ترجمة: يسرا شمندي
تسعى الولايات المتحدة إلى احتواء البرنامج النووي الإيراني من خلال مزيج من الضغط العسكري والدبلوماسية. ومع تباين الآراء بين صانعي القرار الأمريكيين حول الاستراتيجيات المفضلة، يبرز تحدي الوصول إلى اتفاق طويل الأمد مع إيران.
وفي هذا الصدد نشر موقع فرارو بتاريخ 14 يناير/كانون الثاني 2025 حواراً مع محمد خواجوئي، المحلل في قضايا الشرق الأوسط، ورد فيه:
نص الحوار:
تشير مقالة ريتشارد هاس، رئيس مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، وريتشارد نفيو، الخبير في السياسة الخارجية والعقوبات الاقتصادية، إلى قضية المفاوضات مع إيران، ولكنها لا تستبعد خيار الحرب بشكل جدي.. فهل بات الموقف الأمريكي من إيران واضحًا الآن؟
أشار رئيس مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي ريتشارد هاس والخبير في السياسة الخارجية والعقوبات الاقتصادية ريتشارد نفيو في كتاباتهما الأخيرة إلى فكرة رئيسية مفادها أن أفضل وسيلة لاحتواء البرنامج النووي الإيراني هي الدبلوماسية، وأن الخيار العسكري لا يمكن أن يكون أداة موثوقة لتحقيق هذا الهدف.
مع ذلك، فإنهما لا يرفضان الخيار العسكري، بل يعتقدان أنه يجب ألا يكون هو الخيار الأول. ويشيران إلى أن الخيار العسكري يجب أن يكون تهديدًا موثوقًا يعزز الدبلوماسية مع إيران، وعليه فإن الولايات المتحدة يجب أن تلجأ إليه إذا فشلت الدبلوماسية. وبالتالي، لا يوجد تناقض في آرائهم، بل يركزون على أولويات وفعالية الأدوات. وهدفهم الوحيد هو احتواء البرنامج النووي الإيراني، ولكن الطريقة المستخدمة في الوصول إليه هي موضوع النقاش.
ما المقصود بـ “خيار الحرب” بالضبط؟
المقصود بالخيار العسكري ليس الحرب الشاملة، إذ هناك فرق بين الحرب والإجراءات العسكرية. في إيران، قد لا يُولي البعض هذا الفرق اهتمامًا كافيًا. على سبيل المثال، كثيرًا ما يتم التأكيد في الإعلام الإيراني على تصريح ترامب بمعارضته الحرب، لكن من المهم ملاحظة أن هذا لا يعني بالضرورة معارضته للإجراءات العسكرية.
وفي الواقع، من وجهة نظر ترامب وأتباعه، يمكن أن تكون الإجراءات العسكرية القوية والفعالة وسيلة لمنع الحروب الطويلة. فتصريح ترامب بمعارضته للحرب يعني معارضته لدخول الولايات المتحدة في صراعات وحروب ممتدة مثل الحروب في أفغانستان والعراق، وليس معارضته للإجراءات العسكرية نفسها.
عند الحديث عن الخيار العسكري بشأن إيران، فإن المقصود هو اتخاذ إجراءات عسكرية موجهة ضد المنشآت النووية أو القوى العسكرية الإيرانية، وليس بالضرورة حرب شاملة. ويرى المؤيدون لهذا الخيار أن من خلال تنفيذ عمل عسكري محدد وفعّال، يمكن استهداف القوة الإيرانية التي تُعتبر تهديدًا.
لكن المعارضين يشيرون إلى أنه إذا كان الهدف هو وقف البرنامج النووي الإيراني، فإنه يظل هناك شكوك حول فعالية الخيار العسكري على المدى الطويل، خصوصًا أن الهجمات السابقة مثل تلك التي استهدفت منشآت تصنيع أجهزة الطرد المركزي في 2021 لم تؤد إلى تأثير دائم.
ويتفق الخبراء مثل هاس ونفيو على أن الخيار العسكري قد يوقف البرنامج النووي في المدى القصير، لكن لا يمكن أن يكون له آثار مستدامة على المدى البعيد، إذ يمكن لإيران إخفاء معداتها وخزيناتها في مواقع آمنة، وبالتالي استئناف البرنامج في المستقبل. وفي هذا السياق، يُوصى باستخدام الدبلوماسية المتوازية مع العقوبات والضغط كمسار لتحقيق اتفاق يحصر البرنامج النووي الإيراني تحت مراقبة صارمة ويحدد أبعاده.
هل سيتجه ترامب بسرعة إلى التفاوض بعد رئاسته؟
يبدو أن السياسة الكبرى لترامب تجاه إيران هي نفسها التي كانت في فترة رئاسته الأولى، حيث سيطبق النسخة الثانية من سياسة الضغط الأقصى ويعتمد آليات لتشديد الضغوط متعددة الأطراف على إيران حتى تتحرك نحو اتفاق يتماشى مع رغبات الولايات المتحدة.
وبناءً عليه، من المتوقع أن يتبنى ترامب في خطوته الأولى مزيجًا من التهديد والدبلوماسية تجاه إيران، ومن غير المرجح أن يتجه في هذه المرحلة نحو اتخاذ إجراءات عسكرية شاملة ضد البرنامج النووي الإيراني.
ومع ذلك، يبدو أن ترامب في هذه المرحلة لن ينتظر طويلاً. فهو مستعجل لحل القضية النووية الإيرانية وفقًا لرؤيته الخاصة، لذا من غير المرجح أن تكون هناك فرصة لإيران لاعتماد سياسة الصبر الاستراتيجي في هذه الفترة. خصوصًا في ضوء الوضع الإقليمي الجديد وتحالفات إيران الحالية، التي أصبحت تعرضها للخطر.
في هذه المرحلة، سيحتفظ ترامب بخيار استخدام القوة العسكرية من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل ضد إيران كتهديد موثوق في إطار الدبلوماسية مع إيران، وقد يتم اتخاذ إجراءات عسكرية محدودة لزيادة الضغط على طهران لكي تتحرك بشكل أسرع نحو الاتفاق.
ولكن كما ذكرت، فإن السيناريو المحتمل هو أن نافذة الدبلوماسية لحل القضية النووية ستظل مفتوحة حتى أكتوبر/تشرين الأول 2025، وهو الموعد النهائي الذي سينتهي فيه التزام إيران بالاتفاق النووي، ويُسمح للأوروبيين بتفعيل آلية “سناب باك” للعودة للعقوبات. ومع ذلك، فإن هذا المسار الدبلوماسي قد لا يتبع نفس نموذج “الربح للجميع”، وفي هذه الحالة، تكون إيران في وضع صعب.
ماذا ستفعل إيران؟
بمجرد أن تولت حكومة بزشکیان المسؤولية، ركزت على إحياء الدبلوماسية من أجل إنهاء العقوبات. وقد تم التعبير عن فكرة “إدارة الخلاف مع الولايات المتحدة” و”التفاعل الكريم مع أوروبا” من قبل وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في بداية فترة الحكومة، مما عكس سياسة الحكومة نحو تهدئة التوترات مع الغرب، وهو ما يبدو أنه كان مدعومًا من قبل الهيئات العليا للنظام. إلا أن اندلاع الحرب في المنطقة والصراع بين إيران وإسرائيل تسببا في تهميش هذه السياسة، ولم تتهيأ الفرصة لإحياء المسارات الدبلوماسية.
وقد شهدت روابط إيران مع أوروبا توترًا متزايدًا نتيجة تصويت الوكالة الدولية للطاقة الذرية لصالح القرار الذي اقترحته الدول الأوروبية وفرض عقوبات جديدة بسبب التعاون العسكري بين طهران وموسكو.
كما أن فوز ترامب في الانتخابات جعل آفاق نجاح سياسة إدارة الخلاف مع الولايات المتحدة أكثر تشاؤمًا. ومع ذلك، تسعى حكومة بزشکیان للعودة إلى مسارها المفضل على الرغم من أن الظروف قد تغيرت بشكل جدي في المنطقة، مما جعل إيران في وضع أضعف أمام الغرب.
وفي هذه الأثناء، يعتبر انطلاق المفاوضات بين إيران وأوروبا، التي من المقرر أن تُعقد جولتها الثانية في جنيف الأسبوع المقبل، مؤشرًا على المحاولات لإحياء الدبلوماسية. وفي الوقت ذاته، أكد المسؤولون الإيرانيون استعدادهم للتفاوض مع ترامب. حيث تحدث عراقجي عدة مرات عن استعداد طهران للتفاوض بطريقة بناءة وشريفة ودون تأخير مع الإدارة الأمريكية القادمة.
ومن ناحية أخرى، يبدو أن ما تريده إيران هو تشكيل اتفاق مشابه للاتفاق النووي (برجام)، حيث أشار عراقجي أيضًا إلى أن إيران مستعدة لإعادة بناء الثقة كما كان في اتفاق 2015. ولكن، في هذه المرحلة، يظل هناك شكوك كبيرة حول ما إذا كان الطرف الآخر على استعداد لمنح إيران تنازلات مشابهة لتلك التي تم تقديمها في خطة العمل الشاملة المشتركة.
إذا تم ذلك، هل ستظل إسرائيل بقيادة نتنياهو القوة الرئيسية المعارضة لهذا الاتفاق؟
إن حقيقة أن إيران لم تعد ملتزمة بخطة العمل الشاملة المشتركة وخروج الولايات المتحدة من الاتفاق قد يفتح المجال للطرفين للانخراط في مسار دبلوماسي جديد، ما قد يؤدي إلى الحديث عن “اتفاق جديد”. ولكن يبدو أن توقعات إيران من هذا الاتفاق قد تكون مختلفة عن توقعات واشنطن. فمن المرجح أن تسعى الولايات المتحدة إلى الحصول على المزيد من التنازلات من إيران. كما أن هذا الاتفاق، وفقًا للرؤية الأمريكية، يجب أن يتجاوز القضايا النووية ليشمل مسائل أخرى.
إلى أي مدى يمكن اعتبار تأثير هذه التحليلات، مثل ملاحظات هاس ونفيو وتقرير الموقع الإخباري الأمريكي المتخصص في تغطية السياسة والاقتصاد والتكنولوجيا “أكسيوس”، على صانعي القرار في الولايات المتحدة جادًا؟
في الولايات المتحدة، هناك العشرات من مراكز التفكير النشطة، ولكل منها خلفية مختلفة. فبعض هذه المراكز لديها خلفية ديمقراطية والبعض الآخر جمهوري، وتوجد في داخلها أيضًا طيف من التيارات اليمينية، والوسطية، واليسارية. وتُطرح وجهات نظر هذه المراكز في الساحة السياسية والفكرية في الولايات المتحدة، وكثير منها لا يؤثر في أداء الحكومة الحالية. إن مدى تأثير هذه المراكز على السياسات يعتمد بشكل كبير على الحزب الحاكم في الولايات المتحدة. ومن الطبيعي أنه في فترة حكم ترامب، كانت مراكز التفكير والمحللون الذين ينتمون إلى التيار اليميني والمحافظ والجمهوري لهم تأثير أكبر في عملية اتخاذ القرار.