كتبت- أميرة فهيم
بات عباس عراقجي، المفاوض النووي الإيراني الشهير والدبلوماسي المخضرم على بعد خطوات من تولي منصب رئاسة الخارجية الإيرانية، وذلك بعد ترشيح الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان له ضمن قائمة وزرائه والتي يناقش البرلمان الإيراني الآن منحها الثقة من عدمه.
وعلى الرغم من أن تاريخ عباس عراقجي في المفاوضات النووية يتجاوز زمن وزير الخارجية محمد جواد ظريف، إلا أن هذا الدبلوماسي الإيراني المخضرم أصبح اسمًا ووجهًا مألوفًا للإيرانيين مع اتفاق خطة العمل الشاملة المشتركة، والتي انتهى النقاش حولها بشكل نهائي ودخلت في إطار التطبيق على أرض الواقع في يوليو/ تموز 2015.
وبعد وصول جو بايدن إلى السلطة، وبدء جولة جديدة من الأنشطة الدبلوماسية لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة المعروفة باسم الاتفاق النووي، كان يُعد الشخص الثاني لإيران في المحادثات بعد جواد ظريف، وبعد وصول إبراهيم رئيسي ورفاقه من منتقدي خطة العمل الشاملة المشتركة إلى السلطة، ذهب إلى “الهامش” مثل بعض الشخصيات الأخرى في وزارة الخارجية التي لعبت دورًا في تشكيل خطة العمل الشاملة المشتركة.
ومع انضمام محمد جواد ظريف إلى فريق مسعود بزشكيان الانتخابي، توقع البعض أنه سيكون المرشح الرئيسي لوزارة الخارجية، لكن تم تعيين السيد ظريف نائبًا استراتيجيًا للرئيس الإيراني.
ترشيح عراقجي الخارجية
في سياق متصل فقد طرح الرئيس الإيراني الجديد، مسعود بزشكيان يوم الأحد (11 أغسطس/ آب)، اسم عباس عراقجي، الذي تصفه وسائل إعلام غربية بـ”الدبلوماسي المخضرم” والمفاوض النووي السابق، في منصب وزير الخارجية، ومن المقرر أن تبدأ اللجان البرلمانية في مراجعة خطط الوزراء المقترحين اعتبارًا من يوم الإثنين (12 أغسطس/ آب)، ويتطلب الأمر موافقة البرلمان لتثبيت حكومة بزشكيان المقترحة.
الملفات الخارجية التي تنتظر بصمة عراقجي
بطبيعة الحال يواجه عباس عراقجي، ملفات كثيرة حال وصوله إلى منصب وزارة الخارجية في إيران، وكما أفاد موقع تجارات نيوز، الإيراني في تقرير له يوم الإثنين 12 أغسطس/آب 2024، فإن نهج عباس عراقجي ملفت في عدة محاور رئيسية، بدءًا من المفاوضات لرفع العقوبات والعلاقات مع أوروبا، إلى الدبلوماسية الإقليمية وسياسة الجوار، ومن العلاقات مع الصين وأميركا اللاتينية وإفريقيا إلى دبلوماسية المياه والبيئة التي كانت أحد المحاور التي أكد عليها خلال السنوات الماضية.
وقبل الدخول في هذه المحاور لا بد من التأكيد على أن وزارة الخارجية هي الجهة المنفذة للسياسة الخارجية والقرارات التي تعتمدها الأمانة العامة لمجلس الأمن الوطني، ولذلك فإن كل وزير، لديه مهمة واضحة ومحددة مسبقًا، ولا يملك سوى القليل من القدرة على المناورة لتغييرها.
إن النهج والتوجه والتفاعل التنظيمي والخبرات هي من الأشياء التي تجعل منصب الشخص عنصرًا حاسمًا في تشكيل الموقف، الأمر الذي سيؤدي إلى اتخاذ قرارات أكثر مثالية.
- مفاوضات لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة.
ويرتبط اسم عباس عراقجي بالمفاوضات النووية التي أدت إلى توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة عام 2014، ولعل أول توقع منه في هذا المجال هو تغيير الوضع الحالي والخروج من المأزق القائم منذ صيف عام 2022 وعلى الرغم من الجهود التي بذلتها الحكومة الثالثة عشرة لإنهاء المفاوضات، فقد تم حذف رفع العقوبات من جدول أعمال الأطراف.
بطبيعة الحال، وبالنظر إلى التعقيدات التي فرضت على خطة العمل الشاملة المشتركة، فإن فكرة إعادة خطة العمل الشاملة المشتركة ورفع العقوبات عن طريق تغيير الفريق النووي هي فكرة ممكنة للغاية.
ومع ذلك، نظرًا لآراء عراقجي بشأن القضية النووية وخاصة فيما يتعلق بالنهج الموعود لمسعود بزشكيان في عملية المنافسات الرئاسية لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة، فضلاً عن وجود حزمة خطة العمل الشاملة المشتركة المتفق عليها ولكنها معلقة والتي بالطبع تحتاج إلى إعادة النظر فيها.
ويمكن لوزير الخارجية الجديد أن يغير في هذا المجال ويدفعه نحو اتفاق جديد. وعلى افتراض عدم السماح بالمفاوضات المباشرة مع الولايات المتحدة، فإن قنوات الوساطة ومن وراء الكواليس مع واشنطن ستكون مفتوحة ويمكن أن تصبح أكثر نشاطًا في العصر الجديد.
وبالنظر إلى الاستقبال الذي أبداه أمثال إنريكي مورا، النائب المسؤول عن السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، لعودة عراقجي إلى النظام الدبلوماسي، فإن استخدام قنوات الاتصال الشخصية هذه يمكن أن يساعد أيضًا في تغيير الأجواء الحالية.
- استعادة العلاقات مع أوروبا
- بالتوازي مع مفاوضات إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة، ستكون استعادة العلاقات المتوترة مع الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسها الترويكا الأوروبية، أحد الافتراضات الأكثر ترجيحًا في الفترة الجديدة لجهاز السياسة الخارجية في ظل حكم إيران، والعلاقات التي تشهد جمودًا منذ الأشهر الأولى منذ عام 1401هـ بسبب القضايا الثلاث، تتمثل في ادعاء إيران دعم روسيا في حرب أوكرانيا، وتعليق مفاوضات رفع العقوبات، والاضطرابات في إيران نهاية سبتمبر/أيلول الماضي.
كما خدم عراقجي كدبلوماسي بارز في منصب سفير إيران لدى اليابان وفنلندا. خلال فترة مسؤوليته في الملف النووي، كانت العلاقات مع أوروبا في واحدة من أفضل الفترات بعد الثورة، والتي وصلت إلى حد إعادة فتح مكتب الاتحاد الأوروبي في إيران.
من ناحية أخرى قاد الجانب الإيراني، حيث شغل عراقجي منصب نائب وزير الخارجية القانوني والدولي، خلال المفاوضات في فيينا، التي أسفرت عن توقيع طهران والقوى الدولية الست اتفاقًا في عام 2015، وضع قيودًا واسعة على البرنامج النووي لإيران، مقابل تخفيف العقوبات.
فكان يتفاعل بشكل رئيسي مع المنظمات والمؤسسات الدولية، بما في ذلك المنظمات التي مقرّها في أوروبا، بما فيها جنيف وفيينا.
- التواصل مع الشرق
- من القضايا والمواضيع المهمة التي برزت مع الحكومة الثالثة عشرة، هو التوجه نحو الشرق في سياسة إيران الخارجية والتأكيد على القرب من روسيا والصين، فضلاً عن الانضمام إلى الكتل الناشئة مثل شنغهاي والبريكس.
ومع تنصيب الحكومة الرابعة عشرة يبدو أن العلاقات مع الشرق ستستمر؛ ولكن في الوقت نفسه، يمكن أن تشهد أيضًا بعض التغييرات. والحقيقة هي أن التوجه نحو الشرق سيكون جزءًا من الدبلوماسية المتوازنة في السياسة الخارجية إذا تم أيضًا تحسين العلاقات مع الغرب بالتوازي.
وبسبب انتقال تدفقات رأس المال إلى الشرق، وجد الشرق دوراً أكثر حسماً في علاقات الاقتصاد السياسي للعالم مما كان عليه في الماضي، خاصة مقارنة بما كان عليه قبل عقد من الزمن.
وفي هذا الإطار، ووفقاً لمقالة الرئيس الجديد، التي كانت بمثابة الكشف عن بيان السياسة الخارجية لـبزشكيان، سيعمل عباس عراقجي بصفته وزيراً للخارجية، على تعزيز العلاقات مع الشرق.
وفي الوقت نفسه، فإنه من خلال إحياء العلاقات مع أوروبا، سيحقق التوازن ويمكنه أيضاً تأسيس هذه العلاقة.
وبالإضافة إلى ذلك، كان عراقجي نائباً سابقاً لوزارة الخارجية لشؤون آسيا والمحيط الهادئ وسفيراً لإيران لدى اليابان من مارس 2006 إلى أكتوبر 2010، مما يدل على خبرته الدبلوماسية والميدانية في العمل في مجال العلاقات مع الشرق.
- الدبلوماسية الإقليمية
من الجوانب المهمة في السياسة الخارجية للحكومة الجديدة، والتي ستكون استمراراً لسياسة الجوار التي تنتهجها الحكومة الثالثة عشرة، العلاقة مع الدائرة المحيطية الأولى لإيران، والتي تتمثل في التفاعل مع جيرانها العرب في الخليج الفارسي.
وبالطبع خلال الفترة التي كان فيها عراقجي مسؤولاً في وزارة الخارجية، توترت العلاقات منذ نهاية عام 2014 ثم انقطعت.
وفي الوقت نفسه الذي بدأت فيه مفاوضات خطة العمل الشاملة المشتركة، اقترح محمد جواد ظريف خطة منتدى حوار إقليمي لتحسين العلاقات مع الجيران الجنوبيين، وهو ما لم يلقَ الترحيب بالطبع.
لكن مع تغير الأجواء الإقليمية وتحسن العلاقات، والتي كان ذروتها إعادة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية بوساطة الصين، يبدو أن هذه العلاقات ستجد بعداً جديداً في المنطقة خلال الفترة الجديدة، وخاصة على الصعيد الاقتصادي.
وبطبيعة الحال، فإن الدخول في شراكات اقتصادية واستثمارية مع مجلس التعاون الخليجي الفارسي له شرط أساسي، وهو رفع العقوبات، ذلك بسبب الارتباط الاقتصادي والمؤسسي للدول العربية في الخليج الفارسي مع الهيكل الاقتصادي للولايات المتحدة والغرب، وهناك حاجة إلى إيلاء اهتمام وفهم جديدين للعلاقة بين هاتين الكتلتين في العصر الجديد.
- دبلوماسية المياه
ينبغي اعتبار دبلوماسية المياه من أهم المواضيع في سياسة عباس عراقجي الخارجية في الفترة المقبلة، وذلك لأنه من المواضيع المفضلة لديه والتي ينصب اهتمامه وتركيزه عليها، خاصة مع الأخذ في الاعتبار أهمية المياه كعنصر أساسي في النزاعات الحدودية والإقليمية خلال السنوات الماضية.
يمكن تقييم كتاب دبلوماسية المياه العابرة للحدود والنظام الدولي: دروس في السياسة الخارجية لجمهورية إيران تأليف عباس عراقجي ، وحاول في هذا الكتاب طرح مواقف وحلول جديدة للسياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تتمتع بمياه عابرة للحدود مع جيرانها، من خلال الإجابة على الأسئلة في مجال المياه العابرة للحدود.
لذلك، من المتوقع أنه مع تولي عراقجي وزارة الخارجية، سيتم إدارة النزاعات الحدودية المائية مع الجيران، وخاصة أفغانستان والعراق بشكل أفضل.