حوار مصطفى أفضل زادة: مراسل “زاد إيران” في طهران
ترجمة: علي زين العابدين برهام
أجرى موقع “زاد إيران” حوارا مع غلام رضا مصباحي مقدم، عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران ورئيس المجلس الفقهي للبنك المركزي الإيراني، حول الوضع الاقتصادي الحالي، والفرق في السياسات الاقتصادية بين حكومة الراحل إبراهيم رئيسي وحكومة مسعود بزشكيان، وفي ما يلي نص الحوار:
بعد انتهاء حكومة إبراهيم رئيسي، شهد الاقتصاد استقرارا نسبيا في سوق العملات وانخفاضا في معدل التضخم. كيف يمكن تقييم الوضع الاقتصادي في إيران تحت رئاسة مسعود بزشكيان، في ظل الارتفاع الحاد في سعر الدولار، وتفاقم الأزمات الاقتصادية، وتصاعد معدلات التضخم؟
بعد انتهاء ولاية حكومة إبراهيم رئيسي، شهدت إيران استقرارا نسبيا في سوق العملات وانخفاضا في معدلات التضخم، وذلك نتيجة سياسات اقتصادية ركزت على ضبط الأسعار والتحكم في سعر الصرف. ومع تولي حكومة مسعود بزشكيان، برزت تحديات اقتصادية كبيرة، أبرزها ارتفاع سعر الدولار، وتصاعد التضخم، وتفاقم المشكلات الاقتصادية. وعلى الرغم من أن التطورات الإقليمية وعودة دونالد ترامب إلى المشهد السياسي أثرت على الوضع الاقتصادي، فإن العامل الأساسي في تحديد هذا الوضع يبقى مرتبطا بسياسات الحكومة وإدارتها للأزمات.
في عهد رئيسي، تمكن البنك المركزي من إدارة صدمات اقتصادية كبيرة، مثل “طوفان الأقصى” و”الوعد صادق”، دون أن يؤدي ذلك إلى ارتفاع غير متحكم فيه في سعر الدولار. ومع ذلك، فإن حكومة بزشكيان لم تحافظ على هذا الاستقرار، حيث شهدت الأسواق تقلبات حادة في سعر الصرف، مما زاد الضغوط الاقتصادية على المواطنين.
يرى بعض المحللين أن إلغاء سياسة تعديل سعر الصرف بما يتناسب مع معدل التضخم المحلي، والتي كانت مدرجة في برامج التنمية السابقة، ساهم في تفاقم الأزمة.
من الناحية الاقتصادية، لا يوجد مبرر لارتفاع سعر الصرف في ظل وجود فائض بالميزان التجاري يقدر بـ28 مليار دولار، حيث تفوق الصادرات الواردات. ومع ذلك، فإن خللا في نظام إعادة العائدات الدولارية من المصدرين إلى البنك المركزي أدى إلى زيادة الطلب في السوق غير الرسمية، مما تسبب في تقلبات حادة في سعر الصرف. فالمصدرون في قطاعات مثل البتروكيماويات والتكرير والصلب لا يعيدون سوى 60 إلى 70% من عائداتهم، بينما يتم تداول الباقي في السوق الحرة، مما يضعف قدرة البنك المركزي على تلبية احتياجات المستوردين.
إضافة إلى ذلك، فإن التأخير في إعادة العائدات الدولارية إلى البنك المركزي يزيد من حدة الأزمة، حيث يضطر المصنعون إلى اللجوء إلى السوق الحرة بأسعار مرتفعة لتأمين العملات الأجنبية اللازمة لاستيراد المواد الخام. هذا الوضع يعزز الطلب في السوق الموازية، مما يؤدي إلى مزيد من التقلبات وعدم الاستقرار.
من جهة أخرى، فإن التلاعب بأسعار الصرف عبر القنوات الرقمية يزيد من تعقيد الأزمة. حيث يقوم المضاربون ببث أجواء نفسية مضللة لرفع الأسعار بشكل مصطنع، مما يؤثر حتى على المنصة الرسمية للبنك المركزي. وللحد من هذه الممارسات، يجب وقف تدفق العملات الأجنبية إلى السوق غير الرسمية وقطع الإمدادات المالية عن المضاربين.
لتحقيق استقرار سوق الصرف، يجب إلزام المصدرين بإعادة العائدات الدولارية إلى البنك المركزي ضمن إطار زمني محدد، وتغطية جميع احتياجات المتعاملين الحقيقيين في سوق الصرف. كما يجب منع ظهور سوق موازية للعملات الأجنبية، والتي تعتبر أداة للتلاعب بسعر الصرف وزعزعة الاستقرار الاقتصادي. ففي العديد من الدول المستقرة اقتصاديًا، لا وجود لمثل هذه الأسواق بسبب السياسات النقدية الصارمة.
أخيرا، فإن الأعداء الخارجيين، مثل الولايات المتحدة وإسرائيل، يستغلون السوق غير الرسمية كوسيلة لزعزعة الاستقرار الاقتصادي في إيران. لذلك، فإن التعامل بحزم مع هذه السوق والقضاء عليها يعد خطوة ضرورية لمنع تنفيذ المخططات التخريبية التي تستهدف استقرار البلاد.
ما الفروقات بين السياسات الاقتصادية لحكومة إبراهيم رئيسي والحكومة الحالية برئاسة مسعود بزشكيان، وما مدى دور عبد الناصر همتي، وزير الاقتصاد المستجوب في حكومة بزشكيان، في ارتفاع سعر الصرف؟
في حكومة إبراهيم رئيسي، كان أحد أهم الإجراءات الاقتصادية هو إلغاء سعر الصرف التفضيلي. هذا القرار تسبب في البداية بصدمة سعرية في سوق العملات، لكن بعد ذلك، حاولت الحكومة السيطرة على التقلبات وتعويض تأثير هذا القرار من خلال تنفيذ سياسة استقرار الصرف.
وضع مشابه حدث أيضا في حكومة بزشكيان. في هذه الفترة، تمت إعادة طرح سياسة إلغاء سعر الصرف التفضيلي، وتم الإعلان عن ضرورة توحيد سعر الصرف. هذا القرار أرسل إشارات بعدم الاستقرار إلى السوق، مما أدى إلى تقلبات حادة في سعر الصرف نتيجة التأثيرات النفسية على المستثمرين.
بعد هذه التطورات، أعلن عبد الناصر همتي، وزير الاقتصاد، أن إمكانية تثبيت سعر الصرف غير متاحة. هذا التصريح أثار ردود فعل قوية في السوق، مما أدى إلى ارتفاع غير مسبوق في سعر الصرف بالسوق الحرة.
التصريحات والسياسات الاقتصادية غير المدروسة تؤثر بشكل مباشر على سلوك السوق، مما يؤدي إلى زيادة التوقعات التضخمية، وعدم الاستقرار الاقتصادي، وارتفاع الأسعار. لذلك، من الضروري أن يتجنب المسؤولون مثل هذه التصريحات، ويركزوا بدلا من ذلك على طمأنة الأسواق.
يجب أن تتمحور السياسات الاقتصادية العامة حول استقرار سعر الصرف، وتعزيز الثقة لدى المنتجين والمستثمرين. إضافة إلى وضع سياسات نقدية صحيحة، ينبغي أن يقوم ديوان المحاسبات بدوره الرقابي بجدية، لمنع عدم إعادة العائدات الدولارية من الصادرات. إذا تمت إعادة كامل العائدات وفقا للوائح التزامات التصدير وفي المهل الزمنية المحددة، فلن يكون هناك نقص في العملات الأجنبية داخل البلاد، مما سيؤدي إلى استقرار طبيعي لسعر الصرف ومنع التقلبات الحادة.
كما أعلن محافظ البنك المركزي أن سعر الصرف سيتم تثبيته ضمن نطاق محدد خلال العامين الحالي والمقبل. إذا تم تنفيذ هذه السياسة بنجاح، فستكون لها آثار إيجابية كبيرة على الاقتصاد، وضمن ذلك:
- تحقيق الاستقرار والهدوء في الأسواق المالية.
- تخفيف الضغط على المنتجين وتقليل اعتمادهم على السوق الحرة للعملات الأجنبية.
- الحفاظ على قيمة العملة الوطنية، والسيطرة على التضخم.
- تعزيز ثقة المجتمع والحد من المخاوف الاقتصادية لدى المواطنين.
ما هي التداعيات الاقتصادية لانخفاض النمو إلى 3% وارتفاع التضخم وسعر الصرف؟
لتحقيق نمو اقتصادي أعلى، يجب تنفيذ حزمة من الإجراءات الاستراتيجية، التي تركز على تحفيز الاستثمارات وتوجيهها نحو القطاعات الإنتاجية والتجارية.
أحد أهم هذه الإجراءات هو خلق حوافز لجذب رؤوس الأموال المحلية نحو الإنتاج والتجارة. فالأموال المتوافرة في المجتمع، سواء كانت بالريال أو العملات الأجنبية أو الذهب، إذا تم تقديم حوافز مناسبة لأصحابها، يمكن توجيهها نحو القطاعات المنتجة، مما يؤدي إلى انتعاش في الإنتاج والتجارة.
في حال تنفيذ هذه السياسات بشكل فعال، سيتم إدخال كميات ضخمة من رؤوس الأموال غير المستغلة إلى الدورة الاقتصادية، مما سيسهم في تحفيز الاستثمار الداخلي، بل قد يؤدي أيضا إلى جذب الاستثمارات الأجنبية من خلال المسار نفسه.
هذا من شأنه أن يعزز الإنتاج، وينمي الصادرات، ويحسن الوضع الاقتصادي العام، ويؤدي في النهاية إلى ارتفاع معدل النمو الاقتصادي.
إلى جانب تحفيز الاستثمارات المحلية، يلعب النظام المصرفي دورا رئيسيا في تمويل القطاعات الإنتاجية.
يجب أن تعمل البنوك على ضمان وصول الموارد المالية والتسهيلات الائتمانية مباشرة إلى المستفيدين النهائيين. بمعنى آخر، يجب تخصيص القروض المصرفية فقط للمنتجين الحقيقيين ومقدمي الخدمات الفعلية، بحيث يتم استخدام هذه الأموال في القطاعات المنتجة.
في حال تنفيذ هذه السياسة بشكل صحيح، لن تساهم التسهيلات المصرفية فقط في تحقيق النمو والتطور الاقتصادي، بل ستمنع أيضا تحويل الموارد المالية إلى قطاعات غير منتجة، مما يحدّ من المضاربة المالية والأنشطة الاقتصادية غير المفيدة.
إذا تم تطبيق هذه السياسات بشكل فعال، فمن الممكن تحقيق نمو اقتصادي ملحوظ، بحيث يصبح الوصول إلى الهدف المتمثل في تحقيق نمو بنسبة 8%، كما نصت عليه الخطة السابعة للتنمية، أمرا ممكنا.
بناءً على ذلك، فإن إنشاء حوافز استثمارية، وتوجيه رؤوس الأموال المحلية نحو الإنتاج، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وإصلاح النظام المصرفي لتمويل القطاعات المنتجة، كلها عناصر أساسية لتحقيق نمو مستدام وزيادة مستوى الرفاه الاقتصادي في البلاد.