤدي إلى طرد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ونقل المواد المخصبة إلى أماكن آمنة وغير معروفة.
وفي رده على هذه التصريحات، قالت تمی بروس، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، إن هذه التصريحات تتناقض مع ادعاءات إيران بشأن سلمية برنامجها النووي، وأكدت أن طرد المفتشين سيكون خطوة تصعيدية وخطأ استراتيجيا من جانب طهران.
وتابعت أنه على رغم هذه التصريحات، تم تقييم سلوك شمخاني في كثير من الأحيان على أنه يتماشى مع السياسات اليمينية المتشددة. إلا أن منتقديه في التيار المتشدد، مثل أمير حسين ثابتي، النائب المقرب من سعيد جليلي، لم يعترفوا به.
ففي مقابلة مع “وكالة أنباء الطلبة”، قال ثابتي: “ما الذي فعله شمخاني في هذا البلد ليملك كل هذه الناقلات النفطية؟ هل عمل في تطبيق سناب كسائق؟ هل حصل على راتب موظف حكومي؟ ماذا فعل؟ فليجبني. شمخاني مجرد رمز، لماذا بقي لمدة سنتين في حكومة رئيسي؟ لو جاء جليلي، لفرّ هؤلاء من الحكومة منذ اليوم الأول”.
وأضافت الوكالة أنه تم رصد مواقف مشابهة لشمخاني في وسائل الإعلام المقربة منه، مثل “نورنیوز”. وقد شهدت هذه الوسيلة الإعلامية مؤخرا مواقف معارضة للمفاوضات، من بينها تصريحات فؤاد إيزي، المعروف بمعارضته الشديدة للمفاوضات، وكذلك حسين دهباشي، الذي وصف “الاحترام المتبادل” بأنه “سخافة”.
وقد قامت “نورنیوز” بنقل هذا التصريح حرفيا دون الإشارة إلى الآراء المؤيدة للمفاوضات، رغم أن “الاحترام المتبادل” مصطلح أطلقه وزير الخارجية الإيراني ورئيس الفريق المفاوض.
المصدر المجهول
ذكرت الوكالة أنه في هذا السياق، انتقد الصحفي والناشط السياسي الأصولي محمد مهاجري نشر الأخبار نقلا عن “مصادر مطلعة”، حيث قال إن أكثر من 90% من هذه الأخبار مجرد تصورات وأمانيّ من الذين ينشرونها، يحولون رغباتهم إلى أخبار.
وأضاف أيضا: “قد تكون بعض الأخبار المأخوذة من مصادر مطلعة مستندة إلى أشخاص قد يتقلدون مناصب، لكن لا يجب أن تُمنح هذه الأخبار مصداقية؛ لأن المصدر الذي يفتقر إلى الشجاعة لكشف هويته لا يستحق أن يُستشهد به”.
لذلك، دعا مهاجري وزارة الخارجية إلى إصدار بيان رسمي يؤكد أنه لا يوجد أي “مصدر مطلع” داخل أو خارج فريق المفاوضات، وأن أي خبر يُنقل عن مثل هذه المصادر كذب وافتراء.
اختتمت الوكالة تقريرها، بأن الأداء غير المهني لبعض وسائل الإعلام في السنوات الأخيرة أدي إلى تشويه سمعة جميع وسائل الإعلام، حتى تلك التي تعمل بشكل احترافي.
وقد لعبت وسائل الإعلام مثل صدا و سيما (الإذاعة والتلفزيون الرسمي) دورا رئيسيا في تقويض مرجعية الأخبار لصالح شبكات التواصل الاجتماعي، حيث أصبح أي شخص بإمكانه نشر محتوى باسم “خبر” بهدف الوصول إلى الشهرة.
وتابعت أن السؤال المهم الآن هو: في ظل الوضع الراهن، إذا تسبب خبر نشره مصدر مطلع من صدا وسيما أو نورنیوز أو تهران تایمز في تقلبات في الأسواق، فمن سيتحمل المسؤولية؟
والأهم من ذلك، إذا كانت أخبار المصدر المجهول تتسبب في إرباك مسار المفاوضات وتأثيرها، فمن سيكون المسؤول عن ذلك؟ كما تشير التجربة إلى أن هذه “المصادر المجهولة” لعبت دورا في ذلك في الماضي، ويظل السؤال قائما حول ما إذا كانت ستواصل هذا الدور في جولة المفاوضات المقبلة.