ترجمة: هاجر كرارة
تشهد إيران ارتفاعا في معدلات العنف سواء ضد الآخرين أو ضد النفس، ويضطر الآلاف يوميا إلى اللجوء إلى الطب الشرعي، مما يهدد استقرار المجتمع الإيراني.
حول هذا الموضوع نشر موقع “خبر أونلاين” مقالا لـلكاتب الصحفي الإيراني مظاهر كودرزي، السبت 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، كتب فيه:
في الأيام القليلة الماضية، تزايدت التقارير حول جرائم القتل والانتحار بشكل ملحوظ. وشملت هذه الجرائم شرائح مختلفة من المجتمع، بدءا من الطلاب وانتهاء بالناشطين السياسيين والاجتماعيين والصحفيين والأطباء والمحامين. والحقيقة هي أن أي شخص، مهما كان دوره في المجتمع، يمكن أن يكون الضحية القادمة، حيث يبدو أن الظروف مواتية لارتكاب أعمال عنف ضد النفس أو ضد الآخرين. بالتأكيد، هناك أحداث سابقة وعوامل متراكمة ساهمت في تفاقم هذه الظاهرة.
وأضافت الوكالة: القتل والانتحار هما المرحلة الأخيرة للعنف. على الرغم من وجود إحصائيات دقيقة حول هذين النوعين من الجرائم، خاصةً الانتحار، فإنه لفهم عمق مشكلة العنف في المجتمع، وللتعرف على الأسباب التي تدفع الأفراد إلى العنف، من الضروري أيضا النظر إلى إحصائيات “النزاعات”. يعرض “الجدول البياني الأول” عدد النزاعات التي وصلت إلى مرحلة اللجوء إلى الطب الشرعي. ومع ذلك، يجب أن نأخذ في الاعتبار أن هناك العديد من النزاعات الأخرى التي لا يتم الإبلاغ عنها لأسباب ثقافية أو رغبة في تجنب الإجراءات القانونية، مما يعني أن الأرقام الحقيقية قد تكون أعلى بكثير.
عودة روح التفاؤل وانخفاض معدلات العنف
وأضافت الوكالة: “وفقا لإحصائيات الطب الشرعي لعام 2013، بلغ عدد الأشخاص الذين لجأوا إليه بسبب النزاعات 607.349 شخصا. ويبين الخط الرمادي في الرسم البياني أعلاه التطور التاريخي لهذا الرقم، حيث تظهر الأرقام انخفاضا مستمرا في عدد حالات النزاع المسجلة ابتداء من عام 2013 وحتى عام 2017، لتصل إلى 544.470 حالة”.
تابعت: “يجب دراسة الأسباب الكامنة وراء الانخفاض في معدلات النزاعات خلال الفترة من 2013 إلى 2017 بشكل أكثر تفصيلا. أحد التفسيرات المحتملة هو العلاقة العكسية بين الصحة النفسية والنزاعات. فكلما تدهورت الصحة النفسية للمجتمع، زادت احتمالية نشوب النزاعات. وقد صرح مجيد صفاري نيا، رئيس الجمعية النفسية الاجتماعية، لـ(خبر أونلاین) سابقا، بأن قدرة الأفراد على التنبؤ بمستقبلهم والسيطرة عليه تؤثر إيجابا على صحتهم النفسية. وعندما يفقد الأفراد هذه القدرة، يصبحون أكثر عرضة للاضطرابات النفسية التي تتجلى في أشكال مختلفة من العنف الاجتماعي، مثل الانتحار والاكتئاب والاضطرابات النفسية الأخرى”.
واستطردت: “شهد عام 2013، تغييرا هاما أدى إلى زيادة قدرة الناس على التنبؤ بالمستقبل، ألا وهو نهاية عهد محمود أحمدي نجاد وبدء مرحلة جديدة تقوم على فكرة التغيير على الصعيدين السياسي والاقتصادي. وقد تبنى حسن روحاني هذه الفكرة في فترة رئاسته، حيث ساهم توقيع الاتفاق النووي وبعض الإصلاحات الاجتماعية في بث روح الأمل في نفوس المواطنين”.
نهاية سنوات الأمل.. العودة إلى نقطة البداية
أضافت الوكالة: “منذ عام 2017 فصاعدا، شهدت حالات الشجار المسجلة لدى الطب الشرعي زيادة متجددة، ووفقا لإحصائيات الطب الشرعي، بلغ عدد هذه الحالات 599321 حالة في عام 2023. كما يتضح من الرسم البياني أعلاه، فإن مسار التغيرات يقرب المجتمع مرة أخرى من عام 2013. إذا ما اعتبرنا، كما في السابق، أن قابلية التنبؤ بالمستقبل والأمل في التغيير هما حجر الزاوية للحفاظ على الصحة النفسية والحد من حالات الشجار أو زيادتها، فإنه يبدو أن هذا المبدأ ينطبق أيضا على هذه الفترة الزمنية”.
تابعت: “شهد المجتمع الإيراني منذ عام 2017، سلسلة من الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتسارعة، التي غيّرت ملامح المستقبل بشكل كبير وجعلته غامضا وغير واضح المعالم. بدءا من الاحتجاجات وأحداث عام 2017، وصولا إلى انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وعودة العقوبات الاقتصادية، ومسألة رفع أسعار البنزين في عام 2019، والاحتجاجات المتعلقة بـ(الشرطة الدينية) ومقتل مهسا أميني المؤسف في عام 2022، والارتفاع الجنوني في معدلات التضخم خلال السنوات الأخيرة، وغيرها من الأحداث المشابهة، كل هذه العوامل مجتمعة أوجدت لدى المواطن الإيراني شعورا بالغموض وعدم اليقين بشأن المستقبل، وهو ما أدى إلى اضطرابات نفسية في المجتمع وزيادة حدة الصراعات”.
هل سيشهد عام 2024 تحطيما للأرقام القياسية؟
أضافت الوكالة: “وفقا لإحصائيات الطب الشرعي، بلغ عدد حالات الشجار المسجلة لدى هذه المؤسسة خلال النصف الأول من عام 2024، ما يلي: 110359 حالة للنساء و213073 حالة للرجال، ليصل إجمالي الحالات إلى 323432 حالة. إذا استمرت وتيرة الحالات على هذا المنوال حتى نهاية العام، فسيكون عام 2024 استثنائيا خلال العقد الماضي، حيث من المتوقع أن تشهد حالات الشجار زيادة بنسبة 20% مقارنة بعام 2017 الذي سجل أدنى مستوى لها. الجدير بالذكر أن عدد الأشخاص الذين يتوجهون يوميا إلى الطب الشرعي لتسجيل حالات الشجار قد بلغ 1700 شخص في الوقت الحالي”.