ترجمة: علي زين العابدين برهام
في مقابلة مع قناة الجزيرة نُشرت الجمعة 28 فبراير/شباط 2025، انتقد وزير خارجية تركيا السياسات الإقليمية لإيران، مدعيا أن دعم طهران لفصائل المقاومة في المنطقة يعد سياسة مكلفة ومحفوفة بالمخاطر، وإيران بحاجة إلى تغيير نهجها، محذرا من أن استمرار هذه السياسة سيؤثر سلبا ليس فقط على الداخل الإيراني، بل على المنطقة بأسرها.
نشرت صحيفة “فرهيختگان” السبت 1 مارس/آذار 2025، تقريرا تحت عنوان “هاكان.. كثير النسيان”، منتقدةً تصريحات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان حول إيران.
ذكرت الصحيفة أن فيدان هدد إيران قائلا: “إذا كنتم تسعون لإزعاج بلد ما من خلال دعم جماعة معينة داخله، فإن بلدا آخر قد يدعم جماعات داخل بلدكم لإزعاجكم أيضا. لم يعد هناك شيء مخفي في العالم، والقدرات التي تمتلكونها يمتلكها الآخرون أيضا. لذلك، إذا كنتم لا تريدون أن تُرمى نوافذ منازلكم بالحجارة، فلا تلقوا الحجارة على نوافذ الآخرين”.
تناقض أنقرة في سياساتها الإقليمية
وأضافت أن هذه التصريحات تأتي في وقت تُظهر فيه سياسات تركيا الإقليمية تناقضا واضحا، إذ إن أنقرة نفسها منخرطة في دعم جماعات مسلحة مختلفة في مناطق مثل سوريا، وأذربيجان، وليبيا.
وتساءلت عما إذا كانت تركيا تعتبر هذا النهج فاشلا، فلماذا تواصل اتباعه؟ وإذا كان ناجحا، فلماذا تنتقد إيران على اتباعه؟
وأوضحت أن النهج الإيراني في المنطقة يستند إلى رفض الهيمنة الشرقية والغربية، وتعزيز خطاب مستقل، وهو ما جعل تأثيره يتجاوز البعد العسكري، ليصبح إلهاما فكريا لمجتمعات مختلفة.
وتابعت أن القيادة الإيرانية أكدت مرارا، أنها لا تمتلك قوات بالوكالة، وهو ما أكده محمد جواد ظريف، النائب الاستراتيجي للرئيس الإيراني، خلال مشاركته في المنتدى الاقتصادي العالمي.
القوة الناعمة لإيران.. نفوذ فكري عابر للحدود
ذكرت الصحيفة أنه منذ انطلاقتها، لم تكن الثورة الإسلامية في إيران مجرد تحول سياسي، بل كانت حركة فكرية وثقافية عميقة، أسست خطابا مستقلا تجاوز الحدود الجغرافية، ليترك أثره على المستويات الإقليمية والدولية.
وأضافت أن الثورة الإسلامية قامت على رفض التبعية للشرق والغرب، وطرحت رؤية قائمة على العدالة، والاستقلال، والمقاومة ضد القوى المهيمنة، ولم يقتصر تأثيرها على الشرق الأوسط، بل امتد إلى قارات أخرى، حيث انتشر فكر المقاومة والسعي للاستقلال، كما تجلى ذلك في إفريقيا.
وأوضحت أن هذا الانتشار يعكس مدى تأثير الفكر الثوري الإيراني خارج حدوده، دون الحاجة إلى أدوات الدعاية التقليدية. منذ البداية، تبنّت الثورة الإسلامية موقفا صريحا ضد الأنظمة المادية، سواء في الكتلة الشرقية أو الغربية.
وتابعت أن هذه الرؤية ألهمت العديد من الحركات التحررية حول العالم، وما زال تأثيرها واضحا حتى اليوم.
وأضافت أن الثورة منذ انطلاقتها، واجهت محاولات للحد من تأثيرها من قبل القوى الكبرى وبعض الأنظمة الإقليمية التي رأت فيها تهديدا لمصالحها، ولعبت وسائل الإعلام الغربية والمؤسسات السياسية الدولية دورا محوريا في تشويه هذا الخطاب والتقليل من تأثيره.
وذكرت أنه ومع ذلك، لم تتمكن هذه المحاولات من وقف انتشار الفكر الثوري الإيراني أو الحد من تأثيره المتنامي.
وأردفت أنه عكس العديد من الدول التي تعتمد على الوسائل العسكرية والاقتصادية لتوسيع نفوذها، اعتمدت الثورة الإسلامية على القوة الناعمة والفكرية، هذا النموذج، القائم على الإلهام وتقديم نموذج يُحتذى به، جعل تأثيره أكثر استدامة وعمقا على المدى الطويل.
وأضافت أن ما يجعل الثورة الإسلامية الإيرانية نموذجا فريدا هو قدرتها على إحداث تأثير واسع دون الاعتماد على القوة أو الدعاية القسرية، حيث استطاعت إلهام شعوب مختلفة حول العالم رغم العقبات والضغوط الخارجية.
وأوضحت أن هذا يؤكد أن القوة الناعمة للثورة الإسلامية لا تزال عاملة وفعالة، قادرة على إعادة تشكيل الفكر السياسي والاجتماعي في مناطق مختلفة من العالم، حتى بعد مرور عقود على انطلاقها.
إيران تدعم جبهة المقاومة.. لا تملي عليها
ذكرت الصحيفة أنه لطالما كان دور إيران في دعم الجماعات الإقليمية موضوعا جدليا في السياسة الخارجية الإيرانية. فقد اتهمت الدول الغربية، خاصةً الولايات المتحدة، طهران مرارا بدعم “قوات بالوكالة” في المنطقة.
وأضافت أن إيران رفضت هذه الادعاءات، مؤكدةً أن علاقاتها قائمة على التعاون ودعم الحركات الشعبية والحكومات الشرعية.
وأشارت إلى أنه في منتدى دافوس الاقتصادي العالمي، شدد محمد جواد ظريف، نائب الرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية، على أن إيران لم يكن لها يوما قوات بالوكالة في المنطقة، وشدد على أن دعم إيران لبعض الحركات الإقليمية لا يستند إلى فكرة استخدامها كأدوات لخدمة مصالحها، بل إلى تعاون قائم على المصالح المشتركة والعلاقات الاستراتيجية.
وأشارت إلى أنه من منظور طهران، فإن التعاون مع حزب الله في لبنان، والحشد الشعبي في العراق، وأنصار الله في اليمن ليس استغلالا لهذه المجموعات، بل هو دعم لحركات شعبية محلية تمتلك شرعية داخلية.
وعلى هذا الأساس، ترفض إيران وصف علاقاتها بهذه الفصائل بأنها نموذج لـ”الوكالة”، حيث ترى أنها تختلف جذريا عن الأساليب التي تستخدمها بعض الدول الأخرى في المنطقة.
وأضافت أنه عكس القوى الغربية وبعض الدول الإقليمية التي قامت خلال السنوات الماضية، خاصة في سوريا، بدعم جماعات مسلحة معادية للحكومات الشرعية، فإن إيران أكدت أن دعمها يأتي في إطار الدفاع عن الحكومات الشرعية وضد التدخلات الأجنبية.
وأردفت أنه بالتالي، فإن الحديث عن “وكالة إيران” مجرد خطاب سياسي يهدف إلى الضغط عليها، في حين أن علاقاتها مع حلفائها مبنية على شراكات استراتيجية، لا على سياسات الهيمنة والسيطرة.
وأوضحت أن خير دليل على ذلك، هجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، حيث اتخذت الحركة قرارها دون الحاجة إلى التنسيق المسبق مع إيران، ما يعكس حقيقة أن حلفاء طهران ليسوا أدوات تتحكم فيها، بل قوى مستقلة تتخذ قراراتها بناءً على مصالحها وأهدافها الخاصة.
فيدان.. تحدَّث إلى المرآة حتى لا تقع في التناقض
ذكرت الصحيفة أنه لطالما اتهم وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، إيران بدعم الجماعات الإقليمية واتباع سياسة “الوكالة”، محذرا من مخاطر هذا النهج. لكن المثير للسخرية أن أنقرة نفسها تعتمد الأسلوب ذاته، وما زالت تواصل استخدامه لتعزيز نفوذها الإقليمي.
وأضافت أنه على مدى السنوات الأخيرة، انخرطت تركيا في أزمات المنطقة، ودعمت جماعات مسلحة في سوريا، وليبيا، وأذربيجان، مستخدمةً هذا النفوذ لترسيخ موقعها الجيوسياسي.
وتابعت أنه إذا كان دعم الجماعات المسلحة والتدخل في شؤون الدول الأخرى نهجا خطيرا وغير مقبول، فلماذا تمارسه تركيا بنفسها؟ وإذا كان هذا النهج فعالا ومبررا لحماية المصالح القومية، فلماذا يُطلب من إيران وحدها التخلي عنه؟
وأشارت إلى أن التناقض التركي يُظهر أن انتقادات أنقرة لطهران ليست سوى أداة للضغط السياسي في إطار المنافسة الجيوسياسية. في الواقع، كل من إيران وتركيا تتبعان سياسات خارجية قائمة على حماية مصالحهما الوطنية.
وأردفت أنه إذا كانت أنقرة تدعو طهران إلى تغيير سياساتها، فمن الأولى بها أن تعيد النظر أولا في نهجها الإقليمي، فاستمرار هذه الازدواجية لن يؤدي إلى استقرار المنطقة، بل سيؤجج التوترات والصراعات الجيوسياسية أكثر فأكثر.
“تي آر تي فارسي”.. الذراع الإعلامية لتركيا ضد إيران
ذكرت الصحيفة أنه في إطار استراتيجيتها الجديدة تجاه إيران، أطلقت تركيا قناة “تي آر تي فارسي”، التي تهدف بوضوح إلى إعادة تشكيل المشهد الإعلامي الفارسي والتأثير على الرأي العام الإيراني.
وأضافت أنه في عام 2023، أعلن زاهد سوباجي، المدير العام لتلفزيون “TRT” التركي الرسمي، بكل وضوحٍ أن القناة أنشئت “لإزعاج إيران وإرباكها”.
وأوضحت أن هذا التصريح يعكس سياسة أنقرة المعلنة في التوغل داخل الفضاء الإعلامي الفارسي واستغلاله كأداة ضغط ضد طهران، فمع تراجع ثقة الإيرانيين بالقنوات الفارسية الغربية، تحاول تركيا سد هذا الفراغ عبر “تي آر تي فارسي”.
وتابعت أنه إلى جانب هذه الحرب الإعلامية، جاءت تصريحات وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، الذي حذّر قائلا: “إذا رميتم حجارة على زجاج الآخرين، فسيردون بالمثل على زجاجكم”.
وأردفت أن هذا التصريح يعكس أن أنقرة لا تكتفي بالضغط السياسي، بل توسّع نطاق مواجهتها مع إيران عبر الإعلام والتلاعب بالرأي العام الإيراني، وأنه من خلال هذا التوسع الإعلامي، تحاول تركيا تعزيز نفوذها في المنطقة، وخلق موطئ قدم داخل إيران، لتبرير سياساتها المناهضة لجبهة المقاومة.
واختتمت تقريرها قائلةً إن هذه السياسات التصعيدية قد تؤدي إلى تفاقم التوترات الإقليمية بدلا من تحقيق أهدافها، مما يعمّق التنافس الاستراتيجي بين أنقرة وطهران.