كتب: ربيع السعدني
يعد التضخم من أهم المؤشرات الاقتصادية التي تؤثر بشكل مباشر على حياة الناس، وفي السنوات الأخيرة أظهرت إحصائيات غير رسمية أن معدل التضخم في سلة المعيشة، التي تشمل الاحتياجات الأساسية مثل السكن والغذاء والتعليم والرعاية الصحية، عادةً ما يكون أعلى من معدل التضخم الرسمي المُعلن عنه من قبل المؤسسات الإحصائية، لكن العديد من الناس ينظرون إليه بشكل مختلف باعتباره زيادة في نفقاتهم اليومية، وهذا الاختلاف محسوس بشكل خاص في سلة معيشة الأسرة، فما سبب هذا الاختلاف؟
ومن ناحية أخرى، يتم تحديد سلة معيشة الأسرة على أساس السلع والخدمات الأساسية، حيث إن ارتفاع أسعار بعض السلع مثل الخبز والأرز واللحوم وإيجارات السكن والمواصلات له تأثير مباشر وشديد على حياة الطبقتين المتوسطة والدنيا في البلاد، وبحسب تقرير وكالة تسنيم للأنباء، التابعة للحرس الثوري، فإن “التضخم الفعلي في سلة المعيشة، والذي يرتبط بارتفاع أسعار السلع التي تؤثر على حياة العمال، سيتجاوز 50 أو 60%، وفي المستقبل القريب لن نجد اللحوم الحمراء على موائد العمال حتى مرة واحدة في الشهر”.
هل ترتفع الأجور؟
وفقا لوكالة تسنيم للأنباء، فإنه سنويا مع اقتراب الأشهر الأخيرة من العام، يُسمع الحديث عن أجور العمال في العام المقبل؛ وذلك لأن الاجتماعات الخاصة بتحديد أجور العمال تكون أكثر بروزا في آخر شهرين من العام.
وعن الأجور خلال العام القادم، قال وزير العمل والرعاية الاجتماعية الإيراني، أحمد ميدري، يوم 7 فبراير/شباط 2025: “نحاول تحديد أجور العمال العام المقبل بناءً على التضخم وسلة المعيشة”.
ومن بين الأعذار التي تقدم في إيران للتهرب من تحديد أجور العمال، أن الحكومات وأصحاب الشركات ورجال الأعمال يصرحون سنويا بأن ظروف الإنتاج صعبة، وأنه إذا ارتفعت الأجور إلى ما يزيد على مستوى معين، فإن ذلك سيؤدي إلى تسريح العمالة، في حين أثبتت زيادة الأجور بنسبة 57% في عام 2023، أن زيادة الأجور من حيث القيمة الحقيقية سوف تساعد في الحفاظ على الوظائف، لأنها سوف تحفز العمال على العمل بجدية أكبر، وهناك عذر آخر كل عام وهو أنه إذا زادت الأجور بما يتماشى مع التضخم، فسوف يؤدي ذلك إلى زيادة السيولة والتضخم بسبب ارتفاع الرواتب.
وقد تمت دراسة هذه المسألة من قبل خبراء الاقتصاد، وفقا لتقرير وكالة “تسنيم“، حيث إن زيادة الأجور تؤثر بشكل مباشر على تكاليف الإنتاج، ومع ارتفاع تكاليف العمالة، قد تقوم الشركات برفع أسعار سلعها وخدماتها للتعويض عن الزيادة، وهذه الظاهرة التي يطلق عليها “تضخم التكاليف”، يمكن أن تؤدي إلى سلسلة متتالية من الزيادات في الأسعار، وإضافة إلى ذلك، فإن ارتفاع الأجور يؤدي أيضا إلى زيادة القدرة الشرائية للمستهلكين، ويمكن أن يؤدي إلى “تضخم الطلب”، ومع زيادة الطلب وزيادة قيود العرض، سترتفع الأسعار أكثر، وفي الاقتصاد الكلي، يحدث التضخم الناجم عن الطلب عندما يتجاوز الطلب العرض.
وفي هذا الإطار قالت رئيس المركز الأعلى لنقابات العمال سمية جلبور، في مقابلة مع وكالة “تسنيم” للأنباء يوم السبت 8 فبراير/شباط 2025: “خلال الأيام القليلة الماضية، قرأت أخبارا من مسؤولين تفيد بأن أجور العمال يجب أن تتوافق مع التضخم”، وأضافت: “قد تكون هذه القضية ممتعة، لكنها في بعض الأحيان مقلقة بالنسبة للعمال، لأن تجربة السنوات الماضية كانت صعبة للغاية على الطبقة العاملة، لقد رأينا مرات عديدة أنه في الأشهر الأخيرة من العام، يتم إجراء إحصاءات لخفض التضخم”.
وأكدت جلبور أن الحكومة تدرك مشاكل العمال جيدا، وتتساءل: “هل من الممكن أن يكون المسؤولون الحكوميون غير مدركين للزيادة الكبيرة في تكاليف معيشة العمال؟ وهل لا تعلم الحكومات بوجود أزمة في السكن؟ وهل لا تعرف الحكومات كيف يعمل العمال لكسب لقمة العيش؟”، لكن الحقيقة أن الإحصاءات تقول إن معدلات التضخم والسيولة قد انخفضت، ولكن الناس على موائد الطعام لا يشعرون بهذا، حيث إن التضخم السائد في سلة المعيشة مرتفع جدا، طبقا لتصريحات رئيس المركز الأعلى للنقابات العمالية إلى وكالة “تسنيم” للأنباء.
75 مليون ريال لا تكفي
منذ عدة سنوات، تجاوز معدل التضخم 40%، لكن الرواتب لم ترتفع بهذا الشكل، وتراكمت متأخرات أجور العمال وحاليا، وصل العمال إلى حد العمل معظم ساعات اليوم لتغطية نفقاتهم، فالتضخم بحسب رئيسة المركز الأعلى للنقابات العمالية “قصم ظهر الشعب”، ومن الواضح أنه بسبب هذه الأجور الضئيلة، لم يعد لدى العمال أي رغبة في العمل لدى المصانع والوظائف الإنتاجية، “ومن ثم لجأوا إلى وظائف وهمية، وبالتالي نواجه نقصا حادا في العمالة، ونتيجة لذلك، أصبحت البطالة الطوعية واضحة في جميع أنحاء البلاد، ومن ناحية أخرى فإن الراتب الفعلي الذي يُدفع للعمال في الوقت الحاضر هو 75 مليون ريال، والذي مع كل المزايا قد لا يصل حتى إلى 100 مليون ريال والحكومة لا تدفع حتى رواتب الأيام الثلاثة أو الأربعة الأولى من الشهر، أما الحالة التالية فهي أبحاث أجراها خبراء دوليون، والتي تظهر أن أجور العمال الإيرانيين منخفضة مقارنة بالدول الأخرى وإذا نظرنا إلى كل هذه الحقائق إلى جانب كلام الرئيس في مدينة مثل طهران، من المستحيل أن يعيش الإنسان بأقل من 250 مليون ريال نأمل أن يضاف هذا العام رقم صحيح إلى قاعدة أجور العمال المعيبة وغير الكافية حتى يتمكنوا من الحفاظ على القدرة الشرائية”.
تضخم المعيشة
وفي سياق متصل، قال الناشط العمالي وخبير الأجور فرامرز توفيقي في تصريحات لوكالة أنباء العمال الإيرانية “إيلنا” يوم 1 فبراير/شباط 2024، إن “الحد من التضخم لم يعد مجرد وعد، للأسف فإن الحكومة، من الرئيس إلى نائبه الأول ووزراء الاقتصاد، يظهرون جميعا كمحتجين على الظروف الحالية، إن الاحتجاج لن يساعد الناس، المناقشة هي ما يجب فعله؛ وخلال الانتخابات، ادعى الرئيس بزشكيان أنه يمتلك خطة ورؤية لحل المشاكل الاقتصادية التي تواجه البلاد، والآن يبدو أنهم لا يملكون حلا لمشاكل مثل الاختلالات والتضخم!”.
وعن تضخم سلة المعيشة في الأشهر الأخيرة، أوضح خبير الأجور الإيراني، أن “التضخم الفعلي لسلة المعيشة، والذي يتعلق بارتفاع أسعار السلع التي تؤثر على حياة العمال، يزيد على 50 أو 60%، وقد ارتفعت أسعار الخبز واللحوم ومنتجات الألبان والبيض بنسبة 80% خلال الشهر أو الشهرين الماضيين، وبالتالي فإنه من المهم زيادة الأجر الأساسي للعمال إلى حد سلة المعيشة، أو على الأقل إلى حد تأثير التضخم على سلة المعيشة ومن أجل إزالة تأثير التضخم من خلال زيادة الأجور، يجب أن يصل الأجر الأساسي للعمال إلى 202 مليون ريال على الأقل”.
ما معدل الأجر المعيشي؟
وفي رده على هذا السؤال، قال توفيقي: “إن سلة المعيشة الحالية مع الأخذ بعين الاعتبار حصة السكن، بلغت 289 مليون ريال في المدن الكبرى و220 إلى 230 مليون ريال في المدن الصغيرة، وبحسب الناشط العمالي فإن حساب سلة الكفاف في لجنة الأجور أصبح مشوها منذ العام الماضي، بسبب إجراء حسابات غير واقعية والتشكيك في سلة استهلاك السعرات الحرارية بهدف وحيد هو اختلاق الأرقام وخفض المعدل النهائي.
الحد الأدنى للأجور
حتى لا يعاني العمال من مزيد من التراجع في معيشتهم.. ماذا يقول القانون وما هو الحد الأدنى لسعر “سلة المعيشة” للأسر العاملة؟
وفقا للناشط العمالي توفيقي في العام الماضي، “تم حساب سعر سلة الكفاف في لجنة الأجور بشكل غير واقعي، بنحو 140 مليون ريال، وفي الأيام الأخيرة، أعلن مسؤولو الاقتصاد الحكوميون أن معدل التضخم في يناير/كانون الثاني من هذا العام بلغ 43.7%. ولذلك، إذا طبقنا معدل التضخم غير الواقعي بالمرة على سلة المعيشة في العام السابق، فإننا نصل إلى نتيجة مفادها أن تأثير التضخم على الريال على سلة المعيشة هو 62 مليون ريال. وفي الواقع، على افتراض أن الإحصاءات الرسمية دقيقة، يتعين علينا أن نضيف هذا الرقم إلى سلة العام الماضي المصطنعة التي تبلغ 140 مليون ريال وهو ما يعطينا 202 مليون ريال”.
وبحسب توفيقي، فإنه “مع الأخذ في الاعتبار هذه البيانات، فإن الحد الأدنى للأجور الوطنية، استنادا إلى المادة 41 من قانون العمل، التي تنص صراحة على أن الحد الأدنى للأجور يجب أن يكون بحيث يغطي الحد الأدنى من نفقات المعيشة، يجب أن يكون 202 مليون ريال على الأقل، ويجب تحديد الحد الأدنى للأجور لعام 2025 بما يعادل هذا الرقم تقريبا، ولذلك فإن المهم هو زيادة الأجر الأساسي للعمال بقدر سلة المعيشة، أو على الأقل بقدر تأثير التضخم على سلة المعيشة”.
وعلى الرغم من أهمية معدل التضخم الرسمي كمؤشر اقتصادي، فإنه لا يعكس بشكل كامل، واقع حياة الناس، حيث إن ارتفاع تكلفة سلة المعيشة، خاصة للفقراء، أكبر مما تشير إليه الإحصاءات الرسمية، ما يشير إلى أن صناع السياسات الاقتصادية يجب أن يأخذوا في الاعتبار معيشة الناس في قراراتهم، وليس الأرقام العامة.