ترجمة: هاجر كرارة
يمكننا القول إن النموذج الذي تتبعه الأطراف الإصلاحية المتطرفة المدعية للإصلاح في سياسة إيران الخارجية هو نموذج “معمر القذافي”، ذلك الرجل الذي وضع ثقته في أمريكا وأوروبا، وتنازل عن عنصر قوته الأساسي (البرنامج النووي) كهدية لهم، لكن ثقته الغربية انتهت به إلى نهاية مهينة.
هكذا كتب الكاتب الصحفي الإيراني الأصولي مسعود أكبري في صحيفة كيهان الأصولية المعبرة عن لسان حال المرشد الأعلى، علي خامنئي، وجاء في نص مقاله:
1ـ إن فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية في أمريكا قد أثار حزن التيار الغربي، أو ما يسمى بالمتطرفين المدّعين للإصلاح داخل البلاد، حيث بدأوا في إطلاق إشارات ضعف وهوان بطريقة غير مسبوقة. إن تحركات هذا الطيف تشبه إلى حد كبير، تحركات فريق العمليات النفسية لـ”ترامب” في طهران، ولعلنا نلاحظ هنا بعض الأمثلة على ذلك…
منذ رحيل ترامب في فبراير/شباط 2020 وحتى عودته اليوم، مرت أربع سنوات كنا نملك خلالها فرصة لإحياء الاتفاق النووي، لكننا لم نرغب في ذلك ولم ننجح، ولم نجد الفرصة المناسبة، والآن، عاد ترامب حاملا الحقد القديم نفسه.
ـ الأمر المهم هو من يكون في البيت الأبيض؟ حيث حصل بعض الأشخاص على العديد من الفرص من إيران خلال فترة بايدن.
ـ إذا قام ترامب بخفض إيرادات النفط الإيرانية، فإن ذلك سيؤدي إلى ضغط كبير على ميزانية الدولة، وتفاقم عجز الميزانية، مما سيؤدي بدوره إلى ارتفاع معدلات التضخم.
ـ يجب على بزشكيان أن يكون حكيما وأن يستخدم أسلوبا لغويا هادئا عندما يتعامل مع ترامب؛ وذلك لتجنب التصعيد والتوترات المحتملة.
2ـ برأيكم، إلى أي مدى تعتبر هذه التحليلات موضوعية ومدعمة بالأدلة؟ للإجابة عن هذا السؤال، يكفي أن ننظر إلى جزء صغير من سجل ما يسمى بالإصلاحيين المتشددين، فقد قام هذا التيار السياسي خلال الفترة من عام 2014 إلى عام 2021، وبحجج واهية، وبادعائه إتقان اللغات العالمية، بزيادة العقوبات المفروضة على بلاده مرتين، وقام بإيقاف البرنامج النووي، وفرض شروط اقتصادية أدت إلى خسائر فادحة للبلاد وشعبها.
نشرت صحيفة “الشرق” في 20 يوليو/تموز 2021، مقالا لأحد الدبلوماسيين السابقين انتقد فيه السياسة الخارجية لحكومة ما تسمى بـ”التدبير والأمل”، حيث كتب: الحكومتان الحادية عشرة والثانية عشرة… قطعت العلاقات الثنائية مع الدول، خاصةً الدول المجاورة، وربطت السياسة الخارجية للبلاد بـ”الاتفاق النووي” كما يقول معارضوها، وقد تحدثت حكومة روحاني عن أولويتين في السياسة الخارجية هما “الاقتصاد” و”الدول المجاورة”، ولكن لم يتم تنفيذ أي منهما على أرض الواقع.
3ـ سلوك المتطرفين المدّعين للإصلاح بأمريكا، في ظل المنافسة الحادة بين الجمهوريين والديمقراطيين، يشبه إلى حد كبير، رهان مجموعة من السذّج (بالتفاؤل) أو مجموعة من المأجورين (بالتشاؤم) على سباق بين فريقين من المحتالين والمزورين.
“تشيلسي مانينغ”، المحللة السابقة للاستخبارات في الجيش الأمريكي، قد صرحت سابقا: “جميع الحكومات الأمريكية- سواء كانت ديمقراطية أو جمهورية- حكومات قمعية، وننتقل من نظام قمعي إلى آخر. لطالما شككت في الفروق بين الجمهوريين والديمقراطيين، المسألة الحقيقية هي النظام الفاسد الذي نعيش فيه”.
الديمقراطيون أو الجمهوريون، رغم كل الاختلافات الشائعة في القضايا المتنوعة، عندما يتعلق الأمر بمصالح الدولة العليا مثل العداء للجمهورية الإسلامية الإيرانية، يتم تجاوز كل الخلافات ويتم التظاهر بوحدة الصف، وإن كانت هذه الوحدة تسير في طريق الضلال.
يتبع الحزبان الرئيسان بأمريكا تكتيكات مختلفة في مواجهتهما لإيران، ولكن تجمعهما استراتيجية واحدة. لهذا السبب، يتنافس الديمقراطيون والجمهوريون في الولايات المتحدة على فرض عقوبات اقتصادية على إيران ودعم الفوضى والشغب واغتيال العلماء النوويين والمسؤولين العسكريين الإيرانيين، وارتكاب أنواع مختلفة من الجرائم ضد الشعب الإيراني، مقارنة أعداد المؤيدين والمعارضين للخطط المناهضة لإيران في البرلمان الأمريكي تكشف أن الجمهوريين والديمقراطيين، بغض النظر عن اختلافاتهم في القضايا الأخرى، يتفقون تماما في عدائهم الشديد للجمهورية الإسلامية الإيرانية وشعبها.
يمكن الاستشهاد بتصويت مجلس النواب الأمريكي في يوليو/تموز 2017، على فرض العقوبات الشاملة، والتي تعتبر أشد العقوبات على الإطلاق، كمثال واضح على ذلك. فقد تم تمرير هذه العقوبات بأغلبية ساحقة بلغت 419 صوتا مؤيدا مقابل 3 أصوات معارضة، وكانت جميع الأصوات المعارضة من الحزب الجمهوري. وبالمثل، شهد مجلس النواب الأمريكي نوفمبر/تشرين الثاني 2016، تصويتا بالإجماع تقريبا لصالح تمديد قانون العقوبات على إيران (قانون كاستا) لعشر سنوات إضافية، فقد صوَّت 419 عضوا لصالح التمديد مقابل صوت واحد معارض واحد فقط.
أكد الديمقراطيون أن الولايات المتحدة ينبغي لها فرض عقوبات على إيران، وأن يكون لها الفضل في أي نجاح تحققه هذه العقوبات، فهم يشيرون إلى أنهم هم من فرضوا غالبية العقوبات الشديدة على إيران، وأنهم قادرون على تكرار هذا الأمر. يعتقد الديمقراطيون أنه يجب ممارسة سياسة العصا والجزرة مع إيران، لكنهم يؤكدون ضرورة استخدام العصا في الوقت المناسب، خاصة عندما يشعر الإيرانيون بإمكانية الحصول على امتيازات أو تنازلات.
4ـ المتطرفون المدعون للإصلاح يفتقدون حتى أدنى فهم للسياسة الخارجية والعلاقات الدولية، على الرغم من ذلك، يمكن بسهولةٍ العثور على كم هائل من المعلومات والوثائق عبر الإنترنت حول الوضع الحالي في الولايات المتحدة وموقفها من إيران. وقد نشرت مجلة “نيويوركر” مؤخرا تصريحا لمسؤول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية يفيد بأن العقوبات المفروضة على إيران قد فقدت فعاليتها ولم تحقق الأهداف الأمريكية. كما أشارت مجلة “الدبلوماسية الحديثة” في تقرير سابق، إلى أن السياسة الخارجية الأمريكية تجاه إيران قديمة وتحتاج إلى إعادة تقييم.
في شهر يوليو/تموز من العام الجاري، صرح «تد کروز»، نائب جمهوري، في جلسة استماع مجلس بالبرلمان الأمريكي، موجها خطابه إلى وزير الخارجية الأمريكي، قائلا: “تبيع إيران اليوم ما يقرب من مليوني برميل نفط يوميا، ومن ثم رغم العقوبات والقيود المفروضة على صادراتها، فإنها تحقق إيرادات تقدر بنحو 80 مليار دولار من هذا المصدر وحده… واليوم، يمتلك أسطول الظل الإيراني (السفن التي لا يمكن تحديد موقعها) أكثر من 400 سفينة”. وفي سياق آخر، استخدم وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن وصفا مثيرا للاهتمام ردا على تد کروز، حيث قال: “سبب ذلك هو أنهم (النظام الإيراني) عازمون على القيام بذلك”.
نشرت صحيفة فايننشيال تايمز تقريرا سابقا جاء فيه: “تشير الحقائق إلى فشل السياسات الأمريكية في مواجهة طهران… وتدلّ التقدمات المستمرة في البرنامج النووي الإيراني، إلى جانب تزايد النفوذ الإيراني في المنطقة، على فشل سياسات الغرب تجاه إيران. إن السياسة الأمريكية والأوروبية تجاه إيران تفتقر إلى أي “مرساة” أو “توجّه” واضح. فالدول الغربية لم تتمكن من وضع استراتيجية متوازنة ومتَّحدة ومستدامة تجاه إيران من شأنها أن تحد من أنشطة الجمهورية الإسلامية. وبدلا من ذلك، فإن استراتيجية الغرب تجاه إيران لا تهدف إلى هدف محدد ولا تمتلك حتى إطارا محددا.
نشرت مجلة “الإيكونوميست” في تقرير لها مؤخرا: “إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تمتلك حاليا اليد العليا مقارنة بالولايات المتحدة”.
ونشرت مجلة “ناشونال إنترست” في تقرير سابق: “يجب على الولايات المتحدة أن تستعد لعالم جديد تسود فيه القوة على حساب المبادئ الليبرالية. وعلى الغرب أن يضع قوانين جديدة تتناسب مع الدول المؤثرة في النظام العالمي الجديد؛ للحفاظ على الاستقرار الدولي. وبعد مرور ثلاثة عقود على انتهاء الحرب الباردة، أصبح حلم وجود مجتمع دولي مترابط بنظام دولي قائم على القواعد المستندة إلى القيم الليبرالية الديمقراطية الأمريكية أمرا بعيد المنال.
5ـ لقد صرح المرشد الأعلى في إيران قبيل فوز بايدن بالانتخابات الرئاسية عام 2020م بقوله: “إن سياستنا تجاه أمريكا واضحة وثابتة ولا تتأثر بتغير الأشخاص، لا يهمنا من يذهب ومن يأتي. كما صرح في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2010م، قائلا: “إن رؤساء أمريكا في مختلف الفترات بعد الثورة الإسلامية قد حاولوا كثيرا التقرب إلينا، وتوجهوا إلينا بكلامٍ لينٍ ووعودٍ مغرية، ربما يأملون إعادة فتح الأبواب المغلقة، ولكن وراء هذه الكلمات المعسولة، تكمن قبضة حديدية كما ذكرت سابقا، فهي كقفازٍ مخملي يخفي داخله يدا من حديد”.
6ـ نحن الآن في وضعٍ حرج، حيث يعرب حتى قادة الدول الأوروبية صراحة عن ندمهم على اتباع سياسة الولايات المتحدة. إيمانويل ماكرون، رئيس جمهورية فرنسا، قد صرح مؤخرا بأنه “يجب على أوروبا أن تقاوم الضغوط للتحول إلى تابع لأمريكا… يجب على أوروبا أن تقلل من اعتمادها على أمريكا… يجب على أوروبا أن تقلل من اعتمادها على هيمنة الدولار الأمريكي”.
7ـ في شهر أغسطس/آب من عام 2020، جلس رئيس جمهورية صربيا في حالة خوف وخضوع أمام ترامب، ومع ذلك، وصف مؤيدو الإصلاح هذه التصرفات بأنها دليل على الحنكة السياسية، واصفين رئيس جمهورية صربيا بأنه رجل شريف وملتزم بمصالح بلاده. على النقيض من ذلك، وصف المحللون ووسائل الإعلام الأجنبية تصرفات رئيس جمهورية صربيا بأنها مهينة ومذلة. وفي هذا الصدد، نشرت مجلة “صدا” مقالا في ذلك الوقت أشادت فيه بهذه الصورة قائلة: “إن الصورة التي يفضلها ترامب للمفاوضات والمفاوض هي صورة الضحية التي تُذبح”.
يرى المتطرفون المدعون للإصلاح في السياسة الخارجية الإيرانية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية أن إيران يجب أن تتخذ موقف العبد أمام سيده، أو كأنها كبش فداء يُذبح. وفي النموذج المثالي الذي يتصوره التيار المتطرف المدعي للإصلاح، يجب التضحية بكل ما يمثل قوة لإيران، بدءا من البرنامج النووي وصولا إلى القدرات الدفاعية والنفوذ الإقليمي، وتقديمها على طبق من ذهب للسادة الأمريكيين (سواء كانوا جمهوريين أو ديمقراطيين).
8ـ قال أحد قادة التيار الإصلاحي المتطرف الذين اعتقلوا خلال أحداث الفتنة عام 2009: “إن نموذج التفاوض مع الخارج لا بد أن يبدأ بقبول مبدأ التفاوض نفسه، سواء كان الطرف الآخر جمهوريا أو ديمقراطيا، وسواء كان التفاوض مباشرا أو غير مباشر، ومن منطق هذا التلازم بين “الخارج” و”التفاوض”، يجب أن تتم المفاوضات بين الحكومة الأجنبية والنظام بحيث تؤدي أولا إلى تغييرات في سلوك النظام، وثانيا إلى التوصل إلى اتفاقيات حول قضايا مثل الأنشطة الإقليمية والبرنامج الصاروخي والبرنامج النووي.
الحقيقة أن إلغاء العقوبات والانفتاح الاقتصادي ليسا من أولويات المتطرفين المدعين للإصلاح، وإلا لما شهدنا تضاعف العقوبات وارتفاعا قياسيا لسعر الدولار خلال فترة حكمهم. ويمكننا القول بجزم إن النموذج الذي يتبعه التيار المتطرف المدعي للإصلاح في السياسة الخارجية يشبه نموذج “معمر القذافي”، الذي وثق في أمريكا وأوروبا، وتخلى عن عنصر قوته الأساسي (البرنامج النووي) لهم، لينتهي به الأمر إلى نهاية مأساوية ومهينة.
9ـ يجب على أولئك الذين يتظاهرون بأنهم متحدثون باسم الديمقراطيين في إيران، وهم في الواقع يعملون لصالح الحزب الجمهوري، أن يجيبوا عن سؤال بسيط: ما الفرق بين استراتيجيات الحزبين الجمهوري والديمقراطي تجاه إيران؟ هل يختلف الأمر إلا في التكتيكات والأساليب المستخدمة في العداء والضغط؟ فالأول يتحدث عن الضغط الأقصى والثاني عن الضغط الذكي. أحدهما يهدد بالعصا والآخر بالسكين. فمن أخطر؟ من يهدد بالعصا أم من يزين السكين؟ ومن هنا فإننا نتوقع من القضاء والجهات المعنية بحماية الأمن النفسي للمجتمع أن تتصدى بحزم لتداعيات هذا التيار الفاسد.