كتب: ربيع السعدني
تخيّل شابا يتدرب في ظلال الثورة، خطواته تهز أروقة السلطة دون أن يظهر في العلن، صوته همسٌ يُسمع في أعلى المراتب، ويعتبر أحد المرشحين المحتملين لخلافة والده علي خامنئي، الذي ظل مرشدا أعلى لإيران لأكثر من ثلاثة عقود.
هذا هو مجتبى خامنئي، الابن الثاني للمرشد، رجل يُقال إنه ينسج خيوط السياسة الإيرانية من الخفاء، محاطا بالغموض والنفوذ، ليصبح لغزا في قلب النظام.
وُلد مجتبى علي خامنئي في 8 سبتمبر/أيلول 1969 بمدينة مشهد، ثاني أبناء المرشد الإيراني من زوجته منصورة خجسته باقرزاده، نشأ في بيئة دينية وسياسية مشبعة بأفكار الثورة.
وروجت وسائل إعلام إيرانية أن مجتبى خامنئي شارك في عمليات حربية مثل “بيت المقدس 2 و3 و4” و”الفجر”، وخلال الحرب العراقية-الإيرانية (1980-1988)، شارك في الجبهة كجندي شاب عندما كان عمره 17 عاما، مما عزز صورته كثوري مخلص.
وتلقى خامنئي الإبن تعليما دينيا في الحوزة العلمية بمدينة قم، حيث درس الفقه والعلوم الإسلامية تحت إشراف علماء بارزين حتى نال مرتبة “الاجتهاد”.
تدريس فقه الخارج والأصول
في الوقت نفسه مع انطلاق العام الدراسي للحوزات الدينية، أعلنت وكالة أنباء “رسا“، الناطقة باسم الحوزة الدينية، في 23 أغسطس/آب 2024، أن مجتبى خامنئي سيقوم بتدريس دروس “فقه الخارج والأصول” في هذه الحوزة، وأطلقت عليه لقب “آية الله”.
وزعمت أيضا أن مجتبى خامنئي له خبرة في تدريس “مستوى بحث الخارج” منذ 13 عاما، وقد استفاد من حصاده العلمي المثمر العديد من الطلاب والأساتذة.
يذكر أن لقب “آية الله” يستخدم في المذهب الشيعي “الاثني عشري” للإطلاق على من بلغ درجة “الاجتهاد”.
الحياة الشخصية
مجتبى خامنئي متزوج بابنة غلام علي حداد عادل، أحد الشخصيات السياسية والثقافية البارزة في إيران والرئيس السابق للبرلمان.
يقول محمد حسين خوش وقت، صهر مصطفى خامنئي (شقيق مجتبى الأكبر): “من المعروف أن مجتبى هو الأكثر شبها به بين أبناء المرشد سواء من حيث المظهر أو من حيث الخصائص الشخصية والاجتماعية، ولكن هذا لا يعني أنهم يتدخلون في الشؤون السياسية للبلاد وبطبيعة الحال، قد يلجأ إليه البعض بسبب منصبه، لكن حقيقة أن المنتقدين يقولون إنه هو مصدر الأحداث السياسية في البلاد، لا، هذا ليس صحيحا”.
المحاضرة الأخير ة
وقد انتشر مقطع فيديو من مجتبى خامنئي؛ نجل المرشد الإيراني، يعلن فيه توقفه عن تدريس “فقه الخارج والأصول“، وذلك في محاضرة بُثت عبر شبكة الإنترنت، بعدما فُسر بلوغه هذا المستوى في مدارس رجال الدين الشيعة بأنه إشارة إلى احتمال خلافته والده.
وأعادت مواقع إيرانية جزءا من محاضرة مجتبى خامنئي في 22 سبتمبر/أيلول 2024، يقول فيها: “محاضرة اليوم ستكون الأخيرة”، مضيفا أنه سيتوقف عن تدريس “فقه الخارج والأصول”، وتعد هذه المرحلة الأخيرة في النظام الحوزوي للحصول على مرتبة “الاجتهاد”.
وأفاد موقع “اقتصاد نيوز” الإخباري بأن “700 شخص شاركوا في دروس الفقه التي يقدمها مجتبى خامنئي منذ 13 عاما”.
لماذا أغلق نجل المرشد دروس فقه الخارج والأصول؟
أوضح أحد أعضاء مجلس خبراء القيادة سبب إغلاق دورات الدراسات الأجنبية والفقهية لنجل المرشد، وقال سعيد صلح ميرزائي، أستاذ الحوزة العلمية وعضو مجلس الخبراء، مذكرة بعنوان “المعلم الأخلاقي والتقوي” في تصريحات لوكالة تسنيم للأنباء:
- لقد أشاد الأستاذ مجتهدي الطهراني مرارا بصلاح وتقوى مجتبى وحذره الشديد، وسمعت هذه الأوصاف أيضا في وقت لاحق من موظفي مكتب خامنئي بقم وفي الجلسات التي حضرتها معه.
- في الآونة الأخيرة، نُشرت أنباء تفيد بأن 1600 طالب من خارج الحوزات العلمية في قم ومشهد ومحافظات أخرى قد سجلوا للمشاركة افتراضيا في دورة مجتبى، لكنه أعلن إغلاق الدورة مؤقتا في اليوم الأول من الدورة.
- حظي قرار إغلاق الدورة بقدر كبير من الاهتمام والنقاش والتحليل، ولكن الثابت أن السبب الحقيقي في القرار هو اتباعهم منهج علماء السلف في بعض الأحيان، عندما يرى العالم أن دروسه مزدهرة، وعليه إقبال كبير، فإنهم يغلقونها من أجل تعليم أنفسهم، ما لم يجدوا حجة تناقض حذرهم الأخلاقي.
عقوبات ضد ابن المرشد
في الذكرى الأربعين للاستيلاء على السفارة الأمريكية في طهران، فرضت إدارة ترامب عقوبات جديدة يوم الاثنين 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، على الدائرة الداخلية المقربة من علي خامنئي.
ولم يسلم مجتبى خامنئي من عقوبات أمريكا، ففي الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني 2019، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على الابن الثاني للمرشد الإيراني علي خامنئي، مشيرة إلى أن مجموعة من الأسباب وقفت وراء اتخاذ القرار.
وذكرت الوزارة عبر موقعها، أن خامنئي الابن كان من بين من شملتهم العقوبات، لأنه “يمثل والده بصفة رسمية، على الرغم من أنه لم يتم انتخابه أو تعيينه في منصب حكومي، باستثناء عمله في مكتب والده”.
كما زعمت “الخزانة الأمريكية” أن المرشد الإيراني “فوض جزءا من مسؤوليات قيادته إلى ابنه، الذي عمل عن قرب مع قائد فيلق القدس في الحرس الثوري إلى جانب عمله مع ‘الباسيج’، لتعزيز طموحات والده المزعزعة لاستقرار المنطقة، وأهدافه المحلية القمعية”.
ثم عادت الولايات المتحدة وفقا لبيان الخزانة لتأكيد أنها فرضت العقوبات على مجتبى، لأنه “تصرف أو زُعم أنه تصرف، نيابة عن أو لصالح، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، المرشد”.
وقال مسؤولون أمريكيون إن العقوبات استهدفت بعض أقرب مستشاري خامنئي، بما في ذلك ابنه الثاني، مجتبى خامنئي، الذي يمثل والده في كثير من الأحيان في المناسبات الرسمية على الرغم من أنه لم يتم تعيينه في منصب حكومي قط.
يُعتبر مجتبى شخصية مؤثرة في الأوساط الدينية والسياسية، حيث يُقال إنه يشرف على شبكة من رجال الدين والمسؤولين المقربين من والده.
العلاقة مع قاسم سليماني
يُنسب إليه دور كبير في تعزيز نفوذ الحرس الثوري، خاصة من خلال علاقاته مع قادة بارزين مثل قاسم سليماني قبل اغتياله في 3 يناير/كانون الثاني 2020.
كما يُشاع أنه لعب دورا في ترتيب انتقال السلطة داخل النظام، مما جعله مرشحا محتملا لخلافة والده، وفقا لتقارير غربية وإيرانية معارضة.
أكاذيب الإعلام الغربي
وكثرت الأكاذيب في الإعلام الأمريكي حول مستقبل مجتبى خامنئي وحالة المرشد الصحية، وكانت صحيفة “واشنطن بوست” أحدث وسيلة لنشر الأكاذيب الصارخة حول نجل الزعيم، ففي يناير/كانون الثاني 2025 استشهدت الصحيفة الأمريكية بمقال غير مُثبت من قناة “إيران إنترناشونال”، المعادية لإيران، ولها تاريخ موثق في تلفيق المعلومات عن طهران ومسؤوليها.
علاوة على ذلك، يكشف فهم أساسي للدستور الإيراني بحسب موقع “طهران تايمز“، أن الزعيم القادم لا يُختار من قِبل “شيوخ رجال الدين”، بل من قِبل مجلس من الشخصيات ينتخبهم الشعب الإيراني كل ثماني سنوات، وزعمت الصحيفة الأمريكية في تقريرها الصادر يوم 10 يناير/كانون الثاني 2025 أن مجتبى خامنئي ساهم بدوره في قمع الانتفاضة الشعبية بعنف في عام 2009.
وينظر إلى مجتبى خامنئي على أنه أحد المرشحين لخلافة والده المرشد خامنئي الذي يتولى المنصب منذ وفاة المرشد الإيراني الأول الخميني في عام 1989، ولا يوجد اعتراف رسمي بالمرشحين لمنصب المرشد الثالث في إيران.
لكن القضية لا تزال مطروحة منذ سنوات في الأوساط الإيرانية، وبموجب الدستور الإيراني، يجري تعيين المرشد بقرار من “مجلس الخبراء”، وهو هيئة دينية مؤلفة من 88 عضوا تراقب المرشد، ويمكنها نظريا إقالته.
ويجري اختيار أعضاء “المجلس” عن طريق انتخابات، لكن هناك هيئة رقابية متشددة أخرى تضم رجال دين ورجال قانون متحالفين مع خامنئي تتمتع بسلطة الاعتراض على القوانين، وتحديد من بوسعه الترشح.
ظل يتحرك من وراء الستار
يبقى مجتبى خامنئي، لغزا محيرا محاطا بالقوة والجدل، ظلا يتحرك خلف الستار، ليؤثر في مسار إيران دون أن يُرى، بين دوره المزعوم في تعزيز النظام وانتقادات المعارضة له، يجسد تناقضات الثورة: الإخلاص والشبهات، النفوذ والغموض، الشهرة والظل.
سواء كان مرشحا للقيادة أو مجرد رمز للاستمرارية، فإن حضوره يثير التساؤلات ويرسم صورة لمستقبل إيران قد يكون في يديه، أو بعيدا عنه.