رضوى أحمد
في ذكرى وفاة عالم الدين الشيعي وأحد رموز الثورة الإيرانية محمود طالقاني، والذي جاءت وفاته في الساعات الأخيرة من ليلة 9 سبتمبر/أيلول 1979، تناولت الصفحات الأولى من الصحف الإيرانية حياته ومعتقداته، منذ انضمامه للحركة الوطنية وحتى تشكيله حركة إيران الحرة مع آخرين، مستعرضةً تاريخه السياسي والنضالي في إيران.
- حياته:
وُلد محمود طالقاني في إيران عام 1911، في مدينة طالقان بمحافظة ألبرز، وكما جاء في تقرير وكالة الأنباء الإيرانية خبر أونلاين، يوم 9 سبتمبر/أيلول 2024، قال محمد أسفندياري، مؤلف كتاب «بيك أفتاب»، عن مراحل تعليم طالقاني: “تعلم طالقاني القراءة والكتابة في طالقان وطهران، وفي عام 1922 ذهب إلى الحوزة العلمية في قم، ثم في 1936 إلى النجف، وقال أحد أصدقاء طالقاني عن مصدر رزق والده: كان يكسب رزقه من صناعة الساعات”. وفي العام 1941، بدأ في تفسير القرآن لعامة الناس والتحقت مجموعات طلابية مختلفة بهذه الاجتماعات، وبهذا بدأ نضاله رسمياً ضد النظام.
وبعد الانقلاب 19 أغسطس/آب 1953، والذي قام على حكومة مصدق لمحاولته تأميم البترول، واصل طالقاني نضاله ضد النظام حتى اعتقله السافاك لإخفائه نواب صفوي، الأصولي المتشدد، في منزله، لكن سرعان ما أطلق سراحه وعاد للعمل مرة أخرى. وفي عام 1959، شارك طالقاني في مؤتمر القدس مع ميرزا خليل كمري، كما ناضل طالقاني خلال حركة النفط الوطنية ولعب دوراً فعالاً فيها. وفي طهران، رافق رجال الدين المدافعين عن الحركة الوطنية وشخصيات مثل مهدي بازرجاني، وفي عام 1961 انضم إلى مؤسسي حركة حرية إيران.
دخل طالقاني السجن بعد حملاته وأنشطته السياسية عام 1962 مع أعضاء حركة الحرية، واعتقل مرة أخرى عام 1963 بعد انتفاضة 5 یونیو/حزیران وحكم عليه بالسجن 10 سنوات، وكان يرتاد مسجده الآلاف من المتحمسين للحركة الإسلامية، فكانت خطب طالقاني موضع ترحيب من قبل الناس.
-وفاته والجدل المثار حولها:
كانت وفاته في الساعات الأولى من فجر يوم 10 سبتمبر/أيلول 1979، وصف أسفندياري تلك الليلة وقال: “التقى طالقاني بالسفير السوفييتي في إيران مساء 9 سبتمبر/أيلول 1979 في المنزل ومات فجر تلك الليلة”. أما في كتابات فلاديمير كوزيتشكين، عميل المخابرات السوفيتية وتنظيم التجسس في إيران بين عامي 1977 و1982 فقد اعتبرت وفاة طالقاني “مشبوهة”، فقال في مذكراته: “كان اللقاء مع السفير السوفيتي في الصباح وبعد اللقاء بدا طالقاني سعيداً كعادته. ولكن في الليل، شعر بالألم، وهرع حراسه لإبلاغ الطبيب لكن تعطل الهاتف، وحاولوا سقيه الماء، لكن انقطع الماء، فلم يكن لدى الرجل أي فرصة للنجاة، لقد حسب خصومه كل شيء حتى أدق التفاصيل”.
إضافة إلى ذلك، ادعى نجل طالقاني أن وفاة والده كانت مشبوهة بسبب ثلاثة أحداث في الأيام التي سبقت وفاته. أولاً، تداول رسالته إلى والده حول مواقف منظمة مجاهدي خلق على نطاق واسع. وثانياً، اقتحام مجموعةٍ منزل خليل رضائي، أحد أقارب طالقاني، وبدا أنهم يبحثون عن مستندات، والثالثة أنه بعد وفاته، أدركوا أن حقيبة تحتوي على وثائق، لا يملك مفتاحها سوى آية الله طالقاني نفسه، قد فقدت.
-أفكاره ومعتقداته:
تناولت عدة تقارير نشرتها وكالة أنباء ستاره صبح الإيرانية، يوم الاثنين 9 سبتمبر/أيلول 2024، بعضاً من أفكار طالقاني السياسية والدينية وجاءت كالآتي:
-الحجاب:
وفقاً للتقرير، فقد صرح في إحدى المقابلات مستعرضاً مسألة الحجاب قائلاً: “هذا ليس من صنعتي أو من صنع الفقهاء وغيرهم؛ هذا نص صريح من القرآن، ولا يمكننا الخروج عن حدوده ولا النساء اللاتي يؤمنّ به، فالإسلام والقرآن والدين أرادوا الحفاظ على شخصية المرأة، ولم تُجبر الأخوات في هذه المسيرات على الحضور بالحجاب أو من دونه، لكنهن أظهرن أصالتهن بأن هذا اللباس هو أحد الشعارات الإسلامية والإيرانية، ونحن نطلب منهن أن يرتدين ملابس بسيطة بوقار، وأن يضعن الحجاب على رؤوسهن، فهذا لن يسبب أي مشكلة، إذا كانت هناك من لا تريد أن تتلف شعرها، فلتضع وشاحاً على شعرها ولن يتضرر، فالخطر الذي نشعر به هو أن النساء قد يعدن إلى الابتذال، والحجاب هو حكم الدين”.
-الحرية والتوحيد
ومن وجهة نظر طالقاني فإن الحرمان من الحرية في المجتمع سيؤدي إلى ظهور الطغيان واختفاء الصفات الحميدة، وربط بين الحرية والتوحيد، وقال إن الديانات التوحيدية دعت إلى حرية الإنسان، وأرسلت الرسل لهذا الغرض، ووضع طالقاني التوحيد والحرية أمام الطغيان والاستعباد.
-حرية الرأي:
رأى طالقاني أنه لا يجوز فرض رأي في الإسلام، وللناس الحرية في تبني أي رأي يريدونه، وهذا يتفق تماماً مع المذهب الشيعي.
-الحرية السياسية:
بعد انتصار ثورة الخميني، التي توفي بعدها بأشهر، قال طالقاني إن إيران تحتاج لتدخل الشعب في مصيره: “يجب أن يحدد شعبنا مصيره، ويكون قادراً على إيجاد طريق لحياته، وهذه مسألة يواجهها علماؤنا منذ سبعين عاماً وأكثر، وفي رأيي يجب أن تُنشأ الجمعيات المحلية والإقليمية في كل مدينة وقرية، ويختار الشعب الأشخاص الذين يثق بهم ويكونوا تحت إشرافهم، فالشعب هم الحكام، وليس غيرهم، ويجب أن تسير الحكومة وفقاً لخطط الشعب”.
-تفسير القرآن:
اشتهر طالقاتي بتفسيره للقرآن وفقاً لمتطلبات العصر، حتى إنه يُقال إن علي شريعتي الثوري الإيراني كان متأثراً بطالقاني.
-شعبيته:
كان يعتبر طالقاني نفسه في خدمة الجميع، وكان ينظر إلى أي شخص مسلم وغير مسلم، شيعي وغير شيعي على أنه إنسان، ويعتبره في ظروف خاصة خرج عن الطريق، وليس كافراً أو نجساً، وكان يعارض الذين يريدون استغلال البشر.
-دعم المثقفين:
كانت الحركة القومية، خاصةً نضالات محمد مصدق، محل اهتمام طالقاني، وكان دائماً يثني على مثقفين مثل مهدي بازرجان وعلي شريعتي، والقومية عنده كانت مرتبطة بالإسلام.
-الإسلام الاجتماعي:
يعتبر طالقاني أحد الشخصيات البارزة في (الإسلام الاجتماعي)، بمعنى الاندماج مع المجتمع والاهتمام به، بشكل مستقل عن السلطة السياسية، حيث كان مشروعه الإصلاحي يقترب من المشروع الاجتماعي، وكان فكره وحياته ورؤيته ما يمكن أن يُطلق عليه الإسلام الاجتماعي، فقال: “نحن (رجال الدين) لا ندعي الحكم”. وبناءً على هذا الاعتقاد، يتميز طالقاني عن التيار السائد للإسلام السياسي ويقترب من تيار الإسلام الاجتماعي.