كتب – حسن قاسم
إن الوضع الحرج الذي يعيشه الشيعة في باراتشينار الباكستانية وفي الهند يتطلب اهتمامًا وعملًا عاجلين من جانب المجتمع الدولي. وقد أدى الصمت الإعلامي والتغطية غير الكافية لهذه الأزمات إلى مضاعفة اضطهاد الأقليات الدينية وتقليص إمكانية معالجة حقوق الإنسان الخاصة بهم.
نرصد في هذا التقرير الصراع الطائفي السائد في باكستان، في منطقة باراتشينار على وجه التحديد، مع عرض أبرز المعلومات المتعلقة بهذا الصدد ورد فعل الرأي العام في باكستان على هذا الصراع الطائفي.
أفاد تقرير نشره موقع “الوقت” التحليلي – الإخباري بتاريخ 3 أغسطس/ آب 2024، أنه خلال الأيام الماضية، شهدت منطقة باراتشينار، الواقعة شمال غرب باكستان والقريبة من الحدود مع أفغانستان، مرة أخرى موجة من أعمال العنف ضد الشيعة وأتباع أهل البيت.
أسفرت الهجمات التي نفذتها حركة طالبان الباكستانية وجيش جهنجوي عن مقتل وجرح عشرات الأشخاص، من بينهم معلمين وسكان محليين.
أفادت التقارير أن أيام الصراع المسلح الخمس في شمال غرب باكستان قد خلفت 35 قتيلًا وأكثر من 160 جريحًا. وتقول الجماعات الشيعية الباكستانية إن العناصر التكفيرية تستهدف الشيعة في هذه المنطقة بالتواطؤ مع الإرهابيين بحجة الخلافات على الأراضي والحقول.
ويلخص الخبير في قضايا شبه القارة الهندية “بهرام زاهدي”، أهداف المهاجمين في سببين: الأول، المعتقدات المعادية للشيعة، والثاني، الاهتمام بتوسيع الأراضي والاستيلاء على المزيد من الأراضي، وهو الهدف الأساسي.
وذكر هذا الخبير أن عدد الشيعة في باكستان يبلغ حوالي 50 مليون نسمة، أي ما يقرب من خُمس سكان البلاد، وأضاف أن مدينة باراتشينار هي مركز منطقة كرم في إقليم خيبر بختونخوا، وأهلها من الشيعة الناطقين باللغة البشتوية. يعيش في أطراف هذه المدينة طوائف من نفس اللغة والعرق وهم من السنة. ولسوء الحظ، منذ حوالي أربعين عامًا، أي منذ عام 1981، حدثت صراعات خطيرة بين جماعتين دينيتين في هذه المنطقة، ودخلت إلى الميدان تيارات عنيفة ومعادية للشيعة مثل جيش الصحابة وجيش جهنجوي وجعلت الصراع أكثر عنفًا وحدة.
وبحسب زاهدي، فإنه في السنوات الأخيرة مع ظهور جماعة تسمى بحركة طالبان باكستان، من المحتمل أن تكون هذه الجماعة متورطة في أحداث المنطقة واستشهاد شيعة باراتشينار، لكن لا يوجد على الأقل ما يشير رسميًا إلى وجود هذه الجماعة في صراعات المنطقة.
وذكر هذا الخبير أن الصراع في هذه المنطقة هو صراع طائفي في الغالب، ويتعرض أهل المنطقة الشيعية للهجوم والأذى من قبل هذه الجماعات الإرهابية. وخلال أربعة عقود من الزمن، تكبد طرفا الصراع الكثير من الخسائر، ويعلمان أن هذه الإجراءات لن تؤدي إلى تحسين أوضاع الشيعة والسنة في المنطقة.
وكانت هناك صراعات دامية بين الجماعات الدينية والطائفية في هذه المنطقة من الماضي وحتى وقتنا هذا، وفقد العديد من الشيعة حياتهم إثر ذلك. ووقعت أكبر وأطول حرب في باراتشينار عام 2007، حيث خلال هذه الفترة قامت الجماعات التكفيرية بمحاصرة هذه المنطقة.
وبحسب الإحصائيات، من يناير 2012 إلى يناير 2013، فقد 635 شيعيًا حياتهم وأصيب المئات؛ نتيجة لـ 77 هجوم إرهابي فقط. هذه الهجمات وأعمال العنف سببها الحركة التكفيرية وبسبب أن سكان هذه المنطقة شيعة. وقد أدى انعدام الأمن إلى هجرة العديد من الأشخاص من هذه المنطقة إلى بلدان أخرى للعمل وبيشترون بجزء من دخلهم الأسلحة للدفاع عن أسرهم ومجتمعهم.
انتقادات موجهة للحكومة الباكستانية
أدى عدم كفاءة الترتيبات الأمنية وتكرار الهجمات الإرهابية على الشيعة إلى ارتفاع أصوات الاحتجاج من جانب الشعب وحتى السياسيين الباكستانيين ضد أداء الحكومة والمؤسسات العسكرية والأمنية.
وفي هذا الصدد، طالب رئيس حزب مجلس وحدة المسلمين “ناصر عباس جعفري” الجيش والحكومة الباكستانيين باتخاذ إجراءات جادة لحماية الشيعة ومعاقبة مرتكبي هذه الجرائم.
وحذر من أنه إذا قصّرت الحكومة في هذا الصدد، فإن الناس من جميع أنحاء باكستان سوف يأتون إلى هذه المنطقة لدعم شعب باراتشينار المضطهد.
من ناحية أخرى، نظم المتظاهرون مسيرات في مدن مختلفة من باكستان، بما في ذلك إسلام آباد ولاهور وكراتشي، وطالبوا الحكومة بالاهتمام الجاد بمشاكل ومعاناة شيعة باراتشينار. ويتهم المتظاهرون الحكومة بإهمال وعدم تحمل المسؤولية عن أمن وحقوق المواطنين الباكستانيين من أتباع المذهب الشيعي.
وفي هذا الصدد أجاب بهرام زاهدي على سؤال ما إذا كانت المؤسسات الأمنية والشرطة الباكستانية غير قادرة على التعامل مع الجماعات الإرهابية والتكفيرية أم أن هناك أسباب أخرى لعدم التعامل معها؟ حيث أوضح أن المهمة صعبة للغاية وربما لا يوجد دافع جدي للتعامل مع أي من هذه الجماعات.
وبحسب زاهدي، فقد تدخلت الحكومة الباكستانية بعد بضعة أيام من التأخير . هذا كان الأمر الأول، أما الأمر الثاني، كان للمليشيات التابعة للجيش وجود سيئ للأسف خلال أيام الصراع وكانت جزءًا رئيساً من الهجوم على الشيعة.
وأشار الخبير إلى دور المدارس الدينية في ترويج وجهات النظر المتطرفة في باكستان، وتحدث عن عدم قدرة الحكومة على إنفاذ القوانين لمراقبة أنشطة هذه المراكز.
ويأتي تقصير الحكومة الباكستانية والأجهزة الأمنية، وربما مرافقة قسمها الفاسد للحركة التكفيرية، في الوقت الذي احتجت فيه البلاد مرارًا وتكرارًا على سلوك الهندوس المتطرفين، مثل حركة هندوتفا القومية المتطرفة، في مضايقة وقتل المسلمين.
وقد قامت هذه الجماعات الهندية بتدمير المساجد وفرضت قيودًا شديدة على المسلمين . وحتى الآن، تم تدمير أكثر من ثلاثة آلاف مسجد تاريخي في الهند أو تحويلها إلى معابد هندوسية على يد هذه الجماعات.
ويمثل هذا الوضع تحديًا إقليميًا للأقليات الدينية، التي تتعرض لضغوط شديدة وعنف منهجي في كل من الهند وباكستان. ولكن من المؤسف، واستنادًا إلى الأدلة، أن حكومتي باكستان والهند قامتا في بعض الأحيان بالتحريض على أعمال العنف هذه وانتهكتا حقوق الأقليات الدينية عن طريق الإهمال.