ترجمة: علي زين العابدين برهام
تعاني حكومة مسعود بزشكيان اليوم من تأخر وصول الاستعلامات أو عدم وصولها نهائيا، مما يحرم العديد من المرشحين من فرصة تولي مناصبهم والمساهمة في خدمة البلاد وتنميتها، وذلك بسبب البيروقراطية غير المتخصصة التي أشار إليها المرشد الإيراني علي خامنئي في اجتماعه الأخير مع كبار المسؤولين.
نشرت صحيفة “اعتماد” الثلاثاء 11 مارس/آذار تقريرا تناولت فيه تصريحات هادي حق شناس، المحلل السياسي والاقتصادي، ومهدي شيرزاد، المحلل السياسي، حول هذه قضية وأبعادها ومخاطرها وتداعياتها.
الاختلالات الحالية نتيجة تقارير غير دقيقة
أوضح هادي حق شناس خطورة التقارير الفارغة على المجتمع الإيراني، قائلا إنه في بعض المؤسسات، يكتب بعض الموظفين تقارير لا تستند إلى أي أسس علمية أو إحصائية أو تخصصية، إما لاعتقادهم أن المسؤولين الكبار قد لا يقرؤونها بدقة، أو لأنهم يرون أن رؤساءهم يفتقرون إلى المعرفة الفنية الكافية بسبب كثافة العمل. هذه التقارير لا تُكتب بهدف اتخاذ قرارات أو تقديم حلول لمشاريع أو مشكلات قائمة، بل يتم إعدادها فقط لملء الفراغ وتقديم تقارير شكلية بلا قيمة حقيقية.
وأكد أن التقارير غير المدروسة ألحقت أضرارا جسيمة بعملية التنمية في البلاد، مشيرا إلى أن أحد المفاهيم التي أصبحت شائعة في التخطيط الإيراني خلال السنوات الأخيرة هو “التخطيط الإقليمي”، الذي يهدف إلى توجيه الاستثمارات وفقا لاحتياجات كل منطقة ومحافظة.
وأوضح أنه إذا كانت إحدى المحافظات تعاني من أزمة مياه، فمن غير المنطقي السماح بزراعة الأرز فيها، وإذا كانت محافظة أخرى تواجه مشكلة في مصادر المياه السطحية، فيجب أن تكون مشاريع الصرف الصحي وشبكات المياه أولوية هناك. هذه أمور بديهية، ولكن على أرض الواقع، لا يتم اتخاذ القرارات بناءً على هذه الاعتبارات العلمية.
وأضاف أنه رغم هذه الحقائق الواضحة، نجد أن القرارات الخاطئة تتكرر، لأن العديد من المشاريع تعتمد على تقارير تفتقر إلى الأسس العلمية. ولهذا السبب، تواجه البلاد اليوم مشاريع غير مكتملة واختلالات هيكلية، ناتجة عن دراسات غير دقيقة وغير متخصصة.
وأشار إلى أن إيران تعاني اليوم من “اختلالات عميقة في مختلف القطاعات بسبب غياب التخطيط العلمي الحقيقي”، مشددا على أن الجميع يتحدث عن أهمية الدراسات الفنية، ولكن القليل منها فقط يعتمد على الواقع العملي والحلول الفعالة.
السياسات الاقتصادية الخاطئة وتفاقم التضخم
ذكر حق شناس، فيما يتعلق بالأزمة الاقتصادية، أن الوهم الذي ساد لدى الحكومات السابقة بأن الاقتراض لتمويل المشاريع العمرانية سيحسن المعيشة ويسرع عجلة التنمية، كان خطأ فادحا.
وتابع قائلا إنه من الضروري مراجعة حجم الاقتراض الذي تم خلال السنوات الأخيرة تحت مسمى “سندات الخزينة”، لأن الاقتراض لا يعني فقط الحصول على تمويل، بل يُلزم الحكومة بسداد أصل الدين مضافا إليه الفوائد، ما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف المشاريع وزيادة معدلات التضخم.
وأكد أن السماح بتنفيذ مثل هذه المشاريع غير المدروسة في الماضي كان نتيجة الاعتماد على دراسات غير دقيقة تفتقر إلى الأسس العلمي”، وأشار إلى أن هذه الظاهرة أثرت سلبا على النظام المالي والنقدي والاقتصادي في إيران.
وشدد على أن الحل يكمن في تعزيز مبدأ الجدارة والكفاءة، ليس فقط في اختيار المسؤولين، بل أيضا في تعيين الخبراء والمستشارين القادرين على اتخاذ قرارات مبنية على المعرفة والتجربة، بعيدا عن المصالح الشخصية والتوجهات الشعبوية.
واختتم حديثه بالتأكيد أنه إذا تم اختيار الكفاءات بعناية، فستكون القرارات أكثر دقة وفاعلية، مما يسهم في حل المشكلات الاقتصادية والتقليل من الاختلالات القائمة.
يجب فتح أبواب البيروقراطية أمام النخب
ذكر مهدي شيرزاد، المحلل السياسي، أن التصريحات الأخيرة للمرشد الأعلى بشأن التقارير الفارغة وغير المجدية تؤكد إلمامه العميق بالأرقام والحقائق المتعلقة بالبلاد، مشيرا إلى أن ذلك يطمئن المجتمع وصنّاع القرار بأن الأوضاع الإقليمية والدولية، وكذلك القضايا الاجتماعية والاقتصادية، تخضع لمتابعة دقيقة.
وأضاف أن هذه المشكلة لم تقتصر على حكومة إبراهيم رئيسي، بل عانت منها الحكومات السابقة أيضا. عندما يُستبعد الخبراء والمتخصصون من الجهاز البيروقراطي بسبب ضيق الأفق والتدخلات غير الضرورية، خاصة الأمنية منها، يصبح المجال مفتوحا أمام إنتاج تقارير غير دقيقة وغير علمية.
وأشار إلى أنه لا ينبغي اعتبار هذه الانتقادات استهدافا لحكومة بعينها، بل هي خطر يواجه أي حكومة، بما في ذلك الحكومة الحالية برئاسة مسعود بزشكيان.
وأكد في رده على سؤال الصحيفة حول سبل التصدي لهذه الظاهرة، أن الحل يكمن في “فتح أبواب الحكومة والجهاز البيروقراطي أمام المتخصصين، واستبدال التقارير الفارغة والمبنية على الشعارات بآراء علمية دقيقة.
وشدد على أن ذلك يتطلب مراجعة شاملة للنهج الأمني، وآليات الاستعلامات، وأنظمة التعيينات الإدارية. ينبغي إعادة هيكلة الجهاز التنفيذي ليتمكن من الاستفادة القصوى من الخبرات الوطنية، بدلا من حصره في نطاق تيار أو فئة سياسية معينة.
وأضاف أنه يجب الانتباه إلى أن هذه النوعية من التقارير الفارغة لا تقتصر على المجال الإداري، بل تمتد إلى مختلف القطاعات. على سبيل المثال، عندما تُقدَّم تقارير مغلوطة حول التدين أو القيم الاجتماعية، مثل الادعاء بأن المجتمع الإيراني بات بلا دين أو يعاني من تدهور أخلاقي حاد، فإن ذلك يؤدي إلى قرارات خاطئة تثير القلق وتخلق توترات غير ضرورية في المجتمع.
الفجوة بين المجتمع وصنّاع القرار
أكد شيرزاد أن البيئة النخبوية في إيران يجب أن تتجه نحو تحليل هذه التقارير الفارغة وتمييزها عن الحقائق العلمية بدقة، كما شدد المرشد الأعلى علي خامنئي.
وأضاف قائلا: “بصفتي باحثا في علم الاجتماع، أؤكد أن العديد من التقارير الثقافية والدينية المثيرة للقلق تفتقر إلى أي أساس علمي، بينما يتم تجاهل التقارير المستندة إلى أبحاث علمية موثوقة. والنتيجة هي أن المجتمع يتغير بطرق لا يدركها صنّاع القرار، والمطالب الاجتماعية تتزايد دون أن يكون لدى المسؤولين إدراك حقيقي لها، وهو ما نشهده في العديد من القضايا السياسية والاجتماعية اليوم”.
وشدد على أن تنمية إيران ليست مرهونة بالمساعدات الخارجية، بل يجب أن تكون نابعة من القدرات الوطنية والاجتماعية. ومع ذلك، فإن الاعتقاد بإمكانية تحقيق التنمية بمعزل عن معالجة المشكلات الخارجية أو تعزيز العلاقات التجارية والعلمية مع العالم هو وهم خطير.
وأشار إلى المسؤولين الإيرانيين بحاجة إلى طلب تقارير أكثر دقة من مراكز صنع القرار، بدلًا من الاعتماد على معلومات غير موثوقة.
وأوضح أنه في الحكومات السابقة، كنا نسمع شعارات تدّعي أن إيران باتت قريبة من تحقيق قفزات تنموية، مما أثار تساؤلات لدى المواطنين: هل يعيش المسؤولون في نفس المجتمع الذي يعيشون فيه؟ وإن كانوا كذلك، فلماذا لا يدركون المشاكل الحقيقية التي يعاني منها الناس؟
واختتم حديثه محذرا من أنه كلما انحرفت الخطابات نحو الشعبوية والشعارات الفارغة، كان ذلك مؤشرا على أننا أصبحنا ضحايا لتقارير غير دقيقة وغير علمية. ومع ذلك، فإن المجتمع قادر على التمييز بين التصريحات المبنية على الحقائق العلمية، وتلك التي تستند إلى مزاعم غير واقعية.