ترجمة: نوريهان محمد البهي
نشرت صحيفة فرهيختكان، الأربعاء 8 يناير/كانون الثاني 2025، تقريرا يسلط الضوء على التحولات الكبيرة في المشهد السوري، حيث أشار التقرير إلى ظهور صورة سيلفي للإعلامي جميل الحسن برفقة أحمد الشرع “الجولاني” قائد هيئة تحرير الشام، والتي تم التقاطها بعد سيطرة فصائل المعارضة السورية على دمشق.
كما أن الصورة ظهرت في إطار يعكس تقاربا شخصيا أكثر من كونه عسكريا، حيث سعى الجولاني من خلالها إلى تقديم رؤية إيجابية لمستقبل سوريا تحت سيطرة “تحرير الشام”.
وأضافت الصحيفة أن ما حدث لاحقا هو تدفق وسائل الإعلام السورية المعارضة وغير السورية إلى دمشق، حيث التقطوا صورا مع حكام العاصمة الجدد؛ في محاولة لطمأنة العالم العربي بأن الوضع آمن تحت حكم “تحرير الشام”.
وبعد فترة قصيرة، عقد محافظ دمشق، ماهر مروان، الذي أثار جدلا بتصريحاته المؤيدة للتطبيع مع إسرائيل، اجتماعا مع نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي، داعيا إياهم إلى دعم النظام الجديد.
وتابعت الصحيفة أن هذه التحركات جزء من استراتيجية إعلامية محكمة، حيث تعيد “تحرير الشام” تشكيل صورته في الفضاء الرقمي، مستخدما الأدوات الحديثة لصناعة واقع بديل. لقد تعلم التنظيم على مدار 13 عاما من الصراع، كيف يستخدم الكاميرا كسلاح لصياغة الروايات التي تخدم أجندته.
إدلب: مدرسة الإعلام في ظل “تحرير الشام”
وبحسب الصحيفة، فإنه في الوقت الذي كانت فيه وسائل الإعلام العالمية تقاطع عرض صورة طبيعية عن سوريا، وتظهر الحياة في عهد الأسد على أنها غير طبيعية بتمويل من حلف الناتو (NATO)، كانت استراتيجية إعلامية قوية تُدار في إدلب تحت قيادة هيئة تحرير الشام.
وأضافت أن هذه الاستراتيجيات كانت تعمل تدريجيا على تحسين صورة هيئة تحرير الشام، وعرض الحياة في إدلب تحت قيادتها على أنها طبيعية وحتى مثالية.
وأشارت إلى أن فهم الاستراتيجيات الإعلامية الحالية لهيئة تحرير الشام يتطلب النظر إلى سلوكيات وسياسات هذه الهيئة المسلحة خلال فترة سيطرتها على إدلب.
ووفقا لتقرير الصحيفة، عملت هيئة تحرير الشام خلال سنوات حكمها في إدلب، على إدارة صورتها عالميا من خلال الوصول المستهدف إلى وسائل الإعلام الدولية.
وأضافت أن هذه التحركات لم تكن مجرد استراتيجيات لتوسيع نطاق الاتصال، بل كانت جهودا مقصودة لإعادة تشكيل الإدراك الدولي، بهدف تحسين صورتها التي قد تقودها في النهاية إلى إزالة اسمها من قائمة المنظمات “الإرهابية” المسلحة، وهو هدف بات قريبا من التحقيق.
وأوضحت الصحيفة أن الهيئة قد نظمت مقابلات ولقاءات حصرية مع صحفيين وقنوات مختارة، ما ساعد في بناء صورة متكاملة للتنظيم وأثره في الخطاب الدولي حول الأزمة السورية، حيث قدمت نفسها كجزء أساسي من المعارضة السورية.
ومن خلال إفصاحات مدروسة، ومقابلات دقيقة التوقيت، وأسلوب متقن في تغيير الخطاب، سعت الهيئة إلى ضمان وصول رسالتها إلى جمهور كبير على الصعيدين الداخلي والخارجي.
كما أكدت الصحيفة أن “تحرير الشام” استفادت بشكل استراتيجي من وسائل التواصل الاجتماعي كأداة قوية للدعاية، حيث أصبحت منصات مثل X وفيسبوك وتليغرام ساحات لنشر محتوى موجه بعناية؛ ومن خلال اختيار استراتيجي للصور والرسائل العاطفية، تمكنت الهيئة من جذب اهتمام جمهور أكبر، ما عزز من حضورها في المجال الرقمي.
مقابلات تشكل الرواية
وبحسب الصحيفة، فإن أبرز تقنيات التلاعب الإعلامي لهيئة تحرير الشام هي إجراء مقابلات حصرية مع صحفيين أجانب، تم تصميمها بشكل استراتيجي لنقل رسائل محددة إلى الخارج، وتشكيل رواية دقيقة حول الوضع في المناطق الخاضعة لسيطرة “تحرير الشام” وطبيعتها المتغيرة.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذه المقابلات لعبت دورا مهما في تشكيل التصورات الدولية والقرارات السياسية.
كما أضافت أن أحد الأمثلة البارزة على ذلك كان المقابلة الواسعة التي أجراها الصحفي الاستقصائي مارتن سميث من برنامج Frontline، وهو برنامج وثائقي استقصائي شهير يُعرض على قناة PBS الأمريكية، مع أبو محمد الجولاني قائد هيئة تحرير الشام في أوائل فبراير/شباط 2021.
وأوضحت أن هذه المقابلة هدفت إلى “توضيح واقع الثورة السورية”، واستكشاف وجهة نظر “تحرير الشام” تجاه الغرب، ومناقشة موضوع وضع المنظمة على قائمة الجماعات “الإرهابية” المسلحة.
كما أشارت الصحيفة إلى المقابلة التي دعا فيها أبو محمد الجولاني الدول الغربية إلى إعادة النظر في تصنيف هيئة تحرير الشام كمنظمة إرهابية.
وأشارت أيضا، إلى أن الجولاني أكد أن الهيئة ابتعدت عن القاعدة، مطالبا الولايات المتحدة والدول الأوروبية بإزالتها من القوائم “الإرهابية”.
وأوضحت أن الجولاني قدم نفسه كمواطن سوري عادي من الطبقة المتوسطة، أجبرته الظروف السياسية على الانضمام إلى الثورة المسلحة لمحاربة الديكتاتورية والدفاع عن المظلومين.
وأضافت الصحيفة أنه حاول الفصل بين الهيئة و”إرث جبهة النصرة الإرهابي”، وأكد انفصاله المبكر عن داعمها المالي، أبو بكر البغدادي.
وأشارت أيضا إلى أنه في عام 2023، دعت هيئة تحرير الشام الصحفي البارز في قناة فرانس 24، وسيم نصر، إلى زيارة مناطق تحت سيطرتها، حيث التقط نصر صورا وأجرى مقابلات مع مسؤولين، من ضمنهم الجولاني.
وأكدت أن نصر عاد من إدلب ممتلئا بالإشادة بـ”تحرير الشام”، وأصبح وسيلة لتحسين صورتها، كما أشاد بالجولاني، ووصفه بالذكاء والصراحة، وظهوره بملابس غير رسمية من ماركة هوغو بوس.
استراتيجيات “تحرير الشام” الرقمية
كما سلطت الصحيفة الضوء على استراتيجيات وسائل الإعلام الاجتماعية التي تتبعها هيئة تحرير الشام في سوريا، حيث تستغل هذه الوسائل بشكل استراتيجي لنشر دعايتها والتحكم بالخطاب العام.
وأوضحت أن هيئة تحرير الشام تعتمد على اختيار محتوى دقيق لإثارة ردود فعل عاطفية مثل التعاطف أو الخوف، مستهدفة جمهورا متنوعا وتوجيه النقاشات لصالحها.
وأشارت إلى أن السرد البصري يشكل جزءا رئيسيا من دعايات “تحرير الشام”، حيث تُعرض مقاطع فيديو لشخصيات كاريزماتية تبرز جهودا إنسانية وانتصارات عسكرية، ما يعزز التضامن بين المؤيدين ويزرع الخوف بين المعارضين.
كما تستخدم هيئة تحرير الشام، منصات مختلفة، مثل X لنشر الأخبار بسرعة، وفيسبوك وإنستغرام للنقاشات الأعمق، وتليغرام لنشر المحتوى الحصري.
كما تناول التقرير استخدام هيئة تحرير الشام قنوات غير رسمية مثل “سوريون مبدعون” ووكالة إباء، إضافة إلى شركة Creative Inception للاستفادة من جهودها الإعلامية.
كما زعمت الصحيفة، أن هيئة تحرير الشام استغلت المساعدات الإنسانية لتعزيز السيطرة وكسب ولاء المجتمع المحلي، مما يرسخ نفوذها في المناطق التي تسيطر عليها.
ووفقا لما ذكرته الصحيفة، اعتمدت هيئة تحرير الشام على استراتيجيات إعلامية اجتماعية في استخدام المساعدات الإنسانية كأداة للسيطرة.
وأشارت إلى أن هيئة تحرير الشام تقدم خدمات أساسية من خلال “حكومة الإنقاذ”، كما سعت لترسيخ نفسها كمزود للاستقرار، مما عزز انطباعا بأنها ضرورية لرفاهية المجتمع المحلي، مما ساعد في توسيع نفوذها في مناطق خارج سيطرتها المباشرة.
كما أوردت الصحيفة أن الهيئة استفادت من توزيع المساعدات الإنسانية، مثل الغذاء والمياه، لتوجيه مشاعر السكان المحليين لصالحها، وضمن ذلك القرى والمدن التي كانت تعتمد على هذه المساعدات فكانت تعتبر الهيئة المنقذ لها، خاصة بعد الزلزال المدمر في 6 فبراير/شباط 2023.
وبحسب الصحيفة، فقد تلقت هيئة الدفاع المدني المتعاونة مع هيئة تحرير الشام، تمويلا ضخما من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بينما حُرِمت المناطق الخاضعة لنظام الأسد من المساعدات.
وأكدت أن هذا الوضع عزز سيطرة “تحرير الشام” على المناطق التي تقدم فيها المساعدات.