كتب: زينب بيه
في السنوات الأخيرة، شهدت السينما الإيرانية تراجعاً ملحوظاً في حضورها بالمهرجانات الدولية، بما في ذلك جوائز الأوسكار، على الرغم من أن السينما الإيرانية كانت ذات سمعة قوية حتى عام 2015، مع إنجازات بارزة مثل أفلام “انفصال نادر عن سيمين” و”البائع”، إلا أنها تواجه حالياً تحديات كبيرة في تقديم أعمال قيمة تتماشى مع المعايير الدولية. في هذا التقرير، يُناقش خبير سينمائي تأثيرات دعم السينما التجارية على الأفلام المستقلة، وكيف أن التغيرات السياسية والإدارية قد أثرت سلباً على مشهد السينما الإيراني.
مسيرة السينما الإيرانية في الأوسكار
وفقاً لتقريروكالة الأنباء “خبر أونلاين” الإيرانية، بتاريخ 9 سبتمبر/أيلول 2024، فبالعودة إلى تاريخ السينما الإيرانية في الأوسكار سنكتشف أن السينما الإيرانية كانت دائمًا متألقة وتستحق الإشادة، حيث قامت وزارة الثقافة والفنون لأول مرة في عام 1977 بترشيح فيلم “دایره مینا” للمُخرج داريوش مهرجويي للأوسكار، ومن ثَم في عام 1978 تم ترشيح فيلم “باد صبا” أي “ريح العُشاق” للمخرج ألبر لاموريس.
وبعد ذلك لم نرَ أي فيلم مُرشح للفوز في الفترة ما بين (1979 – 1993) لمدة 16 عامًا تقريباً.
وفي عام 1994 قُدّم فيلم “عبر أشجار الزيتون” للفوز بالأوسكار للمخرج عباس كياروستامي، وعام 1995 قُدّم فيلم “البالون الأبيض” لجعفر بناهي، ولم تُرشح أي أفلام عام 1996، وفي عام 1997 قُدم فيلم “الجبهة” لمحسن مخملباف، وكذلك في عام 1999 تم ترشيح فيلم “أطفال السماء” لمجيد مجيدي للفوز بالأوسكار كأول وأفضل فيلم إيراني (غير ناطق بالإنجليزية)، وفي نفس العام رُشح فيلمه الآخر أيضًا “لون الجنة”.
وبدايةً من الألفيات في عام 2000 تم ترشيح فيلم “زمن الخيول المخمورة” لبهامان قبادي، وفي عام 2001 “المطر” لمجيد مجيدي، وفي عام 2002 “أنا ترانه ولدي 15 عاماً” لرسول صدرعاملي، وعام 2003 “نفس عميق” لباروز شهبازي، وعام 2004 “السلاحف تستطيع الطيران” لبهامان قبادي، وعام 2005 “بعيد جداً قريب جداً” لرضا ميركريمي، وعام 2006 “كافيه ترانزيت” لكامبوزيا برتوي، وفي عام 2007 “ميم مثل الأم” لرسول ملاقلي بور، وعام 2008 “أغنية العصافير الدورية” لمجيد مجيدي، وعام 2009 “عن إيلي” لأصغر فرهادي، وعام 2010 “وداعًا بغداد” لمهدي نادري، وفي عام 2011 “انفصال نادر عن سيمين” لأصغر فرهادي، وعام 2013 “الماضي” لأصغر فرهادي، وعام 2014 “اليوم” لرضا ميركريمي، وفي عام 2015 “محمد رسول الله” لمجيد مجيدي، وعام 2016 “البائع” لأصغر فرهادي، وفي عام 2017 “نفس” لنرجس آبيار، وعام 2018 “بدون تاريخ، بدون إمضاء” لوحيد جليلوند، وتقدم أيضاً الفيلم القصير “في حب التاء المربوطة” في نفس العام للفوز بالأوسكار، وفي عام 2019 “العثور على فريدة”، وعام 2020 “الشمس” لمجيد مجيدي، وعام 2021 “البطل” لأصغر فرهادي، وعام 2022 “الحرب العالمية الثالثة” لهومن سيدي.
تهميش الأفلام ذات المحتوى والمستقلة
عند مراجعة أسماء المخرجين في نفس السنوات السابقة، فإننا نصطدم بأسماء عُظماء لم يُرَ لهم أي أثر الآن في المهرجانات الدولية، بل إنهم لا يملكون مكاناً حتى في السينما المحلية، ويُعد هذا كارثة، في الوقت الذي لم يتبقَ للسينما الإيرانية أقل من شهر ولا تزال يديها فارغة دون أي عمل يُقدَّم للأوسكار.
فلماذا أصبحت السينما الإيرانية اليوم فارغة، يجيب كيوان كثيريان، الناقد والخبير السينمائي على هذه التساؤلات في الحوار التالي:
- لماذا أصبحت السينما الإيرانية في الآونة الأخيرة خالية من الأعمال المقدمة للمهرجانات الدولية، وخاصة الأوسكار؟
عندما يصبح تركيز المسؤولين منصباً على دعم السينما التجارية والكوميدية، ويكون مسؤولو القيادة في السينما غير مهتمين بالتفكير والنقد والمواضيع المهمة، ويدعمون المحتوى السطحي الذي لا يحمل رسائل أو أفكار، فإن النتيجة تكون أننا لا نمتلك شيئاً نقدمه للعالم، السينما التي كان يحقق فيها “أصغر فرهادي” و”عباس كياروستامي” إنجازات، وصلت الآن إلى حالة يتم فيها إقصاء كل من يمكنه صناعة أفلام مؤثرة. وعلى الرغم من أن السينما العالمية تعرف إيران بهذا النوع من الأفلام، إلا أن المخرجين الذين يعملون بهذا النهج أصبحوا الآن بعيدين عن الساحة وغير قادرين على القيام بأي عمل، والنتيجة هي أن لدينا إنتاجات لا تحتوي على أي مضمون سينمائي.
في الواقع، هل النقطة التي تطرحها هي أن التواجد الملحوظ للسينما الرسمية والتجارية (سينما شباك التذاكر) قد قيّدا نشاط السينما المستقلة التي تنبع من الناس؟
نعم، فعلى الرغم من أن السينما المؤثرة حاولت الاقتراب من المجتمع في السنوات الأخيرة باعتبارها قدمت نجاحنا في المهرجانات الدولية، إلا أن الحكومة لا تعترف بهذه الأفلام ولا تعتبرها جديرة بالعرض وتفضل دعم الأعمال التجارية، والأفلام التابعة للحكومة نفسها لا تتمتع بالجودة أو القبول الكافي، مما أدى إلى تهميش الأفلام ذات المحتوى والمستقلة، والآن أصبحت السينما الإيرانية محصورة في إنتاج أفلام عاديةً، فلا تتلقى تقديراً دولياً ولا تُعرض في المهرجانات أو الأوسكار.
- منذ متى تعاني السينما الإيرانية من هذا الوضع؟
أعتقد أن الوضع أصبح أكثر حدة منذ عام 2021، وعلى الرغم من أن السينما التجارية بدأت تتلقى دعمًا أكبر منذ فترة إدارة محمد مهدي حيدريان، حيث كانت الفكرة السائدة هي “جذب الناس إلى السينما”، بقصد تعزيز السينما التجارية. وبعد ذلك عندما تولت حكومة حسن روحاني المسؤولية، أصبحت فكرة الأفلام “استراتيجية وثورية”، وبالتالي تم تخصيص كل الميزانيات للأفلام الرسمية، وإذا أراد أحدهم الآن أن يصنع عملاً سينمائياً مستقلاً، فلا يتم دعمه، ولا يُعطى له توقيت عرض مناسب، وحتى في بعض الأحيان لا يحصل على تصريح للعرض، فتفقد الأفلام مستثمريها وسوقها، ويموت هذا النوع من السينما عملياً.
- كيف تقيّم أداء لجنة اختيار الأفلام للأوسكار في السنوات الخمس الماضية؟
حتى الأربع أعوام الماضية، كانت الاختيارات عموماً جيدة وصحيحة ومتناسبة مع إمكانياتنا، وأما الاختيارات التي جاءت بعد ذلك لا تبدو مناسبة بناءً على المعايير الفنية، حيث إن الأفلام التي تم اختيارها قد لا تكون قوية أو مؤثرة بما فيه الكفاية للتنافس على جوائز الأوسكار، كما أننا لم نكن نملك أيضًا أعمالًا جيدة.
- وهل بسبب أن السينما لا تملك أفلامًا جيدة، فلا يوجد شيء لتقديمه؟
بالطبع، يتم تقديم أي شيء متاح لأنهم لا يملكون الاختيار المناسب، لا ننسى أيضًا أن الظروف ليست ملائمة إذ يجب أن يكون للفيلم موزع دولي معتمد، وأن تكون لديه شروط عرض وموضوع عالمي مناسب، وفي وضعنا الحالي، لا تمتلك السينما الإيرانية القدرة على توفير كل هذه المتطلبات.