كتبت-هدير محمود
تناول تقرير نشره موقع ” Shargh Daily” الإيراني، يوم الثلاثاء 6 أغسطس/ آب 2024، تفاصيل ماهية منصب النائب الاستراتيجي للرئيس الإيراني وكذلك مقوماته، وقال إن المنصب حديث النشأة في مجلس الوزراء، حيث تم تعيين محمد جواد ظريف في هذا المنصب لأول مرة بموجب مرسوم صدر من قبل مسعود بزشكيان في 1 أغسطس/ آب 2024.
بحسب ما نشر عن مهام نائب الرئيس الاستراتيجي فإن هذا النائب يتولى مهمة الاستفادة من خبرات كبار المديرين في الفترات الماضية والنخب ومراكز الفكر ومؤسسات المجتمع المدني الكبرى الداخلية والخارجية، ومتابعة التطورات الخارجية وقياس مدى النجاح في تحقيق أهداف الدستور ورؤية الأفق والسياسات العامة للنظام ورفع تقرير للرئيس.
وبطبيعة الحال، رافق وجود ظريف في منصب نائب الرئيس الجديد انتقادات ضده. إلا أن بعض الناشطين تناولوا هذه القضية؛ مثل محمد رضا جلايبور، الذي دافع في مذكرة قد كتبها على تليجرام عن وجود ظريف وشرح هذا النائب وكتب: “إن وجود محمد جواد ظريف في الحكومة واختياره كنائب استراتيجي جديد للرئيس هما حدثان ميمونان (مباركان) للحكومة الرابعة عشرة.
كذلك يتضمن المنصب مهام تجهيز وإعداد الاستراتيجيات الكلية للحكومة، وتغذية استراتيجية الرئيس واستقطاب (جذب) مشاركة مجموعة من أقدر المؤسسات المدنية والمتخصصة ومراكز الفكر والقوى الفكرية والسياسية، وصنع السياسات وتقديمها للرئيس والحكومة.
الجدل حول تولي ظريف المنصب الجديد دفعه للرد وكتب على شبكة التواصل الاجتماعي إكس: “تحية لكم. أشكركم على ملاحظاتكم الودودة. لم يكن من المقرر أن أقبل مسؤولية في هذه الحكومة. لكن قلق وانزعاج وإصرار المواطنين الكرام، خاصة في مواقع التواصل الاجتماعي، في الأيام الماضية، جعلني أغير تلك النظرة قليلاً؛ ولكن بقدر ما أعترف بالمسؤولية الاستشارية التي قلتها مرات عديدة، سأكون في خدمة الرئيس العزيز.”
وأضاف كذلك: “كان اقتراح معظم الأصدقاء يشير إلى قبول منصب النائب السياسي للرئيس. ولكن من ناحية، كان ذلك المنصب مسؤولية تنفيذية، ومن ناحية أخرى كان من شأنه أن يثير الشكوك حول تقليص دور الوزارات السياسية، وهو ما لم أره مناسباً”. وأضاف: “استناداً إلى ذلك، تم إعداد مسودة قرار مساعد الرئيس الاستراتيجي بهدف عدة أهداف، وتمت المصادقة عليها بتوقيع فخامة الرئيس:
1- عدم خلق بيروقراطية وآلية جديدة وعدم تحميل ميزانية الحكومة وأطاولة الشعب أي أعباء.
2- عدم التسبب في أي تداخل في عمل الأجهزة (المؤسسات).
3- عدم إضعاف أي جهاز (مؤسسة).
4- أن تكون حلقة الوصل بين الحكومة والشعب، ومراكز الفكر، والمنظمات المدنية الرقابية مثل الحبل القوي المترابط.
5- بناءً على إصرار الدكتور بزشكيان وتأكيدي خلال فترة الانتخابات وكذلك خلال الثلاثة أسابيع من رئاستي لمجلس القيادة بشأن استخدام الأفكار الجديدة والقدرات الحديثة (التي آمل أن تساهم بذكاء وشجاعة الدكتور بزشكيان في تحسين تشكيل الحكومة وإسعاد الناس)، ومن جهة أخرى ضرورة الاستفادة من تجربة المديرين المتمرسين على مدى الأربعين عاماً الماضية، فإن المسؤولية الجديدة يمكن أن تخلق موقفًا رسميًا لتحقيق هذا الهدف. بالطبع، بعد ما قيل بلسانه، تم تقديم توضيح أكثر تفصيلاً لموقف وأهمية استراتيجية نائب الرئيس.
تعليقات على منصب ظريف الجديد
نويد كمالي، باحث وخبير في القضايا الاستراتيجية، كتب: “في عالم تتزايد فيه التعقيدات وسرعة التطورات على الساحتين المحلية والدولية يوماً بعد يوم، تبرز الحاجة إلى الحكم الذكي والمستقبلي أكثر من أي وقت مضى، ويتطلب ذلك إنشاء مؤسسات وهياكل يمكنها الاستفادة من القدرات العلمية والفكرية والتجريبية لدعم الدولة باعتبارها القوة الدافعة للنظام الإسلامي في اتخاذ القرارات الاستراتيجية”.
أضاف كذلك :” الاهتمام بهذا الأمر تم التأكيد عليه العام الماضي من قبل قائد الثورة الإسلامية (حفظه الله) تحت عنوان ضرورة اختيار الحلول والأدوات المناسبة للعصر. وقد صرح قائد الثورة في مراسم ذكرى وفاة الإمام الراحل قائلًا: «في عصر الذكاء الاصطناعي والكوانتم والإنترنت، لا يمكن الاستمرار بنفس الأدوات التي كانت تُستخدم قبل 40 عاماً”.
كذلك قال :” يجب أن تكون الأدوات متناسبة مع العصر” هو ما يشير إلى ضرورة تحديث وتطوير آليات إدارة الحكم. في هذا السياق، فإن قرار وتوجيه الدكتور مسعود بزشكيان رئيس الجمهورية، بشأن تعيين نائب له للشؤون الاستراتيجية وتطوير مركز الدراسات الاستراتيجية، هو عمل رائع وذكي يمكن أن يلعب دوراً رئيسياً في تعزيز القوة الاستراتيجية للحكومة والنظام”.
تجدر الإشارة أنه في البلدان الأوروبية مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، تلعب مراكز (مؤسسات) الفكر دورًا نشطًا جدًا في تشكيل السياسات الداخلية والخارجية لهذه الدول. ومن خلال تقديم تحليلات مفصلة لقضايا الاتحاد الأوروبي والعلاقات الدولية، تساعد هذه المؤسسات حكومات هذه البلدان على لعب دور أكثر فعالية في القرارات الأوروبية والعالمية المهمة.
ومن خلال تقديم تحليلات مفصلة لقضايا الاتحاد الأوروبي والعلاقات الدولية، تساعد هذه المؤسسات حكومات هذه البلدان على لعب دور أكثر فعالية في القرارات الأوروبية والعالمية المهمة. وفي الولايات المتحدة الأمريكية تُعرف مؤسسات الفكر والرأي بأنها إحدى الركائز الأساسية لنظام الحكم.
ومن خلال توفير التحليلات المستقلة والخبيرة، تساعد هذه المؤسسات الحكومة الأمريكية في صياغة السياسات الداخلية والخارجية والتأثير على قرارات الكونجرس والبيت الأبيض. بشكل عام، يمكن القول أنه من خلال إنتاج المعرفة وإنشاء شبكات الاتصال وتعزيز الدبلوماسية العامة، تساعد مؤسسات الفكر والرأي الدول المتقدمة على لعب دور أكثر فعالية على الساحة العالمية وتأمين مصالحها الوطنية. ونتيجة لذلك فإن الاستثمار في تعزيز القدرات الاستراتيجية للبلاد، وخاصة تكوين منصب النائب الاستراتيجي للرئيس، يعد من أهم الحلول لتحسين مستوى الحكم وتحقيق التنمية المستدامة في البلاد. في بلدنا إيران العزيزة، مع إنشاء منصب نائب الرئيس الاستراتيجي، أتيحت فرصة فريدة وجديدة للاستفادة من التجارب العالمية في مجال تحقيق الحوكمة الذكية وتنفيذها.
وفي هذا الصدد يمكن النظر في المهام الخاصة بمنصب نائب الرئيس الاستراتيجي:
ـ تشكيل اللجان التخصصية: إنشاء لجان تخصصية في المجالات المتعلقة بالحكم مثل المجالات الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية وحتى الدفاعية والأمنية، والتي تستعين بالخبراء والمتخصصين لتحليل ودراسة القضايا الكبرى وتقديم الحلول العلمية والمعتمدة على البيانات للإجابة على قضايا الدولة والتطورات المستقبلية لها.
ـ التفاعل مع الجامعات ومراكز الفكر: تطوير التفاعل الوثيق مع الجامعات ومراكز الفكر لتبادل المعرفة والخبرات واستغلال قدراتها العلمية والتحليلية في عملية صنع القرار.
ـ تطوير دبلوماسية مراكز الفكر: التعاون مع المؤسسات المماثلة في الدول الأخرى وتطوير الشبكات الدولية لتبادل الخبرات والمعرفة والاستفادة من المعرفة والتحليلات العالمية.
ـ تعزيز نظم المعلومات والتحليلات: إنشاء وتحديث نظم المعلومات والتحليلات المتقدمة والفعالة من أجل تحليل أكثر دقة وأسرع للقضايا وتسهيل عملية صنع القرار الاستراتيجي.
ـ تدريب وتمكين الموارد البشرية: عقد الدورات التدريبية وورش العمل المتخصصة لتحسين قدرات الموارد البشرية وخاصة المديرين والخبراء العاملين في الوظائف الاستراتيجية، ويترتب على ذلك تحسين جودة اتخاذ القرار في المراكز والمؤسسات الاستراتيجية للدولة.
وفي النهاية لا بد من التأكيد على أنه مع تشكيل منصب نائب الرئيس الاستراتيجي والاستفادة من الحوكمة المدروسة، من المتوقع أن يتم اتخاذ القرارات الاستراتيجية للحكومة بشكل أكثر دقة وكفاءة ويمكن لهذا النهج أن يساعد في تحقيق أهداف الدستور ووثيقة الرؤية والسياسات العامة التي وافق عليها المرشد الأعلى ووفرت أرضية مناسبة للتنمية المستدامة للبلاد من خلال تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للبلاد وتعزيز مكانة إيران على المستوى الدولي.