كتب: ربيع السعدني
في الأسابيع الأخيرة، ومع تصاعد التوترات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط، عادت قضية “احتمال شن هجوم عسكري أمريكي على إيران” إلى صدارة الأخبار الدولية.
قبل فترة ليست طويلة، وبعد تهديد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بقصف إيران إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق بين طهران وواشنطن، ذكرت صحيفة “طهران تايمز” الناطقة باللغة الإنجليزية، أن المدن الصاروخية الإيرانية- تحت الأرض- مستعدة للرد.
وكتب حساب التواصل الاجتماعي الخاص بهذه الصحيفة الإيرانية عبر “منصة إكس“: “تشير المعلومات الحصرية التي تلقتها صحيفة طهران تايمز إلى أن الصواريخ الإيرانية موجودة على منصات الإطلاق في جميع مدن الصواريخ وجاهزة للإطلاق”، ويوجد عدد كبير من هذه الصواريخ الجاهزة للإطلاق في منشآت تحت الأرض منتشرة في جميع أنحاء البلاد، وهي مصممة لتحمُّل الضربات الجوية.
تفكيك البرنامج النووي
منذ تنصيبه في 17 يناير/كانون الثاني 2025، صرّح ترامب مرارا بأنه سيقصف إيران إذا لم تقدم التنازلات التي يريدها، وتشير التقارير إلى أن هذه التنازلات تشمل التفكيك الكامل لبرنامجها النووي، وعلاقاتها مع جماعات المقاومة، وجوانب من برنامجها الصاروخي والطائرات المسيرة، وفقا لمستشار الأمن القومي في البيت الأبيض مايك والتز.
وأكد المسؤول الأمريكي في مقابلة مع شبكة “سي بي إس”، أن “جميع الخيارات متاحة”.
هل يفتح ترامب “صندوق باندورا” على المنطقة؟
وقد رفض الإيرانيون التفاوض مع الولايات المتحدة في ظل الظروف الحالية، مؤكدين استعدادهم للرد على أي عدوان بحزم، وأضاف رئيس تحرير الصحيفة الإيرانية أن فتح “صندوق باندورا” سيكون له ثمن باهظ بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها.
صندوق باندورا هو أسطورة مرتبطة بالثقافة اليونانية القديمة، وترجع قصة الصندوق الذي كان يحتوي على كل الشرور والكوارث في العالم، إلى زيوس- ملك الآلهة اليونانية القديمة- الذي أعطاه لباندورا (شخصية أسطورية تُعرف بأنها أداة غضب زيوس- المسؤولة عن إرسال المعاناة إلى العالم)، وأصر على أن لا تفتحه أبدا، لكن فضول باندورا تغلب على أمر زيوس، وقامت بفتح الصندوق، وبعد ذلك دخلت كل المصائب والشرور إلى العالم.
حرب إقليمية كبرى
لا يوجد تقريبا أي محلل يمكنه التقليل من شأن الصدام العسكري بين إيران والولايات المتحدة، بحسب ما كشفه تقرير تحليلي مطول لموقع “فرارو“، وهذا الصراع المحتمل تم تجنبه لعقود من الزمن؛ لأنه لا شك سيتحول إلى حرب إقليمية كبرى.
وبحسب معلومات أوردها التقرير، فإن إيران لا تمتلك أسلحة يمكنها استهداف الأراضي الأمريكية، لكنها تمتلك القدرة على مهاجمة مجموعة واسعة من المصالح الأمريكية في المنطقة، حيث تمتلك طهران صواريخ باليستية متوسطة المدى يصل مداها إلى 2000 كيلومتر، وإذا استخدمنا هذا المدى كمقياس، فإن أجزاء (مناطق) من أوروبا الوسطى وشمال وشرق أفريقيا ستكون أيضا ضمن مدى الصواريخ الإيرانية.
هجوم على قواعد أمريكية في المنطقة
كما أن جزءا كبيرا من القوات العسكرية الأمريكية في الخارج يتمركز في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يضعها أيضا في مرمى نيران الأسلحة الإيرانية، ولكن القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط ليست الوحيدة الموجودة ضمن نطاق الصواريخ الإيرانية، بل تمتد في عدد من الدول العربية، أبرزها:
- قطر، الدولة الصديقة والمجاورة لإيران، والتي تستضيف أكبر قاعدة جوية أمريكية في المنطقة “العُديد”، إلى جانب قاعدة “السيلية” القريبة من العاصمة الدوحة، حيث تتمركز “القيادة المركزية” للقوات الأمريكية.
- يتمركز الجزء الرئيسي من قوات المشاة ومشاة البحرية الأمريكية في الكويت.
- البحرين، الدولة التي ترغب إيران بشدة في تطبيع العلاقات معها، هي موطن الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية.
- الإمارات العربية المتحدة، وسلطنة عمان، وتركيا، والعراق، والمملكة العربية السعودية، والأردن تستضيف أيضا قواعد أمريكية.
كل هذه القواعد مملوكة لهذه الحكومات العربية وهي جزء من أراضيها، ولذلك فإن أي هجوم إيراني على هذه الدول التي تستضيف قواعد أمريكية، يعتبر في الواقع هجوما على أراضيها، مما يستدعي ردا سياسيا وعسكريا.
هل تجر إسرائيل أمريكا إلى الحرب مع إيران؟
في الوقت الحاضر، هناك كثير من الدعم للتحليل القائل بأن إسرائيل تحاول استفزاز الولايات المتحدة للدخول في صراع مع إيران حتى في السيناريو المرسوم لقصف المنشآت النووية الإيرانية، هناك احتمالان مطروحان: أن تقوم الولايات المتحدة أو النظام الإسرائيلي بتنفيذ هذه العملية في وقت واحد.
في الوقت الحالي، تقع كافة أراضي إسرائيل ضمن مدى الصواريخ الإيرانية (منشآت النفط والطاقة والمطارات ومنشآت معالجة المياه في إسرائيل) وإذا أقدمت إيران، في هذا السيناريو الافتراضي، على فعل شيء امتنعت عن فعله منذ أحداث طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، فإن إسرائيل ستواجه أخطر وضع أمني حتى الآن.
استهداف “دييغو غارسيا”
ونظرا إلى نشر قاذفات بي-2 الاستراتيجية بعيدة المدى في المنطقة ونشرها في جزيرة دييغو غارسيا، فقد احتلت الجزيرة مكانة كبيرة في الأخبار خلال الأيام الأخيرة.
ومن ناحية أخرى، زعمت صحيفة “التلغراف” البريطانية في تقريرين منفصلين لها قبل نهاية مارس/آذار 2025، أن طهران هددت باستهداف القاعدة العسكرية الأمريكية في دييغو غارسيا.
في تقريرها الأول الصادر في 29 مارس/آذار 2025، نقلت الصحيفة عن مسؤول مجهول الاسم، قوله إنه إذا هاجمت الولايات المتحدة، فإن إيران ستستهدف قاعدة دييغو غارسيا ردا على ذلك.
وفي تقرير آخر صادر في 31 مارس/آذار 2025، نقلت الصحيفة البريطانية عن مسؤول إيراني، قوله إن طهران خططت لهجوم استباقي على دييغو غارسيا؛ لمنع العمل العسكري لترامب.
تكتسب قضية الهجوم على دييغو غارسيا أهمية كبيرة من عدة نواحٍ:
- أولا، تعمل القاعدة كقاعدة مشتركة للقوات الأمريكية والبريطانية.
- معظم القوات متمركزة في هذه القاعدة أمريكية، لكن القوات البريطانية موجودة أيضا.
- تقع القاعدة المشتركة، التي يطلق عليها اسم معسكر ثندر كوف، في جزيرة دييغو غارسيا في أرخبيل تشاغوس، وهو جزء من إقليم المحيط الهندي البريطاني.
نزع فتيل الحرب
ولذلك، فإن استهداف “دييغو غارسيا” من شأنه أن يؤدي أيضا إلى إشعال الصراع بين إيران والمملكة المتحدة. ومن ناحية أخرى، ونظرا إلى موقعها الجيوسياسي المحدد، تلعب هذه القاعدة دورا رئيسيا في دعم العمليات البحرية والجوية والاستخباراتية للولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
ومن ثم فإن تدميرها سيكون له تأثير كبير على هذه المجموعة من العمليات.
ماذا يعني التهديد الإيراني لجزيرة دييغو غارسيا؟
تزعم صحيفة “التلغراف” أن مسؤولا عسكريا إيرانيا أبلغ مراسلها في مقابلة، أنه في حال وقوع هجوم على أراضي طهران، فسيتم استهداف قاعدة دييغو غارسيا في أرخبيل تشاغوس (الذي استأجرت أمريكا إحدى جزره من بريطانيا لإقامة قاعدة عسكرية عليها)، كما أدان متحدث باسم الحكومة البريطانية هذه التصريحات بشدة.
النقطة الرئيسية هنا هي أن جزيرة دييغو غارسيا تقع على بعد 3860 كيلومترا من إيران (بدءا من تشابهار في جنوب شرقي البلاد وبوابة المحيط الهندي)، وإذا كانت إيران تريد تنفيذ هذا العمل من أراضيها باستخدام الصواريخ الباليستية، فهذا يعني أن مدى الصواريخ الإيرانية وصل إلى المدى المتوسط، وهو ما سيكون جزءا آخر من الأزمة.
وبطبيعة الحال، لا تضع إيران أي قيود على زيادة مدى صواريخها، بل إن الطرف الآخر يستغل هذه القضية للضغط، وتغطي الصواريخ متوسطة المدى مدى يتراوح بين 3000 و5500 كيلومتر.
بعد 5500 كيلومتر هناك الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، أو الصواريخ الباليستية العابرة للقارات.
على مسافة 4000 كيلومتر، تقع القارة الأوروبية بأكملها في مرمى الصواريخ الإيرانية.
الأزمة في الخليج الفارسي
ويشكل الخليج العربي، باعتباره منطقة جيوسياسية، جزءا من هذا السيناريو، وتقع قواعد ومواقع القوات الأمريكية في الشرق الأوسط على شواطئ الخليج.
وبحسب إحصائيات مختلفة، فإن عدد القوات العسكرية الأمريكية في المنطقة يتراوح بين 40 و50 ألف جندي.
وفي هذا الإطار قال قائد القوة الجوفضائية للحرس الثوري العميد أمير علي حاجي زاده، إن عدد الأفراد في 10 قواعد أمريكية في المنطقة يبلغ 50 ألفا.
مع انخراط الخليج في صراع عسكري، فإنَّ نقل الطاقة عبر مضيق هرمز سوف يواجه خطرا، أزمة لن تقتصر على المنطقة فحسب، بل تؤثر الحرب في الخليج بشكل مباشر على سوق الطاقة والتجارة الدولية.
تحذيرات خامنئي
وفي 7 فبراير/شباط 2025، وخلال اجتماعه مع منتسبي القوات الجوية والدفاع الجوي، نقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “فارس” عن خامنئي: “إذا هددونا فسوف نهددهم، وإذا نفذوا تهديدهم فسوف ننفذ تهديدنا، وإذا اعتدوا على أمن وطننا فسوف نهاجم أمنهم بلا تردد”، حيث يتولى خامنئي منصب القائد العام، وهو أعلى منصب في هيكل القوات المسلحة الإيرانية.
وبحسب موقع “تابناك“، فإنه “مع تزايد التهديدات من جانب الولايات المتحدة والنظام الإسرائيلي ضد المنشآت النووية والعسكرية في بلادنا، يمكننا معالجة جوانب أخرى من هذا التحدي المحتمل، إضافة إلى عواقب هذا الهجوم المحتمل، وأهمها إنتاج القنبلة الذرية، في حال قصفت أمريكا أو إسرائيل إيران بذريعة برنامجها النووي، والتي أثارها رسميا علي لاريجاني، مستشار المرشد الإيراني”.
كيف سيكون رد فعل إيران؟
ولم يتضح بعدُ ما هو السلاح الذي تنوي إيران استخدامه لتهديد جزيرة “دييغو غارسيا”، الأمريكية المتنازع عليها مع بريطانيا، لكن يبدو أن الجيش الإيراني والحرس الثوري قادران على استهداف هذه القاعدة من خلال الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز والطائرات بدون طيار بعيدة المدى.
وتحديدا، الحرس الثوري بصواريخ مثل “خرمشهر 4″، والجيش بطائرات سوخوي 24 المقاتلة المزودة بصواريخ كروز بعيدة المدى.
إن الإعلان عن حصول طهران على أسلحة يصل مداها إلى أكثر من 4 آلاف كيلومتر يعني أن القارة الأوروبية بأكملها قد تكون ضمن نطاق التهديد الإيراني، وأن موازين القوى سوف تتغير.
ما خيارات أمريكا؟
ولمواجهة التهديدات الصاروخية الإيرانية، تمتلك الولايات المتحدة، إضافة إلى الدفاع الداخلي لقاعدة دييغو غارسيا، أنظمة لاعتراض الصواريخ على طول مسار رحلتها، وتستخدم أمريكا وحلفاؤها عدة أنظمة دفاعية لمواجهة الصواريخ في أثناء تحليقها:
1- أقمار الإنذار المبكر SBIRS للكشف الفوري عن إطلاق الصواريخ.
2 – أنظمة Aegis SM-3 على السفن الحربية، والتي يمكنها اكتشاف واعتراض الصواريخ أثناء الطيران.
3 – أنظمة ثاد THAAD المضادة للصواريخ والتي يمكن نشرها على جزر المحيط الهندي لاعتراض الصواريخ الباليستية في المرحلة الأخيرة من الرحلة.