كتب: مصطفى أفضل زادة، مراسل “زاد إيران” في طهران
ترجمة: علي زين العابدين برهام
يُعد الوضع الاقتصادي في إيران إحدى أكثر القضايا تعقيدا، حيث يؤثر بشكل مباشر حتى على قرارات السياسة الخارجية للبلاد، إلى الحد الذي جعل ضعف الإدارة الاقتصادية يدفع كثيرين إلى ربط تحسين الأوضاع بالمفاوضات مع الولايات المتحدة.
قبل أيام، ومع ارتفاع سعر الصرف بنسبة 50% خلال الأشهر الستة الماضية، ووسط حالة من الاضطراب الاقتصادي الحاد، تم استجواب عبد الناصر همتي، وزير الاقتصاد والمالية في حكومة مسعود بزشكيان، داخل البرلمان. إلا أن مبرراته لم تُقنع النواب، ما أدى إلى إقالته من منصبه.
في هذا التقرير، نحاور نائبين في البرلمان الإيراني ممن صوّتوا لصالح استجواب همتي؛ في محاولة لفهم أسباب موقفهما وتقييمهما لأداء الحكومة في إدارة الاقتصاد.
تولت حكومة مسعود بزشكيان زمام الاقتصاد الوطني مع تعهد واضح بخفض التضخم، غير أن الأشهر الأولى من عملها شهدت اعتماد سياسات نقدية غير موفقة، ما أدى إلى أزمات ملحوظة، خاصة في سوق العملات.
النتيجة كانت قفزة حادة في سعر الصرف بلغت نحو 50% خلال الأشهر الستة الأولى، الأمر الذي أثار موجة من الاستياء العام بين المواطنين والمحللين الاقتصاديين، وسط مخاوف متزايدة من التداعيات المحتملة لهذه الأزمة على مستقبل الاقتصاد الوطني.
بعد انتهاء ولاية حكومة الراحل إبراهيم رئيسي، والتي شهدت في نصفها الثاني استقرارا نسبيا في سوق العملات وانخفاضا ملموسا في معدل التضخم إلى نحو 32%، كان من المتوقع أن تواصل حكومة بزشكيان هذا المسار، بل وتعززه. لكن المعطيات الحالية تشير إلى أن هذه التوقعات لم تتحقق بالكامل.
مع تسلّم الحكومة الجديدة إدارة الاقتصاد، اعتمدت سياسات مثل إلغاء الفجوة بين سعر الصرف الرسمي وسعر السوق، بهدف تعزيز الاستقرار في سوق العملات وكبح التضخم. لكن على المدى القصير، لم تحقق هذه الإجراءات النتيجة المرجوة، بل أدت إلى تقلبات حادة في السوق غير الرسمية للعملات، مما زاد من حالة عدم اليقين الاقتصادي.
خلال الأشهر الستة الأولى من عمر الحكومة، شهدت العملة الوطنية تراجعا حادا، حيث ارتفع سعر الصرف في السوق الحرة بنسبة 50%، ليصل إلى 900 ألف ريال. ورغم نجاح الحكومة في خفض التضخم حتى صيف 2024، والحد من نمو السيولة إلى نحو 23%، فإن هذه القفزة المفاجئة في أسعار الصرف تعكس ضعفا في إدارة السياسات الاقتصادية والنقدية، مما يثير تساؤلات حول مدى قدرة الحكومة على تحقيق استقرار اقتصادي مستدام.
يرى العديد من الخبراء الاقتصاديين أن الارتفاع الحاد في أسعار الصرف يعود إلى التغييرات المفاجئة في السياسة النقدية، وعدم ثقة السوق بالتوجهات الجديدة للحكومة. لكن المشكلة الأعمق تكمن في أن القرارات الاقتصادية للحكومة في مجال العملات الأجنبية لم تأخذ في الاعتبار واقع السوق الحالي، ولم تستند إلى تخطيط دقيق، مما أدى إلى انعكاسات سلبية غير متوقعة.
منذ توليه منصب وزير الاقتصاد والمالية، اعتمد عبد الناصر همتي نهجا جديدا يقوم على إلغاء الفجوة بين السعر الرسمي وسعر السوق للعملات، بهدف تحقيق استقرار أكبر في سوق الصرف والحد من التضخم. غير أن هذا التوجه واجه منذ البداية تحديات كبرى، حيث أدى تجاهل تقلبات السوق وحالة عدم اليقين الاقتصادي إلى موجة من الاستياء الشعبي، بسبب تداعياته السريعة على الأسعار والقدرة الشرائية للمواطنين.
كان همتي يؤمن بأن هذه السياسة ستساعد على المدى البعيد في تقليل الاختلالات الاقتصادية، لكن النتائج قصيرة المدى جاءت معاكسة تماما. فقد أسفرت هذه القرارات عن تقلبات حادة في سوق العملات، وارتفاع كبير في تكاليف المعيشة، مما جعل نجاح هذه السياسة موضع شك، وأثار تساؤلات حول مدى قدرتها على تحقيق استقرار اقتصادي حقيقي.
أوضح حسين علي حاجي دليكاني، النائب في البرلمان، أن الزيادة الحادة في سعر الصرف خلال الأشهر الستة الماضية، لم تكن نتيجة لتغيرات في صادرات النفط الخام أو عائداته، إذ لم يطرأ أي تحول ملحوظ على مستوى المبيعات النفطية منذ تولي حكومة بزشكيان السلطة، ومع ذلك، شهد السوق قفزة بنسبة 50% في سعر الدولار.
وفي حديثه مع مراسل “زاد إيران”، أشار إلى أن آلية العرض والطلب في السوق الحرة لا تعمل بشكل طبيعي بسبب العقوبات، ما أدى إلى اضطرابات كبيرة في سوق العملات. وأوضح أن الفريق الاقتصادي للحكومة، من خلال سياساته الأخيرة، ساهم في ارتفاع سعر الصرف، مما دفع شركات البتروكيماويات والمصافي النفطية إلى الامتناع عن ضخ إيراداتها الدولارية في السوق، على أمل تحقيق أرباح أكبر من خلال ارتفاع إضافي في سعر الدولار، وهو ما تسبب في تفاقم الأزمة.
كما أشار إلى عامل آخر لا يقل أهمية، وهو الإقبال المتزايد للمواطنين على شراء الدولار كملاذ آمن. فمع تراجع قيمة العملة الوطنية بنسبة 40%، لجأ كثيرون إلى تحويل أموالهم إلى الدولار للحفاظ على قيمتها، حيث تشير التقديرات إلى أن حجم شراء الأفراد للعملة الصعبة وصل إلى نحو 20000 مليار ريال يوميا، ما أدى إلى نزوح رؤوس الأموال من البورصة نحو سوق العملات، وزاد من الضغط على سعر الصرف.
وأكد حسين علي حاجي دليكاني أن قرار عبد الناصر همتي رفع سعر الصرف لم يكن مفاجئا للبرلمان، حيث توقّع النواب أن يؤدي هذا الإجراء إلى اضطراب السوق وانعكاسه السلبي على معيشة المواطنين. وأوضح أنه تم تحذير الوزير مسبقا من العواقب المحتملة لهذه السياسة، لكن عدم استجابة الحكومة دفع النواب إلى الشروع في استجوابه.
وأشار إلى أن حكومة إبراهيم رئيسي نجحت في خلق بيئة اقتصادية أكثر استقرارا، من خلال التركيز على خفض التضخم وتحقيق استقرار في سوق العملات. واستمر هذا الاستقرار لمدة عام على الأقل، حيث ظل سعر الصرف في السوق الحرة ثابتا.
أما في عهد حكومة مسعود بزشكيان، فقد أدت التغييرات في السياسات الاقتصادية والنقدية إلى قفزة غير متوقعة في سعر الصرف، مما تسبب في حالة من القلق بين المستثمرين والمواطنين.
وأوضح دليكاني أن الفرق الجوهري بين الحكومتين يكمن في نهجهما في إدارة الاقتصاد. ففي حين اعتمدت حكومة رئيسي على استمرارية السياسات لضمان الاستقرار، لجأت حكومة بزشكيان إلى قرارات وصفت بالابتكارية لكنها افتقرت إلى التخطيط الكافي، مما جعلها تصطدم بتحديات اقتصادية كبرى بدلا من تحقيق نتائج إيجابية.
وفي سياق متصل، صرّح حسيني كيا، عضو لجنة الصناعات في البرلمان، بأن على الحكومة توجيه السيولة نحو الإنتاج والتوظيف، محذرا من أنه في حال عدم تحقيق ذلك، ستتحول الأموال إلى المضاربات، مما يخلق بيئة غير مستقرة اقتصاديا. وأضاف أن إخفاق حكومة بزشكيان في إدارة السيولة أدى إلى خسائر كبيرة.
وأوضح أنه عند تولي مسعود بزشكيان الرئاسة، كان معدل التضخم الشهري نحو 1.5%، لكنه ارتفع لاحقا إلى 4.1%، مما يعكس تداعيات السياسات الاقتصادية الخاطئة. وأكد أن إقالة عبد الناصر همتي ستسهم في انخفاض سعر الصرف تدريجيا، ما يشير إلى أن الفريق الاقتصادي للحكومة يفتقر إلى الكفاءة اللازمة، ويحتاج إلى إعادة هيكلة واتخاذ خطوات إصلاحية جادة.
كما تطرق حسيني كيا إلى قضية اختلال التوازن في قطاع الطاقة، مؤكدا أن البلاد تواجه أزمة حادة في الكهرباء. وأضاف أنه في حكومة رئيسي عند انقطاع الكهرباء عن المنازل، كنا نحافظ على تزويد المصانع بالطاقة. أما اليوم، فنشهد انقطاعا مزدوجا يشمل كلا من الكهرباء المنزلية والصناعية، مما يؤثر بشكل خطير على الاقتصاد.
وأشار إلى أن شركات البتروكيماويات لم تتمكن من تحقيق إيرادات دولارية خلال العام الماضي، بسبب أزمة الطاقة ونقص الإيرادات. وشدد على أن اختلال التوازن في قطاع الطاقة لم ينشأ بين ليلة وضحاها، لكنه بحاجة إلى إدارة حكيمة، معربا عن أمله في أن تتمكن الحكومة من اتخاذ تدابير فعالة لتحسين الوضع وتنظيم الأوضاع الاقتصادية بشكل أفضل.
صرّح حسيني كيا، في حديثه لمراسل “زاد إيران”، بأن الاقتصاد الإيراني كان يقترب من مرحلة استقرار نسبي خلال حكومة إبراهيم رئيسي، لكن مع الارتفاع المفاجئ لسعر الدولار إلى 900 ألف ريال، أصبح واضحا أن العوامل الداخلية لعبت دورا أكبر من تأثير العقوبات.
وأوضح أن سوء الإدارة الاقتصادية وعدم اتخاذ قرارات حاسمة في الوقت المناسب كانا العامل الأهم في تفاقم الأزمة، مشيرا إلى أن الحكومة لم تُظهر إرادة كافية لمعالجة الوضع بفاعلية. كما أضاف أن العجز المتزايد في الميزانية وارتفاع الإنفاق الحكومي ساهما في زعزعة الاستقرار المالي، مما أدى إلى إدارة ضعيفة للأزمة الاقتصادية.
وفي سياق متصل، علّق حاجي دليكاني، أحد النواب الرئيسيين الذين قادوا استجواب وزير الاقتصاد، على الوضع الاقتصادي في حكومة بزشكيان مقارنة بالحكومة السابقة، مؤكدا أن الاستقرار الاقتصادي يعتمد بشكل مباشر على سياسات الحكومات ونهجها في إدارة الأزمات.
وأشار إلى أنه منذ 26 أغسطس/آب 2024 حتى قبل استجواب همتي، حاول وزير الاقتصاد من خلال مقابلات وتصريحات متكررة، الترويج لفكرة أن سعر الصرف يجب أن يصل إلى مستوى السوق الحرة، لكن هذه السياسة لم تؤد إلا إلى مزيد من الاضطراب في السوق.
وأضاف أنه خلال كلمته في البرلمان، كشف كيف استغلت الحكومة سياسة تحرير سعر الصرف تحت ذريعة القضاء على الفساد وتقليل الفجوة بين السعر الرسمي وسعر السوق، لكنها في الواقع، استفادت ماليا من الأزمة، حيث حققت إيرادات تتراوح بين 3 و7 تريليونات ريال خلال فترة ارتفاع سعر الدولار.