كتبت: راحلة كاويار
ترجمة: علي زين العابدين برهام
على مدار الأشهر الستة الماضية، شهدت صادرات النفط الإيراني إلى الصين تقلبات كبيرة. ففي بعض الأشهر تم تحقيق أرقام قياسية جديدة، بينما لوحظت تراجعات في فترات أخرى.
هذه التغيرات لا تعكس فقط الوضع الداخلي للطاقة في إيران أو سياسات المشترين الصينيين، بل تعد أيضا انعكاسا للتنافسات الجيوسياسية الأوسع وضغوط العقوبات الأمريكية.
في شهري يونيو/حزيران وأغسطس/آب 2024، سجلت صادرات النفط الإيراني إلى الصين تقدما جديدا. ففي يونيو/حزيران، بلغت الصادرات حوالي 1.45 مليون برميل يوميا، مما أظهر زيادة كبيرة مقارنة بالأشهر السابقة. واستمر هذا الاتجاه في أغسطس/آب مع قفزة أخرى، حيث وصلت إلى 1.75 مليون برميل يوميا، وهو أعلى مستوى تم تسجيله في ذلك الوقت.
كان العامل الرئيسي وراء هذا النمو هو زيادة نشاط المصافي الصينية المستقلة المعروفة باسم “تي-بوت” بالإضافة إلى التخفيضات الخاصة التي قدمتها إيران لجذب مزيد من العملاء.
لكن هذا الاتجاه الصعودي لم يكن مستمرا. ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2024، تراجعت صادرات النفط الإيراني إلى الصين إلى 1.31 مليون برميل يوميا، وهو أدنى مستوى تم تسجيله في الأشهر الأربعة الماضية.
وقد عزى المحللون هذا الانخفاض إلى عدة عوامل: زيادة الاستهلاك المحلي في إيران خلال الأشهر الباردة، وتصاعد التوترات الإقليمية التي أثرت على طرق النقل، وفرض الولايات المتحدة عقوبات جديدة على الشبكات اللوجستية الإيرانية.
في مارس/آذار 2025، عادت الصين لزيادة وارداتها من النفط. وفقا للتقارير، بلغت واردات النفط الخام للصين في هذا الشهر 51.41 مليون طن متري، أي ما يعادل 12.1 مليون برميل يوميا، مما يمثل زيادة بنسبة حوالي 5% مقارنة بشهر مارس/آذار من العام السابق. وكان حصة النفط الإيراني في هذه الواردات حوالي 13%، مما يشير إلى عودة تدريجية للنفط الإيراني إلى مكانته المهمة في سوق شرق آسيا.
لم يمر هذا النمو دون رد فعل. ففي أبريل/نيسان 2025، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على أحد المصافي في محافظة شاندونغ الصينية بسبب شراء أكثر من مليار دولار من النفط الخام الإيراني. ويُعتبر هذا الإجراء جزءا من جهود واشنطن الأوسع لعرقلة صادرات الطاقة الإيرانية من خلال الضغط على عملائها الرئيسيين، خاصة في آسيا. ولكن، هل كانت هذه الضغوط فعّالة؟
أجرى موقع “زاد إيران” مقابلة حصرية، مع رمضان علي سنغدويني، نائب رئيس لجنة الطاقة في مجلس الشورى الإيراني، أجاب فيها على هذا السؤال، مؤكدا أن العلاقات الاقتصادية بين إيران والصين تتجاوز الاعتبارات السياسية اليومية والعقوبات الخارجية. وفي ما يلي نص الحوار:
بالنظر إلى ضغوط واشنطن، هل يمكن القول إن الصين قد زادت واردات النفط من إيران؟
لطالما كانت الصين واحدة من الشركاء الاقتصاديين والتجاريين الرئيسيين لإيران. فقد اتخذت الصين في العديد من الحالات، بما في ذلك في المحافل الدولية مثل الأمم المتحدة، مواقف متوافقة مع إيران. وفي الوقت الحالي، تعتبر الصين واحدة من الوجهات الرئيسية لصادرات النفط الإيراني، وهو ما يعد أمرا في غاية الأهمية.
نظرا لأن الولايات المتحدة، في إطار حربها التجارية، تسعى لزيادة الرسوم الجمركية والضغوط الاقتصادية على الصين، فمن الطبيعي أن تسعى بكين أيضا للرد بالمثل. في هذه الظروف، يمكن أن يكون تعزيز العلاقات الاقتصادية مع إيران ميزة استراتيجية للصين، خاصة وأن العديد من المصافي في الصين قد قامت بتكييف عملياتها بناءً على النفط الإيراني.
استمرت الصين في السنوات الأخيرة في استيراد النفط من إيران، بل ورفعت الكميات المستوردة. وهذا لا يعود بالفائدة فقط على اقتصاد البلدين، بل يمكن أن يسهم أيضا في تحييد تأثير العقوبات الأمريكية.
بالإضافة إلى ذلك، تتعاون إيران والصين في إطار التعاون الإقليمي مثل المنظمات الآسيوية، مع دول مثل روسيا وكازاخستان ودول الخليج العربي والبرازيل وبعض دول أمريكا اللاتينية. هذه التعاونات قد تؤدي إلى إنشاء هياكل مثل العملات الموحدة أو الاتفاقيات النقدية بين الدول، مما يساعد أيضا في تقليل الاعتماد على الدولار.
في هذا السياق، لا تقتصر التجارة بين البلدين على صادرات النفط فقط، بل يمكن أن تشمل أيضًا تبادل المواد الأخرى مثل الغاز المسال (LPG)، والمنتجات النفطية الأخرى، وحتى التجارة البينية للسلع.
يمكن لإيران الحصول على السلع التي تحتاجها من الصين، وفي المقابل، يمكن أن تحصل الصين على ما تحتاجه من إيران. إلى جانب هذه القضايا، تمتلك إيران أيضا قوة عسكرية كبيرة، وقد تستفيد الصين من إمكانيات إيران في بعض المجالات الدفاعية سواء في المعدات العسكرية أو البرمجيات الدفاعية.
ما هي الرسالة التي يمكن أن توجهها زيادة صادرات النفط الإيراني إلى الصين للولايات المتحدة؟
بالطبع، هذه الخطوة سترسل رسالة واضحة إلى واشنطن. في عالم اليوم، تلعب العلاقات الاقتصادية والتجارية دورا محوريا؛ فهي لا تُشكل فقط من قبل الحكومات، بل أيضا من قبل الشعوب، والقطاعات الخاصة، وغرف التجارة والاقتصاد في كلا البلدين.
في الواقع، الحكومات ليست العامل الوحيد المحدد، بل يمكن أن تحدد الشركات والمؤسسات الاقتصادية الخاصة في كل من البلدين مسار التجارة.
في هذا السياق، تمتلك إيران أيضا القدرة على تقديم خدمات في مجالات مثل الخدمات الفنية والهندسية. وبالتالي، هناك فرصة مواتية لتطوير التعاون الاقتصادي والفني بين إيران والصين، مما سيوفر ظروفا إيجابية لصالح إيران.
هل كان للتخفيضات التي قدمتها إيران للمشترين الصينيين في صناعة النفط تأثير على قراراتهم؟
التخفيضات التي تقدمها إيران للمشترين الصينيين تساهم بالتأكيد في تعزيز العلاقات بين البلدين. على الرغم من أن هذه التخفيضات بمفردها ليس لها تأثير حاسم على السوق العالمي، إلا أنها تعمل كعامل محفز في استمرارية التعاون.
النقطة الأكثر أهمية هي أنه في الوقت الحالي، تقلص دور الحكومات في هذا المجال، وأصبح القطاع الخاص هو الذي يتولى متابعة هذه العلاقات. الشركات الخاصة في قطاع النفط، والمصافي، وغرف التعاون والتجارة في كلا البلدين تلعب الدور الرئيسي في تنفيذ عمليات الاستيراد والتصدير، بينما تلعب الحكومات دورا إشرافيا أو ميسرا بشكل أكبر.
هل تمكنت العقوبات من وقف أو إعاقة صادرات النفط الإيراني؟
في الوقت الحالي، تواصل إيران تأمين الوقود والمنتجات النفطية. وفقا للتقرير الذي قدّمه مؤخرا “محمد رضا عارف”، النائب الأول للرئيس الإيراني في حضور المرشد الأعلى، تنتج إيران يوميا حوالي 160 مليون لتر من البنزين، ويُستَورد جزء كبير منها عبر القطاع الخاص.
على الرغم من مرور أكثر من أربعة عقود من العقوبات، تمكنت إيران من تطوير بنيتها التحتية وما زالت تواصل نشاطها في مجال تأمين الطاقة. ورغم تأثير العقوبات، إلا أن هذه التأثيرات لم تكن بالقدر الذي يمكن أن يتسبب في توقف الأنشطة الاقتصادية أو تدميرها.
إن صادرات النفط الإيراني إلى الصين تمثل أكثر من مجرد تعامل تجاري، فهي تعكس تحولات جيوسياسية وتغيرات في النظام الاقتصادي العالمي. بينما تواصل إيران زيادة صادراتها من النفط من خلال التخفيضات، والمرونة اللوجستية، ومشاركة القطاع الخاص، تُظهر الصين، من خلال الحفاظ على وتعزيز علاقاتها مع إيران، رغبتها في مواجهة الضغوط الأمريكية. إن مستقبل هذا الاتجاه يرتبط بشكل مباشر بالتطورات الدبلوماسية، مسار العقوبات، وتشكيل هياكل اقتصادية جديدة في آسيا وخارجها.