ترجمة: علي زين العابدين برهام
نشرت صحيفة “سازندكي” المحسوبة على حزب كوادر البناء الإيراني، الأحد 9 مارس/آذار 2025 تقريرا حول التسعير الإجباري وأثره على الاقتصاد الإيراني، إذ ذكرت أن نظام التسعير الحكومي هو أكبر خداع ممنهج في الاقتصاد، حيث يواجه المواطن يوميا انعكاسات هذه السياسة في الأفران، والمتاجر، والمطاعم، وحتى في المستشفيات والصيدليات.
التضخم والسياسة العكسية للحكومة
ذكرت الصحيفة أنه عندما يرتفع التضخم، بدلا من أن تعمل الحكومة على معالجته من جذوره، تلجأ إلى فرض رقابة صارمة على الأسعار، وتستخدم أدوات القمع والتعزيرات لمواجهة التجار والأسواق. لكنها في الحقيقة تبحث عن “لص” في السوق، بينما المجرم الحقيقي هو السياسات الاقتصادية الخاطئة.
وأضافت أن السياسات الحكومية أدت إلى ارتفاع جماعي في أسعار السلع والخدمات، مما زاد من التوترات الاقتصادية. ومع ذلك، فإن الحكومة لا تزال تصرّ على استخدام أدوات الضغط لمعالجة تداعيات أخطائها، بدلا من إصلاح السياسات الاقتصادية نفسها، ما يؤدي إلى تضييق السوق وإثارة توترات اجتماعية.
وأوضحت أنه وفقا لما يقوله الاقتصاديون فإن التحكم في الأسعار، خاصة في الأسواق التنافسية، يؤدي إلى اختلالات اقتصادية خطيرة، حيث يتعارض مع آليات العرض والطلب في السوق الحرة.
وأشارت إلى أن فرض أسعار أقل من التوازن يقلل حافز المنتجين للإنتاج بسبب انخفاض الأرباح، يزيد الطلب على السلع نظرًا لانخفاض الأسعار، والنتيجة هي نقص في السلع الأساسية، كما هو الحال في الخبز أو الوقود.
وتابعت بأن فرض أسعار أعلى من التوازن، يحفز المنتجين على زيادة العرض، يؤدي إلى انخفاض الطلب، مما يخلق فائضا في الإنتاج.
وذكرت أنه عندما لا يستطيع المنتجون تحديد الأسعار بناء على تكاليف الإنتاج وظروف السوق، فإنهم يفقدون الحافز لتحسين جودة المنتجات أو خفض التكاليف، مما يؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وتراجع القدرة التنافسية. وعندما لا تعكس الأسعار الرسمية الواقع الاقتصادي، يلجأ الناس إلى الأسواق غير الرسمية.
وأضافت أنه في الاقتصاد الحر، تعمل الأسعار كالإشارات الضوئية التي تساعد المنتجين والمستهلكين على اتخاذ قرارات صحيحة. لكن عندما تُشوّه هذه الإشارات عبر التدخل الحكومي، تصبح عملية تخصيص الموارد غير فعالة.
وأوضحت أنه غالبا ما تبرر سياسات التسعير الحكومي بأنها تخدم الفقراء، لكنها في الواقع تؤدي إلى نتائج عكسية، حيث أن نقص السلع وتراجع الكفاءة يضر بالمجتمع ككل، خاصة الفئات الأكثر ضعفا.
وتابعت بأنه لذلك، يرى الاقتصاديون أن السيطرة على الأسعار لا تختلف عن التدخلات الأخرى التي تحد من الحريات الشخصية. وكما يرفض الناس القيود المفروضة على حياتهم الشخصية، يجب ألا يقبلوا بالتدخل في آليات السوق، إلا في حالات استثنائية مثل الاحتكارات الخطيرة أو الأزمات المؤقتة، حيث يكون التدخل المؤقت مبررا.
وأوضحت أنه بدلا من فرض سياسات تسعير قسرية تزيد من الأزمات الاقتصادية، يجب على الحكومة التركيز على إصلاح جذور المشكلة الاقتصادية، مثل تحسين الإنتاجية، وزيادة الشفافية، وتعزيز بيئة الأعمال، بدلًا من تحميل السوق والمستهلكين تبعات الفشل الحكومي.
أضرار التسعير الإجباري
ذكرت الصحيفة أنه يجب أن نكون ممتنين لحقيقة أن سياسات التحكم في الأسعار والأجور نادرا ما تستمر لفترات طويلة، لأن هناك أدلة كثيرة تؤكد أن هذه التدخلات، حتى لو حققت نجاحًا مؤقتًا، فإنها تُلحق أضرارا خطيرة ودائمة أحيانا بالاقتصاد.
وأضافت أن أحد أكثر التحليلات تأثيرا حول الآثار العكسية لهذه السياسات جاء من رئيس لجنة تسعير في المرحلة الثانية من سياسة التثبيت الاقتصادي في عهد الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون.
وتابعت الصحيفة بأنه قدم قائمة من سبع طرق تؤدي بها هذه السياسات إلى تدخل سلبي في السوق، مما يسرّع تحول الاقتصاد إلى نموذج مركزي محكم السيطرة.
وأشارت إلى هذه النقاط السبع على النحو التالي:
التحكم في الأسعار يؤدي إلى تشوهات وانحرافات في نظام السوق
ذكرت الصحيفة أن عالم الاقتصاد النمساوي البريطاني فريدريك هايك يصف نظام التسعير الحر بأنه “معجزة”، لأنه يوفر إشارات دقيقة للمشترين والبائعين حول الندرة النسبية للسلع، مما يحفزهم على إعادة التوازن بين العرض والطلب.
وأضافت أنه عندما يتجاوز الطلب العرض، ترتفع الأسعار، مما يجذب المزيد من البائعين إلى السوق أو يشجع الموجودين على زيادة إنتاجهم، فيعود التوازن مجددًا. والعكس صحيح؛ إذا كان العرض يفوق الطلب، تنخفض الأسعار، مما يحفّز المشترين على الاستهلاك أكثر، بينما يقلل البائعون إنتاجهم، فتعود السوق إلى التوازن.
وأوضحت أنه لكن عندما تتدخل الحكومة في الأسعار، تُشوَّه هذه الإشارات الاقتصادية، فلا يستطيع السوق التمييز بين الإشارات الحقيقية والتلاعب المصطنع بالأسعار.
وأشار إلى أن نتيجة لذلك يحدث نقص واسع النطاق، لأن الشركات لا تجد حافزا لزيادة الإنتاج في ظل قيود التسعير، وتنتشر الأسواق السوداء، حيث يحاول المستهلكون تعويض النقص عبر شراء السلع بأسعار غير رسمية، بدلًا من مواجهة طوابير طويلة أو تأخير في التوريد.
وتابعت أن هذه التشوهات تؤثر أيضا على الاستثمار في القطاعات الإنتاجية، إذ يصبح من المستحيل على المستثمرين اتخاذ قرارات عقلانية عندما تؤدي سياسات التحكم في الأسعار إلى إفلاس بعض الشركات وتعطيل آلية التنافس.
الرقابة تعاقب من يسعون إلى زيادات غير تضخمية في الأجور أو الأسعار
ذكرت أنه خلال فترات التحكم في الأسعار، ينسى الناس أن كل زيادة في الأجور أو الأسعار ليست بالضرورة تضخمية، فعلى سبيل المثال، زيادة الأجور لا تسبب التضخم إذا لم تُموَّل عبر الاقتراض الحكومي أو التوسع النقدي.
وأضافت أنه عندما تحقق شركة ما أداء ماليا قويا، وتحقق أرباحا مرتفعة، فمن الطبيعي أن ترغب في تقاسم جزء من أرباحها مع موظفيها، لكن الرقابة على الأجور تمنع هذا التوزيع العادل، لأنها تفشل في التمييز بين الزيادات التضخمية وغير التضخمية، مما يؤدي إلى حرمان العمال من تحسين أوضاعهم رغم تحقيق الشركات لأرباح مرتفعة.
الرقابة تقوّض مبدأ الربحية وتضعف الحوافز الاقتصادية
ذكرت أن سياسات التحكم في الأسعار تُفرض عندما تعلن الحكومة أن الأسعار أو زياداتها “مرتفعة جدا”، وكأنها تفترض ضمنيا أن التجار يمكنهم خفض الأسعار إذا أرادوا، إما بدافع المسؤولية الاجتماعية أو عبر إجبارهم على ذلك.
لكن الاعتقاد بأن الأرباح “مفرطة” يتجاهل حقيقة أن الربحية هي المحرك الأساسي للاستثمار، حيث تجذب رأس المال نحو القطاعات الإنتاجية ذات القيمة.
وأضافت أنه عندما يتم تقويض مبدأ الربحية عبر التدخل الحكومي، فإن ذلك يؤدي إلى زعزعة أسس السوق الحرة، وإضعاف الاستثمارات، وتعطيل تكوين رأس المال، مما يضر بالنمو الاقتصادي على المدى الطويل.
الرقابة تُستخدم لتحقيق أهداف سياسية لا علاقة لها بالاقتصاد
وتابعت بأن إحدى أخطر آثار التدخل الحكومي في الأسعار هي إمكانية استغلاله من قبل جماعات الضغط والمصالح السياسية لتحقيق أهداف غير اقتصادية.
على سبيل المثال، يتم فرض الرقابة على أسعار المواد الغذائية بحجة أنها سلعة أساسية للمستهلكين. لكن إذا كان هذا المبدأ صحيحا، فلماذا لا يتم فرض رقابة مماثلة على الشركات التي تسبب التلوث البيئي؟ أو تلك التي تمارس التمييز في التوظيف؟
وأوضحت أن هذا النوع من التدخلات يفتح الباب أمام التلاعب السياسي في نظام السوق، مما يشوّه آلياته الطبيعية، ويؤدي إلى قرارات اقتصادية تخدم أجندات سياسية بدلًا من المصلحة العامة.
الرقابة تخلق وهم الاستقرار وتؤجل المواجهة مع الواقع
ذكرت أن التحكم في الأسعار والأجور يمكن أن يكون درعًا مؤقتا ضد التقلبات الاقتصادية، لكنه لا يلغيها، ففي اقتصاد السوق، الأرباح تتغير، الشركات تزدهر أو تفشل، والوظائف تُستحدث أو تُلغى. لكن في ظل التسعير القسري، يتم تجاهل هذه الديناميكيات الطبيعية، مما يخلق وهمًا زائفًا بالاستقرار.
وأضافت أنه عندما تُفرض الرقابة على الأسعار والأجور، تفقد الشركات الحافز لاتخاذ قرارات استراتيجية، لأن الأسعار تصبح غير مرتبطة بواقع السوق. وبدلًا من الاستجابة للعرض والطلب، تتصرف الشركات وفقا لقيود مفروضة، مما يؤدي إلى تراكم المشكلات الاقتصادية وتأجيل حلها.
الهيئات التنظيمية تهيمن على السوق أكثر من قوى العرض والطلب
ذكرت الصحيفة أنه في الأنظمة التي تعتمد على التدخل الحكومي في الأسعار، ينصب تركيز أصحاب الأعمال والنقابات العمالية على التأثير في قرارات الهيئات التنظيمية بدلًا من تحسين الإنتاجية أو كفاءة العمل.
على سبيل المثال، الرقابة الطويلة على الأجور في بريطانيا أدت إلى وضع أصبحت فيه النقابات العمالية بمثابة جناح غير رسمي للحكومة، حيث لا يتم تنفيذ أي سياسة اقتصادية دون استشارتهم أولًا.
وأشارت إلى أن هذا النوع من السياسات يُحوّل السوق من بيئة تنافسية إلى ساحة نفوذ سياسي، حيث تصبح القدرة على التأثير في الجهات التنظيمية أكثر أهمية من الأداء الاقتصادي الحقيقي.
الرقابة تُضلل الرأي العام عن الأسباب الحقيقية للتضخم
ذكرت الصحيفة أن التحكم في الأسعار يحرف الانتباه عن العوامل الأساسية التي تسبب التضخم، مثل السياسات المالية والنقدية، معدلات الضرائب، سياسات الاستيراد والتصدير، الإنتاج، والقيود التنافسية.
واختتمت التقرير بقول إن هناك اعتقاد خاطئ بأن الرقابة على الأسعار هي حل للتضخم، في حين أنها في الواقع مجرد وسيلة مؤقتة لإخفاء آثاره. لكنها لا تعالج الأسباب الجذرية للتضخم، بل تؤدي إلى تفاقم المشكلة على المدى الطويل، مما يجعل الاقتصاد أكثر هشاشة وأقل قدرة على التكيف مع التغيرات.