ترجمة: يارا حلمي
نشرت وكالة أنباء “خبر أونلاين” الإيرانية الإصلاحية، المحسوبة على مكتب علي لاريجاني مستشار المرشد الأعلى علي خامنئي، الجمعة 14 مارس/آذار 2025، تقريرا حول الوعود الأربعة الرئيسية التي قطعها الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، للشعب الإيراني خلال حملته الانتخابية.
«لن أنسى الوعود التي قطعتها»؛ بهذه الجملة الوحيدة التي كتبها مسعود بزشكيان صباح يوم 10 فبراير/شباط 2025 على منصة “إكس”، أعاد فتح جراح كثيرين.
وحدة شديدة
ذكرت الوكالة أن بزشكيان، الذي يشعر هذه الأيام بوحدة شديدة في مواجهة البرلمان الإيراني، يواجه انتقادات كثيرة من أنصاره القدامى ومجموعة من الإصلاحيين الذين بذلوا كل ما في وسعهم لضمان فوزه.
وأشارت في تقريرها، إلى أن بزشكيان، قبل أن يتجه إلى مبنى رئاسة الجمهورية في باستور (وسط طهران) لأداء اليمين الدستورية، كان قد قطع أربعة وعود رئيسية مكّنته من هزيمة سعيد جليلي (سياسي إيراني بارز ينتمي للتيار الأصولي) في الجولة الثانية من الانتخابات، وحرمه من كسب ثقة الناخبين، كما حدث في جميع الدورات الانتخابية التي شارك فيها.
لكن ما هي هذه الوعود؟ وما المصير الذي آلت إليه؟
وعود بزشكيان الأربعة
قالت وكالة “خبر أونلاین” إنه قبل إجراء الانتخابات الرئاسية في صيف 2024، أعلن مسعود بزشكيان خلال المناظرات والفعاليات الانتخابية أنه سيقف ضد حجب المواقع الإلكترونية والتطبيقات من قبل الحكومة، وكذلك ضد بائعي برامج كسر الحجب.
وأكد بزشكيان بحزمٍ معارضته للحجب، وعندما بدأ أولى خطوات رفع الحجب من خلال إتاحة الوصول إلى واتساب وجوجل بلاي، كان متوقعا أن يتمكن في الخطوتين التاليتين على الأقل من رفع الحجب عن يوتيوب، وتويتر، والأهم من ذلك، تليغرام وإنستغرام.
ومع ذلك، سرعان ما تبيّن أن المجلس الأعلى للفضاء السيبراني (هيئة حكومية مسؤولة عن وضع سياسات الإنترنت) لا يمتلك العزم اللازم لرفع الحجب عن منصات التواصل الاجتماعي الرئيسية.
ورغم بعض الادعاءات حول محادثات إيران مع المنصات الأجنبية، يُقال إن هذه المنصات لا تبدي أدنى اهتمام بالتفاوض مع طهران.
استمرار أزمة رفع الحجب
وأضافت الوكالة أن القضية ازدادت تعقيدا عندما تبيّن أن مسألة رفع الحجب، رغم بعض التصريحات حول تطبيقه على بعض المنصات، لم تُطرح أصلا في اجتماع المجلس الأعلى للفضاء السيبراني.
كما أن مسعود بزشكيان لم يعد يُبدي اهتماما كبيرا بمتابعة الأمر، إذ فوّض الأمر برمّته إلى وزارة الاتصالات والمجلس الأعلى للفضاء السيبراني.
ورغم كل التوصيات التي تطالبه بفتح نافذة أمل عبر رفع الحجب في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، أخرج بزشكيان هذا الملف من قائمة أولوياته.
قضية قانون الحجاب
وأشارت الوكالة إلى أن إحدى القضايا الخلافية بين مسعود بزشكيان والتيار المتشدد في هذه الأيام الأخيرة من العام (حيث يبدأ العام الجديد لديهم من يوم 21 مارس/آذار 2025) هي مسألة قانون الحجاب.
ووفقا لما ذكره قائمپناه، معاون الرئيس التنفيذي، فقد شدد بزشكيان في أحدث تصريحاته، على أنه «لا يمكنني تنفيذ قانون الحجاب، لأنه يسبب مشكلات للناس، ولن أقف في وجه الشعب».
وكان بزشكيان قد أدلى بهذه التصريحات أيضا في منتصف شهر مارس/آذار 2025، خلال مقابلة تلفزيونية، حيث أعلن حينها أن الحكومة غير مستعدة لتنفيذ قانون الحجاب.
ورغم أن بزشكيان اتخذ موقفا واضحا تماما بشأن قضية الحجاب، فإن الأوضاع باتت تسير ضده بشكل متزايد.
وذكرت الوكالة أنه خلال الأسبوعين الأخيرين، لم يكتفِ المدافعون عن قانون الحجاب بالتجمّع مرارا أمام مبنى البرلمان، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك بتنظيم تجمع أمام منزل جوادي آملي (فقيه ومفسر شيعي إيراني).
وتظهر بعض الصور أن هذه المجموعة، في إحدى المرات، سارت بالسيارات من ميدان بهارستان إلى سعادتآباد (في طهران) لنقل مطالبها إلى الجميع.
وأضافت الوكالة أن هذه القضية لا تقتصر فقط على احتجاجات الشارع التي تنظمها الجماعات “المتشددة”، بل لديهم أيضا مؤيدون داخل البرلمان.
بل إن أحد هؤلاء المؤيدين أثار القضية خلال لقاء رمضاني بين مسؤولي النظام والمرشد الأعلى. ومن ناحية أخرى، يبدو أن هيئة الإذاعة والتلفزيون قد حسمت موقفها لصالحهم.
وذكرت الوكالة أنه قد بُثّت لقطات من إعلان ترويجي خلال استراحة ما بين شوطي مباراة كرة قدم على شاشة الإذاعة والتلفزيون، تشيد بقانون الحجاب وتروج لقانون أوقف المجلس الأعلى للأمن القومي تنفيذه.
هذا الحدث يُظهر بوضوحٍ أن بزشكيان يتعرض لضغوط كبيرة من عدة جهات لتنفيذ قانون الحجاب.
أزمة في البرلمان
وأضافت الوكالة في التقرير، أنه رغم أن رئيس البرلمان لم يُبلغ الحكومة بهذا القانون حتى الآن بسبب قرار المجلس الأعلى للأمن القومي، فإن مسألة تنفيذه أصبحت أحد الملفات الرئيسية التي تُشكل ضغطا على بزشكيان، وسيرافقه هذا الملف إلى العام الجديد (الذي يبدأ من يوم 21 مارس/آذار).
ويبدو أن الرئيس سيواجه طريقا بالغ الصعوبة للوفاء بوعده، خاصة في ظل الأدوات التي باتت في أيدي “التيار المتشدد”.
خروج إيران من القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي
وأوضحت الوكالة أن أحد الوعود الرئيسية التي قدمها بزشكيان خلال حملته الانتخابية، كان السعي لإخراج إيران من القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي.
لكنه لم يقدم خطة واضحة لتحقيق ذلك، بل اكتفى بالقول: “مجموعة العمل المالي مثل الفيفا، إذا لم نقبله، فلن نتمكن من دخول المباريات الدولية، والبنوك لن تتعامل معنا بسببه”.
وأفادت بأن هذه التصريحات في ذلك الوقت أظهرت أن مسعود بزشكيان يتبنى رؤية واقعية تجاه القضية.
ورغم أن كثيرين يرون أنه ما لم تُرفع العقوبات الدولية، فإن الخروج من القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي لن يكون له تأثير كبير على تخفيف الأزمات الاقتصادية في البلاد، إلا أن هذه الخطوة يمكن أن تبعث على الأمل داخليا.
ومع ذلك، فقد خرج مشروعا قانون باليرمو (اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة، مثل الاتجار بالبشر) وCFT (اتفاقية مكافحة تمويل الإرهاب) من جدول أعمال مجمع تشخيص مصلحة النظام (هيئة سياسية واستشارية في إيران، تعمل كجهة تحكيمية وتشريعية)، لأن البتّ فيهما لم يتم خلال المهلة المحددة.
وقالت الوكالة إن بزشكيان، في رسالة وجهها إلى المرشد الأعلى علي خامنئي، طلب إعادة النظر في هذين المشروعين وإعادتهما إلى جدول أعمال المجمع، وهو ما لقي استجابة إيجابية منه.
تعقيب مجمع تشخيص مصلحة النظام
وأفادت الوكالة أنه بعد شهور من دراسة هذين المشروعين في اللجان المعنية، صرّح مصطفى ميرسليم، عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام وأحد المعارضين لمجموعة العمل المالي، بأن مصير باليرمو و”منظمة مكافحة الإرهاب” وهما الاتفاقيتان اللتان يمكن أن تؤديا إلى خروج إيران من القائمة السوداء، سيتحدد بحلول أوائل الربيع.
ومع ذلك، تراجعت الآمال في إقرار هذين المشروعين، لدرجة أن البعض بات يعتقد أن إنهاء قضية مجموعة العمل المالي بشكل إيجابي ليس احتمالا قويا في الظروف الحالية.
ويشيرون إلى أن المعارضين لإقرار باليرمو وCFT لهم اليد العليا، كما أن الحكومة، التي فقدت الأمل تقريبا في رفع العقوبات، لم تقم على ما يبدو بأي مفاوضات جديدة أو خاصة، بشأن هذه القضية.
وقالت الوكالة إن معارضة “المتشددين” لمجموعة العمل المالي تعدّ قضية بالغة الأهمية والحساسية، لدرجة أنه يُقال إن دعم عبد الناصر همتي، وزير الاقتصاد السابق، لهذا الملف كان أحد الأسباب الخفية وراء استجوابه وإقالته.
الأصوليون يعارضون المشروعين
وأضافت الوكالة أنه بعد تصريحات مصطفى بورمحمدي (عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام) خلال المناظرات الانتخابية، التي كشف فيها عن التلاعب السياسي لسعيد جليلي، أصبح من الواضح الآن من يقف خلف معارضة إقرار المشروعين التوأمين المتبقيين من حزمة مجموعة العمل المالي الرباعية (تشير إلى أربعة مشاريع قوانين لإخراج إيران من القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي) داخل مجمع تشخيص مصلحة النظام والمشهد السياسي العام.
وبناء على ذلك، من المتوقع أن يواجه بزشكيان صعوبات كبرى في الربيع المقبل أمام هذا التيار، الذي يمتلك الإعلام والمنابر والنفوذ السياسي، خاصةً أنه خلال الأشهر الستة الأولى من حكومته لم يتمكن من حل هذه القضية، وبالتالي سيحملها معه إلى العام المقبل (الذي يبدأ من 21 مارس/آذار).
ملف المفاوضات ورفع العقوبات
وذكرت الوكالة أن الملف الرابع والأكثر حيوية وأهمية بالنسبة لبزشكيان هو رفع العقوبات أو ما يُعرف بالمفاوضات. فقد أكد مرارا، خلال الانتخابات وبعدها، أهمية رفع العقوبات.
ومع ذلك، فإننا اليوم أبعد ما يكون عن تحقيق هذا الهدف، خاصة بعد أن جعلت سياسة الضغط الأقصى التي وقعها دونالد ترامب الوضع أسوأ مما كان عليه.
ورغم إعلان بزشكيان عن تأييده للمفاوضات من أجل رفع العقوبات، فإنه، كما كان متوقعا منذ البداية، فإن مثل هذه القرارات ليست بيد الحكومات فقط، بل هي قضية سيادية بامتياز.
واختتمت الوكالة تقريرها، بأنه من بين الوعود الأربعة الأساسية التي قدمها مسعود بزشكيان في انتخابات عام 2024، أصبح مصير أحدها واضحا تقريبا؛ فالعقوبات لا تزال قائمة، بل إن شبح تفعيل آلية الزناد يُخيّم فوق إيران.
وأضافت أن بعض المراقبين يرون أن بزشكيان اتخذ حتى الآن موقفا واضحا وحاسما فقط في قضية قانون الحجاب، بينما تنازل للطرف الآخر في ملفات مثل مجموعة العمل المالي ورفع الحجب. ويعتقدون أن التوترات بين حكومة بزشكيان والبرلمان، إلى جانب الإحباط المتزايد بين أنصار الإصلاحات والناخبين، قد أدت إلى تراجع الآمال بشأن تنفيذ وعوده.
ومع ذلك، يبدو أن الحكم النهائي على أداء حكومة مسعود بزشكيان في هذه الملفات الأربعة لا يزال بحاجة إلى مزيد من الوقت.