ترجمة: أسماء رشوان
نشرت صحيفة “شرق” الإصلاحية تقريرا، 20 فبراير/شباط 2025، حول زيارة أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني لطهران.
قالت الصحيفة إن زيارة الأمير تميم بن حمد بن آل ثاني لطهران الأربعاء 19 فبراير/شباط، ولقاءه بالمرشد والرئيس الإيراني، رغم الأبعاد المختلفة التي يمكن النظر إليها من زوايا متعددة، فإن زيارته لطهران واحتمال لعب قطر دور الوسيط في العلاقات بين إيران والولايات المتحدة، يعدّان أحد المواضيع المعقدة والحساسة في السياسة الخارجية للشرق الأوسط. إلا أنه من غير الواضح تماما ما إذا كان تميم بن حمد آل ثاني يحمل رسالة من إدارة دونالد ترامب إلى إيران أم لا، لكن قبل نحو أسبوعين أعلنت وزارة الخارجية القطرية أن بلادها مستعدة للمساعدة في تسهيل المفاوضات بين طهران وواشنطن.

وأضافت أنه وسط أزمة الشرق الأوسط، فإن هذه الزيارة تعد الرابعة لأمير قطر إلى طهران خلال أقل من خمسة أشهر. لذا، لفهم التحركات الدبلوماسية لقطر مع التركيز على الشأن الإيراني، ينبغي النظر إلى عدة أبعاد، وضمن ذلك التطورات الإقليمية والدولية، والعلاقات التاريخية بين قطر وإيران والولايات المتحدة، وموقع الدوحة في المعادلات الجيوسياسية للمنطقة.
وأشارت الصحيفة الى أن قطر قد حاولت في عدة قضايا، أن تلعب دور الوسيط. لا سيما في السنوات الأخيرة، حيث مكنتها علاقاتها أن تكون جسرا لنقل الرسائل والمساهمة في جهود تخفيف التوترات.
وأردفت أن قطر تتمتع بعلاقات وثيقة مع واشنطن نظرا للوجود العسكري الأمريكي داخل أراضيها، كما تتمتع بعلاقات أوثق مع إسرائيل مقارنة ببقية الدول العربية، حيث لعبت الدوحة، خاصة على المستوى الدبلوماسي، دورا في تسهيل العلاقات بين إسرائيل وبعض الدول العربية في بعض المناسبات.
وأضافت الصحيفة، أن بعض المحللين السياسيين يرون أن زيارة أمير قطر إلى طهران قد تكون في إطار دور وساطة بين إيران والولايات المتحدة.
وفي هذا السياق، يمكن تحديد عدة عوامل رئيسية لفهم دور الوساطة الذي تلعبه قطر في العلاقات بين إيران والولايات المتحدة:
الرسائل غير الرسمية
كما ذكرت الصحيفة أنه يمكن لقطر أن تكون وسيطا ينقل الرسائل غير الرسمية والمطالب بين الطرفين دون الإضرار بالعلاقات الرسمية بين إيران والولايات المتحدة. نظرا لعلاقاتها الجيدة مع طهران وعلاقاتها الاقتصادية والأمنية الوثيقة مع واشنطن، لذا تستطيع الدوحة توفير مساحة للحوار غير الرسمي وتبادل الرسائل الحذرة بين الجانبين.
وأضافت أن قطر تسعى إلى الحفاظ على المصالح الأمنية في مواجهة التوترات، لكونها دولة صغيرة ومعرضة للأزمات الإقليمية، لا ترغب قطر في تصاعد الصراعات في الشرق الأوسط، لما قد يسببه ذلك من ضرر لمصالحها. لهذا السبب، قد تسعى الدوحة إلى دعم الحوار الدبلوماسي بين إيران والولايات المتحدة من أجل تحقيق الاستقرار الإقليمي والحفاظ على أمنها.
وتابعت أنه في حال تصاعد الأزمات الدولية، مثل ملف إيران النووي أو التوترات العسكرية بين إيران والولايات المتحدة، قد تشعر الدول الخليجية، بزيادة المخاطر الأمنية عليها. في مثل هذه الظروف، قد تلعب الدوحة دور الوسيط لمنع نشوب نزاعات أو الحد من التوترات؛ سعيا لتجنب اندلاع حرب في المنطقة.
وأردفت الصحيفة أن إيران قد أظهرت مرارا في الماضي استعدادها لاستخدام القنوات الدبلوماسية للتعامل مع الدول المجاورة والجهات الإقليمية، لذلك، قد تستفيد إيران من دور قطر كوسيط في المفاوضات غير الرسمية.
وذكرت الصحيفة أنه في نهاية المطاف، ستستفيد قطر من لعب دور الوسيط. فمن خلال تعزيز علاقتها بإيران مع الحفاظ على علاقاتها القوية مع الولايات المتحدة ودول أخرى، مما يمكنها من توسيع نفوذها الإقليمي. كما أن لعب دور رئيسي في المفاوضات قد يمنحها مكاسب اقتصادية وأمنية.
وأضافت أن هذه الزيارة يمكن أن تُحلل في سياق تعزيز العلاقات الثنائية وتسهيل المحادثات في مختلف المجالات، بما في ذلك سوريا والقضايا الإقليمية. ونظرا لدور قطر المحايد وعلاقاتها مع طهران يمكن أن تعمل وسيطا فعّالا بين إيران وسوريا. كما قد تشكل هذه الزيارة فرصة للحوار حول القضايا الاقتصادية والطاقة والأمن بين البلدين.

وبحسب الصحيفة، فإن قطر منذ فترة طويلة تسعى إلى أن تكون دولة محايدة ومؤثرة في قضايا المنطقة. وفي الأزمة السورية، حاولت الدوحة الحفاظ على دورها كداعمة للشعب السوري، وليس كداعمة لفصيل معين. ومع ذلك، في السنوات الأخيرة، لعبت قطر دورا مهما في إعادة إعمار سوريا من خلال المساعدات الإنسانية والدعم المالي للاجئين السوريين، إضافة إلى الضغط من أجل رفع العقوبات. وقد أدى ذلك إلى تعزيز علاقاتها مع دمشق، مما جعلها وسيطا مهما في العلاقات بين إيران وسوريا. وفي هذا السياق، فإن العلاقات الجديدة بين الدوحة والجولاني تعزز النفوذ القطري في سوريا ما بعد الأسد.
وأردفت أن الدوحة نجحت بذكاء في تقديم نفسها كطرف محايد في هذه الأزمات، في حين أقامت علاقات وثيقة مع بعض مجموعات المعارضة السورية وحتى مع حكومة بشار الأسد. وقد سمح هذا النهج لقطر بالعمل كوسيط وفي الوقت نفسه الدفاع عن مصالحها ومصالح حلفائها.
وذكرت الصحيفة أن السيناريو الثاني من المرجح أن يكون أحد أهم أهداف زيارة أمير قطر لإيران هو تحسين العلاقات بين طهران ودمشق وتسهيل إعادة فتح السفارة الإيرانية في سوريا. وبما أن قطر كانت نشطة في عملية إعادة الإعمار السورية، فإنها يمكن أن تعمل وسيطا لتقليل التحديات الدبلوماسية بين طهران ودمشق. وتكتسب هذه القضية أهمية خاصة في ظل التحديات التي تواجهها العلاقات بين إيران وسوريا بسبب قضايا معينة. ويمكن لقطر، كدولة تربطها علاقات إيجابية ووثيقة مع إيران، أن تتخذ خطوات فعالة في هذا الاتجاه.
وأضافت الصحيفة: “نظرا إلى التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط، وضمن ذلك أزمات غزة ولبنان وسوريا، قد يكون ذلك السيناريو الثالث وراء زيارة أمير قطر لإيران. حيث تسعى قطر إلى أداء دور فعّال ومؤثر في مواجهة الأزمات الحالية. في هذا السياق، يمكن أن يساهم دور قطر في العمليات السياسية والإنسانية في تعزيز موقف إيران في مواجهة التهديدات الإقليمية، بما في ذلك تهديدات إسرائيل”.
وأشارت إلى أن إيران قد حافظت على علاقات استراتيجية مع دمشق، باعتبارها واحدة من أهم الداعمين لبشار الأسد والحكومة السورية خلال الحرب الأهلية. ومع انتهاء الحرب وبدء مرحلة ما بعد حكم الأسد، أصبحت هذه العلاقات بحاجة إلى إعادة إحياء وإعادة هيكلة، إلا أن إيران تسعى إلى الحفاظ على دورها كلاعب رئيسي في التطورات داخل البلاد. ومن هذا المنطلق، لا تمانع طهران استخدام قنوات دبلوماسية غير مباشرة، مثل العراق وقطر، لإعادة علاقاتها مع سوريا في المرحلة الجديدة بعد الحرب والأزمات الأخيرة.
وأضا
وتابعت الصحيفة، أنه بعد سفر بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، إلى الولايات المتحدة ولقائه مع دونالد ترامب، وطرح الرئيس الأمريكي لمقترح ترحيل الفلسطينيين من قطاع غزة، نشأت توترات غير مسبوقة في العلاقات بين الولايات المتحدة والدول العربية، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية. وقد أدى ذلك إلى انتقادات واعتراضات، كان أبرزها من السيناتور الجمهوري البارز ليندسي غراهام، الذي انتقد السياسة الإقليمية لترامب تجاه فلسطين.
وأشارت إلى أنه بالنظر إلى دعم إيران الدائم للقضية الفلسطينية، يمكن اعتبار زيارة أمير قطر إلى طهران خطوة مهمة في هذا الاتجاه. فمنذ تأسيسها، تبنت قطر سياسة خارجية مستقلة نسبيا، وخاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، حيث كانت جزءا من التحالفات الداعمة للفلسطينيين في الشرق الأوسط، وتعاونت مع دول مثل تركيا وإيران لدعم القضية. هذه الزيارة قد تكون خطوة في سبيل تنسيق الجهود لدعم فلسطين ومواجهة المخططات الإقليمية الجديدة، ولا سيما خطة ترامب.
كما ذكرت الصحيفة أن زيارة أمير قطر لطهران تحمل رسالة مهمة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل، مفادها أن الدول العربية والإسلامية في المنطقة ستقف موحدة ضد مثل هذه الخطط، ولن تسمح بفرض تغييرات أحادية على الوضع الفلسطيني. وقد يكون أحد أهداف هذه الزيارة هو تعزيز دور الدوحة في تنسيق الجهود الإقليمية وحشد الدعم للقضية الفلسطينية. كما قد تسهم في تعزيز التنسيق في السياسات الإقليمية بين قطر وإيران، لا سيما في ظل الضغوط الأمريكية والإسرائيلية.
وأردفت أنه خلال الأيام الماضية، استضافت طهران وفودا من حركتي حماس والجهاد، فيما استضافت قطر عدة اجتماعات خلال الأشهر الـ18 الماضية؛ لمناقشة التهدئة في فلسطين، مما يعكس تقاربا استراتيجيا بين الدوحة وطهران في هذا الملف الحساس المتعلق بالأمن والاستقرار الإقليمي.
وأضافت أن هناك اختلافات واضحة في أساليب التعامل مع الأزمات والتحديات الإقليمية بين قطر وإيران، ما قد يشكل عاملا للتعاون المستقبلي. إلا أنه طالما أن الدولتين تركزان على النقاط المشتركة، خاصةً القضية الفلسطينية، فبإمكانهما لعب دور رئيسي في المعادلات الإقليمية. يمكن اعتبار قطر وسيطا، بينما تلعب إيران دور الداعم للمقاومة، وهو ما قد يؤدي إلى سياسات تكاملية تخدم أهدافهما المشتركة في فلسطين. وفي ظل الأزمة الحالية في العلاقات العربية-الأمريكية بعد تصريحات ترامب بشأن ترحيل الفلسطينيين، قد يزداد التقارب بين الدوحة وطهران.
واختتمت الصحيفة تقريرها، بذكر أن هذه الزيارة، إلى جانب أبعادها الدبلوماسية والسياسية، يمكن أن تحمل أهمية كبيرة في المجالين الاقتصادي والطاقة. فمن الجدير بالذكر أن قطر وإيران تمتلكان مصالح مشتركة في قطاع الطاقة، لا سيما فيما يتعلق بموارد الغاز المشتركة مثل حقل “بارس الجنوبي”. وعلى الرغم من وجود منافسة بينهما في هذا المجال، إلا أن ذلك لا يشكل عائقا كبيرا أمام تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين.
وأضافت أن قطر واحدة من اللاعبين الرئيسيين في سوق الغاز العالمي، حيث تعتمد بشكل كبير على مواردها من الطاقة. وفي المقابل، لم تتمكن إيران من الاستفادة الكاملة من إمكاناتها في هذا القطاع بسبب العقوبات المفروضة عليها. ومع ذلك، يمكن لقطر، من خلال علاقاتها الإيجابية مع إيران، أن تخلق فرصا جديدة للتعاون الاقتصادي والتجاري، مما يسهم في تعزيز المصالح المشتركة بين البلدين.