كتب: ربيع السعدني
يبدو أن صورة مستقبل الكهرباء في العراق أصبحت أكثر وضوحا، بعد أن أعلنت الولايات المتحدة إيقاف إعفاء استيراد الغاز الايراني، وهو ما سيكون له آثار سلبية خطيرة على الشعب واقتصاد البلاد؛ لحرمانه من الطاقة.
في خطوة عدائية، لم تمدد واشنطن إعفاء العراق من العقوبات المفروضة على استيراد الكهرباء من إيران، والذي يسمح للعراق بدفع ثمن واردات الكهرباء من إيران، بحسب وكالة أنباء الطلبة الإيرانية “إيسنا” نقلا عن “رويترز”.
وكان هذا الإعفاء من العقوبات ساري المفعول منذ العام 2018، خلال الإدارة الأولى للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وكان يتم تمديده كل 120 يوما، وانتهى هذا الإعفاء من العقوبات يوم السبت (15 مارس/آذار 2025).
وفي وقت سابق أعلن المدير العام لشركة إنتاج وتوزيع الطاقة الكهربائية في إيران، مصطفى رجبي مشهدي، الجمعة 14 مارس/آذار 2025، أن صادرات الكهرباء إلى العراق مستمرة، بناءً على الاتفاقية المبرمة بين البلدين.
ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “فارس” عن مشهدي، قوله إن “صادرات الكهرباء إلى العراق ستستمر بناءً على الاتفاقية الموقعة بين البلدين والمدة المتبقية من هذا الالتزام، وسيتم توريد الكهرباء إلى العراق وفقًا للاتفاقية المبرمة”.
وبحسب وكالة الطلبة الإيرانية للأنباء، أكد مستشار رئيس الوزراء العراقي للعلاقات الخارجية، فرهاد علاء الدين، في كلمة له بشأن الإعفاءات الأمريكية لواردات الطاقة من إيران، أن إلغاء الولايات المتحدة للإعفاء يشمل فقط واردات الكهرباء، بينما يبقى إعفاء الغاز قائما.
العراق يسعى لإيجاد البديل!
وفي وقت سابق أعلنت وزارة الكهرباء العراقية، الخميس 13 مارس/آذار 2025، أنه رغم الإعفاء الأمريكي لاستيراد الغاز من إيران، فإن البلاد تسعى لإيجاد مصادر بديلة للطاقة.
وقد تدرس استيراد الغاز من قطر وعمان، وأكدت الوزارة أن هناك إرادة سياسية في العراق للاعتماد على مصادر الغاز المتعددة لتحقيق الاكتفاء الذاتي، لكنهم أكدوا أن استيراد الغاز من إيران لم يتوقف بعد.
يعتمد العراق بشكل كبير على الغاز الإيراني لتشغيل محطات الطاقة ويواجه تحديات في تأمين البدائل المناسبة لضمان استقرار إمدادات الطاقة، خاصة خلال فترات الذروة في الصيف.
ووفقا لوزارة الكهرباء العراقية، بحسب ما نقلته وكالة أنباء “فارس”، فإن متوسط إنتاج الكهرباء في العراق يبلغ 26 ألف ميغاواط، يتم إنتاج 6 آلاف ميغاواط منها باستخدام الغاز المصدر من إيران إلى العراق، كما يبلغ حجم استيراد الكهرباء من إيران نحو 1200 ميغاواط.
عواقب كارثية
وفي هذا الإطار، وجَّه عطوان العطواني، رئيس اللجنة المالية في مجلس النواب العراقي، رسالة مهمة إلى السفير الأمريكي لدى العراق دانيال روبنشتاين، لتقديمها لحكومة بلاده، وكان محتوى هذه الرسالة هو أن إيقاف استيراد الغاز الإيراني ستكون له عواقب كارثية على الأمة العراقية، خاصة في فصل الصيف، وسيؤدي إلى انهيار منظومة الكهرباء في البلاد بسبب عدم وجود البديل.
كما أكد المتحدث باسم وزارة الكهرباء العراقية أحمد موسى، وفقا لوكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “إرنا“، أن توقف الغاز الإيراني بالكامل سيكون له بالتأكيد تأثير واضح وكبير على إمدادات الطاقة للعراق.
لا يوجد بديل للغاز الإيراني
وتصدّر إيران عادةً الغاز إلى العراق دون أي مشاكل بمعدل 40 مليون قدم مكعبة يوميا، في حين تبلغ الحاجة اليومية للعراقيين للغاز لإنتاج الكهرباء 55 مليون قدم مكعبة، ويتم توجيه هذه الكميات من الغاز الإيراني إلى محطات الطاقة الحيوية.
وأكد المسؤولون العراقيون مرارا، أنه “لا يوجد حالياً بديل للغاز الإيراني لاستمرار تشغيل محطات الطاقة الخاصة بهم، وأن اعتماد العراق على الغاز المحلي سيستغرق أكثر من عامين”.
تأثير توقف غاز إيران
وفي هذا الصدد، قال المتحدث باسم وزارة الكهرباء العراقية أحمد العبادي، لوكالة أنباء “شفقنا نيوز” نقلها موقع “irdiplomacy”، إنَّ توقف واردات الغاز الإيراني سيؤثر بشدة على المنظومة الكهربائية في البلاد، ما سيؤدي إلى فقدان أكثر من 8 آلاف ميغاواط من الكهرباء.
وأضاف أن “الحكومة ووزارة الكهرباء وضعتا خطة شاملة لضمان عدم حدوث أي أزمة في إمدادات الكهرباء خلال الصيف المقبل”، مشيرا إلى أن وزارة النفط تخطط لاستيراد 600 مليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي المسال عبر منصات عائمة في الموانئ العراقية، ومن المتوقع أن تدخل الخدمة قبل الصيف المقبل وتولد نحو 4 آلاف ميغاواط من الكهرباء”.
انقطاع الكهرباء
في المقابل أبدى الجانب العراقي خشيته من أن يؤثر هذا القرار الأمريكي على التغذية الكهربائية في البلاد، ويؤدي إلى انقطاع الكهرباء. وردا على هذا القرار قال مستشار رئيس الوزراء العراقي للشؤون الخارجية فرهاد علاء الدين، إن عدم تجديد الإعفاءات سيضع بغداد أمام “تحديات تشغيلية مؤقتة”، مؤكدا أن “الحكومة تعمل جاهدة على إيجاد بدائل لمواصلة إمدادات الكهرباء والتخفيف من وطأة أي اضطرابات محتملة”.
استمرار “الضغط القصوى”
كما أكد متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، السبت 15 مارس/آذار 2025، بحسب وكالة أنباء الطلبة الإيرانية “إيسنا” نقلا عن وكالة رويترز، استمرار حملة “الضغط القصوى” التي تشنها إدارة ترامب الثانية على طهران بعد إعلان انتهاء إعفاء العراق من العقوبات لاستيراد الكهرباء من إيران، مدعيا: “واشنطن لن تسمح لإيران بتحقيق أي درجة من التسهيلات المالية أو الاقتصادية”.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن هدف سياسة الضغط القصوى هو “القضاء على التهديد النووي الإيراني، ومنع تطوير برنامجها الصاروخي الباليستي، ووقف دعمها للجماعات الإرهابية في المنطقة”.
ودعا الحكومة العراقية أيضا إلى تقليص اعتمادها على الطاقة الإيرانية، في حين أعرب مسؤولون عراقيون عن قلقهم إزاء قرار إدارة ترامب في الأيام الأخيرة، وسط تكهنات بأن هذا الإعفاء من العقوبات لن يتم تمديده.
الإعفاء من العقوبات
وقد صدرت الإعفاءات من العقوبات الأمريكية على العراق في عام 2018 خلال إدارة ترامب الأولى، وتم تجديدها كل 120 يوما، واستمرت هذه الإعفاءات خلال إدارة بايدن. وتمكن العراق، في ذلك الوقت، من إقناع ترامب بإصدار هذه الإعفاءات؛ لأنه لم يكن لديه بديل لإمدادات الكهرباء والغاز.
وبدورها مددت إدارة بايدن أيضا هذه الإعفاءات في شهري مارس/آذار ويوليو/تموز، وفي تفسيره للقرار، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن هذه الخطوة تأتي في إطار حملة “الضغط القصوى” التي يشنها الرئيس ترامب ضد إيران.
طهران لـ”ترامب”: تصرفكم مع العراق غير قانوني
بعد وقف تجديد الإعفاء الأمريكي الممنوح للعراق من أجل استيراد الكهرباء من إيران، نددت طهران بتلك الخطوة التي وصفتها بغير القانونية.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي، في مؤتمر صحفي، يوم الاثنين (10 مارس/آذار 2025)، إن “مثل هذه التصريحات اعتراف بالخروج على القانون، وبالجرائم ضد الإنسانية، لأن العقوبات الأمريكية الأحادية الجانب، ضد بلادنا غير مبررة ومن دون أي أساس قانوني”، كما شدد على أن الخطوة الأمريكية “غير قانونية على الإطلاق”.
وعلى صعيد آخر يُعد العراق أحد أهم البلدان بالنسبة لإيران، بحسب تقرير مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية، يوم الثلاثاء 11 مارس/آذار 2025، سواء من الناحية الاقتصادية أو الاستراتيجية، فهو خامس أكبر منتج للنفط عالميا.
كما يعمل كمنفذ لتجاوز العقوبات المفروضة على طهران، إضافة إلى ذلك، تهيمن الميليشيات العراقية الموالية لإيران، مثل عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله، على أجزاء واسعة من الاقتصاد العراقي، مما يسمح لطهران بتمويل عملياتها في المنطقة عبر شبكات تمتد إلى النفط، والاتصالات، والسياحة الدينية، والبنية التحتية.