ترجمة دنيا ياسر نورالدين
تناولت صحيفة “شهروند” الإيرانية في تقرير لها السبت 19 أبريل /نيسان 2025، أبعاد أزمة العواصف الترابية التي ضربت المحافظات الجنوبية الإيرانية، خاصة محافظة خوزستان التي تقع جنوب غرب إيران، والأضرار الصحية والبيئية الناتجة عنها. والجهود الإقليمية والدبلوماسية في احتواء مصادر الغبار الخارجية، وغياب الحلول الجذرية داخليا.
ذكرت الصحيفة أن محافظة خوزستان عادت مرة أخرى إلى مواجهة العواصف الترابية، وهي عواصف كانت قد خمدت نسبيا بعد فيضانات عام 2019، إلا أن تكرارها مجددا خلال الأسبوع الماضي أعاد إلى الأذهان الذكريات المؤلمة لدى أهالي المحافظة والمناطق الحدودية.
وأردفت الصحيفة أن هذه العاصفة بدأت يوم الاثنين 14أبريل /نيسان 2025 ظهرا من شمال المملكة العربية السعودية، ثم تحركت باتجاه جنوب العراق وشكلت كتلة أخرى دفعتها الرياح نحو المحافظات الجنوبية الغربية والغربية لإيران.
تلوث تجاوز حدوده القصوى
أشارت الصحيفة إلى أن كثافة الغبار بلغت مستويات غير مسبوقة، حيث تخطت 10 آلاف ميكروغرام في المتر المكعب، مما أدى إلى تعتيم سماء خوزستان وتعريض حياة الآلاف للخطر.
ذكرت الصحيفة أن تركيز الجزيئات الملوثة من نوع PM10 في مدينتي الأهواز وحميدية بلغ ما يعادل 67 ضعف الحد المسموح به، في حين دخلت 19 مدينة مرحلة “الخطر الشديد” وفقا لمؤشر جودة الهواء، حيث صُنفت ضمن “اللون البني”، وهو أعلى درجات التلوث وأكثرها خطورة. هذا اللون يشير إلى حالة طوارئ صحية قد تؤثر بشكل خطير على جميع السكان.
وتابعت الصحيفة أن تأثير هذه العاصفة لم يقتصر على خوزستان، بل طال محافظات إيلام، همدان وكرمانشاه أيضا، مما أدى إلى إغلاق المدارس يومي الاثنين والثلاثاء، وتحويل عمل الإدارات إلى نظام العمل عن بُعد قبل أن تُغلق تمامًا لاحقًا، مع دعوات المواطنين لتجنب التنقل غير الضروري.
في سياق متصل، أوضحت الصحيفة أن سوء الأحوال الجوية أدى إلى إلغاء ثلاث رحلات جوية من مطار الشهيد سليماني الدولي في الأهواز، كما تأخرت ثماني رحلات أخرى بسبب انخفاض الرؤية. ووفقا لإدارة مطارات خوزستان، نُصح المسافرون بمتابعة مستجدات الرحلات من خلال الموقع الرسمي للمطار.
أفادت الصحيفة بأن حسن عبودي مزرعي، القائم بأعمال جمعية الهلال الأحمر في خوزستان، أعلن عن بدء توزيع الكمامات في المناطق الحضرية ذات الكثافة المرورية، وذلك لمواجهة الظروف الجوية الخطرة الناتجة عن العواصف الترابية.
وأكد أن الفرق المتنقلة للجمعية في حالة استعداد كامل لتقديم أي خدمات طارئة عند الحاجة.
وأوضح أن ميثم معزي، مساعد رئيس جامعة جندي شابور للعلوم الطبية في الأهواز، صرح أنه حتى عصر، تم تسجيل نحو ألف مريض يعانون من مشاكل قلبية وتنفسية غير معدية، توافدوا على المراكز الطبية وأقسام الطوارئ. وأضاف أن 112 منهم احتاجوا إلى الدخول إلى المستشفى لتلقي العناية اللازمة، فيما تلقى الآخرون العلاج بشكل خارجي.
وأكد معزي أن المسنين، الأطفال، مرضى الأمراض المزمنة والنساء الحوامل عليهم البقاء في المنازل قدر الإمكان، مشيرا إلى وضع فرق الطوارئ الطبية في حالة تأهب، وتفعيل جميع أقسام العناية المركزة والطوارئ، ومراجعة جاهزية المعدات والمستلزمات الطبية.
وفي تسليط الضوء على المخاطر الصحية، أوضحت الصحيفة أن السبب الرئيس في خطورة الغبار هو احتواؤه على جزيئات دقيقة لا تتجاوز 2.5 ميكرون، وهي جزيئات قادرة على اختراق الجهاز التنفسي والدخول إلى مجرى الدم، مما يؤدي إلى أضرار صحية جسيمة.
وأشارت إلى أن هذه الجزيئات مسؤولة عن ارتفاع أمراض القلب والجهاز التنفسي، وتراجع وظائف الرئة، بل وزيادة معدلات الوفاة.
وأضافت أن دخول هذه الكتل الغبارية إلى الأنظمة البيئية الحساسة مثل الأراضي الرطبة والغابات ومناطق الحياة البرية يؤدي إلى تلوث التربة والمياه، ويهدد النباتات والحيوانات ويقلل من التنوع البيولوجي.
اتفاقيات دون تنفيذ فعلي
بينت الصحيفة أن هذه الظاهرة في الأساس ناتجة عن مصادر خارج حدود البلاد، وتحديدا من دول الخليج، ولذلك بدأت إيران منذ عام 2018 بمحاولات للتعاون الإقليمي عبر عقد المؤتمرات، توقيع الاتفاقيات، وإقرار يوم عالمي لمواجهة العواصف الرملية، بل حتى تقديم قرارات في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
لكن الصحيفة تابعت أن الواقع يختلف، إذ لم تُنفّذ أي من هذه الاتفاقيات على أرض الواقع بسبب غياب الإرادة التنفيذية على المستوى الإقليمي، فكل دولة تركز على مشاكلها الداخلية دون الاعتراف بالتأثيرات العابرة للحدود.
وأشارت إلى تصريح محمد جواد أشرفي، المدير العام لحماية البيئة في خوزستان، الذي أكد أن 70% من العواصف التي تدخل إلى خوزستان تأتي من الدول المجاورة.
وأضاف أن منظمة البيئة بالتعاون مع وزارة الخارجية تبذل جهودا لإقناع هذه الدول بالتحرك للحد من تكون هذه الكتل الغبارية، إلا أن غياب الالتزام التنفيذي حال دون تحقيق النتائج المرجوة.
وأوضح أشرفي أن عاصفة الغبار الأخيرة تُعد الأشد منذ عشر سنوات، حيث تجاوزت كثافتها 10 آلاف ميكروغرام في المتر المكعب. وعن الوضع الحالي، ذكر أن معظم مناطق خوزستان عادت إلى طبيعتها، باستثناء بعض المناطق الشرقية التي لا تزال متأثرة.
جهود محلية محدودة في مواجهة عواصف ضخمة
وتناول أشرفي الجهود المحلية المبذولة، موضحا أن نحو 350 ألف هكتار من الأراضي في خوزستان تُعتبر بؤرا للغبار. وأضاف أن صحارى الدول المجاورة تملك امتدادات ضخمة؛ فصحراء السعودية تبلغ 90 مليون هكتار، العراق 32 مليون، وسوريا 5 ملايين، أي أن المساحات الإجمالية لمصادر الغبار الخارجية تتجاوز 252 مليون هكتار.
وفي ما يتعلق بالإجراءات المنفذة، قال إن الفترة بين عامي 2016 و2018 شهدت خطوات محددة مثل زراعة الأشجار في مناطق الغبار، والعمل على مشاريع إدارة الموارد المائية، مشيرا إلى أن فيضان عام 2019 ساعد مؤقتا في تثبيت ذرات الغبار ومنع انتشارها بفعل الرياح.
وفي الختام، تساءلت الصحيفة إلى متى سيظل أهالي خوزستان يعانون من هذا التهديد المتكرر؟
ليجيب أشرفي بصراحة أنه لا يشعر بالكثير من التفاؤل، نظرا لنقص الميزانيات المطلوبة للسيطرة على المصادر المحلية، وغياب الإرادة لدى الدول العربية المجاورة للقيام باستثمارات كبيرة لاحتواء المشكلة. ومع ذلك، عبّر عن أمله في أن تضع الحكومة الإيرانية، التي أكدت مرارا اهتمامها بالمناطق الجنوبية، حلولا جادة تنهي معاناة سكان خوزستان من هذه الكارثة البيئية.