ترجمة: نوريهان محمد البهي
طُرحت في إيران على مدار سنوات، أفكار كبيرة مثل حذف الأصفار من العملة الوطنية ونقل العاصمة، لكن لم يتم تنفيذ أي منها بشكل فعلي. ما الذي يعوق تحويل هذه المشاريع إلى واقع؟ وهل يكمن السبب في غياب الإرادة السياسية أم في التحديات التنفيذية؟
صحيفة فرهيختگان الإيرانية الأصولية تناولت في تقرير لها يوم الأحد 22 ديسمبر/كانون الأول 2024، ظواهر ومقترحات شهدت نقاشا داخل الحياة السياسية الإيرانية في الفترة الأخيرة مثل تعديل العملة الإيرانية.
الصحيفة قالت في تقريرها، إنه “تم تقديم مشروع قانون إصلاح النظام النقدي والمصرفي، الذي يهدف إلى حذف أربعة أصفار من العملة الوطنية وإعادة هيكلة النظام النقدي، إلى مجلس الشورى الإسلامي”.
وهذه ليست المرة الأولى التي يُطرح فيها موضوع حذف الأصفار من العملة الوطنية؛ إذ يعود تاريخ هذا النقاش إلى حكومة الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي. ورغم مضي سنوات، تحوّل المشروع إلى لائحة رسمية خلال حكومة الرئيس حسن روحاني الثانية (الحكومة الثانية عشرة)، حيث صادقت عليه هيئة الوزراء في 4 أغسطس/آب 2019.
واليوم، يعيد مسعود بزشكيان، رئيس الحكومة الرابعة عشرة، تقديم هذا المشروع إلى البرلمان كقانون عاجل من درجة أولى.
تضيف الصحيفة: “بينما التحدي الرئيسي أمام هذا المشروع وغيره من المشاريع الكبرى المشابهة، لا يقتصر على الجوانب الفنية فحسب، بل يكمن في غياب الإرادة الجادة لاتخاذ قرارات حاسمة رغم ما تنطوي عليه من تكاليف اجتماعية واقتصادية محتملة عند تنفيذها”.
وتابعت: “ولهذا السبب، ورغم الدراسات التي أُجريت في مختلف الحكومات، بقيت العديد من الأفكار عالقة لسنوات دون تنفيذ، متنقلة من حكومة إلى أخرى، بينما ظلت تحديات الإدارة قائمة دون حلول”.
وأكدت أنه “لتحقيق حكم فعّال واتخاذ قرارات طويلة الأجل في إيران، يجب تحسين الآليات التنفيذية والاستفادة بفعالية من التجارب السابقة. ينبغي أن يستند نظام الحكم في إيران إلى تحليلات علمية ومتخصصة، وتعاون مؤسسي، وإرادة سياسية قوية لتنفيذ القرارات طويلة الأمد.
فقط من خلال هذه الأسس يمكن كسر دائرة القرارات غير المكتملة، والسعي نحو تنمية مستدامة وتحسين شامل لأوضاع البلاد”.
دائرة القرارات غير المكتملة
وتابعت الصحيفة: “يشكل الحكم الفعّال أحد الأسس الضرورية لأي دولة تسعى لتحقيق التنمية المستدامة وتحسين أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ورغم مرور عدة عقود، طُرحت في إيران العديد من المشاريع الطويلة الأجل التي ناقشها المسؤولون بشكل مستمر، لكنها غالبا ما بقيت حبيسة الأدراج أو توقفت عند مراحل متقدمة دون تنفيذ”.
ورغم قلة الحالات التي تحقق فيها بعض المشاريع النجاح، ساهم طول فترة الانتظار، في تقليص تأثيرها وتقليل جدواها. ومن أبرز ما ميَّز النظام الإداري في إيران أن الحكومات الجديدة واجهت المشاكل نفسها التي كانت تعاني منها الحكومات السابقة؛ ما دفع إلى إعادة النظر في عديد من المشاريع التي طُرحت في الماضي.
ويشمل ذلك مشروعات حذف الأصفار من العملة الوطنية ومشروع نقل العاصمة، وهما من القضايا الاقتصادية والاجتماعية الكبرى التي تم طرحها بشكل متكرر في فترات حكم متعددة، ولكن دون أن يتم التوصل إلى خطوات تنفيذية ملموسة.
ولكن، لا تكمن أسباب هذه الإخفاقات في الجوانب الفنية والاقتصادية فقط، بل إن العوامل السياسية والاجتماعية والإدارية تلعب دورا أساسيا في تعثر هذه المشاريع. وفي النهاية، تظل الإرادة السياسية والتنسيق الفعال بين المؤسسات، إضافة إلى آليات التنفيذ، هي المفاتيح الرئيسية لتحويل هذه الأفكار إلى واقع ملموس.
وبحسب الصحيفة، فإن واحدة من أكبر مشاكل الحكم في إيران هي دائرة المشاريع والقرارات طويلة الأجل التي تُطلق باستمرار، لكن غالبا ما تبقى حبيسة الأدراج دون أن تُنفذ. ففي كل حكومة جديدة، يتم إعادة النظر في المشاريع التي طرحها من سبقوهم، حيث يتم نقدها وربما تعديلها، ولكن في النهاية تبقى تلك المشاريع حبرا على ورق.
وكما لُوحِظَ هذا النمط في العديد من المبادرات الكبرى، سواء كانت اقتصادية أو هيكلية، وحتى في المشاريع التي قد تبدو بسيطة من الناحيتين الفنية والتنفيذية.
ورغم إقبال الحكومات المتعاقبة على إعادة النظر في هذه الأفكار، فإنها في معظم الحالات تظل غير قابلة للتحقيق، ما يُضعف الثقة بقدرة النظام على تنفيذ خطط تنموية بعيدة المدى.
وبناءً على ذلك، أكدت هذه الدائرة المغلقة الحاجة الماسة إلى إرادة سياسية قوية وآليات تنفيذ أكثر فعالية لضمان تحويل هذه المشاريع إلى واقع ملموس، وهو ما يبقى بعيدا عن التحقيق في الوقت الراهن.
كما تم طرح مشاريع مثل حذف الأصفار من العملة الوطنية أو نقل العاصمة بشكل متكرر في حكومات مختلفة، لكن لم يتم تنفيذ أيٍ منها بشكل كامل وناجح.
وتضيف الصحيفة: يُطرح السؤال هنا: لماذا يجب على كل حكومة جديدة أن تبدأ من الصفر، ولماذا لا يتم الاستفادة من تجارب الحكومات السابقة في تنفيذ هذه المشاريع؟ ولماذا يجب إعادة المشاريع التي تم تحليلها ومراجعتها مرات عديدة إلى مرحلة التحليل والنقد مرة أخرى؟.
فهذه القضية، وعلى الرغم من أنها تُحمّل البلاد تكاليف غير مجدية في دائرة التصميم والدراسات، تشير إلى عجز في اتخاذ قرارات طويلة الأجل، ما يؤدي إلى تزايد انعدام الثقة بالنظام التنفيذي وصنع القرار في البلاد.
وأردفت: لعبت عدة عوامل دورا في عدم نجاح المشاريع طويلة الأجل وتنفيذها في إيران. وهذه العوامل لا تقتصر على القضايا الفنية والاقتصادية، بل تمتد إلى المشاكل الإدارية والسياسية والاجتماعية، ومن أبرز هذه العوامل هو غياب الإرادة السياسية الحقيقية لتنفيذ القرارات طويلة الأمد.
وفي كثير من الحالات، تظل المشاريع التي تتطلب إجراءات جدية حبيسة الأدراج بسبب الخوف من ردود الفعل السلبية أو الفشل، أو بسبب التغيرات المحتملة في الظروف الاجتماعية والاقتصادية.
وتتابع الصحيفة: في الواقع، يتجنب عديد من المسؤولين الحكوميين تنفيذ المشاريع؛ خوفا من الفشل أو المواجهات السياسية، سواء كانت داخلية أو حتى دولية؛ كما يتجنبون تنفيذ هذه المشاريع؛ تجنبا لإثارة الاستياء بين الشعب أو التعرض للانتقادات من وسائل الإعلام أو الجماعات الأخرى.
كما تأثرت القرارات الاستراتيجية والطويلة الأجل في إيران بشكل كبير بالسياسات الداخلية والخارجية، وعلى سبيل المثال، أثارت مشاريع مثل نقل العاصمة ردود فعل سياسية متباينة. فبعض المؤسسات الحكومية أو الأطياف السياسية قد تدعم هذه القرارات، في حين قد يعارضها آخرون بسبب مصالحهم السياسية.
وفي ظل هذه الظروف، يتجنب العديد من المسؤولين الحكوميين في إيران اتخاذ قرارات طويلة الأجل وجريئة، خاصة عندما تكون هذه القرارات قد تؤدي إلى توترات اجتماعية أو سياسية.
وفي المشاريع التي تتطلب تغييرات كبيرة في البنية الإدارية والاجتماعية للبلاد، مثل نقل العاصمة، تتزايد المخاوف التي تجعل العديد من الحكومات تتراجع عن تنفيذ هذه المشاريع، مُقتصرة على طرحها في إطار الشعار دون خطوات عملية لتنفيذها.
ووفق تقرير الصحيفة، واجهت إيران مشكلة بارزة في الحكم تتمثل في تكرار تحليل المشاريع دون الاستفادة من التجارب السابقة، فغالبا ما تتم إعادة النظر في المبادرات التي طُرحت في الحكومات السابقة، والتي جرت دراستها من الناحيتين الفنية والعلمية، لتخضع مجددا لتحليلات جديدة في الحكومات اللاحقة.
وهذا التكرار لا يؤدي فقط إلى هدر الوقت، بل أيضا إلى استنزاف الموارد، حيث تُجرى الدراسات من البداية مرة أخرى، متجاهلة بذلك المعلومات القيّمة التي تم جمعها سابقا، فكان من الأجدر أن تُستثمر هذه الخبرات السابقة لتحسين عمليات التنفيذ وتحقيق نتائج أسرع وأكثر فاعلية.
كما طرحت فكرة نقل العاصمة في إيران منذ عقود، ومرت عبر العديد من المراجعات والدراسات في حكومات متتالية، ومع ذلك، في كل مرة تتولى حكومة جديدة، يُعاد فحص المشروع من البداية دون الاستفادة من نتائج التحليلات السابقة.
وهذا النهج يضع المشروع في دائرة مفرغة من المراجعات المستمرة، دون أن تُتخذ قرارات حاسمة، ما يترك المشاريع في حالة من الجمود ويُبقيها بعيدا عن التنفيذ الفعلي.
تضارب المصالح
تقول الصحيفة الإيرانية إن عدم التنسيق بين المؤسسات أدى إلى تعثر اتخاذ القرارات الاستراتيجية في إيران، فقد تطلبت العديد من المشاريع الطويلة الأجل، خصوصا في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، التعاون بين الجهات الحكومية وغير الحكومية.
وفي ظل ارتباط القرارات الأساسية بعدد من المؤسسات المختلفة، مثل الوزارات، والهيئات الحكومية، والهيئات الرقابية، والبرلمان، وحتى القطاع الخاص، تحوّل التنسيق بينها إلى تحدٍّ كبير، ما أبطأ تنفيذ القرارات وأدى إلى تعطيل العديد من المشاريع الحيوية.
وإثر ذلك تباينت المؤسسات في إيران من حيث المصالح والمهام والأساليب التنفيذية، ما أسفر عن تضارب المصالح وعدم التنسيق الفعّال بينها.
وتشمل هذه الخلافات تفاوت الأولويات الاقتصادية، وعدم الاتفاق على تخصيص الموارد، إضافة إلى تباين الرؤى في طرق التنفيذ.
وعلاوة على ذلك، أدت قلة الشفافية في التواصل بين هذه الجهات وغياب هيكل إداري موحد إلى تأخير اتخاذ القرارات وتنفيذها.
وتضيف الصحيفة: إذا اعتبرنا غياب الإرادة السياسية العامل الأهم في تعطيل المشاريع الكبرى، فإن نقص الموارد المالية يأتي في المرتبة الثانية.
كما أن تكاليف تنفيذ المشاريع الكبيرة تعوق العديد من الخطط الاستراتيجية، وتتطلب المشاريع الكبيرة والطويلة الأجل استثمارات ضخمة وموارد مالية كبيرة لتصل إلى مرحلة التنفيذ وتحقيق النتائج المرجوة.
ومع ذلك، في ظل الأزمات الاقتصادية التي تواجهها البلاد مثل التضخم، وانخفاض قيمة العملة الوطنية، والتقلبات الاقتصادية، يصبح تأمين هذه الموارد، خصوصا للمشاريع الإنشائية والبنية التحتية، تحديا كبيرا، وفي مثل هذه الظروف، إما أن تتوقف المشاريع تماما أو تنفذ بتأخير وتحت ظروف تقلل من جودتها.
إضافة إلى ذلك، تؤدي المشكلات الاقتصادية إلى تغيير الأولويات الحكومية، حيث يتم تأجيل المشاريع التي كانت في البداية ذات أولوية بسبب قيود الموارد المالية.
وعليه فإن التقلبات الاقتصادية والتغيرات السريعة في وضع البلاد يمكن أن تترك آثارا سلبية على سير تنفيذ هذه المشاريع، فهبوط قيمة العملة الوطنية، وتقلبات أسعار الصرف، والأزمات الاقتصادية الداخلية، يمكن أن تؤدي إلى زيادة التكاليف وتعطيل عملية التخطيط والتنفيذ.
وهذه المشاكل المالية تؤثر بشكل مباشر على قدرة الحكومات في متابعة وإنجاز المشاريع الرئيسية.
غياب الاستقرار الإداري
ووفق الصحيفة، فقد أدى عدم الاستقرار الإداري في إيران إلى تعطيل العديد من المشاريع الكبرى، حيث تتسبب التغييرات المتكررة في قيادة الأجهزة الحكومية، خصوصا في فترات قصيرة، في توقف أو انحراف المشاريع عن مسارها.
ومع كل تعيين لمدير جديد، تتغير الأولويات والأساليب الإدارية، ما يؤدي إلى إهمال أو تأجيل المشاريع السابقة، ومن ثم يصعب تحقيق أهدافها وتحويلها إلى واقع ملموس.
إضافة إلى ذلك، فإن فقدان الاستمرارية في الإدارة يتسبب في ضياع الخبرات والمعرفة المكتسبة من تنفيذ المشاريع السابقة، مما يضطر المشاريع الجديدة إلى الانطلاق من نقطة الصفر.