كتب: سید نیما موسوی
ترجمة: علي زين العابدين برهام
بعد ثورة 1979 في إيران، كانت إحدى أصعب القضايا لإيران هي العلاقة بين الموسيقى وسيادة القانون. تم التخلي عن موسيقى البوب والروك الإيرانية في السبعينيات، والتي كانت مرتبطة بالحركة اليسارية آنذاك وسط التنافس الخفي بين الإسلاميين واليساريين في الثمانينيات، وهاجر عديد من مطربيها إلى الولايات المتحدة واستقروا في لوس أنجلوس.
وفي تلك السنوات، أصبحت لوس أنجلوس مركزا لتجمع الإيرانيين الذين هاجروا من إيران بعد الثورة. وفي الوقت نفسه، كان بعض مطربي البوب في السبعينيات الذين ظلوا في إيران معزولين لمدة عقد من الزمن. ومنذ منتصف التسعينيات، ومع ظهور طبقة وسطى جديدة في مجتمع ما بعد الحرب بإيران، بدت الرغبة في موسيقى البوب بارزة بالمجتمع الإيراني.
في ذلك الوقت، كان علي لاريجاني رئيسا لهيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية، وكان ضمن هذه الهيئة قسم يسمى “قسم الموسيقى” كان يديره الشاعر الإيراني علي معلم والملحن فريدون شهبازيان، وبدأ هذا القسم يستقطب المطربين الذين كانوا يغنون في المطاعم والحفلات الخاصة.
كان من المفترض أن يقوم هذا القسم بإيجاد “موسيقى بوب محلية” في إيران منافسة لـ”موسيقى البوب المهاجرة” التي ذهبت إلى لوس أنجلوس منذ بداية الثورة. وبهذه الطريقة، تم تشكيل الجيل الأول من مغني البوب الإيرانيين وأصبح مواكبا للتغيرات الاجتماعية بإيران في منتصف التسعينيات تغييرات مثل بداية الصراع على الحجاب، وانتشار الصحافة والمجتمع المدني، وصعود المنتخب الوطني الإيراني لكرة القدم إلى كأس العالم 1998، وما إلى ذلك. لذلك، كانت موسيقى البوب أحد أهم عناصر المجتمع المدني الإيراني في نهاية التسعينيات وفي عهد رئاسة محمد خاتمي، ذلك العصر الذي يشير إليه البعض باسم “ربيع براغ الإسلامي”.
المطربون الموجودون في قسم الموسيقى التلفزيونية، كل منهم كان في البداية مقلدا لمطربين من لوس أنجلوس وحاول إعادة هذه الأعمال داخليًا ومنهم: “محمد أصفهاني” القارئ في حفل وصول الإمام الخميني إلى إيران عام 1979، و”حسين زمان” أحد القادة الشباب للحرس الثوري في الحرب مع العراق، إضافة إلى العديد من المطربين الذين غنوا في الاحتفالات غير الرسمية مثل قاسم أفشار وخاشيار اعتمادي وغيرهم.
كان أحد هؤلاء المطربين علي رضا عصار، الذي حاول في البداية إنتاج أعمال تقلد فرامرز أصلاني، وهو مغنٍّ إيراني يعمل في لوس أنجلوس، كان تلميذا لجواد معروفي، عازف البيانو الإيراني، منذ أن كان مراهقا. وفي عام 1990، عزف على البيانو على خشبة المسرح في العرض المسرحي “النصر في شيكاغو”، أول عرض مسرحي احترافي في إيران بعد الثورة، وفي الوقت نفسه غنى في أحد مطاعم جزيرة كيش بجنوب إيران. منذ منتصف التسعينيات التحق بقسم الموسيقى في التلفزيون الرسمي الإيراني وقدم أعماله.
تعتمد العديد من أعمال علي رضا عصار من أشعار مولانا جلال الدين الرومي، الذي يحظى باحترام شعوب إيران وتركيا وأفغانستان. صدر أول ألبوم له باسم “رحلة حب” عام 1998، وألبومه الثاني باسم “حالي بدونك” عام 1999، وقد أصدر حتى الآن 8 ألبومات.
التعاون مع التلفزيون الحكومي جعل مغني البوب في إيران ومن بينهم علي رضا عصار، يقدمون موسيقاهم للجمهور في البرامج التلفزيونية. الموسيقى التي كانت تعرض خلال رئاسة علي لاريجاني للتلفزيون في الفواصل بين البرامج وشوطي مباريات كرة القدم.
وفي الوقت نفسه، منذ نهاية التسعينيات، بجانب راديو فرهنك، الذي ركز بشكل جدي على الموسيقى الإيرانية التقليدية؛ تم بث شبكة إذاعية جديدة تسمى “راديو بيام”. ركز راديو بيام بشكل خاص على أعمال مغني البوب الإيرانيين.
كان علي رضا عصار من أهم المطربين الذين كان لهم نصيب كبير من ساعات الموسيقى في الإذاعة والتلفزيون الحكومي في نهاية التسعينيات وبداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
تم إصدار ألبومات عصار بشكل رئيسي بالتعاون مع فؤاد حجازي، عازف الساكسفون الإيراني وكان مسؤولا عن معظم أعماله. وفي عام 2003، أصدر عصار ألبوم “سيد العشق” الذي يصف استشهاد الإمام الحسين حفيد الرسول (ص)، من أشعار مهدي شريفي.
أغاني هذا الألبوم هي نوع من المرثيات الموسيقية عن حادثة كربلاء، وهي من ألحان فؤاد حجازي. وفي عام 2005، وبدعم من الملحن الإيراني شهرداد روحاني، أصدر عصار ألبوما مشتركا مع أوركسترا لندن الفلهارمونية بعنوان “لا تختبئ”، وهو الألبوم الذي -على الرغم من روعته- لم يتماشَ مع الذوق الإيراني.
في عام 2011، أصدر عصار ألبوم “اللعبة تغيرت”. هذا الألبوم بتكليف من بعض المنظمات الثقافية الحكومية لتكريم قدامى المحاربين في حرب إيران والعراق. تتحدث معظم قصائد هذا الألبوم عن حادثة فتح خرمشهر ويعتبر عملا ملحميا. كان هذا الألبوم والعديد من الأغاني المنفردة الأخرى هي آخر الأعمال المشتركة لعلي رضا عصار وفؤاد حجازي.
من عام 2012 فصاعدا، سعى عصار إلى تغيير نمطه في الموسيقى. كانت موسيقى فؤاد حجازي مفهومة لجمهور مواليد السبعينيات والثمانينيات، لكنها لم تتمكن من التواصل مع الجيل الجديد. لذلك، حاول منذ عام 2014 خلق موسيقى تناسب ذوق جيل الشباب مع تغييرات جوهرية في فرقته الموسيقية. ولهذا السبب غيّر تعاونه مع صديقه القديم فؤاد حجازي وبدأ تعاونه الأول مع بويا نيكبور. وكانت نتيجة هذا التعاون ألبوم “لا أريد شيئا سوى الحب” عام 2017، وهو ألبومه الأخير عمليا.
وعليه بدأ عصار بإقامة حفلاته في إيران بفريق جديد وأسلوب جديد من العام نفسه. وبطبيعة الحال، لم يكن قط متألقا مثل السنوات الأخيرة من التسعينيات، السنوات التي أقام فيها عصار أحيانا ما يصل إلى 100 حفل موسيقي سنويا بدعم من وسائل الإعلام الحكومية.
لكن بداية التعاون مع الفريق الجديد تزامنت مع اضطرابات اجتماعية جديدة في إيران منذ 2018 ومن ثم موجة وباء كورونا في 2020. وبعد انتهاء الوباء، مع بداية احتجاجات 2022، تم تهميش الأنشطة الفنية. وفي العامين الماضيين، استأنف علي رضا عصار حفلاته المنتظمة ببراند جديد، وكانت الحفلات الموسيقية في طهران وأصفهان ورشت ونيسابور من بين هذه العروض الحية التي أقيمت في الأسابيع الأخيرة.
لكن في هذه الأثناء، أقيم حفله الأهم في 28 ديسمبر/كانون الأول 2024 بدبي. تعتبر دبي من أهم المدن الترفيهية في الوطن العربي، والتي يسكنها عدد كبير من السكان الإيرانيين، وفي الوقت نفسه، فهي وجهة العديد من الرحلات الشتوية للإيرانيين.
تعتبر حفلة علي رضا عصار الموسيقية في دبي، بعد سنوات من الركود، تجربة جديدة، هذه المرة مع فريق جديد وموسيقى جديدة.
وبالنظر إلى انخفاض جودة الحفلات الموسيقية لمعظم مطربي البوب الإيرانيين، لا يزال علي رضا عصار نشطا كواحد من المطربين القلائل من الجيل الأول لموسيقى البوب الإيرانية.
يبلغ عصار الآن من العمر 55 عاما، ويتمتع بمستوى عالٍ من الخبرة، ويظهر أنه أحد المطربين الإيرانيين القلائل الذين، على الرغم من مرور عدة عقود، لا يزال لديه القدرة على الأداء ببراعة على خشبة المسرح كواحد من أهم أيقونات البوب الفارسي بعد ثورة 1979.