يعتقد أن انتخاب مسعود بيزشكيان، الذي يدعو إلى التفاعل القوي مع العالم، بما في ذلك الدول الغربية، رئيسًا لإيران قد يبشر ببعض التغييرات في السياسة الخارجية للبلاد، وخاصة في العلاقات مع الغرب.
ويقول بيزشكيان إنه يخطط لاتخاذ خطوات فعالة لإعادة تشكيل العلاقات مع الغرب وخاصة تنشيط الاتفاق النووي. خلال الحملة الانتخابية، أكد بيزشكيان في كثير من الأحيان على أن إنهاء العزلة الاقتصادية الدولية لإيران ورفع العقوبات كان من بين أهدافه ذات الأولوية.
ويهدف بيزشكيان إلى وضع إيران في موقع أكثر فعالية في التجارة العالمية من خلال إقامة علاقات تجارية قوية مع الغرب. وفي هذا الصدد، من الضروري إحياء الاتفاق النووي، الذي لم يكن من الممكن تنفيذه بعد الانسحاب الأحادي للولايات المتحدة عام 2018. إن إعادة تقديم الاتفاقية من الممكن أن تمكن إيران من الاندماج بشكل أكبر في الاقتصاد العالمي وتسريع التنمية الاقتصادية، وذلك وفق تقرير نشرته الأناضول يوم الخميس 25 يوليو/ تموز 2024.
وفي السياسة الإقليمية، من المتوقع أن يركز بيزشكيان على إقامة علاقات بناءة وسلمية أكثر مع الدول المجاورة. خلال الحملة الانتخابية، صرح بيزشكيان أن إيران يجب أن تلعب دورًا أكثر إيجابية في حل النزاعات الإقليمية ولفت الانتباه إلى أهمية تعزيز العلاقات الدبلوماسية مع الدول المجاورة. ومن الممكن أن يساهم هذا النهج في الحد من التوترات في المنطقة وحماية مصالح إيران على المدى الطويل. ويعتقد بيزشكيان أن اتخاذ إيران خطوات للحفاظ على الاستقرار في المنطقة سيكون مفيدًا اقتصاديًا وسياسيًا.
وعلى الرغم من ذلك، فإن الديناميكيات السياسية الداخلية وتوازنات القوى الإقليمية في إيران ستكون حاسمة في نجاح سياسات بيزشكيان. ستؤثر ردود أفعال مختلف المجموعات السياسية والجهات الفاعلة الإقليمية داخل إيران على جدوى واستدامة السياسات التي ينتهجها بيزشكيان. ومع ذلك، في ظل قيادة بيزشكيان، يبدو من الممكن لإيران أن تتبع مسارًا أكثر انفتاحًا وتعاونًا وإصلاحًا.
وقام خبراء إيرانيون بتقييم كيفية تشكيل سياسة طهران الخارجية وعلاقاتها مع الغرب خلال فترة بيزشكيان.
قال المحاضر في قسم العلوم السياسية بجامعة آزاد الإسلامية في طهران، حميد روشنششم، إن رغبة بيزشكيان في تخفيف العلاقات مع الغرب وإحياء الاتفاق النووي أمر جدي.
وأضاف أن “مستقبل الحرب الروسية الأوكرانية والهجمات الإسرائيلية في غزة سيكونان العامل الحاسم في العلاقات الإيرانية الأمريكية”.
من جهة أخرى، أشار روشنششم إلى أن إعادة تفعيل الاتفاق النووي أصبحت معقدة بعد أحداث كثيرة بين إيران والقوى العالمية، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، وقال: “لا شك أن زيادة إيران في قدرتها التقنية النووية ومستوى تخصيب اليورانيوم والتقارب والتنسيق بين فصائل المقاومة مع بدء الحرب في غزة جعل المسألة أكثر تعقيدا مع التطورات مثل دور إيران في العملية والهجوم الإيراني المباشر على إسرائيل تحت اسم عملية الوعد الحق. بالإضافة إلى تصرفات الحوثيين في اليمن”.
وذكر أنه مع كل هذا، تغيرت العديد من المؤشرات منذ الاتفاق النووي في عام 2015، وبالتالي لن يكون من الممكن تنفيذ الاتفاق في شكله القديم، وقال:
وأضاف: “من الواضح أن أي اتفاق نووي سيكون الآن اتفاقًا جديدًا، لأن موقع إيران الاستراتيجي، خاصة على مستوى التخصيب، تغير كثيرًا. ولذلك فإن أي محاولة للتوصل إلى اتفاق مماثل ستكون لها عملية تفاوض جديدة ونتائج مختلفة”. كما أن الاتفاق الجديد “سيكون طريقا صعبا ومعقدا بنتائج مختلفة، ما يجعل فرص نجاح حكومة بيزشكيان في هذا الأمر معقدة للغاية”.
وأشار الأكاديمي الإيراني إلى أن المعادلات العالمية والإقليمية تجعل من الصعب تخفيف العلاقات بين إيران والولايات المتحدة، وقال إن الحرب الروسية الأوكرانية والهجمات الإسرائيلية على غزة ستكون عاملين حاسمين يمكن أن يؤثرا على هذه المعادلة.
وقالت روشنششم: “على الرغم من أنه يبدو أن الحد من التوترات الدولية والعلاقات الإيجابية مع الغرب سيكون جزءًا من سياسات الحكومة الجديدة، إلا أن محاولة تخفيف التوترات خاصة مع الولايات المتحدة الأمريكية تبدو معقدة للغاية وقد تنشأ سيناريوهات مختلفة. لذلك، فإن إعادة تنشيط الاتفاق النووي والحد من التوترات مع الولايات المتحدة يجب أن يكونا جزءًا من سياسات الحكومة الجديدة. ويبدو أنه من غير المعقول أن يتم تنفيذها بسرعة وبنتائج إيجابية. فالتوازنات السياسية الداخلية في إيران وموقف الولايات المتحدة سيكونان حاسمين في هذا الشأن”.
وأضاف أن “إيران ستتخذ خطوات بشأن الاتفاق النووي عندما تتوافق مع مصالحها”.
كما قال خبير العلوم السياسية كمال مرادي، إن “القانون الاستراتيجي” الذي أقره البرلمان الإيراني عام 2020 ضد العقوبات الأمريكية ويتوخى تسريع الأنشطة النووية، وعملية التغيير في مجال السياسة الخارجية، خاصة جعلت عملية المفاوضات المباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية صعبة.
وأشار مرادي إلى أن تجارب الطرفين تظهر أن هذه الفرصة لا يمكن تحقيقها بسهولة، “وعلى الرغم من ذلك، أرسل فريق بيزشكيان إشارات إيجابية إلى الطرف الآخر لإظهار حسن النية في إحياء الاتفاق النووي”.
وقال مرادي إن إيران ستؤكد على ضرورة التزام الولايات المتحدة بتعهداتها من أجل تنفيذ الاتفاق في الفترة الجديدة:
وأضاف: “لذلك، واستنادًا إلى تجربة السنوات الماضية، فإن إيران ستعمل بما يخدم مصالحها طالما لم يتم التأكيد على هذا الإجراء واحترامه من قبل الولايات المتحدة والغرب، لكنها ستتخذ خطوات لإحياء الاتفاق النووي عندما تتوافق مع مصالحها”.