كتب: زينب بيه
وفقاً لتقرير نشرته صحيفة “هم مهين” بتاريخ 1 سبتمبر/أيلول 2024، فقد تعرضَ محمد علي بهمني، شاعر وكاتب قصائد إيراني، ورئيس نقابة المهن الموسيقية، لانتقادات من قِبَل العديد من كُتَّاب الأغاني. تجلى ذلك مثلاً في ألبوم “إبراهيم” غناء محسن جاوشي، حيث إنه استخدم بعض الكلمات مثل “حُضن” ضمن قائمة الكلمات المحظورة من قِبَل وزارة الثقافة، فاعتبره بهمنى سبباً في توقيف العمل. فقد دافع بهمنى عن عمله بعيداً، معتبراً إياه جهداً لمنع إنتاج وتوزيع الأغاني غير الهادفة. وكان النُقاد يقولون إنه يفرض الرقابة على الأغاني من خلال هذا المجلس، وفي نهاية المطاف استقال بهمني من مكتب الموسيقى في سبتمبر/أيلول 2018، وكتب رسالة تعبيراً عن استيائه يقول فيها: “لا اليوم هو الأمس، ولست الشاعر الذي كان ينشد بالأمس مستقبلاً لا وجود له اليوم”. واختتم حديثه قائلاً: “أنا ومع إدراكي لخطأي في قبول منصب نقابة المهن الموسيقية وليس بسبب أن الخبراء لم يتلقوا رواتبهم منذ ستة أشهر، بل فقط لأنني لم أعد أريد أن أكون عائقاً أمام الأغاني الضعيفة.. أودعكم بأسف”.
وأفادت وكالة مهر للأنباء، بأنه توفي في 31 أغسطس/آب 2024، بمستشفى “تنديس” في طهران، بسبب سكتة دماغية. وُلد بهمني في 16أبريل/نيسان لعام 1942، وكانت والدته من أولى النساء المتعلمات للغة الفرنسية في إيران، وكان لديها شغف خاص بالشعر، حيث كانت تقرأ لأبنائها أشعار فردوسي وحافظ وسعدي. أما والده، فقد كان أمياً وأرسل ابنه إلى مطبعة للعمل بدلاً من الذهاب للمدرسة. وفي المكان نفسه أصبح طريق الشعر ممهداً له؛ حيث نُشر أول شعر له في مجلة “روشنفكر” عندما كان عمره لا يتجاوز تسع سنوات، وكان فريدون مشيري هو المسؤول عن صفحة الشعر والأدب في تلك المجلة.
دور فريدون مشيري في دخول بهمني عالم الشعر:
كانت قصة تعرُّف بهمنی على فريدون مثيرة جداً، فذات يوم وفي أثناء مراجعة مشيري بعض الأشعار، لاحظَ خطأً في الوزن، كان هذا الخطأ هو السبب الذي جعل مشيري يأتي إلى المطبعة ويكتشف موهبة بهمني، حيث رحب به بلطف وسأله: “هل تحب الشعر؟”. كتب بهمني لاحقاً: “صدقوا، لم يتحدث إلى أحد بهذا اللطف من قبل، خاصة حول الشعر الذي لم أكن أعرفه، لكن كنت أحبّه”. ثم سأله مشيري: “هل تكتب شعراً أيضاً؟”، طأطأ بهمني رأسه وقال: “كنت أشعر بأنني بحاجة إلى أن أكون شاعراً بقدر حاجتي إلى الشعر” بعد فترة، وبتشجيع من مشيري، كتب غزلاً وقدمه لوالدته:
يا رمز الجمال الخالد
يا شعر الزمان المزخرف
يا ينبوع إلهام يتدفق من الصدر
يا إحساس الشعر اللطيف
ما أكثر الليالي التي انتزع فيها النوم من عيني!
شعري هو قصيدة ليلية
أراك ساهرة على سرير الطفل المتعب
وصوتك الدافئ يشع صدى أمومياً
الشاعر ليس أنا، بل أنت
شعرك هو كل الشغف الأمومي
كانت هذه القصيدة أول عمل منشور له، حيث ظن مشيري في البداية أن والدته هي من كتبتها، بينما اعتقدت والدته أن مشيري ربما ساعد بهمنى في كتابتها.
محاولة لربط الغزل بالشعر النيمائي:
نشر بهمني مجموعته الشعرية الأولى بعنوان “باغ لال” أي “حديقة ظهور اللال” في عام 1971. وبعد عام، كان من المقرر نشر مجموعته الثانية “در بیوزنی”، التي تضمنت أشعاراً بيضاء (أشعاراً خالية من الوزن والقافية)، لكنها لم تحصل على ترخيص النشر. عمل بهمني ايضاً في تلك الفترة في “انتشارات بامداد”، بامداد يعني الصباح الباكر، وهي دار نشر إيرانية أسست في أواخر الأربعينيات، قامت بنشر مجموعة “حنجره زخمی تغزل” بمعنى “حنجرة جُرح الغزل” لحسين منزوي، الذي فاز بجائزة أفضل شاعر شاب في مهرجان “شعر فروغ”.
وتجدر الإشارة إلى أن الشعر النيمائي نوع من الشعر الحديث الذي تطور على يد الشاعر الإيراني نيما يوشيج، ويتميز هذا النمط من الشعر باستخدام بُنى شكلية حرة وتحرر من الوزن والقافية التقليديين، ويعتمد على اللغة اليومية وتعبيرات أكثر عصرية، فيُعتبر الشعر النيمائي جسراً بين الشعر الكلاسيكي والحديث في الأدب الفارسي.
تشبثَ بهمني برأيه في السير على هذا الأسلوب في أشعاره، لكنه لاحقاً تحرر من ذلك القيد، وحاول ربط الغزل بالشعر الحديث، كما كتب في مجموعته الشعرية “گاهی دلم برای خودم تنگ میشود” بمعنى “أحياناً أشتاقُ لنفسي” التي نشرت عام 1989 وتعدُّ من أهم الأعمال المؤثرة في إحياء الغزل الجديد… وكتب أيضاً: “جسدي غزل ولكن روحي نيمائية”، مشيراً إلى محاولته دمج الأسلوبين.
واعتبر منوجهر آتشي أن بهمني من بين الشعراء القلائل الذين حاولوا ابتكار غزل جديد، كما اعتبر بهمني أن مصطلح (غزل نيمائي) هو التسمية الأنسب للغزل في العقود الأخيرة، مشيراً إلى أن الوزن كان من عيوب الغزل، وأن الشعر الحديث قد تجاوز هذه القيود.
الدفاع عن أسلوب غزلي يواكب التطورات في الأدب المعاصر:
بجانب محاولات بهمني لدمج الشعر النيمائي بالغزل، كان له دور مهم في النقاش حول “الغزل ما بعد الحداثي”، الذي تطور في إيران منذ منتصف التسعينيات، وأصبح يميز أعمال العديد من الشعراء الشباب. وقد واجه هذا النوع من الشعر انتقادات متنوعة تتعلق بعنوانه ومحتواه ولغته، حيث اعتبر البعض أن هذا العنوان غير ملائم أو أن مضامينه غير ناضجة، أو انتقدوا ابتعاده عن قواعد الشعر الكلاسيكي.
قدَّم بهمني حُججاً قوية رداً على هذه الانتقادات، وقال: “لو كان حافظ الشيرازي يعيش اليوم، لكتب بأسلوب الغزل ما بعد الحداثي، وإنكار هذا النوع من الغزل بمثابة إنكار أنفسنا”، وأكد أيضاً أهمية التمعن في أبعاد هذا النوع من الغزل، مشيراً إلى أنه يمكن العثور على بعض عناصره في أعمال شعرية سابقة مثل أشعار مولانا والأسلوب الهندي، وأشاد بالإبداعات الخاصة للغزل ما بعد الحداثي، مؤكداً أنه يقدم عناصر جديدة لم تكن موجودة في الشعر سابقاً.
عقود من الإبداع في تأليف الأغاني:
وبجانب نشاط بهمنى في الشعر، ارتبط اسمه أيضاً بتأليف الأغاني، قبل الثورة بدأ في هذا المجال بدعوة من فريدون مشيري، وكتب نحو 180 أغنية، غناها فنانون مشهورون في تلك الفترة مثل ستار، وهایده، ومهستي، وحمیرا، ورامش. وأيضاً أغنية “رودخونهها“، أي “الأنهار” التي لا تزال محبوبة حتى اليوم.
وبعد الثورة، قام بهمني بالتعاون مع صادق نوجوكي، بكتابة أغنية “كارگر” التي تمجد العمال. في عقد التسعينيات، ومع إحياء موسيقى البوب، تم أداء أغاني بهمني بواسطة مغنين مثل ناصر عبد اللهي وشادمهر عقيلي، وحقق بعض منها نجاحاً كبيراً، مثل “دهاتي“، رغم أن بهمني اعتبر إيقاعها السعيد لا يتناسب مع أجواء كلماتها.
كما كانت هناك بعض حالات عدم الرضا، مثل الخطأ في غناء حبيب محبيان لجملة في قصيدته “خرچنگهای مردابی” أي “سلطعونات المستنقعات”، مما أدى إلى تشويه المعنى المقصود في الكلمات.
سيبقى محمد علي بهمني، بشعره وألحانه، رمزاً للشعر الذي يتجاوز الزمن ويجسد الروح الإنسانية في أبهى صورها، مؤكداً أن الشعر هو صوت القلب والعقل، يحيا ويخلد في وجدان كل من يقرأه أو يسمعه.