ترجمة: دنيا ياسر نور الدين
أجرت صحيفة “آرمان ملي” الإيرانية الإصلاحية قبل أيام، حوارا خاصا مع المتحدثة باسم الحكومة، فاطمة مهاجراني، لمناقشة أبرز القضايا التي شهدتها البلاد خلال الأشهر الستة الماضية.
تناول اللقاء ملفات الوحدة الوطنية، وقانون الحجاب وموقف الحكومة منه، إضافةً إلى تداعيات وصول الرئيس إلى السلطة، وانقطاع الكهرباء، والانتقادات الموجهة للحكومة، فضلا عن قضايا عزل همتي، واستقالة بزشكيان، والمفاوضات مع الولايات المتحدة. وقد نشرت “آرمان ملي” الحوار يوم الأحد 16 مارس/آذار 2025.
في ما يلي نص الحوار:
بعد عزل وزير الاقتصاد واستقالة ظريف، هل لا يزال الإجماع الوطني كما طرحه الرئيس، أم أنه بحاجة إلى إعادة تعريف؟
هناك فجوة بين رفع الشعارات وتنفيذها على أرض الواقع، وهو ما ينطبق على مفهوم الإجماع الوطني. تحقيقه ليس بالأمر السهل، بل هو من أعقد القضايا، إذ يتطلب الاعتراف بنجاحات الآخرين والحفاظ على القاعدة الانتخابية التي لم تكن قوية في الأساس.
الناخبون الذين شاركوا فعلوا ذلك أملا في التغيير، وهذا طريق يجب أن يُستكمل، ولكن بطريقة تجعل مختلف الأطراف ترى نجاح الحكومة جزءا من نجاحها. علينا الالتزام الحقيقي بالإجماع الوطني لتجاوز العقبات وتعزيز الثقة الشعبية، وهذه مسألة بالغة الأهمية.
يرى البعض أن التوافق الوطني يجب أن يكون بين الحكومة والمجتمع، وليس فقط بين القوى والمؤسسات الحاكمة، فما رأيك؟
التوافق مع الشعب ضروري بلا شك لحل المشكلات، لكنه لا يكفي وحده دون توافق داخل النظام. لا يمكننا تجاوز الأزمات المتراكمة دون تنسيق بين المؤسسات. البرلمان، رغم فترته القصيرة، مارس حقه القانوني، وندرك جميعا أن الأزمات الاقتصادية ليست وليدة الأشهر الأخيرة، فالحكومة حريصة على تحقيق توافق حقيقي دون انحراف عن المسار الوطني.
يعتقد البعض أن الحكومة كان ينبغي أن توضح منذ البداية ما ورثته عن الإدارة السابقة؛ لتجنب استهدافها خلال الأزمات، فما رأيك؟
المصالحة تعني الجميع، حتى المسؤولين السابقين، وإلقاء اللوم المستمر على الآخرين يُضعف رأس المال الاجتماعي. كان للحكومة الحق في الكشف عن الوضع الذي تسلمته، لكنها اختارت عدم فعل ذلك احتراما لاستمرارية الدولة.
رغم وجود تقارير وأرقام، فضلنا التركيز على الحلول بدلا من تحميل المسؤوليات، لأن المشكلة الحقيقية ليست في تحديد المخطئ، بل في إيجاد توافق لمعالجتها. التحدي الأكبر هو أننا لم نتوصل بعد إلى تعريف موحد للمشاكل نفسها، وهذا ما نحتاج إلى معالجته أولا.
هل تتفق المؤسسات والقوى الأخرى مع نهج الحكومة؟ وأين الفاصل بين موقف الحكومة والمعارضة؟
الحكومة لا تتراجع، لكنها تتفهم مخاوف البرلمان باعتباره ممثلا للشعب. لا نريد أن يتجاوز المجلس صلاحياته، لكن الخط الأحمر بالنسبة لنا هو حقوق المواطنين. ونؤمن بأن الحل يكمن في التوافق، وواجبنا الأول هو الدفاع عن حقوق الشعب ومعالجة مشاكله عبر الحوار والتفاهم.
بعد مرور ستة أشهر، إلى أي مدى أوفت الحكومة بوعودها؟
الرئيس بزشكيان لم يكن من المرشحين الذين قدموا وعودا كثيرة، بل استند إلى البرنامج السابع ورؤية إيران الممتدة لعشرين عاما. الحكومة تفي بوعودها ليس لذاتها، بل إيمانا بمسؤوليتها تجاه الشعب. التفاوض، على سبيل المثال، ليس محصورا بدولة واحدة، بل يشمل أوروبا وحتى الولايات المتحدة إذا اقتضت المصلحة الوطنية، وفق مبادئ الشرف والحكمة والمصلحة. نحن ندرك التحديات الاقتصادية ونعي أن الشعب الإيراني يستحق ظروفا أفضل، ونعمل على تحقيق ذلك بكل السبل الممكنة.
بعد تصريحات القائد بشأن منع التفاوض مع الولايات المتحدة، هل ستعزز الحكومة توجهها شرقا نحو الصين وروسيا ودول المنطقة؟
السياسة الخارجية للحكومة متوازنة وطبيعية، وتعتمد بشكل أساسي على تعزيز العلاقات مع الجوار، دول المنطقة، والبريكس، وأوراسيا.
ومع ذلك، فإن مصلحتنا الوطنية تبقى الأولوية، وسنجري محادثات حيثما دعت الحاجة، مع الالتزام بالمبادئ الثلاثة: الشرف، والحكمة، والمصلحة. نحن لا نغلق الباب أمام العالم، بل نعمل وفق رؤية تضمن مصالح البلاد وتعزز موقعها الدولي.
إذا غيرت الولايات المتحدة نهجها وأعادت طرح موضوع المفاوضات، فهل يمكن أن تتجه إيران نحو الحوار معها مجددا؟
المفاوضات يجب أن تتم على أساس التكافؤ والاحترام، لا بالقوة أو الترهيب، وإلا فلن تؤدي إلى حل. إيران أثبتت قدرتها على التفاوض وكانت ملتزمة بالاتفاق النووي، بينما انسحبت الولايات المتحدة منه.
فنحن منفتحون على الحوار، لكن فقط إذا كان قائما على الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة.
بعد إقرار قانون الحجاب في البرلمان ورفض الحكومة تطبيقه، برزت تحديات عديدة. ما الهدف من مناقشته؟ وهل سيتم التخلي عنه؟
الحجاب قضية ثقافية وتعليمية، ولا يمكن التعامل معها بأساليب صارمة. التجارب السابقة أثبتت ذلك. رؤية الرئيس تستند إلى تحقيق إجماع مجتمعي، وليس فرض قوانين دون مراعاة استعداد المجتمع.
القانون ليس خاليا من العيوب أو الإيجابيات، لكن من الواضح أن المجتمع اليوم لم يكن مهيأً لتطبيقه بالنهج القديم نفسه، لذا كان قرار الحكومة عدم تنفيذه وفق القيود التي أُقرت.
رغم وعود الرئيس، لم يتحقق بعد رفع الرقابة على مواقع التواصل. متى ستزف الحكومة هذه البشرى للشعب؟
إن قضية حوكمة الفضاء الإلكتروني تُعد من التوجيهات الأساسية للمرشد الأعلى، حيث يجب تحقيق توازن بين إتاحة الوصول إلى الفضاء الإلكتروني وإدارة المحتوى بما يتماشى مع السياسات العامة. لا أملك إجابة دقيقة حاليا حول آخر المستجدات بشأن هذا الملف، ولذلك لا أريد تكرار إجابات سابقة دون جديد.
كان هناك حديث في وقت سابق عن إمكانية حدوث بعض الانفراجات بحلول شهر مارس/آذار، ولكن مع اقترابنا من نهاية الشهر، لم يتبقَّ كثير من الوقت. لهذا السبب، سأتابع مع الجهات المسؤولة، وسأحصل على أحدث المعلومات حول هذا الموضوع وأشارككم أي تطورات حال ورودها.
قبل الانتخابات وبعدها، أكد الرئيس بزشكيان أن الظروف المعيشية الحالية لا تليق بالشعب الإيراني. بعد مرور ستة أشهر على تولي الحكومة الرابعة عشرة مهامها، إلى أي مدى استطاعت الوفاء بوعودها في تحسين الأوضاع الاقتصادية؟
لا يُعقد اجتماع للحكومة أو أي هيئة اقتصادية دون التطرق إلى قضية معيشة الشعب، وهذا يعكس الأهمية الكبرى التي توليها الحكومة لهذا الملف. إذا نظرنا إلى اجتماعات مجلس الوزراء من منظور تحليل المحتوى، فسنجد أن عبارة “سبل عيش الناس” ترد مرارا وتكرارا، ما يعكس التزام الحكومة الجاد بهذه المسألة.
لكن هل تم حل الأزمة الاقتصادية بالكامل؟ البعض قد يجيب بالنفي، لأن القرارات التي اتُّخذت، مثل خفض معدل تنويع العملات، أثّرت على سوق الصرف وأسعار السلع.
ومع ذلك، فإن خطوات مثل إنشاء مركز لتبادل العملات والذهب، وضخ النقد الأجنبي الناتج عن الصادرات في النظام المالي، تهدف إلى تحقيق استقرار طويل الأمد.
إضافة إلى ذلك، تعمل الحكومة ضمن إطار الخطة السابعة على تقليل الفجوة بين الشرائح ذات الدخل المرتفع والمنخفض، وهو ما تطلب تنفيذ سياسات مثل تعويضات “كالابرغ” التي استفاد منها جزء كبير من المجتمع.
لو لم تكوني المتحدثة باسم الحكومة، كيف كنت ستقيّمين أداءها الاقتصادي كمواطنة؟
لا يمكن الحكم على الأداء الاقتصادي لأي حكومة بمعزل عن الظروف التي تواجهها. الاقتصاد الإيراني يمر بتحديات معقدة، بعضها مرتبط بالعقوبات التي لم تعد مجرد “حبر على ورق”، بل باتت تضغط بشكل فعلي على الاقتصاد، مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج والمعيشة.
كما أن هناك مشكلات هيكلية داخلية لا ترتبط بالعقوبات، والحكومة تدرك ذلك وتسعى لإصلاحها، خاصة في الدوائر الحكومية التي تتمركز فيها الكثير من المخاطر والمعوقات.
ولكن، بناءً على الأداء الإجمالي، أعتقد أن التوجه نحو سياسة الاكتفاء الذاتي في الإنتاج الوطني يتطلب تحركات جادة لتجاوز هذه المعوقات الداخلية.
شهدت البلاد هذا الشتاء أزمة انقطاع الغاز والكهرباء لفترات طويلة، وهو ما أثار احتجاجات وانتقادات واسعة. إلى أي مدى تعود هذه الأزمة إلى سياسات الحكومة السابقة، وإلى أي مدى تتحمل الحكومة الحالية المسؤولية عنها؟
لا يمكن النظر إلى أزمة الطاقة بشكل منفصل عن السياسات التي اتُّبعت على مدار السنوات الماضية. على سبيل المثال، في الأول من سبتمبر/أيلول 2004، كانت احتياطيات الديزل أقل بنسبة 40 إلى 45% مقارنة بعام 2003، وفقا لما ذكره وزير النفط آنذاك.
عندما تتراجع الاحتياطيات، ويرتفع الاستهلاك، وتتوسع الشبكة دون تطوير كافٍ للبنية التحتية، فمن الطبيعي أن تحدث الاختلالات. بالتأكيد، جزء من هذه الأزمة يعود إلى الحكومات السابقة، لكن هناك أيضا مسؤولية تقع على عاتق الإدارة الحالية، خاصة في ما يتعلق بالإصلاحات التي لم تُنفَّذ بالشكل المطلوب.
إحدى المشكلات الرئيسية هي التوزيع غير المتوازن للطاقة، حيث تعاني الصناعات من انقطاع الكهرباء، بينما بعض المناطق السكنية الريفية والجبلية تحظى بإمدادات مستقرة. هذا يعكس خللا في عملية صنع السياسات.
ومع ذلك، فإن أحد الإنجازات المهمة لهذه الحكومة هو الاعتراف بالمشكلة بشفافية، وهو أمر لم يكن يحدث في السابق.
لا شك في أن الشتاء كان صعبا على الجميع: الحكومة، والصناعات، والمواطنين. انقطاع الكهرباء أثر على المنازل، وأدى إلى تعطيل المدارس والخدمات الأساسية، وضمن ذلك الإنترنت في بعض المناطق.
هناك شخصيات بارزة مثل الدكتور طيب نيا والدكتور ظريف وقفوا إلى جانب بزشكيان منذ البداية، لكنهم لا يؤيدون الحكومة حاليا. كيف تقيّمون ذلك؟
هؤلاء الشخصيات التي ذكرتموها من أهم ثروات هذا البلد. عندما ننظر إلى مراسم تنصيب الرؤساء في دول أخرى، نجد أن جميع القادة السابقين يحضرون، وهذا يعكس حقيقة أن كلا منهم خدم البلاد، بغض النظر عن نجاحه أو فشله.
السيد ظريف، على سبيل المثال، لم ينسَ الناس أنه، رغم معاناته من انزلاق غضروفي، أصرّ على حضور المفاوضات لأنه كان يعلم أن حل مشاكل المواطنين واجب لا يحتمل التأجيل.
أما الدكتور طيب نيا، فهو اليوم مستشار للرئيس، حتى وإن لم يكن دائم الظهور.
لقد حدثت استقالات وإقالات، لكنني على يقين بأن الدكتور ظريف يبقى حريصا على البلد والنظام، ولن يظهر منه سوى الموقف المسؤول في هذه القضية.
مع التعديلات المحتملة على قانون المهن الحساسة، هل من الممكن أن نرى ظريف يعود إلى الحكومة؟
القانون الحالي كُتب بطريقة تقييدية للغاية، حيث يمنع حتى من وُلد في الخارج، رغم انتمائه إلى الباسيج، من أن يصبح عضوا في هيئة التدريس بالجامعة، وذلك بسبب إمكانية وصوله إلى مناصب حكومية.
هذا الأمر ينطبق أيضا على أبناء الدبلوماسيين والطلاب الذين حصلوا على جنسية إلزامية بحكم قوانين الدول التي وُلدوا فيها، وهو ما يمنعهم اليوم من تولي أي منصب رسمي. الحكومة، وتحديدا الدكتور ظريف، كانت أول من أثار مسألة الجنسية القسرية.
ومن هذا المنطلق، قدّمت الحكومة مشروع قانون مزدوج لمعالجة هذا الوضع. ورغم عدم التصويت على المسألتين العاجلتين، فإن مشروع القانون نفسه حصل على الموافقة، وهو الآن قيد المراجعة في لجنة الشؤون الاجتماعية بالبرلمان.
نأمل أن يتوصل البرلمان إلى نتيجة سريعة، ليس فقط في ما يتعلق بالسيد ظريف، بل أيضا لحماية الكفاءات الوطنية التي يمتلكها هذا البلد. علينا الاستفادة من جميع مواردنا، فكثير ممن درسوا في الخارج طاقات علمية ثمينة، ومن غير المنطقي أن يُغلق هذا القانون الباب أمامهم.
كيف تنظر الحكومة إلى موقف البرلمان، الذي بدأ متوافقا مع بزشكيان لكنه اتجه تدريجيا نحو المواجهة بدلا من التفاعل، خصوصا مع وجود بعض المتطرفين الذين يسعون إلى إسقاط الحكومة؟
نحن نرى أن البرلمان يمارس حقه الدستوري، وهو يمتلك صلاحيات الرقابة وتقييم أداء الوزراء، كما أنه يمثل إرادة الشعب بحكم انتخابه من قبل المواطنين.
وبطبيعة الحال، إذا خرج أي قرار برلماني عن الإطار القانوني، فهناك آليات دستورية، مثل مجلس صيانة الدستور، للفصل في ذلك.
الحكومة تؤمن بأن دور البرلمان هو الدفاع عن حقوق الشعب، وليس المواجهة من أجل المواجهة. لذلك، لا نرى في الوقت الحالي أن هناك صراعا جوهريا، بل ممارسة طبيعية لدور تشريعي ورقابي.