ترجمة: نوريهان البهي
نشر نائب الرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية محمد جواد ظريف، مقالين في صحف أجنبية خلال شهر واحد، حظيا باهتمام الصحف الإيرانية التي تناولت هذين المقالين بالتحليل.
نشرت صحيفة فرهيختگان الإيرانية الأربعاء 25 ديسمبر/كانون الأول 2024، تقريرا ذكرت فيه أن نائب الرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية جواد ظريف، قدم اقتراحا لتحقيق الاستقرار في منطقة غرب آسيا، عبر مقال له نُشر يوم الاثنين 23 ديسمبر/كانون الأول 2024، في مجلة الإيكونوميست البريطانية.
وفيه اقترح ظريف دعوة جميع الدول الإسلامية المؤثرة في المنطقة إلى المشاركة في مفاوضات شاملة ضمن إطار ما أطلق عليه اسم “مبادرة المودة”، التي تهدف إلى تعزيز التعايش السلمي والشراكات العادلة، كما ركز على تحديد الأولوية القصوى لتحقيق وقف فوري ومستدام لإطلاق النار في غزة، ولبنان، وسوريا، واليمن.
وأوضح ظريف أن المبادرة تهدف إلى تسهيل حركة البضائع وتمكين تبادل الطاقة والمعلومات والخدمات. وإضافة إلى ذلك، أكد أن ضمان أمن الطاقة، الذي يُعد ركيزة أساسية للتعاون الإقليمي، يتيح فرصا لتعزيز الترابط بين دول المنطقة بحيث تعتمد كل دولة على الأخرى لتحقيق الاستقرار والتنمية المشتركة.
وأكد أن السعي لإحياء الاتفاق النووي (خطة العمل الشاملة المشتركة) يُعد عنصرا أساسيا في هذه الخطة ورؤيتها المستقبلية، حيث سيسهم في تعزيز الالتزام المشترك بالسلام والاستقرار.
وأضاف أن إيران، كسائر الدول الأخرى، يمكنها أن تؤدي دورا أساسيا في إطار “خطة مودة”.
وأوضحت الصحيفة أن هذه هي المرة الثانية التي تم فيها نشر مقال لمحمد جواد ظريف في وسائل الإعلام الأجنبية منذ توليه مسؤولية منصبه كنائب للرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية. وسبق أن نشر ظريف مقالة في شهر ديسمبر/كانون الأول 2024 بمجلة “فورين أفيرز”، أثارت العديد من ردود الفعل والجدل.
كما ذكرت أن ظريف أشار في جزء من مقاله، إلى أن مسعود بزشكیان الرئيس الإيراني، اتبع سياسة خارجية مرنة، حيث منح الأولوية للحوار البنّاء والعلاقات الدبلوماسية، متخليا عن النماذج القديمة، مضيفا أن بزشكیان يسعى للتفاعل بشكل إيجابي مع الغرب، وأن حكومته مستعدة لإدارة التوترات مع الولايات المتحدة بعد انتخاب رئيسها الجديد.
وأضافت الصحيفة أن هذه التصريحات صدرت عن مسؤول حكومي إيراني ونُشرت في وسيلة إعلامية دولية، لذا فإنها حظيت باهتمام واسع من قبل وسائل الإعلام العالمية، كما أثارت ردود فعل حادة في الأوساط السياسية الإيرانية، حيث اعتبرها البعض بمثابة إشارة ضعف تجاه الولايات المتحدة.
فراغ طويل الأمد
وفي سياق آخر، ذكرت الصحيفة في تقريرها، أن هناك فجوات بارزة كانت خلال مفاوضات الاتفاق النووي، تمثلت في غياب ملحوظ للشخصيات والمسؤولين الإيرانيين عن وسائل الإعلام الدولية، مما حال دون إيصال مواقفهم وأفكارهم بشكل فعال.
في حين كان المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون يهيمنون على الساحة الإعلامية، مستفيدين من الأدوات الإعلامية للترويج لعلاقاتهم الإيجابية وتقديم روايتهم حول سير المفاوضات، مما مكنهم من التأثير على الرأي العام من خلال هذه الوسائل.
وأضافت الصحيفة أن حضور المسؤولين الإيرانيين في وسائل الإعلام والرد على الشبهات والبيانات التي يطرحها الأوروبيون والأمريكيون يمكن أن يساهما بشكل كبير، في تفكيك الصورة الإعلامية السلبية التي تُبنى ضد إيران.
ورغم ذلك، فإنه في السنوات الأخيرة بدأ يتم إدراك أهمية ظهور بعض الشخصيات المقربة أو التابعة للحكومة في وسائل الإعلام، حيث يشارك البعض أحيانا في وسائل الإعلام إما للرد على القضايا المطروحة وإما لتسليط الضوء على مواضيع تجمع بين السياسة الخارجية ومحاولة التأثير على الرأي العام.
وذكرت الصحيفة أن محمد مرندي، المحلل السياسي الإيراني ومستشار الشؤون الدولية في فريق مفاوضات إيران النووية، حينذاك، كان أبرز الوجوه التي ظهرت بوضوح في وسائل الإعلام الدولية خلال مفاوضات إحياء الاتفاق النووي، وكذلك في خضم الاضطرابات التي شهدتها إيران في خريف عام 2022.
وكذلك يعد نشر محمد جواد ظريف مقاله في الإيكونوميست خطوة مهمة تبرز خارج إطار المحتوى المطروح، حيث تساهم هذه المبادرة في تعزيز حضور الشخصيات السياسية الإيرانية على الساحة الإعلامية الدولية، وهو ما يُعتبر خطوة إيجابية في سياق تحسين الصورة السياسية للإيرانيين في الخارج.
الدبلوماسية الإعلامية
وفي هذا السياق أكدت الصحيفة أن تفاعل الشخصيات السياسية مع وسائل الإعلام، سواء كانت مكتوبة أو مرئية، له تأثيرات إيجابية عدة؛ وجزء من هذه التأثيرات يظهر في رسم الصورة الإعلامية لإيران، بينما يساهم الجزء الآخر في التأثير على السياسة الداخلية والرأي العام، وهذا التفاعل يمكن أن يؤثر بشكل ملحوظ على المتلقين.
وعلى الرغم من أن تأثير هذه التحركات قد يكون متفاوتا، فإن استخدام هذه الإمكانيات الإعلامية يُعتبر خطوة إيجابية بحد ذاته.
وبعيدا عن مجرد الحضور الإعلامي، فإن تقديم مبادرات تهدف إلى تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة من خلال الفضاء الإعلامي، بعيدا عن الاجتماعات الدبلوماسية التقليدية، سيعزز من قوة إيران على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وفي حال كانت هذه المبادرات قابلة للتنفيذ واحتلت مكانة بارزة في وسائل الإعلام، فإنها ستواجه بشكل مباشر، الجهود الغربية والإسرائيلية التي تهدف إلى عزل إيران، خاصة عبر استخدام الأدوات الإعلامية.
وأشارت الصحيفة إلى أنه في بعض الأحيان، قد تكون التصريحات الصادرة عن شخصيات سياسية مقربة أو تابعة للدولة والنظام الحاكم في إيران متسرعة، ويفتقر بعضها إلى مراعاة الملاحظات السياسية والدولية الضرورية.
وعلى سبيل المثال، كانت المقالة التي كتبها محمد جواد ظريف في مجلة “فورين أفيرز” بعد الانتخابات الأمريكية، إضافة إلى التغريدة التي نشرها محمد مرندي حول استهداف المنشآت الغازية في قطر، وبعيدا عن الجدل الذي أثارته، من بين المواقف التي كانت تتناقض مع السياسات والخطوط العريضة للنظام الحاكم.
ومن هنا أضافت الصحيفة أنه يجب على الشخصيات السياسية التي تكتسب شهرة إعلامية، أن تدرك أن تصريحاتها في وسائل الإعلام الدولية تحظى باهتمام واسع ويتم التعامل معها على أنها مواقف رسمية لإيران. وبالتالي، من الضروري أن يتم طرح الآراء والردود بشكل دقيق، مع مراعاة التوازن الإعلامي، بما يضمن عدم تأثر صورة البلاد في الساحة الدولية.
وفي الختام اعتبرت الصحيفة حضور المسؤولين والشخصيات السياسية في وسائل الإعلام، والسعي لتعزيز هذا الحضور منذ البداية، خطوة إيجابية.
وأضافت أنه إذا تم التركيز على الهدف الرئيسي المتمثل في الوجود بوسائل الإعلام الدولية، ومنع تقديم صورة مشوهة عن سياسة إيران أو واقعها الداخلي، فإن ذلك سيؤدي إلى نتائج إيجابية؛ لذا، يُعتبر العمل على إنهاء الصمت الإعلامي خطوة إيجابية، وهو ما يُعد أمرا مُرحبا به.
كما بينت أنه في ظل محاولات الغرب الضغط على نقاط ضعف إيران، وضمن ذلك في مجال الإعلام، بهدف إضعاف إيران سواء في إدارة الرأي العام أو في العلاقات الدولية، فإن التصدي السريع والفعّال لهذه الإجراءات، واستخدام الإمكانيات المتاحة في وسائل الإعلام الدولية لتقويض هذه المحاولات، يعد خطوة صحيحة ومبنية على أساس قوي لمواجهة محاولات عزل إيران.
وجدير بالذكر أن محاولات تعزيز الحضور الإعلامي الإيراني على الساحة الدولية قد تحمل في طياتها تأثيرات كبيرة، سواء على صعيد السياسة الخارجية أو الرأي العام الداخلي، مما يفتح الباب أمام تحولات محتملة في العلاقات الإقليمية والدولية.