كتبت: لمياء شرف
أعاد البرلمان الإيراني النظر في مشروع قانون تعديل النظام النقدي والمصرفي الإيراني، والذي يتضمن خطة لإزالة أربعة أصفار من العملة الوطنية وتغيير العملة الإيرانية.
سبق أن طرح هذا المشروع لأول مرة في الحكومة الثانية عشرة، ثم عاد إلى الواجهة من جديد بعد تقديمه كقانون طارئ من قبل حكومة مسعود بزشكيان، والذي تتم دراسته الآن داخل البرلمان الإيراني.
تأتي هذه الخطوة في إطار محاولات حكومة بزشكيان لمعالجة التحديات الاقتصادية، ولتعزيز استقرار العملة في إيران، بالإضافة للحد من المشكلات الناجمة عن التضخم المزمن، وتقليص القوة الشرائية للعملة الوطنية.
والجدير بالذكر أن التضخم المالى في إيران تسبب في السنوات الأخيرة في ارتفاع أرقام التبادلات اليومية وتراجع المكانة الظاهرة للعملة الإيرانية مقارنة بالعملات الدولية الأخرى.
ومن المتوقع أن يتم الحد من المشاكل المالية القادمة من خلال إزالة 4 أصفار من العملة الوطنية ومراجعة نظام العملات الورقية والمعدنية، بالإضافة إلى تسهيل استخدام العملة الوطنية في أنظمة الدفع.
وينص مشروع القانون على أن تكون الوحدة النقدية الجديدة لإيران هي “التومان”، الذي يساوي 10 آلاف ريال حالي ويعادل 100 “بارس”.
ويذكر أن العملة الإيرانية تعادل 760.000 ريال إيراني مقابل الدولار الأمريكي، وتستمر قيمة انخفاض قيمة الريال الإيراني بزيادة حجم التضخم.
وتأمل حكومة بزشكيان في أن تتم الموافقة على هذا المشروع، الذي يساهم في إصلاح الهيكل النقدي لإيران وزيادة كفاءة العملة الوطنية في المعاملات اليومية.
ويمكن أن تكون هذه الخطة أيضاً خطوة نحو تقليل الضغوط الناجمة عن التضخم وإعادة بناء ثقة الجمهور في العملة الوطنية.
وعقد الأحد 22 ديسمبر/كانون الأول 2024، جلسة مغلقة للمجلس حول أوضاع سوق الصرف الأجنبي، حيث صرح عباس جودارزي، المتحدث باسم هيئة رئاسة المجلس الإسلامي، لوكالة تسنيم الإيرانية بأن البرلمان الإيراني عقد جلسة مغلقة قبل الجلسة العامة لمناقشة وضع سوق العملة في إيران.
وأوضح أن عدداً من النواب أبدوا وجهات نظرهم حول الوضع والتقلبات الأخيرة في سوق العملات الإيرانية.
ومن المقرر أن يعقد البرلمان الإيراني جلسة الثلاثاء القادم 24 ديسمبر/كانون الأول 2024، وذلك بحضور كل من وزير الاقتصاد ومحافظ البنك المركزي لمناقشة موضوع زيادة أسعار العملات.
تاريخ إصلاح العملة الوطنية
ترجع جذور فكرة إزالة الأصفار من العملة الوطنية الإيرانية إلى أكثر من ثلاثة عقود، حيث بدأت المحاولات الأولى في 1993، عندما بادر البنك المركزي الإيراني بدراسة إزالة ثلاثة أصفار من العملة.
وفي الفترة بين عامي 1993-1994، أعاد طهماسب مظاهري، رئيس البنك المركزي آنذاك، طرح القضية على جدول الأعمال، لكنها توقفت لأسباب متعددة.
وفي أواخر الثمانينيات، عادت الفكرة للواجهة خلال فترة رئاسة محمود أحمدي نجاد، حيث اقترح البنك المركزي تغيير اسم العملة الوطنية إلى “بارسي” والوحدة الفرعية إلى “دريك”.
ورغم الطروحات المتكررة، بقي المشروع معلقاً دون تنفيذ، ما يجعله أحد الملفات المؤجلة التي تعود مجدداً للنقاش مع كل محاولة للإصلاح النقدي، إلى أن عادت حكومة بزشكيان بها مرة أخرى.
وفي سياق متصل، أوضح علي رضا زانديان، عضو اللجنة الاقتصادية بالبرلمان الإيراني، الخميس 19 ديسمبر/كانون الأول 2024، أنه تم التأكيد عدة مرات خلال جلسات اللجنة الاقتصادية على ضرورة تحديد سعر الصرف في ظل انخفاض قيمة الريال الإيراني، قائلاً “في حقيقة الأمر فإننا بلد فقير جداً اقتصادياً وحتى أفقر البلدان الأفريقية لا تفقد قيمة عملتها بهذه الطريقة”.
أشار زانديان إلى أن بعض الخبراء يرون أن تسعير العملات الرقمية ساهم في ارتفاع سعر العملة، مؤكداً أن تحديد سعر العملة في إيران يخضع لسيطرة بعض الوسطاء في الإمارات وهيرات والسليمانية.
وشدد على ضرورة دراسة مسألة سعر الصرف بعناية، خاصة في ظل ارتباطها بالمؤشرات الاقتصادية ومعدلات التضخم، مؤكداً على ضرورة أن يتولى البنك المركزي مسؤولية موحدة لإدارة أسعار الصرف، سواء كان ذلك السعر التفضيلي أو سعر السوق، في إشارة إلى أن وجود أسعار صرف متعددة يؤدي إلى ظهور مشكلات وتبعات تؤثر بشكل سلبي على سعر الصرف في السوق الحرة.
وعلق زانديان بأنه لم تشهد إيران أي تأثير ملموس لتصريحات رئيس البنك المركزي على استقرار سعر الصرف، حيث أعلن أنه لدى إيران الكثير من موارد النقد الأجنبي، والتي سيتم ضخها بعد الأعياد.
محاولات لسد الفجوة
بعد التراجع الملحوظ في قيمة العملة الإيرانية مقابل الدولار، أعلن الفريق الاقتصادي للحكومة الإيرانية خطته للحد من تدهور الريال أمام العملة الصعبة في الأسواق، وذلك من خلال إلغاء المصرف المركزي الإيراني التسعيرة الحكومية للعملة الصعبة المخصصة لاستيراد بعض السلع الأساسية.
وذلك بهدف تحديد سعر العملة وفقاً لآلية العرض والطلب بين المصدرين والموردين في سوق التوافقية المخصصة لتداول العملات الصعبة.
وإثر هذه الخطوة استقر السعر التوافقي للدولار في اليوم التالي عند نحو 600 ألف ريال إيراني، لكنه واصل صعوده بعدها في سوق “نيما” للمبادلات التجارية بالعملة الصعبة عند 613 ألف ريال و617 ألف ريال.
وفي السوق الموازية الحرة، قفز سعر الدولار الواحد إلى 768 ألف ريال، ثم لامس عتبة 778 ألف ريال، وذلك بعد تداوله عند نحو 733 ألف ريال، عشية إطلاق الآلية الجديدة.
واعتبر وزير الاقتصاد الإيراني، عبد الناصر همتي، أن تطبيق هذه الآلية خطوة أولية نحو التخلص من التسعيرة الإجبارية، خاصة في سوق العملات الصعبة، مؤكداً أن التسعيرة الإجبارية ستؤدي إلى الفساد المالي وتوزيعات ريعية وتفاقم الصعوبات في سوق العملة الصعبة.
وكتب همتي في تغريدة على منصة إكس، 14 ديسمبر/كانون الأول 2024، أنه لا يمكن الدفاع عن الأسعار غير الحقيقية من دون احتواء التضخم، وبالرغم من الجدوى على المدى القريب لكنها لن تستمر طويلاً.
وحذر من أن مواصلة العمل بالتسعيرة الإجبارية سيتم القضاء على الاحتياطيات الوطنية من العملة الصعبة والإخلال بالأمن الاقتصادي لإيران.