في كتاب “الحجاب في إيران بين ثنائية الأيديولوجيا والسياسة” يذكر الباحثان محمد السيد الصياد، وربى البلوي، في مقدمتهما للكتاب أن “الجمهورية الإيرانية لم تشهد منذ ثورة 1979 مسألة ذات جدل فقهي وفلسفي وسياسي كمسألة الحجاب ولباس المرأة، ذلك أن عوامل عديدة حولتها إلى مسألة هوياتية ومحل تجاذب ديني وسياسي”.
ويرصد الكتاب تحول الحجاب من مسألة فقهية داخل أسوار الحوزات العلمية إلى التجاذب الهُويَّاتي وصراعات المشهد الثقافي، وحفاظ السلطة و-استغلالها- لهذا الزخم كجزء من معركة سياسية ودينية واجتماعية إما لقناعات يقينية في العقل الجمعي لرجال الدين، أو لتوظيفه في خدمة الواقع السياسي والاجتماعي، أو كليهما معا.
تعود قضية الحجاب في إيران إلى واجهة الأحداث السياسية بتجدد الأحداث وتغيرها، فهي قضية من أهم القضايا التي تشغل الساسة والجمهور في إيران، قبل وبعد الثورة الإيرانية، فنظام الشاه فرض الحظر على الوشاح والشادور الإيراني على السيدات عام 1936، ونظام المرشد أعاد فرض الحجاب عقب الثورة بأسبوعين في خطة متدرجة بدأت بفرضه على موظفي الحكومة، ثم المتعاملين مع المصالح الحكومية، قبل فرضه على جميع النساء، بشكل يوجب على المرأة تغطية شعرها وجسدها بملابس فضفاضة تغطي جميع الجسد، وفقا للقانون الإيراني.
بمرور الوقت تشكلت فرقة نسائية، عرفت باسم “أخوات زينب” لمراقبة التزام النساء الإيرانيات بالحجاب، قبل أن تتسبب ممارسات منتسبي الفرقة وعنفهن في إلغاء التنظيم، لتعود مراقبة الحجاب مرة أخرى عبر “شرطة الأخلاق” التي أُنشئت بشكل رسمي عام 2005 في عهد أحمدي نجاد.
تقوم شرطة الأخلاق على مراقبة النساء والرجال في الأماكن العامة والأماكن المزدحمة، للتأكد من التزامهم بـ”اللباس العام” ونقل المخالفين إلى مراكز الشرطة للتوجيه حول ضرورة الالتزام باللباس العام، وأخذ تعهد على أحد أوليائها من العائلة، قبل إطلاق سراحهم.
كان ما جرى في سبتمبر/ أيلول 2022 بابًا جديدا فتح للحديث والجدل حول دور شرطة الحجاب في المجتمع الإيراني بسبب الاحتجاجات العنيفة التي اندلعت احتجاجًا على تورط الشرطة في وفاة مهسا أميني بعد أيام من اعتقالها من قبل شرطة الحجاب.
وفقا لتقارير منظمة العفو الدولية، فقد اعتقلت شرطة الحجاب الإيرانية، الفتاة الإيرانية التي تنتمي إلى المكون الكردي، مهسا أميني وتعرضت للضرب المبرح والنقل القسري إلى مركز احتجاز، قبل أن تدخل في غيبوبة وتنقل إلى مستشفى وتتوفى بعد 3 أيام.
وسببت وفاة أميني موجة احتجاجات عارمة في المجتمع الإيراني، واجهتها السلطات الإيرانية بالقمع العنيف، وفقا لتقارير منظمة العفو الدولية.
أشعلت وفاة أميني، احتجاجات ضربت معظم المدن الإيرانية، طالبت فيها المتظاهرات والمتظاهرون بالحرية والديمقراطية وإلغاء قانون إلزامية الحجاب، وراجت آنذاك العديد من مقاطع الفيديو لنساء يخلعن الحجاب ويحرقنه في النار، وأخريات قصصن شعورهن على الملأ أمام المتظاهرين احتجاجا على وفاة مهسا أميني بسبب شرطة الحجاب.
واجهت السلطات الإيرانية الاحتجاجات التي تعد الأعنف في العقود الأخيرة بالنسبة للبلاد، بالعنف والقمع المشدد، وهو ما تسبب في وفاة 300 متظاهر، واعتقال الآلاف وفق الإحصائيات الرسمية.
القيادي بالحرس الثوري، أمير علي حاجي زاده قال في تصريح نقلته وكالة مهر الإخبارية آنذاك “لا أملك الأرقام الأخيرة، لكنني أعتقد أن أكثر من 300 شهيد سقطوا في البلاد بينهم أطفال” ملقيا باللوم على أعداء إيران وبخاصة أمريكا وفرنسا وألمانيا لدورهم في تأجيج التظاهرات الاحتجاجية قبل أن يقول إن المشاركين فيها هم “أبناء الشعب وجزء منه”.
إثر الاحتجاجات الصاخبة التي شهدت مشاركة شعبية كبيرة تداخل فيها الاحتجاج على وفاة أميني مع الاحتجاج على تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في إيران، أعلن المدعي العام الإيراني وقف عمل شرطة الأخلاق.
وقف عمل شرطة الأخلاق لم يستمر أكثر من 10 أشهر، حيث أعلن المتحدث باسم الشرطة الإيرانية، عودتها مرة أخرى للقيام بواجبها ومراقبة غير الملتزمات بالحجاب الشرعي وفقا للقانون.
في يوليو/ تموز 2024، أعاد القيادي في شرطة الأمن الداخلي الإيراني، قاسم رضائي الجدل حول شرطة الأخلاق مرة أخرى بقوله في تصريح نقلته موقع إيران انترناشيونال “إن الشرطة لديها واجب قانوني وشرعي فيما يتعلق بموضوع الحجاب، وإن خطة الحجاب الإجباري لن تتغير بتغير الحكومات” وهو فيما يبدو تصريح استباقي لجهود الرئيس الإصلاحي مسعود بزشكيان، الذي ينتظر منه الكثير تغييرات في المجتمع الإيراني.
لم يقتصر تطبيق قانون الحجاب على المؤسسات الإيرانية فقط، بل امتد لمكتب خطوط الطيران التركي في طهران، الذي أغلقته الشرطة بعد رفض موظفاته الإيرانيات ارتداء الحجاب، رغم توجيه إنذار لهن.
قبل ذلك بنحو 3 شهور أصدر المتحدّث باسم مفوّض الأمم المتّحدة السامي لحقوق الإنسان جيريمي لورنس بيانا قال فيه “إن لديهم معلومات بأن عناصر الشرطة الإيرانية ينفذون حملة قمع عنيفة ضد النساء والفتيات بسبب الحجاب، وأن الحملة شملت اعتقالات واسعة النطاق ضد فتيات تتراوح أعمارهن بين 15-17 عاما.
ختامًا، يبدو أن الجدل حول الحجاب في إيران سيظل مستمرا، فمن غير المتوقع أن يغير النظام الإيراني موقفه من هذه القضية بالنظر إلى كونها قضية لها أهمية وأولوية لدى النظام، وهو ما يوحي بوجود احتمالية واستعداد لعودة الجدل مرة أخرى على السطح.