ترجمة: نوريهان محمد البهي
نشرت صحيفة هم ميهن، 26 ديسمبر/كانون الأول 2024، زعمت فيه أن الحكام الجدد في سوريا، من أجل الحفاظ على تماسكهم، بحاجة إلى “عدو خارجي” يستهدفونه خطابياً، وذلك لمنع تشتيت قواهم في هذه المرحلة من حكمهم.
وبحسب الصحيفة، فبالنظر إلى العلاقات القوية بين النظام الإيراني ونظام الأسد، من الواضح أن سوريا تعتمد على إيران في هذا الصدد.
وأضافت الصحيفة أنه بعد أسبوعين من سقوط حكومة بشار الأسد، تصاعدت اللهجة ضد إيران من قِبل القادة الجدد في سوريا وداعميهم الأجانب في تركيا، وفي هذا السياق، حذر قادة هيئة تحرير الشام، الذين تولوا زمام الأمور بعد انهيار النظام السابق، مما اعتبروه “محاولات إيران لزعزعة استقرار الحكومة السورية الجديدة”.
كما تزامن هذا التصعيد مع تصريحات مماثلة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي لم يُخفِ دعم تركيا الواضح لـ”تحرير الشام”. وبناء على ذلك، تظهر تركيا حساسية تجاه استقرار سوريا ونجاحها تحت حكم هيئة تحرير الشام، وهي القوة الرئيسية الداعمة للمجموعة في هذه المرحلة الحرجة.
ووفقاً لما أوردته الصحيفة، يبدو أن حكومة رجب طيب أردوغان كانت فاعلة بشكل غير معلن في تجهيز وتدريب قوات مجموعة هيئة تحرير الشام، التي سيطرت على محافظة إدلب السورية على مدار العقد الماضي.
ولم تقتصر هذه الأنشطة على الجوانب العسكرية والسياسية فحسب، بل تشير الدلائل إلى أن التعليم الديني كان الجزء الأبرز في جهود تركيا في هذا المجال.
تركيا والإخوان المسلمون: النفوذ المشترك
وبناء على التحليل السابق حول النشاط التركي في سوريا، أشار تقرير صحيفة هم ميهن إلى أن حزب العدالة والتنمية التركي، بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، يعتبر القوى الإسلامية الناشطة في العالم العربي كأداة استراتيجية لتعزيز نفوذه.
وتنحدر هذه القوى في الغالب من تنظيم الإخوان المسلمين، الذي تأسس عام 1928 على يد حسن البنا في مدينة الإسماعيلية بمصر، بعد أربع سنوات من إلغاء الخلافة في تركيا.
وأوضحت الصحيفة أن تأسيس جماعة الإخوان المسلمين كان رد فعل مباشراً على إلغاء الخلافة بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية، وما نجم عن ذلك من أزمة فكرية بين المسلمين السنة، انضم إلى الإخوان المسلمين الذين يعتقدون أن النظرية السياسية للإسلام لا يمكن أن تتحقق إلا في إطار نظام الخلافة، وكان هدفهم استعادة الخلافة وتأسيس إمبراطورية موحدة تضم جميع الدول الإسلامية.
ووفقاً لما ذكرته الصحيفة فإنه خلال تطور نشاطات جماعة الإخوان المسلمين، أسّست فروعاً لها في العديد من الدول الإسلامية. ومع ظهور سيد قطب داخل هذه التنظيمات، بدأت الجماعة تميل نحو الراديكالية السياسية.
فكانت أفكار سيد قطب السياسية، التي تعتمد على تفسير متطرف للنصوص الدينية، سبباً في ظهور رؤى متشددة لم يسبق لها مثيل، مما أدى إلى تشكيل نظرة سلبية للغاية تجاه “المسلمين العاديين”، وهم المسلمون الذين اعتادوا على الحياة اليومية في المجتمعات الحديثة دون السعي لأسلمة الدولة والمجتمع، حسب الصحيفة.
وفي سياق تطور الأفكار المتشددة، أوضحت الصحيفة أن بعض الجماعات، التي تأثرت بأيديولوجيات سيد قطب، بدأت بتكفير المسلمين العاديين ومجتمعاتهم، واستخدمت الإرهاب وسيلة لتصعيد أنشطتها السياسية الدموية.
ومع مرور الوقت، تزايد تطرف هذه الجماعات، حتى وصلنا إلى ذروتها في تنظيم القاعدة، الذي تلاه تنظيم داعش بشكل أكثر عنفاً.
في الواقع، كانت تجربة داعش في السيطرة على أجزاء من سوريا والعراق بمثابة كابوس مرعب دفع العديد من المسلمين العاديين إلى الابتعاد عن الجماعات الإسلامية السياسية، خوفاً من الانزلاق إلى دوامة العنف والتطرف الذي يهدد أمنهم واستقرارهم.
كما أن هيئة تحرير الشام في البداية كانت جزءاً من تنظيم القاعدة العالمي، ولكنها انفصلت عن التنظيم مع مرور الوقت، ومع تراجع حدة الصراع الداخلي في سوريا، تمكنت الهيئة من فرض سيطرتها على محافظة إدلب.
وأوضحت الصحيفة أن الحكومة التركية وجدت من خلال سيطرتها على هيئة تحرير الشام في إدلب، فرصةً مناسبة لتجهيز وتدريب عناصرها من الجماعة. من جهة، عملت على تحضيرها لإسقاط حكومة الأسد البعثية، ومن جهة أخرى، سعت إلى تحويل أيديولوجيتها نحو نوع من الإسلام المعتدل بعيداً عن الأيديولوجيات الجهادية المتشددة.
وفي الواقع، كان الهدف الرئيسي هو نقل وتدريب هذه الجماعات على أيديولوجية حزب العدالة والتنمية التركي.
كما أوضح تقرير الصحيفة أن أيديولوجية حزب العدالة والتنمية، بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، تعتبر التنمية الاقتصادية قضية إيجابية وضرورية للمجتمعات الإسلامية.
ووفقاً لتقرير الصحيفة، فإن الحزب يعترف بالمتطلبات والظروف اللازمة لتحقيق هذه التنمية، حيث يشمل ذلك عدم الإصرار على فرض مظاهر الشريعة على غير المسلمين والمسلمين العاديين.
وعلاوة على ذلك، يتبنى الحزب مبدأ قبول التنوع السياسي والاجتماعي والثقافي، مع التركيز على التسامح في العلاقات الخارجية، بما في ذلك الحفاظ على علاقات طبيعية مع الدول الغربية.
ووفقاً للصحيفة، فهذا التوجه يفسر سبب امتناع قادة هيئة تحرير الشام، وعلى رأسهم أحمد الشرع -قائد هيئة تحرير الشام- (أبو محمد الجولاني)، عن تبني سلوكيات الجماعات الجهادية أو التكفيرية مثل القاعدة وداعش بعد سيطرتهم على سوريا، وهو ما كان متوقعاً منهم؛ كما لم يُظهروا أي رغبة في تكرار نموذج حركة طالبان في أفغانستان.
وأضافت الصحيفة أن قادة الهيئة، سواء في تصريحاتهم أو حتى مظهرهم الخارجي، بدوا إلى حد كبير مشابهين لقادة حزب العدالة والتنمية التركي، وهو ما أثار دهشة الدوائر الخارجية والمراقبين.
كما أضافت الصحيفة أن تركيا تسعى إلى أن تسير هيئة تحرير الشام على نهج “النموذج التركي للتنمية الإسلامية” لتحويل سوريا إلى دولة إسلامية معتدلة ومتسامحة. ومن وجهة نظر المسؤولين الأتراك، يُعد هذا المسار ضماناً لاستقرار سوريا، فضلاً عن كونه وسيلة لتعزيز النفوذ السياسي التركي في أجزاء من العالم العربي.
وبناء على ذلك، ووفقاً لتقرير الصحيفة، فإن المسؤولين الأتراك يعتقدون أن إيران تسعى لزعزعة استقرار سوريا بعد فقدانها لحليفها الأساسي هناك. وفي المقابل، قدم المسؤولون الإيرانيون تصريحات متباينة حول هذا الموضوع حتى الآن.
وأوضح تقرير الصحيفة أن وزارة الخارجية الإيرانية كانت في البداية تعتقد أن هيئة تحرير الشام ستقيم نظاماً مشابهاً لنظام طالبان في أفغانستان في سوريا.
وبالتالي كانت تسعى لتكرار العلاقات بين طهران وكابول في دمشق. لكن هذه الفرضية، وفقاً للتطورات الأخيرة، لا تُعتبر الآن قابلة للتطبيق بشكل كبير.
وتزعم الصحيفة، في ختام تقريرها، أن تركيا تسعى إلى استخدام “هيئة تحرير الشام” كأداة لتعزيز نفوذها في المنطقة وتحقيق استقرار سياسي يتماشى مع مصالحها. ومع تصاعد التوترات الإقليمية، يبقى التساؤل قائماً حول تأثير هذه السياسات على التوازنات الداخلية في سوريا وعلى العلاقات الإقليمية، خصوصاً مع إيران والعديد من القوى الدولية.