كتبت: سارة محمد علي
رغم النفي الإيراني الرسمي للقاءٍ سري جمع رجل الأعمال الأمريكي، إيلون ماسك، وسفير إيران في الأمم المتحدة، سعيد إيرواني، في الولايات المتحدة الأمريكية، منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، فإن مصادر مقربة من الحكومة الإيرانية أكدت لـ”زاد إيران” حدوث اللقاء، معللةً النفي الإيراني بأنه بسبب ضغط التيار الأصولي وهجومه الشديد على الحكومة عند تسريب أنباء اللقاء؛ مما اضطر “الخارجية الإيرانية” للإنكار .
يعيد ذلك إلى الأذهان تاريخ المفاوضات السرية بين واشنطن وطهران منذ تأسيس الجمهورية الإيرانية، والتي تم نفي معظمها في حينها، لكن شهادات لاحقة أكدتها، التقرير التالي يرصد أبرز المحطات في تاريخ المفاوضات السرية بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية في عهد المرشد الإيراني روح الله الخميني، الذي وصف أمريكا في واحد من أشهر خطاباته، بـ “الشيطان الأكبر“.
من جلسات التفاوض إلى مقصلة الإعدام
جرت أول مفاوضات سرية بين الولايات المتحدة وإيران بين نهاية عام 1979 ومطلع 1980، عقب احتلال السفارة الأمريكية في طهران؛ حيث أجرى وزير الخارجية الإيراني آنذاك صادق قطب زاده محادثات سرية مع هاميلتون جوردان، رئيس ديوان الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، لحل أزمة احتجاز الدبلوماسيين الأمريكيين كرهائن لدى الطلاب الإيرانيين المسيطرين على السفارة.
تسرب حينها نبأ المفاوضات السرية لزاده وجوردان، وبدأ الهجوم على وزير الخارجية الإيراني آنذاك من قِبَل عدد من التيارات الإيرانية، وتم اتهامه من بعضهم بالعمل لصالح منظمات تحاول الانقلاب على “الثورة الإسلامية” ومرشدها الخميني، بدعم من قوى خارجية، وهو ما نفاه زاده في حوار مع صحيفة كيهان 25 ديسمبر/كانون الأول 1979، مؤكداً أنه لم يقُم بأي تفاوض مع الجانب الأمريكي، وأن كافة تحركاته تأتي بتوجيه من المرشد الإيراني.
لكن زادة عاد وغيَّر روايته بعد أن تم إلقاء القبض عليه بتهمة محاولة الانقلاب على الثورة والمشاركة في التخطيط لاغتيال الخميني، وهي التهمة التي تم إعدامه رمياً بالرصاص على إثرها في سبتمبر/أيلول 1982.
وبحسب راديو طهران، فقد قال صادق زاده، أثناء محاكمته، إن هذه المحادثات قد تمت، وإن الخميني كان في سياق هذه المفاوضات وتم اللقاء بموافقته، وأضاف أن الخميني ورجاله طالما أجروا مفاوضات سرية مع مسؤولين أمريكيين – بعلمه- أثناء وجوده في باريس عام 1979 قبل نجاح الثورة، وكان حينها صادق زاده مرافقاً للخميني في العاصمة الفرنسية ومتحدثاً رسمياً باسمه.
وزعم أن زاده قال أثناء محاكمته إن أصدقاء في الخارج سيكشفون عن اتصالات تمت بين الخميني وقوى غربية.
وقد صرح بادعاء مماثل صادق طباطبائي، المتحدث الثاني باسم الحكومة الإيرانية وقت احتجاز الرهائن الأمريكيين، وكتب في مذكراته أنه بعد الحصول على موافقة الخميني، اتصل بالبيت الأبيض عبر مسؤولين ألمان وفتح الطريق للتفاوض مع الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، وزعم طباطبائي في مذكراته أن المفاوضين الأمريكيين في ذلك الوقت طلبوا منه تقديم دليل على دعم الخميني لهذه المفاوضات، وتجدر الإشارة أن هذه المذكرات قام بنشرها دار نشر عروج التابعة لمركز الخميني للتحرير والنشر؛ مما يعني اعتماد الجهة المعنية بكل ما يخص المعلومات المنشورة عن الخميني لصدق رواية طباطبائي حول المفاوضات السرية بين إيران والولايات المتحدة بموافقة المرشد الإيراني.
إيران كونترا
واحدة من أبرز المفاوضات السرية التي جرت بين طهران وواشنطن عام 1985، ثم تم فضحها عام 1986، فيما عرف بـ “إيران كونترا”.
تتشكل فضيحة “إيران كونترا” من عدة أجزاء متصلة ببعضها؛ حيث باعت إدارة الرئيس الأمريكي رونالد ريغان أسلحة إلى إيران أثناء حربها مع العراق مقابل استخدام نفوذها في إطلاق سراح مواطنين أمريكيين خُطفوا وأخذوا كرهائن في لبنان من قِبل تنظيمات شيعية موالية لإيران، أما الأسلحة التي زودت إدارة ريغان إيران بها، فحولت بعض أرباحها إلى قوات “الكونترا” التي كانت تحارب حكومة نيكاراغوا، وحدث ذلك بينما كان بيع الأسلحة إلى إيران ممنوعاً بموجب القانون الأمريكي آنذاك.
نشرت صحيفة الشراع اللبنانية أول نبأ عن الفضيحة في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 1986، ذكرت فيه أنه تم اكتشاف هذه العملية السرية بعد إسقاط جسر جوي من الأسلحة على نيكاراغوا.
وتلت ذلك ثلاثة تحقيقات أمريكية، وفي 18 نوفمبر/تشرين الثاني 1987، أعلن الكونغرس تقريره النهائي حول القضية، وحمَّل فيه ريغان المسؤوليةَ الكاملة لما قام به مساعدوه في القضية، واتهم إدارته بممارسة التكتم والخداع وازدراء القانون.
وبحسب التحقيقات، فإن أوليفر نورث، نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي آنذاك، عقد في فبراير/شباط 1985 أول صفقة سرية بين الولايات المتحدة وإيران من أصل 6 صفقات تمت خلال نفس العام، مثَّل فيها نورث الجانب الأمريكي، بينما مثَّل إيران ألبرت حكيم، وهو تاجر سلاح أمريكي من أصول إيرانية.
وفي الصفقة الأولى تم الاتفاق بين الطرفين على شراء أسلحة وإيصالها لقوات الكونترا، وذلك من خلال شركات وهمية سجلوها خارج الولايات المتحدة.
وبعد الصفقة الأولى بأيام تم عقد اتفاق سري بين جورج بوش (الأب)، الذي كان يشغل منصب نائب الرئيس ريغان، ورئيس الوزراء الإيراني أبو الحسن بني صدر، في العاصمة الفرنسية باريس، بحضور آري بن ميناشيا مندوب المخابرات الإسرائيلية الخارجية “الموساد”.
ونص الاتفاق السري بين أمريكا وإيران -التي كانت تخوض آنذاك حرباً ضد العراق- على تزويد طهران بأسلحة متطورة، مقابل إطلاق سراح الرهائن الأمريكيين المحتجزين في لبنان.
وفي يوليو/تموز من نفس العام، وصلت إيران أول شحنة أسلحة أمريكية، وتم تسليمها عبر مسارات سرية، بتجاوز للقانون الأمريكي، وأدى وصول هذه الشحنة إلى إطلاق سراح واحد من الرهائن الأمريكيين.
وبموجب الصفقة السرية، تم إرسال 96 صاروخاً من طراز “تاو” يوم 20 أغسطس/آب 1985 انطلقت من إسرائيل إلى إيران على متن طائرة.
ويوم 14 سبتمبر/أيلول من نفس العام أرسلت شحنة إضافية تضمنت 408 من نفس الصواريخ.
تلتها شحنة حجمها 18 صاروخاً مضاداً للطائرات من نوع “هوك” انطلاقاً من البرتغال وإسرائيل يوم 24 نوفمبر/تشرين الثاني، وتبعها ألف صاروخ “تاو” على دفعتين يومي 17 و27 فبراير/شباط 1986.
ويوم 24 مايو /أيار 1986، أرسلت 508 صواريخ “تاو” و240 من قطع الغيار لصواريخ “هوك” إضافة إلى خمسمئة صاروخ “تاو” يوم 28 أكتوبر/تشرين الأول من نفس العام.
انتهى عهد الخميني بوفاته عام 1989، لكن المفاوضات السرية بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران لم تنتهِ واستمرت في عهد خليفته المرشد الثاني علي خامنئي، منذ توليه منصبه وحتى تاريخ كتابة هذا التقرير.