ترجمة: شروق السيد
تقول صحيفة “شبكه شرق” الإيرانية إن التحركات التركية الأخيرة في سوريا تشير إلى مساعٍ تركية لرسم معادلات جديدة في سوريا ما بعد الأسد.
كتبت الصحيفة الإيرانية “شبكه شرق” في تقرير لها 17 ديسمبر/كانون الأول 2024: بعد تصريحات أردوغان في المؤتمر الثامن لحزب العدالة والتنمية للمنتقدين حول أسباب التدخل في سوريا، وكذلك ادعاءاته التاريخية بشأن أجزاء من الأراضي السورية، يبدو أن أردوغان يستعد الآن لزيارة دمشق وفقاً لما نقله يلماز بيلغين، الصحفي المقرب من الحكومة التركية.
وأضافت الصحيفة: وفي هذا السياق، صرح هاكان فيدان، وزير الخارجية التركي، خلال مقابلة تليفزيونية عن استعداد أنقرة للوساطة بين واشنطن والحكومة الجديدة في سوريا، مشيراً إلى أن “تركيا تنسق على أعلى المستويات مع المملكة العربية السعودية بشأن التطورات في سوريا”.
هل يسعى أردوغان لأخذ مكان إيران في سوريا؟
وتابعت الصحيفة الإيرانية: رغم الاعتقاد بأن إيران فقدت موقعها السابق في سوريا لصالح تركيا، إلا أن حسين أكبري، سفير إيران لدى سوريا، أعلن عن إعادة افتتاح السفارة الإيرانية في دمشق.
وأضافت الصحيفة: رغم تصريحات السفير الإيراني في سوريا حول احتمال إعادة فتح السفارة الإيرانية في دمشق، فإن التحركات المكثفة لأردوغان والمسؤولين الأتراك الآخرين بهدف تنسيق المواقف بين الدول الإقليمية والدولية مع الجماعات المسلحة الموجودة في سوريا، تؤكد أن سوريا ما بعد بشار قد تؤدي عملياً إلى تراجع دور لاعبين مثل إيران في هذا البلد.
وفي هذا السياق، كتبت صحيفة هآرتس الإسرائيلية في تقرير تحت عنوان “سوريا قد تصبح تحت الحماية التركية”: “إن تركيا، التي تسعى إلى تحويل سوريا إلى حصن ضد الأكراد لتحقيق مصالحها الاستراتيجية، تعمل على أخذ مكان روسيا وإيران، بما في ذلك السيطرة على المجال الجوي السوري”.
وأضاف التقرير: “تركيا تعتزم الآن ملء الدور الذي لعبته إيران وروسيا سابقاً كداعم رئيسي لسوريا، هذا الدور يتجاوز مجرد علاقات حسن الجوار بين دول متقاربة جغرافيا ، لأن تركيا تمتلك مصالح استراتيجية أساسية في سوريا”.
وتابعت صحيفة شرق الإيرانية: في تحليل ما سبق، أشار إحسان موحديان في مقابلة مع صحيفة “شرق” إلى وهم الانتصار لدى أردوغان بعد سقوط بشار الأسد، قائلاً: “يسعى الرئيس التركي إلى تحقيق عدة أهداف متزامنة في سوريا الجديدة، أولها احتلال بعض المناطق في سوريا، والتي يمكن أن تساعد في تعزيز العلاقات التجارية لتركيا باعتبارها مراكز للطاقة والسياحة”.
وأضاف موحديان أن “أردوغان يهدف أيضاً إلى السيطرة على المناطق الكردية في سوريا ليتمكن من تنفيذ استراتيجيته الأمنية لقمع الأكراد”.
أما الهدف الآخر من وجهة نظره فهو: “إنشاء هيكل سياسي–إداري جديد في سوريا بحيث تصبح دمشق فعلياً تحت حماية أنقرة وشخص أردوغان”.
وبحسب موحديان، فإن الفترة الزمنية الممتدة إلى نحو خمسة أسابيع حتى تسلم دونالد ترامب السلطة في البيت الأبيض، سوف يسعى أردوغان خلالها إلى تحقيق هذه الأهداف ليحظى بموقف أقوى مقارنة بإيران وروسيا وحتى الدول العربية في الخليج، بهدف التفاوض مع الإدارة الأمريكية الجديدة”.
ومع ذلك، يعتقد موحديان أن “سياسة أردوغان هذه هي تقدير خاطئ تماماً؛ لأن الهيكل السياسي الأمريكي وشخصاً مثل دونالد ترامب لن يسمحا لتركيا بالسيطرة المطلقة على سوريا، خاصة على الممرات الاقتصادية والتجارية ومصادر الطاقة، كما أن واشنطن لن تسمح بأي حال من الأحوال لتركيا بممارسة ضغوط مفرطة على الأكراد السوريين”.
وأضاف: “سياسة مشابهة ستتخذها الدول الأوروبية الأخرى، باستثناء بريطانيا، ضد تركيا، وستفقد أنقرة حرية الحركة الحالية خلال الأشهر المقبلة”.
وفي جزء آخر من تحليله، يرى موحديان أن “التطورات الجارية في سوريا هي في الأساس خريطة وسيناريو بريطاني-إسرائيلي-تركي يهدف إلى تقليص دور إيران في سوريا إلى الصفر، وإغلاق طرق النفوذ الإقليمي لإيران في الشرق الأوسط وقطع اتصال طهران بشمال إفريقيا، ما سيؤدي إلى إعادة إيران فعلياً إلى حدودها”.
وفي استكمال لهذا الرأي، لا يقيّم موحديان مستقبل سوريا بشكل إيجابي، حيث يقول: “وجود مجموعة واسعة ومتنوعة من الفصائل والجماعات السياسية والعسكرية والمسلحة ذات الأفكار المختلفة والمتناقضة سيجعل تحقيق الاستقرار في سوريا على المدى القصير والمتوسط أمراً صعباً، بل يمكن تصور أن تتحول سوريا إلى ليبيا أخرى”.
ولهذا السبب، يصف الأهداف التي يضعها أردوغان لسوريا ما بعد الأسد بأنها “بعيدة عن الواقع”، ويضيف: “سوريا ستصبح في المستقبل القريب ساحة للصراع بين العديد من الجماعات والفصائل السياسية والمسلحة، وهذا بدوره سيشكّل تهديداً أكثر خطورة لتركيا نفسها”.
ويضيف المحلل السياسي إحسان موحديان أن “الاستثمار السياسي والدبلوماسي والأمني لأردوغان وتركيا في جبهة النصرة وهيئة تحرير الشام وشخص مثل أبو محمد الجولاني، سيواجه نفس المصير الذي واجهته استثمارات أردوغان السابقة في دعم داعش أو التدخل في حرب ليبيا، وسينتهي بالفشل”.
وتابع: “حتى إذا أصبح شخص مثل أبو محمد الجولاني وهيئة تحرير الشام تحت الحماية الكاملة سياسياً ودبلوماسياً لأردوغان وأصبحوا مطيعين لأنقرة، فإنهم سيواجهون خلافات جدية مع الجماعات والفصائل السياسية والمسلحة الأخرى الموجودة في سوريا؛ لأن هذه الجماعات الأخرى لديها مطالب متنوعة، والتي تتعارض أحياناً بشكل كامل مع أهداف وطموحات تركيا”.
وأضاف موحديان: “العديد من هذه الجماعات الجهادية في سوريا لديها أيضاً خلافات جوهرية مع تركيا وأردوغان من حيث التبعية الفكرية والسياسية، ولا يستبعد على المدى القصير أو المتوسط أن هذه الفصائل المسلحة في سوريا، على الرغم من الدعم والتعاون التركي، قد تتحول في النهاية ضد سياسات أردوغان وأنقرة”.
إزالة إيران من معادلات سوريا
وفي سياق متصل يؤكد فرشید باقریان، وهو محلل سياسي إيراني آخر تحدث لصحيفة “شرق” لتحليل زيارة الرئيس التركي إلى دمشق، في البداية: “لا ينبغي اعتبار التطورات في سوريا وصعود شخص مثل الجولاني انتصاراً لتركيا، بل هو انتصار شخصي واضح لأردوغان نفسه”.
لهذا السبب، يقول باقريان بأن “الاستراتيجيات المحددة لرئيس تركيا تهدف إلى إزالة لاعبين مثل إيران بشكل دائم وكامل من مشهد التطورات السورية، بحيث يعزز أردوغان وزنه الشخصي في المعادلات داخل سوريا”.
وبناءً على هذا الطرح، يرى أن “زيارة أردوغان المرتقبة إلى دمشق تمثل خطوة أولية لرسم صورة كاريزمية له في المجتمع السوري، بحيث يتمكن من التأثير على الفضاء الاجتماعي والرأي العام السوري من خلال آرائه وخطاباته”.
ويواصل فرشید باقریان تصريحاته بالإشارة إلى التهديدات التي سوف تتعرض لها إيران من وجهة نظره بسبب سياسات أردوغان في سوريا الجديدة، معتبراً أن أخطرها يتمثل في “الممرات الاقتصادية والتجارية” و “الممر الأمني”.
وفي شرحه لمخاطر الممرات التجارية والاقتصادية التي يسعى إليها أردوغان، يقول في حديثه لصحيفة “شرق”: “الآن، بعد أن أصبحت البنية السياسية في سوريا بيد قوى مقربة من تركيا، من المؤكد أن أردوغان يسعى إلى تغيير الممر المسمى بـ ‘التنمية’ الذي يمتد من دول الخليج العربي إلى ميناء الفاو في العراق ثم إلى تركيا ومن هناك إلى أوروبا، ليحل محله ممر ‘داوود’.
ويتابع باقريان: “هذا يعني أنه، من خلال إقصاء إيران من المعادلات السورية، سيؤدي هذا الممر (داوود) من جهة إلى تعزيز نفوذ تركيا حتى شرق البحر المتوسط، ومن جهة أخرى، لدى أردوغان خطة جادة لتمديد هذا الممر إلى قلب أوروبا”.
وأضاف باقريان: “بعد تطورات سوريا، فإن إمكانية إعادة إحياء مشروع ممر زنغزور ستكون جادة للغاية”.
وبحسب صحيفة “شبكه شرق” يرى المحلل السياسي فرشید باقریان أن القضية الأهم تكمن في “امتداد الممر الأمني” الذي سوف تنفذه تركيا، قائلاً: “يحاول أردوغان، عبر القضاء على الأكراد في تركيا وسوريا، إنشاء حزام أمني يمتد حتى الحدود الإيرانية لحماية مصالحه”.
ويستشهد لتأكيد كلامه بتصريحات أردوغان مطلع شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، عندما قال في اجتماع كتلة حزب العدالة والتنمية في البرلمان التركي: “سنكمل الحزام الأمني من البحر المتوسط حتى الحدود الإيرانية لمواجهة الإرهاب”.
ويشير باقريان إلى أن هذه الخطط تأتي ضمن استراتيجية أمنية واضحة لتعزيز سيطرة تركيا على المنطقة الجنوبية وحدودها مع سوريا، مع التركيز على إبعاد الأكراد عن هذه المعادلات.
وبحسب صحيفة شرق الإيرانية، فإن تركيا تحتل منذ سنوات أجزاء من الأراضي السورية تحت ذريعة مكافحة الأكراد، كما أنها حافظت على علاقاتها مع الجماعات المسلحة المعارضة لبشار الأسد، وفي هذا الإطار، ذكّر أردوغان مجدداً بمساعيه لمواجهة التهديدات الإرهابية، حيث قال:” سنستكمل مشروع تطهير حدودنا الجنوبية من تهديد الإرهاب من خلال الحزام الأمني الذي سيمتد من البحر الأبيض المتوسط إلى الحدود الإيرانية خطوة بخطوة”.
كما تطرق الرئيس التركي إلى خططه للعام المقبل، مضيفاً: “سوف نحقق إنجازات جديدة في مكافحة الإرهاب باستخدام الأساليب الدبلوماسية والعسكرية”.
وبناءً على هذه التصريحات، يستنتج فرشید باقریان أن “تصريحات الرئيس التركي جاءت قبل فترة وجيزة من التطورات السورية التي بدأت من إدلب وسقوط حكم بشار الأسد”.
ويضيف باقريان: “الآن، مع تشكل معادلات جديدة في سوريا، يرى أردوغان أن الظروف مهيأة أكثر من أي وقت مضى لإنشاء وتطبيق هذا الممر الأمني الممتد من البحر المتوسط إلى الحدود الإيرانية، وسيعمل على تحقيقه من خلال الجماعات الموجودة في سوريا ضد طهران والأكراد”.