ترجمة: نوريهان محمد البهي
اتجهت الأنظار إلى العلاقات بين إيران ومصر مع زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان للقاهرة، الأربعاء 18 ديسمبر/كانون الأول 2024، في وقت تشهد فيه التجارة بين البلدين تراجعا كبيرا خلال السنوات الأخيرة.
صحيفة فرهيختگان الإيرانية تناولت في تقرير لها الخميس 19 ديسمبر/كانون الأول 2024، زيارة الرئيس الإيراني لمصر واحتمالية تأثيرها على العلاقات الاقتصادية بين البلدين، والتي يعود تاريخها إلى مئة عام.
ووفقا لما ذكرته الصحيفة، فإن زيارة مسعود بزشكيان لمصر قد اكتسبت أهمية كبيرة لإعادة بناء العلاقات السياسية بين البلدين بعد سنوات من التوتر، ما قد يسهم في تعزيز التعاون السياسي والأمني ويوفر فرصة لتوسيع التبادل التجاري.
وترى الصحيفة في تقريرها، أن الزيارة جزء من جهود إيران لاستعادة مكانتها في السوق المصري، وتعزيز علاقاتها العربية والإسلامية.
وتذكر الصحيفة أن التبادل التجاري بين البلدين قد بلغ ذروته بين 2012 و2014، حيث تراوح حجمه بين 500 و600 مليون دولار، ليشهد تراجعا حادا في السنوات الأخيرة إلى نحو 20 مليون دولار، أي بانخفاض تجاوز 30 ضعفا.
وأوضحت الصحيفة أنه طبقا للإحصاءات، فإن إيران قد تراجعت حاليا إلى المرتبة الـ86 في السوق المصرية، بعد أن كانت في مراكز متقدمة بين عامي 2012 و2013، ومن ناحية أخرى، لم تشكل مصر جزءا كبيرا من واردات إيران، ولم تحتل مكانة بارزة في السوق الإيرانية.
وبناء علي ذلك، ذكرت الصحيفة ما أشار إليه بعض المحللين من أن التراجع الكبير في حجم التجارة بين إيران ومصر يعود إلى عدة عوامل، أبرزها التوترات السياسية المستمرة بين البلدين، فضلا عن تأثير العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، وأن السياسات الاقتصادية الداخلية والتوجهات الإقليمية لعبت دورا كبيرا في الحد من تدفق السلع والتبادل التجاري بين الطرفين.
إيران في السوق المصري
وفقا لما ذكرته الصحيفة، أظهرت الإحصاءات أن الصين تصدرت قائمة أكبر الدول المصدرة إلى مصر في عام 2023، بإجمالي صادرات بلغ 13 مليار دولار، تلتها الولايات المتحدة بـ5.4 مليار دولار، ثم السعودية بـ5.2 مليار دولار، وحلت في المراتب التالية كل من روسيا، وألمانيا، وإيطاليا، والهند، والبرازيل، وتركيا، والكويت، وأوكرانيا، وإسرائيل، والإمارات، التي احتفظت بحصص كبيرة في السوق المصري.
كما أظهرت الإحصاءات أيضا، أن واردات إيران من مصر في عام 2022 تضمنت مجموعة متنوعة من المنتجات، أبرزها الحجر، وخام المنغنيز، واللوحات، والقواعد المستخدمة في الصناعات الكهربائية والإلكترونية، إلى جانب أجهزة القياس والتنظيم المتعلقة بهذه الصناعات، مثل أجهزة تنظيم الفولتية، وكبريتات البوتاسيوم، والمحولات ذات القدرة المنخفضة.
وعلى الجانب الآخر، تمثلت صادرات إيران إلى مصر في العام ذاته في منتجات الحديد والفولاذ، إضافة إلى أجزاء القوابض الخاصة بالسيارات والمحولات الكيميائية.
100 عام من العلاقات بين إيران ومصر
وتضيف الصحيفة: “إن علاقات إيران ومصر السياسية والاقتصادية محدودة منذ عقود، رغم أن جذور هذه العلاقات تعود إلى عام 1922، بعد استقلال مصر بأيام قليلة، وقد اكتسبت أهمية خاصة في عهد الشاه محمد رضا بهلوي، لكنها شهدت تقلبات كبيرة على مدار العقود التالية”.
كما ذكرت أن التوترات بين البلدين تفاقمت بعد الإطاحة بالنظام الملكي في مصر إثر انقلاب محمد نجيب، أول رئيس لمصر بعد ثورة 23 يوليو 1952، وتولي جمال عبد الناصر الحكم فعليا بعد إقصاء نجيب في 1954.
وأضافت أن خطاب عبد الناصر الحاد ضد السياسات الإقليمية الإيرانية أدى إلى طرد السفير الإيراني من القاهرة، ما تسبب في قطع العلاقات بين البلدين بشكل كامل.
كما أوضحت أنه بعد انقطاع دامَ 10 سنوات خلال رئاسة محمد أنور السادات، استؤنفت العلاقات بين إيران ومصر ووصلت إلى أعلى مستوياتها. ووفقا للتقارير، قدمت إيران مساعدات لمصر خلال حرب أكتوبر عام 1973، لكن عقب انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 واستضافة مصر للشاه محمد رضا بهلوي، انقطعت العلاقات مجددا.
وأضافت الصحيفة أن توقيع مصر اتفاقية السلام مع إسرائيل، إضافة إلى دعمها السياسي والعسكري للعراق خلال حربه مع إيران، أدى إلى تدهور العلاقات بين البلدين، التي اقتصرت لاحقا على مستوى المكاتب لحماية المصالح في طهران والقاهرة، وفقا لتقرير غرفة التجارة الإيرانية.
وتتابع الصحيفة أنه بعد فوز محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية بمصر، كانت التوقعات تشير إلى احتمال تحسن العلاقات بين إيران ومصر، وقد صرح محمود أحمدي نجاد، الذي كان رئيس إيران آنذاك، بأن إيران كانت تأمل أن يسهم فوز مرسي في إعادة إحياء العلاقات بين البلدين.
ومع ذلك، لم تشهد العلاقات بين الدولتين أي تطور خلال فترة حكم مرسي بسبب اختلاف السياسات الإقليمية، وضمن ذلك التباين الواضح في المواقف تجاه الأزمة السورية. وانتهت فترة حكم مرسي القصيرة، التي امتدت من 30 يونيو/حزيران 2012 إلى 3 يوليو/تموز 2013، دون تحقيق أي تقدم ملموس في العلاقات بين إيران ومصر.
وأوضحت الصحيفة أنه مع تشكيل الحكومة الثالثة عشرة في إيران، تم التركيز على تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية الخارجية وتحقيق التوازن في العلاقات الدولية، مع إعطاء الأولوية لتوطيد الروابط مع الدول المجاورة والدول الإسلامية والآسيوية، كما عززت إيران حضورها في المنظمات الإقليمية والدولية مثل “سِيكا”، و”بريكس”، ومنظمة “شانغهاي”، في إطار جهودها لتحقيق التوازن في سياستها الخارجية.
وبعد سبع سنوات من التوتر والانقطاع، استأنفت إيران والسعودية علاقتهما، فيما بدأت إيران خطوات لتعزيز علاقاتها مع مصر، كان أبرزها زيارة وزير الاقتصاد الإيراني، إحسان خاندوزي، لمصر للمشاركة في اجتماع البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية. وتُظهر هذه التحركات رغبة إيران في تحسين علاقاتها مع الدول العربية والإسلامية.
ووفقا لتقرير الصحيفة، فإنه في عام 2023، أعرب عدد من المسؤولين المصريين في مقابلة مع صحيفة سعودية، عن ترحيبهم بتطوير العلاقات مع إيران، مؤكدين أن تحسين التعاون بين البلدين يعكس رغبة مصر في تعزيز الاستقرار الإقليمي. وأوضح المسؤولون أن هذه الخطوة تأتي في إطار التوجهات السياسية الجديدة لمصر في التعامل مع الدول الإقليمية.
وفي العام نفسه، وصل وزير الخارجية المصري، سامح شكري، إلى طهران للمشاركة في مراسم تشييع وتكريم الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي، وكان في استقباله كبار المسؤولين في وزارة الخارجية الإيرانية، حيث أعرب شكري عن تأييده لتطوير العلاقات الاقتصادية والسياسية بين البلدين، مؤكدا أن هذه الزيارة تعكس التزام مصر بتعزيز التعاون الثنائي على مختلف الأصعدة.
تراجع التجارة بين إيران ومصر 36 ضعفا
أوضحت الصحيفة أن الإحصائيات المتعلقة بالعلاقات التجارية بين إيران ومصر خلال الأعوام الـ24 الماضية، أظهرت تغيرات كبيرة في حجم التبادل التجاري بين البلدين.
فمن 2001 إلى 2005، تراوحت التجارة بين 19 و29 مليون دولار سنويا، ثم ارتفعت إلى 106 ملايين دولار في 2006، قبل أن تتذبذب بين 80 و100 مليون دولار حتى 2011. ولكن في الفترة من 2012 إلى 2014، شهدت التجارة نموا ملحوظا، حيث ارتفع الحجم من 84 مليون دولار في 2011 إلى 617 مليون دولار في 2013، قبل أن ينخفض إلى 546 مليون دولار في 2014.
وبين عامي 2015 و2018، تراوحت التجارة بين 220 و300 مليون دولار، إلا أن عام 2019 شهد تراجعا مفاجئا إلى 7 ملايين دولار.
ومنذ ذلك الحين، استقرت التجارة بين 12 و20 مليون دولار سنويا، ليصل حجمها في الأشهر الثمانية الأولى من 2024 إلى 17 مليون دولار، ما يعكس انخفاضا كبيرا مقارنة بذروته في 2013.
كما أظهرت البيانات الواردة من الوكالة المركزية للإحصاء في مصر (CAPMAS)، أن واردات مصر من دول العالم بلغت 83 مليار دولار في 2023، رغم الزيادة في الواردات، بينما شهدت التجارة مع إيران تراجعا حادا، ما يعكس الفجوة بين إيران ودول أخرى في السوق المصري.
وبحسب الصحيفة، فرغم هذا التراجع الكبير في التجارة بين إيران ومصر، فإن هناك تحركات دبلوماسية جديدة تشير إلى رغبة البلدين في تحسين العلاقات، وزيارة الرئيس الإيراني لمصر، وتأييد المسؤولين المصريين لتطوير العلاقات مع إيران، قد يكون مؤشرا على بداية مرحلة جديدة من التعاون بين البلدين، خصوصا في المجالات السياسية والاقتصادية، ورغم التحديات، يبدو أن هناك فرصة لتفعيل اتفاقيات تجارية بين البلدين واستكشاف مجالات جديدة للتعاون في المستقبل القريب.