كتبت- ميرنا محمود
ينفذ الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف سياسة “التوازن بين الشرق والغرب”، وهو ما أرادته حكومة حزب العدالة والتنمية في تركيا لكنها لم تنجح في ذلك، وذلك وفق ما قالته ” Zeynep GÜRCANLI” في موقع ” Ekonomim” يوم الخميس 22 أغسطس/آب 2024.
وكانت الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس الروسي بوتين إلى باكو والتي استغرقت يومين مثالًا ملموسًا على ذلك. ومن المهم أن بوتين وصف العلاقات بين البلدين بأنها “تحالف استراتيجي” في باكو، وأن روسيا يتم الإشارة إليها على أنها “صديقة، حليفة وجارة” في وسائل الإعلام الرسمية في أذربيجان.
دبلوماسية “الباب الخلفي” فيما يتعلق بالغاز الطبيعي الروسي
أبرز ما لفت الانتباه في لقاء علييف وبوتين هو الاتفاقيات المتعلقة بتعزيز التعاون في مجال الطاقة . ومهدت الاتفاقيات الموقعة في باكو الطريق بشكل خاص أمام نقل الغاز الطبيعي الروسي إلى الغرب عبر أذربيجان. وهذه الطريقة سبق أن طبقتها روسيا عبر الإمارات العربية المتحدة في مجال النفط وكانت ناجحة. النفط الروسي، الذي أُرسل إلى الإمارات على متن ناقلات عملاقة، اختلط بالنفط العربي هناك ليصل إلى أوروبا. ويبدو الآن أنه سيتم اتباع نهج مماثل مع أذربيجان في مجال الغاز الطبيعي. إن بيع الغاز الطبيعي الروسي إلى أوروبا دون انتهاك العقوبات التي فرضها الغرب على روسيا؛ باختصار، طريقة “المشتري مَرضيٌّ والبائع سعيد”.
الممر الشمالي الجنوبي بديلاً عن زانجيزور
أحد الجوانب الملفتة في اجتماع علييف وبوتين هو “ممر النقل بين الشمال والجنوب”. يهدف خط النقل بين الشمال والجنوب إلى ربط روسيا بالموانئ الهندية عبر إيران وأذربيجان. ومن المخطط أيضًا إنشاء محطة لنقل النفط في هذا الممر بالناقلات. ويعد توقيع روسيا وأذربيجان على اتفاقية “الإنتاج المشترك للناقلات” علامة على ذلك. وسيتمكن النفط والغاز الطبيعي الروسي من الوصول إلى الجنوب عبر قنوات آزوف وقزوين. وبطبيعة الحال، يكفي أن ننظر إلى الخريطة لنرى أن تركيا خارج الحسابات تمامًا.
علاوة على ذلك، فإن ممر النقل بين الشمال والجنوب يمهد الطريق لضمان “سياسة التوازن” التي ينتهجها علييف فيما يتعلق بالجانب الإيراني.
بالمناسبة، من غير المعقول أيضًا أن علييف أو بوتين لم يذكرا مطلقًا ممر زانجيزور، الذي سيربط ناختشيفان بالمدن الأخرى في أذربيجان عبر الأراضي الأرمينية. كان زانجيزور ممرًا سيرضي تركيا ويستبعد إيران. يبدو أن علييف أزال هذا الأمر من أولويات أذربيجان في الوقت الحالي. بل على العكس، تثار قضية توسيع الطريق الذي يربط ناختشيفان بالنصف الآخر من أذربيجان عبر إيران.
رد من الجريدة الرسمية لأذربيجان على تصريحات تركيا
بطبيعة الحال، من الضروري أن نضيف إلى كل هذه التطورات مقالًا منشورًا في الجريدة الرسمية للبرلمان الأذربيجاني للرد على تصريحات الرئيس التركي أردوغان في 28 يوليو في ريزة بشأن إسرائيل، حيث قال: “كما دخلنا قره باغ، وكما دخلنا ليبيا، سنفعل الشيء نفسه تمامًا معهم”.
ويتضمن المقال المنشور في الجريدة الرسمية الأذربيجانية في 1 أغسطس. تصريحات تستحق الانتباه بشكل خاص: “إن البيانات والتصريحات التي أدلى بها الأخ الشقيق في تركيا تُحرِّف بوضوح حقائق حرب دامت 44 يومًا. والأهم من ذلك أنها تساهم في دعم الجانب الأرميني. يقول أسلافنا إن اليد اليسرى لا تعرف ما تفعله اليد اليمنى، والأخ لا يفتخر بما يفعله أخيه.”
ويذكر المقال أيضًا الخطوات المُيَسَرة للشركات التركية في قره باغ، مشيرًا إلى تعاونها مع الشركات التركية الكبيرة والآلاف من المهندسين والحرفيين الأتراك في بناء قره باغ وزانجيزور الشرقية. ويتساءل المقال: “أي بلد آخر يوفّر مثل هذه الظروف الإنتاجية للشركات التركية؟”.
من وجهة نظر باكو، يُمثل الاستثمار والتجارة مع أنقرة نوعًا من “التهديد الكامن”، وخاصة هذه العبارة التي تلخص تمامًا رد فعل أذربيجان تجاه أنقرة: “ينبغي ألا تتحول الأخوة إلى مباراة كرة قدم ذات هدف واحد. وينبغي ألا ننسى الالتزامات المتبادلة والواجبات الأخلاقية. النصر وقره باغ ملك لنا جميعًا. كل ما نحتاجه هو الصدق والنزاهة.”
“إنذار أخير”
بينما كان يتبادل الرئيسان بوتين وعلييف رسائل “الصداقة”، عقد نائب وزير الخارجية الروسي “ميخائيل غالوزين” اجتماعًا مثيرًا للقلق مع سفير تركيا في موسكو “تانجو بيلغيتش”، حيث حذَّر “غالوزين” تركيا من بيع الأسلحة إلى أوكرانيا. علاوة على ذلك، لم تكن هذه التحذيرات محصورة فقط في الاتصالات الدبلوماسية التي تُجرَى خلف الأبواب المغلقة. نشرت السفارة الروسية في أنقرة بيانًا باللغة التركية للجمهور وتضمن التصريحات التالية: “إن روسيا تعتبر مواصلة توريد الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا *أمرًا* غير مقبول، هذا لن يؤدي إلا إلى مزيد من التصعيد وإطالة أمد الصراع وخسائر غير مُبرَّرَة في الأرواح. ودعا جمهورية تركيا إلى عدم المشاركة في السياسة التدميرية التي تنتهجها أوكرانيا.”
ويبدو أن حكومة حزب العدالة والتنمية نجحت في إغاظة كل من روسيا وأذربيجان في نفس الوقت. وبعد كل هذه التطورات، ربما لن يكون من الخطأ القول إن زيارة الرئيس الروسي بوتين إلى أنقرة، قد أُرجِأت “إلى ربيعٍ آخر”.