بعد وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، في حادث تحطم مروحيته الرئاسية أواخر مايو/أيار الماضي، والأحداث اللاحقة التي تلت إعلان الوفاة تزامناً مع الاضطراب الإقليمي بسبب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتصاعد مجريات الحرب بين روسيا وأوكرانيا، ووقوع إيران عنصراً فاعلاً في مسارات هذه الأحداث، والاستعدادات الداخلية للانتخابات الرئاسية المفاجئة في إيران، أعادت هذه الأحداث تسليط الأضواء بشكل موسع على الداخل الإيراني، وطبيعة البنية السياسية للنظام.
بعد نجاح “الثورة الإسلامية” 1979، أعادت إيران بناء نظام سياسي لها على عدة روافع سياسية وعسكرية وقانونية لهذا النظام، أبرزها منصب المرشد الأعلى، والحرس الثوري الإيراني، ومجمع تشخيص مصلحة النظام، ومجلس صيانة الدستور.
وبعد إعلانه القوائم النهائية للمرشحين في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، عاد الجدل والحديث حول مجلس صيانة الدستور في إيران، وسط حالة من الشد والجذب حول صلاحياته ودوره في السياسة الإيرانية.
بحسب التعريف الوارد على الموقع الرسمي للمجلس، فإنه “يعتبر من أهم المؤسسات الحكومية، (…) ومن واجبه فحص جميع قرارات مجلس الشورى، والتأكد من عدم تعارضها مع الدستور والشريعة الإسلامية، وكذلك مراقبة الانتخابات، باعتباره المرجع الرسمي لتفسير الدستور”.
تشكيل المجلس ودوره في الانتخابات الإيرانية
وبدأ المجلس عمله في العام 1980 بعد أن وضعت إيران دستورها الحالي في عام 1979 بنسبة موافقة بلغت 98% من الناخبين بعد أن أبطلت الدستور الإمبراطوري للشاه الإيراني، المطبق منذ عام 1906.
يتكون المجلس من 12 عضواً، مقسمين إلى نصفين، نصف من الفقهاء ورجال الدين الذين يُعيّنهم المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، ونصف من خبراء القانون، يرشحهم رئيس السلطة القضائية، ويعتمد تعيينهم مجلس الشورى، وتتبع المجلس عدة لجان تدير العمل التنفيذي للمجلس، الذي تبلغ دورة عمله 6 سنوات للدورة الواحدة.
ويترأس المجلس أحمد جنتي الذي يعد واحداً من أكثر الشخصيات الإيرانية بقاءً في الحياة السياسية، إذ شغل عضوية المجلس في أول دورة له 1980، وترأس المجلس منذ العام 1993، ويعد جنتي مرجعاً شيعياً.
بحسب وكالة مهر للأنباء، فإن هناك عدة شروط واجبة لأعضاء المجلس من الفقهاء- الذين يعيّنهم المرشد- هي الفقه، والعدالة، والوعي بالقضايا اليومية، فيما تنحصر شروط عضوية الأعضاء القانونيين في “أن يكونوا مسلمين وقانونيين”.
المجلس الذي يتكون من أمانة عامة ولجان وهيئات متخصصة، يتولى مراجعة وتدقيق ملفات المرشحين الرئاسيين والبرلمانيين، على مستويين: الأول مستوى الانتخابات الرئاسية ومراجعة ملفات المتقدمين للانتخابات- لاعتمادهم أو رفضهم- في طهران من قبل الأعضاء الـ12، ومستوى المرشحين البرلمانيين، حيث يتم فحص الملفات في المحافظات الداخلية من قبل ممثلين للمجلس.
على رأس لجان مجلس صيانة الدستور، يأتي “معهد البحوث” الذي تأسس عام 2000 ليكون مركزاً قانونياً ومرجعاً للأبحاث لتعزيز الأبحاث والمؤتمرات والندوات القانونية حول الدستور الإيراني.
قائمة المرشحين وجدل متجدد حول دور المجلس
الجدل تجدد حول صلاحيات مجلس صيانة الدستور، بعد إعلان القائمة النهائية للمرشحين الرئاسيين لخلافة إبراهيم رئيسي، وهم 6 من المرشحين، صنفهم المراقبون وفق انتماءاتهم: 5 مرشحين محسوبين على المعسكر المحافظ، ومرشح محسوب على المعسكر الإصلاحي، في الوقت الذي أثارت فيه قائمة المستبعدين أزمة تصريحات، تتكرر داخل إيران وخارجها مع كل انتخابات إيرانية.
بحسب دراسة للدكتور محمد محسن أبو النور، نشرت في المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية، فإن مجلس صيانة الدستور هو “المصفاة السياسية الدستورية التي يتخذها النظام الإيراني- أو الولي الفقيه الحاكم- لتمرير المرشحين وإكسابهم صفة الأهلية أو نزع تلك الصفة عنهم، وفي إطار تلك الصورة فإن كل المرشحين المحتملين لرئاسة الجمهورية سيكونون من الفئة التي يفضلها المرشد للمرحلة المقبلة في سياق صنع السياسات العامة للبلاد، وتبقى فقط أمام الناخبين مجرد المفاضلة بين شخصيات اختارها المرشد سلفاً”.
وبحسب ما أعلنه التلفزيون الإيراني، فإن مجلس صيانة الدستور وافق على ترشيح كل من رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، وممثل المرشد الإيراني في “مجلس الأمن القومي” سعيد جليلي، وعمدة طهران علي رضا زاكاني، والنائب الإصلاحي مسعود بزيكيان، ووزير العدل السابق مصطفى بور محمدي، ورئيس “منظمة الشهيد” أمير حسين قاضي زاده هاشمي، في الانتخابات التي ستشهد فتح باب التصويت يوم 28 يونيو/حزيران الجاري.
وبذلك يكون المجلس استبعد 74 مرشحاً، بينهم أحمدي نجاد الرئيس الأسبق، وعلي لاريجاني الرئيس السابق للبرلمان، فيما جاءت المفاجأة باستبعاد 3 وزراء في الحكومة الحالية.
روحاني وهجوم سابق على المجلس
وعادةً ما تثير إعلانات قوائم المرشحين في الانتخابات الإيرانية هجوماً على المجلس، آخرها الهجوم الذي شنه الرئيس الإيراني السابق، حسن روحاني، عقب استبعاده من انتخابات مجلس خبراء القيادة في مارس/آذار الماضي.
روحاني قال في رسالة وجهها إلى الشعب الإيراني، رداً على رسالة بعث بها المجلس، تتضمن إجابات عن أسباب استبعاده من انتخابات خبراء القيادة، قال: “إن محتوى رسالة مجلس صيانة الدستور، يثبت أن أعلى مسؤول منتخب ليس له الحق في التعبير”.
واعتبر روحاني أن التبريرات التي ساقها مجلس صيانة الدستور لاستبعاده هي “لائحة اتهام ضد مؤسسة الرئاسة وضد الحكومة، متسائلاً: ألا يعتبر استبعاد الرؤساء السابقين وبعض رؤساء السلطات الآخرين بمثابة تشكيك في النظام الجمهوري؟”.
وحتى الآن- وقت نشر الموضوع- لم ترصد ردود فعل لمن استبعدهم مجلس صيانة الدستور من الانتخابات الرئاسية الإيرانية، إلا أن السوابق الانتخابية شهدت هجوماً شديداً من المستبعدين في الانتخابات السابقة وآخرها انتخابات 2021.
آنذاك، انتقد حسن الخميني مجلس صيانة الدستور، قائلاً إنه “يشبه ضرب جذور الثورة بالفأس”، وإن أداء المجلس يشبه “خطوة ضد الثورة”، داعياً المرشحين الذين قُبلت أوراقهم وقتها، إلى الانسحاب من الانتخابات.
في عهد الرئيس الأسبق محمد خاتمي، جرت محاولة من أنصاره وحلفائه لتمرير قوانين تحدُّ من سلطات مجلس صيانة الدستور، إلا أن مجلس تشخيص مصلحة النظام رفضها، فيما شكَّل ضربة كبيرة للجهود الإصلاحية، التي بذلها خاتمي وحلفاؤه.