كتب: محمد بركات
للفقر وجوه كثيرة وأرقام كبيرة، هذا هو العنوان الذي حمله التقرير الأخير لمركز الأبحاث التابع للبرلمان الإيراني بشأن تفشي الفقر في إيران، فالفقر وقلة الموارد أصبحا عنوانا رئيسيا وواقعا لا مفر منه لكثير من فئات المجتمع الإيراني، فبين العقوبات الاقتصادية، والتحديات الدولية والإقليمية، وأزمة التضخم والبطالة وضعف البنية التحتية، يجد المواطن الإيراني نفسه لا يستطيع توفير الاحتياجات الأساسية للعيش، فضلا عن تكاليف التعليم والرعاية الصحية، فعلى الرغم أن إيران تتمتع بالعديد من الموارد الطبيعة، فإن الحكومات المتعاقبة وقفت عاجزة عن حل مشكلة الفقر وتبعاته المدمرة.
حجم الفقر في إيران:
أظهر تقرير مركز الأبحاث التابع للبرلمان الإيراني أن معدل الفقر في عام 2023 قد ارتفع بنسبة 0.4 نقطة مئوية مقارنة بعام 2022 ليصل إلى 30.1%، مما يعني أنه في العام الماضي لم يتمكن على الأقل ثلث الشعب من تلبية احتياجاته الأساسية وعاش تحت خط الفقر، وذلك وفقا لتقرير مركز بحوث البرلمان الإيراني المنشور في 26 أكتوبر/تشرين الأول.
ووفقا لتقرير المركز، فإن الاقتصاد الإيراني، وبعد مرور أربع سنوات من النمو بنسبة تفوق 4%، واجه في ربيع 2024، انخفاضا بنسبة 2.5%، ويعود هذا الانخفاض إلى انقطاع الكهرباء عن الصناعات، وتراجع صادرات النفط، والسياسات المالية الانكماشية للحكومة. ومن المتوقع أن يكون النمو الاقتصادي في عامي 2024 و2025 بنسبة 2.5% و2.8% على التوالي، وهو أقل من الهدف المحدد في الخطة السابعة التي أعلن عنها مسعود بزشكيان، الرئيس الإيراني والبالغ 8%، وتشير الإحصائيات التي ذكرت في تقرير المركز إلى أن العمال يمثلون نصف المجتمع. ومع الأخذ بعين الاعتبار أن تقرير مركز أبحاث مجلس الشورى يؤكد أن ثلث الإيرانيين يعيشون تحت خط الفقر، فإن بعض الخبراء يعتقدون أن هذا الثلث يقصد به العمال الذين تكفي أجورهم فقط لنصف الشهر.
ويؤكد التقرير في قسم الحلول ضرورة تجنب صانع القرار التراخي والتأخير، والعمل على تبني سياسات إصلاحية تدريجية لمعالجة بعض الاختلالات القائمة. ويشدد التقرير على ضرورة إيجاد حلول ملائمة لمشكلات مثل اختلالات الطاقة، واختلالات النظام المصرفي، والعجز المالي، وسياسات تثبيت الأسعار.
ويشير الخبراء الاقتصاديون إلى أن أحد الأسباب الواضحة لزيادة الفقر في المجتمع هو التباين بين الأجور وتكاليف المعيشة، حيث يبقى العمال مثقلين بالديون. ومن المؤكد أن أحد أسباب انتشار الوظائف غير القانونية في المجتمع هو تدني الأجور، حيث يفضل العمال قضاء وقتهم وجهدهم في عمل يحقق لهم عوائد مالية أفضل، وذلك وفقا لتقرير موقع دنياي اقتصاد بتاريخ 24 أكتوبر/تشرين الأول.
وقد علق أمير محمود حریرجي، عالم الاجتماع وخبير في الشؤون الاجتماعية وعضو هيئة التدريس بجامعة العلامة طباطبائي، على تقرير مركز الأبحاث الذي يشير إلى أن ثلث الإيرانيين تحت خط الفقر، قائلا: “إن نصف المجتمع الإيراني فقير، ويشمل ذلك الطبقة العاملة والموظفين بأجر. ووفقا للتعريفات العالمية، يُعد الفرد الذي لا يستطيع تناول وجبة واحدة يوميا فقيرا بشكل مطلق. ويفسر هذا أيضا لجوء بعض العاطلين إلى الجرائم العنيفة”، وذلك وفقا لتقرير صحيفة هم ميهن بتاريخ 29 أكتوبر/تشرين الأول.
وأضاف حریرجي أن العمال وموظفي الأجور يعانون ليس فقط من الفقر المعيشي، بل يواجهون تحديات في مجالات الصحة والعلاج. فيسأل الشاب الفقير والديه العاملين: “لماذا بعد 30 عاما من العمل تبدو حالتكما المعيشية على هذا النحو؟”؛ مما يدفع الأبناء تدريجيا إلى العزوف عن العمل. ويؤدي عدم الاستقرار في سوق العمل إلى هجرة العديد من العمال الإيرانيين، مؤكدا أن الفجوات الطبقية في إيران تحولت إلى صدوع على مدى سنوات، وقد نشأت هذه الأوضاع بسبب تزايد الفقر وتدهور الوضع الاقتصادي، فعلى الرغم من ثراء إيران فإننا نشهد تزايد الفقر.
ووفقا للتقرير، فقد صرح آیت أسدي، عضو المجلس الأعلى للعمل، بشأن طلب العمال مراجعة الحد الأدنى للأجور للعام الحالي، قائلا: “بالنظر إلى أن الحكومة وعدت خلال إقرار الحد الأدنى للأجور لعام 2023 بأن التضخم سيكون بحد أقصى 20% بفضل سياسة كبح التضخم، إلا أن التضخم تجاوز هذا المعدل. وبناء عليه، طلب ممثلو العمال عدة مرات، عقد اجتماع للمجلس الأعلى للعمل ومراجعة الأجور، ولكن لم يُستجب لهذا الطلب بعد”.
وذكر أسدي أن أصحاب العمل يواجهون بدورهم تحديات خاصة بهم، حيث لم تفِ الحكومة بوعدها بتثبيت أسعار السلع الأساسية مثل الطاقة والمياه والكهرباء، وحتى أسعار الأراضي في المناطق الصناعية، كما ارتفعت تكلفة السلع الأساسية للمنتجين، موضحا أن الحد الأدنى لأجور العمال كان يغطي نصف سلة المعيشة عند إقرار الحد الأدنى للأجور، ولكن بسبب التضخم وانخفاض قيمة العملة انخفض هذا الرقم إلى نحو الربع، وأشار كذلك إلى أن تكلفة العامل في الإنتاج تتراوح في المتوسط بين 5% وفي بعض الأحيان تصل إلى 10%، بينما في القطاعات الكبرى تتراوح بين 2% و4%. وعندما تنخفض القدرة الشرائية للعامل، ينخفض الطلب على الاقتصاد، مما يؤدي إلى تراجع الإقبال على السلع المنتجة من قبل أصحاب العمل.
القرى الفقيرة والمهمشة:
تمتلك إيران عددا كبيرا من القرى التي تعاني من الفقر الشديد، فيما يرجع الخبراء أسباب انتشار هذا الفقر إلى عدة عوامل مترابطة، جاء في مقدمتها التهميش الاقتصادي، فعدم اهتمام السياسات الحكومية بالاستثمار في القرى ومناطق الأطراف أدى إلى قلة فرص العمل وقلة المشاريع التنموية، مما اضطر العديد من سكان القرى إلى الهجرة نحو المدن الكبرى، وفي المرتبة الثانية أتت البيئة القاسية والمناخ، حيث تقع بعض القرى في مناطق صحراوية أو جبلية تعاني من مناخ قاسٍ وصعوبات جغرافية، مما يجعل الزراعة والرعي، وهما مصدران رئيسيان للدخل، أقل استدامة، كذلك فإن التوزيع غير المتكافئ للثروات كان أحد الأسباب الرئيسة لهذا الفقر، فقد ركّزت خطط التنمية الوطنية على تطوير المدن الكبرى كطهران وأصفهان وشيراز، فيما أُهملت القرى من حيث البنية التحتية والخدمات، وذلك وفقا لتقرير صحيفة انتخاب الصادر في 30 مايو/أيار2023.
ووفقا للتقرير، فإن القرى وساكنيها يواجهون تحديات كبيرة في حياتهم اليومية، خصوصا كبار السن الذين لا يستطيعون العمل كالشباب وفي حاجة إلى رعاية صحية أكبر، من بينها نقص البنية التحتية، حيث إن معظم القرى الإيرانية الفقيرة تفتقر إلى شبكة طرق ملائمة، مما يزيد من صعوبة الوصول إلى الأسواق والمدارس والمستشفيات، كذلك التعليم، حيث يعاني الكثير من الأطفال في القرى من عدم توافر المدارس المناسبة أو محدودية الوصول إلى التعليم الثانوي، مما يؤثر سلبا على مستوى التعليم العام في هذه المناطق، ونقص الخدمات الصحية، وذلك لأن هذه القرى تفتقر إلى المراكز الصحية الأساسية، حيث يجد السكان صعوبة في الحصول على الرعاية الطبية، مما يؤدي إلى انتشار الأمراض وزيادة معدلات الوفيات.
وعند الحديث عن أكثر القرى الإيرانية فقرا، فيأتي الحديث عن قرى محافظة سيستان وبلوشستان، حيث تُعد هذه المحافظة من أفقر المناطق في إيران، تفتقر القرى مثل فنوج، وسرباز، ونيك شهر للخدمات الأساسية وتعاني من معدلات عالية من البطالة، بعدها تأتي محافظة كرمان، التي تحتوي على قرى فقيرة عديدة، تفتقر إلى التنمية والفرص الاقتصادية وتواجه مشاكل في المياه والرعاية الصحية، وكذلك قرى محافظة تشهارمحال وبختياري، فتعد قرى مثل كوهرنك من بين الأكثر حرمانا، حيث تعاني من العزلة وصعوبة الوصول إلى الخدمات الأساسية، وذلك وفقا لتقرير وكالة دانشجو الإخبارية الصادر في 25 أغسطس/آب.
هل تعالج ميزانية بزشكيان معدلات الفقر ؟
ذكر تقرير نشره مؤخرا مركز الأبحاث التابع للبرلمان الإيراني أن مشروع موازنة عام 2025 لا يختلف كثيرا عن الماضي من حيث السياسات الداعمة والمكافحة للفقر، حيث قال: “لذلك، يمكن القول إن مشروع موازنة 2025 يواصل النهج السابق نفسه في ما يتعلق بالسياسات الداعمة، ولا يتخذ موقفا حيال إصلاح الآليات وبنية نظام الدعم المالي في البلاد، ومن ثم لا تُولي الفقرة “13” من مشروع الموازنة اهتماما كافيا للمشكلات الحالية في البلاد، مثل أزمة التغذية، وانتشار الفقر، وتقييد تغطية المؤسسات الداعمة، وضعف كفاءة نظام الدعم، وتزايد حالات الانقطاع عن التعليم”، وذلك وفقا لتقرير المركز.
إضافة إلى ذلك، فإن الميزانية الجديدة قد جاءت مخيبة للآمال لفئات الفقراء والمشملين بالدعم الاجتماعي، فمع الارتفاع الهائل والمذهل لتكاليف المعيشة، كان من المتوقع أن تُولي الحكومة في مشروع موازنة عام 2025، اهتماما أكبر لموضوع المستحقات ومزايا التقاعد والأسر التي تتلقى هذه المساعدات. لكن للأسف، هذا لم يتحقق، ورغم أن هناك زيادة بنسبة 20% في المستحقات، فهذا لا يعني بالضرورة زيادة في القدرة الشرائية لهذه الفئات؛ بل العكس، فإن زيادة تكاليف المعيشة تجعل القدرة الشرائية لهذه الفئات تتراجع رغم هذه الزيادة، مما يزيد من مخاوفنا في مجال العمل الاجتماعي. فعندما يواجه هؤلاء الأفراد ضغوطا كبيرة لتلبية احتياجاتهم الأساسية، يؤثر ذلك سلبا على الأسر والمجتمع ككل، ويخلق حالة من الاستياء التي قد تكون لها عواقب متعددة، وذلك وفقا لتقرير صحيفة آرمان ملي الصادر بتاريخ 9 نوفمبر/تشرين الثاني.
ووفقا للتقرير، فمن ضمن الفئات الأخرى التي أغفلتها الميزانية، تلك التي تتلقى مساعدات من منظومتي “بهزيستي” و”لجنة الإمداد”، فهذه الفئات تشعر بالخيبة أيضا؛ نظرا إلى أن الزيادة في المستحقات لا تلبي طموحاتهم، وفي ظل محدودية الموارد، كان بالإمكان تحسين إدارة الميزانية عبر تقليل الإنفاق في المجالات غير الفعّالة وزيادة الدعم المخصص لهذه الأسر، الأمر الذي يزيد الأوضاع تعقيدا بالنسبة لموظفي المنظمات التي تتعامل مع هذه الفئات، فموظفو مؤسسات التقاعد والرعاية الاجتماعية ولجنة الإمداد هم من يتعامل مع هذه الفئات التي تعاني من صعوبات مالية وعدم الرضا، مما يضع عبئا إضافيا على الموظفين رغم أنهم ليسوا أصحاب القرار في ما يخص زيادة المستحقات. وهذا يتعارض مع الوعود التي أطلقتها الحكومة خلال الانتخابات وبعدها بشأن تحسين مستوى المعيشة.
وقد ذكر التقرير كذلك أن الأشخاص ذوي الإعاقة يواجهون تكاليف باهظة، وقد فشلت الموازنة الجديدة في تنفيذ قانون دعم حقوقهم، خصوصا في تطبيق المادة 27 التي تخص ذوي الإعاقات الشديدة، مما تسبب في استياء كبير داخل هذه الفئة. إضافة إلى ذلك، هناك مرضى الأمراض المستعصية والنادرة الذين يتحملون تكاليف علاج باهظة.