كتب: مصطفى أفضل زاده مراسل “زاد إيران” في طهران
ترجمة: هاجر كرارة
تقوم شركات صناعة السيارات الإيرانية برفع أسعار السيارات بشكل متكرر، بحجة تقريب سعر المصنع من سعر السوق.
وفي يوم الأحد 17 أكتوبر/تشرين الأول 2024، أعلنت الشركتان الرئيسيتان لصناعة السيارات في إيران “إيران خودرو” و”سايبا”، بشكل متزامن، عن زيادة أسعار إنتاجهما بنسبة 30% في المتوسط، مما أثار كثيرا من الانتقادات.
لطالما شكلت أسعار السيارات في إيران أحد التحديات الاقتصادية والاجتماعية الجادة، وأدت الزيادات المتكررة في أسعار السيارات وانخفاض القدرة الشرائية للمواطنين إلى انتقادات واسعة للسياسات الاقتصادية المتبعة في البلاد، ولكن هل هذه المشكلة مقتصرة على إيران فقط؟
يسعى هذا التقرير إلى مقارنة سعر سيارة متوسطة بدخل الفرد المتوسط في كل من إيران وتركيا ومصر، لتقديم صورة أوضح عن حالة سوق السيارات في إيران.
سعر السيارة والدخل في إيران
وفقا للتقديرات، يبلغ سعر سيارة متوسطة مثل “بيجو 206” في إيران نحو 11 ألف دولار أمريكي في العام الحالي، في حين يبلغ متوسط الدخل الشهري للأسرة في المناطق الحضرية الإيرانية نحو 340 دولارا أمريكيا وفقا للإحصائيات الرسمية، وبناء على هذه الأرقام، فإن شراء سيارة متوسطة يعادل نحو 32 ضعف الدخل الشهري للأسرة الإيرانية، مما يعني أن شراء سيارة لموظف عادي أصبح أمرا شبه مستحيل، إلا إذا حصل على قرض أو ادخر لعدة سنوات.
يأتي هذا الوضع في ظل إشارة العديد من الخبراء إلى التضخم وتراجع قيمة العملة الوطنية، وفي الوقت نفسه، تتأثر أسعار السيارات في إيران بعدة عوامل مثل التعريفات الجمركية المرتفعة على الواردات وتكاليف الإنتاج المحلية.
حالة شراء السيارات في تركيا
يبلغ سعر سيارة متوسطة مثل “فولكس فاغن غولف” في تركيا نحو 25 ألف دولار أمريكي في العام الحالي، بينما يبلغ متوسط الدخل الشهري للمواطن التركي نحو 14 ألف ليرة تركية. ومن ثم، فإن شراء سيارة متوسطة في تركيا يتطلب نحو 45 ضعف الدخل الشهري للفرد، وهي نسبة أعلى من النسبة المسجلة في إيران والتي تقدر بنحو 32 ضعفا.
وتشير هذه المقارنة إلى أنه على الرغم من ارتفاع أسعار السيارات في تركيا مقارنة بإيران، فإن نسبة سعر السيارة إلى الدخل أعلى في تركيا. ويعزى ذلك جزئيا إلى الضرائب المرتفعة المفروضة على السيارات في تركيا والتي قد تصل إلى أكثر من 100% من قيمة السيارة.
حالة شراء السيارات في مصر
يبلغ متوسط سعر سيارة متوسطة الحجم مثل “تويوتا كورولا” في مصر نحو 12 ألف دولار. بالمقابل، يبلغ متوسط الدخل الشهري في مصر نحو 160 دولارا. وبالتالي، فإن شراء سيارة متوسطة في مصر يعادل نحو 75 ضعف الدخل الشهري للفرد.
تشير هذه الإحصائية إلى أن شراء سيارة في مصر يعتبر أمرا أكثر صعوبة بكثير مقارنة بدول مثل إيران وتركيا، وذلك بالنسبة للدخل الفردي.
وبمقارنة هذه الدول الثلاث، يمكننا القول إنه على الرغم من ارتفاع أسعار السيارات في إيران بالنسبة لدخول المواطنين، فإن الوضع في الدول المجاورة مثل تركيا ومصر يواجه تحديات مماثلة.
وبناءً على ذلك، وعلى الرغم من الشكاوى الواسعة حول ارتفاع أسعار السيارات في إيران، فإن نسبة سعر السيارة إلى الدخل في إيران أفضل نسبيا مقارنة ببعض الدول الأخرى في المنطقة. ومع ذلك، فإن هذه النتيجة لا تعني تجاهل الصعوبات الاقتصادية والمعيشية التي يواجهها الشعب الإيراني، بل تعكس الاختلافات في السياسات الاقتصادية والأوضاع الاقتصادية بين الدول المختلفة.
يقول أحد الاقتصاديين في هذا الصدد: “إن مقارنة أسعار السيارات لا تكون ذات معنى إلا إذا تمت بالاقتران مع دخل الفرد وتكاليف المعيشة. ففي بعض الأحيان، قد يكون تصورنا لارتفاع الأسعار خاطئا بسبب مقارنة غير دقيقة أو عدم فهم الاختلافات الهيكلية بين الدول”.
رغم استمرار الانتقادات الموجهة لارتفاع أسعار السيارات في إيران، فإن هذه المقارنة تُظهر أن الوضع في إيران ليس سيئا إلى هذا الحد مقارنة بدول مثل تركيا ومصر. ومع ذلك، فإن اتخاذ سياسات اقتصادية أفضل يمكن أن يسهم في تخفيف العبء عن المواطنين وتحسين الأوضاع الاقتصادية. والهدف من هذا التقرير هو تقديم صورة أكثر دقة لمقارنة أسعار السيارات مع متوسط الدخل في بعض دول المنطقة.
دعونا نتعرف على واحدة من أغلى الدول لامتلاك سيارة
تحوُّل العالم إلى مجتمعات تعتمد بشكل كبير على السيارات جعل امتلاك سيارة شخصية ضرورة أساسية لكثير من الأسر. إلا أن ارتفاع تكاليف شراء السيارات وصيانتها دفع كثيرين إلى التخلي عن فكرة امتلاك سيارة شخصية والتوجه إلى وسائل النقل العام. في الوقت الحالي، تُعتبر التكاليف المرتبطة بشراء وامتلاك واستخدام السيارات عاملا حاسما في القرارات الاقتصادية للأسر. تتضمن هذه التكاليف: الضرائب، التأمين، الوقود، الفحص الفني، الإصلاحات، وغيرها. في هذا التقرير، سنقوم بمقارنة تكاليف امتلاك سيارة في إيران وتركيا ومصر وأوروبا.
إيران: تكاليف يمكن التحكم فيها، ولكن تواجه تحديات بسبب التضخم
على الرغم من أن التكلفة الإجمالية للسيارة في إيران أعلى بكثير مما ينبغي بسبب الاحتكار وسوء الإدارة، فإن التكاليف الجانبية لامتلاك سيارة أقل، مقارنة بالعديد من الدول الأخرى. تشمل تكاليف امتلاك سيارة في إيران ضريبة القيمة المضافة، والتأمين ضد الأضرار التي تلحق بالغير، ورسوم البلدية، وتكلفة الوقود، والفحص الفني.
سعر الوقود في إيران منخفض جدا مقارنة بالدول الأخرى. يوجد نوعان من أسعار البنزين في إيران سعر مدعوم من الحكومة وسعر السوق الحرة. بدولار واحد يمكن شراء 60 لترا من البنزين المدعوم أو 20 لترا من البنزين في السوق الحرة. تكلفة تأمين ضد الأضرار التي تلحق بالغير لسيارات اقتصادية مثل البرايد نحو 66 دولارا أمريكيا سنويا، والتي تزداد بالطبع مع ارتفاع سعر السيارة.
تكلفة تغيير الزيت والفلتر لسيارات اقتصادية نحو 8 دولارات أمريكية. التكاليف الأخرى مثل رسوم البلدية والفحص الفني ضئيلة جدا ولا تستحق الذكر. ومع ذلك، فإن عوامل مثل التضخم وارتفاع أسعار قطع الغيار تزيد من الضغط المالي على مالكي السيارات.
تركيا: التحديات الكبرى لمالكي السيارات
أسعار السيارات في تركيا مرتفعة للغاية بسبب الضرائب الباهظة، مثل ضريبة القيمة المضافة وضريبة السيارات. على سبيل المثال، قد يصل سعر سيارة متوسط الحجم مثل تويوتا كورولا جديدة إلى نحو 30 ألف دولار أمريكي.
وتشمل هذه التكلفة ضرائب قد تزيد على 150% من سعر السيارة الأصلي. يلتزم مالكو السيارات في تركيا بدفع ضريبة سنوية تعتمد على حجم المحرك وعمر السيارة. بالنسبة لسيارة بسعة 1.6 لتر وعمر 5 سنوات، قد تصل الضريبة السنوية إلى ما بين 250 و500 دولار أمريكي. وتكون الضرائب أعلى للسيارات الأحدث أو ذات المحركات الأكبر.
تبلغ تكلفة التأمين على المسؤولية المدنية، وهو إلزامي، ما بين 200 و300 دولار أمريكي سنويا في المتوسط. أما التأمين الشامل، وهو اختياري، فقد يصل إلى ما بين 500 و1000 دولار أمريكي، وذلك حسب نوع السيارة والتغطية التأمينية.
يعتبر سعر البنزين في تركيا من أعلى الأسعار في العالم، حيث يصل سعر اللتر الواحد إلى نحو 1.5 دولار أمريكي. بافتراض استهلاك شهري قدره 100 لتر، فإن تكلفة الوقود السنوية ستصل إلى نحو 1800 دولار أمريكي.
تُقدر تكاليف الصيانة والتصليح السنوية، وضمن ذلك تغيير الزيت والإطارات والخدمات الأخرى، بنحو 500 إلى 700 دولار أمريكي. وقد تضاف إلى هذا المبلغ تكاليف إصلاحات طارئة غير متوقعة.
تتراوح تكلفة مواقف السيارات الشهرية في المدن الكبرى مثل إسطنبول بين 50 و100 دولار أمريكي. كما قد تصل رسوم المرور على الطرق السريعة والجسور إلى 200 دولار أمريكي سنويا.
تتراوح التكلفة الإجمالية لامتلاك سيارة خاصة في تركيا بين 3500 و5000 دولار أمريكي سنويا في المتوسط. ويعود السبب الرئيسي في ارتفاع هذه التكلفة إلى الضرائب المرتفعة وسعر الوقود المرتفع، مما يجعل تركيا واحدة من أغلى الدول في امتلاك سيارة.
تكاليف معيشة منخفضة مقابل تحديات في البنية التحتية بمصر
على الرغم من أن تكلفة شراء سيارة في مصر تمثل نسبة كبيرة من دخل الفرد المتوسط بسبب محدودية الدخل، فإن تكاليف امتلاك السيارة بعد الشراء في مصر، تعد منخفضة نسبيا مقارنة ببعض الدول الأخرى.
يرجع ذلك إلى انخفاض أسعار الوقود، حيث يبلغ سعر اللتر الواحد نحو 0.50 دولار أمريكي، إضافة إلى معدلات ضرائب أقل، مقارنةً ببعض الدول. ومع ذلك، فإن جودة الطرق السيئة والمشاكل المتعلقة بالبنية التحتية تسهم في زيادة تكاليف صيانة وإصلاح السيارات بشكل ملحوظ.
أوروبا: قوانين صارمة وتكاليف معيشية مرتفعة
أدت القوانين البيئية الصارمة في أوروبا إلى زيادة تكاليف امتلاك سيارة بشكل ملحوظ. فعلى سبيل المثال، وصل سعر لتر الوقود في ألمانيا إلى أكثر من 1.8 دولار أمريكي، بسبب الضرائب البيئية المرتفعة. كما أن تكاليف التأمين في أوروبا تختلف من دولة إلى أخرى، ولكنها بشكل عام أعلى بكثير من تلك الموجودة في إيران. إضافة إلى ذلك، فإن تكاليف الفحص الفني والإصلاحات مرتفعة، حيث يحصل الميكانيكيون في ألمانيا على رواتب تصل إلى 5000 دولار أمريكي شهريا.
تشير مقارنة التكاليف إلى أن إيران، رغم التحديات الاقتصادية التي تواجهها، تعد واحدة من أرخص الدول في امتلاك سيارة. يعود ذلك إلى انخفاض أسعار الوقود، والضرائب المنخفضة، وتكاليف التأمين المعقولة. على النقيض من ذلك، ترتفع تكاليف امتلاك السيارات بشكل كبير في تركيا، بينما تسهم القوانين الصارمة والضرائب المرتفعة في زيادة هذه التكاليف بأوروبا.
تعتبر تكاليف امتلاك سيارة في إيران أقل بشكل عام مقارنة بعديد من الدول الأخرى، ولكن هناك بعض التحديات التي يواجهها مالكو السيارات مثل التضخم وجودة خدمات الصيانة. ومع ذلك، فإن الدعم الحكومي لأسعار الوقود وعدم وجود ضرائب مرتفعة يجعلان امتلاك سيارة في إيران أكثر اقتصادية. على الجانب الآخر، أدت هذه السياسات إلى زيادة استهلاك الوقود، والتسبب في مشاكل مثل الازدحام المروري والتلوث البيئي.