كتبت سارة محمد علي
يُطلق على “شرطة الأخلاق” في إيران اسم “غشتي إرشاد” وتعني “دوريات التوجيه”، وهي وحدة تابعة للشرطة الإيرانية منوط بها فرض القوانين ضد المخالفات الإخلاقية ومنها فرض قوانين الزي الإسلامي. ووفقا للقانون الإيراني، فإنه يتعين على النساء والفتيات في إيران ارتداء الحجاب وملابس فضفاضة واحترام قوانين “العفة والحجاب” في الأماكن العامة.
وتستند قواعد عمل “شرطة الأخلاق” إلى تفسير النظام الإيراني للشريعة الإسلامية، ولطالما أدت “شرطة الأخلاق” مهامها عبر تسيير دوريات في مختلف الشوارع الإيرانية، لمراقبة التزام النساء بشكل أساسي، والرجال أحيانا، بالاحتشام في الأماكن العامة، بحسب ما ذكره موقع “بي بي سي فارسي”.
ويضم “الجهاز” نساء ورجال، يمتلكون صلاحيات إيقاف النساء وتفحّص ملابسهن، وتقييم عدد خصل الشعر الظاهرة للعيان، وطول البنطال الذي ترتديه المرأة وطول معطفها، وكمية مساحيق التجميل التي تضعها على وجهها، ثم تقوم عناصر الجهاز باعتقال المخالفين للقوانين واحتجازهم، إضافة إلى إصدار العقوبات في حقهم.
حيث تقوم عناصر “شرطة الأخلاق” بإلقاء القبض على النساء اللاتي خالفن القانون ثم يتم نقلهن إلى ما يُعرف بـ”مراكز التعليم والإرشاد” أو “مراكز الشرطة”، ويُطلب منهن حضور دروس إلزامية حول الحجاب والقيم الإسلامية، وأحيانا يتم جلدهن أو تغريمهن، وبعد ذلك، يتعين عليهن الاتصال بأحد أقاربهن لإحضار “ملابس محتشمة” ليقمن بارتدائها ومن ثم إطلاق سراحهن، بحسب تقرير لوكالة أنباء فرانس برس.
التقرير التالي يرصد أبرز المحطات في تاريخ شرطة الأخلاق الإيرانية منذ تأسيس الجمهورية الإيرانية وصولا للرئيس الحالي مسعود بزشكيان:
دوريات جند الله
في السابع من مارس/آذار 1979، أصدر زعيم الثورة الإيرانية آية الله الخميني، مرسوما يقضي بفرض الحجاب على جميع النساء في أماكن العمل، معتبرا النساء غير المحجبات “عاريات”، وأدى المرسوم إلى اندلاع احتجاجات نسائية بالبلاد، لكن تم تنفيذه رغم ذلك.
ولم تكن الدولة تملك في حينها، جهازا رسميا لإنفاذ قانون ارتداء الحجاب، غير أن السلطة شكلت هيئات غير رسمية لتطبيق القانون، وسيرت دوريات حملت أسماء متعددة، من بينها “دوريات جند الله” التابعة لقوات الدرك حينها و”دوريات أنصار”، و”دوريات “ثار الله” التابعة للحرس الثوري بالتعاون مع قوات الباسيج، وهي قوات شبه عسكرية تشكلت من المتطوعين في عام 1979، وأُدمجت لاحقا مع “الحرس الثوري” الإيراني في عام 1981، وبينما تضطلع قوات “الباسيج” في أوقات الاضطرابات الاجتماعية بمهام قمع الاحتجاجات، فإن أفرادها يعملون في أوقات السلم الاجتماعي ضمن “شرطة الأخلاق”، إذ يتم نشرهم في المعابر ونقاط التفتيش وفي المتنزهات، وفقا لوكالة “رويترز”.
تقنين الحجاب
أصدرت السلطات الإيرانية قانونا بفرض ارتداء الحجاب على جميع النساء- الإيرانيات وغير الإيرانيات سواء مسلمات أو غير مسلمات- ومن ثم أصبح الحجاب قانونا إلزاميا وليس مجرد مرسوم فقط من قائد الثورة، ما أدى إلى احتجاجات ومعارضة من قبل شريحة من الإيرانيات إلا أن القانون الجديد تجاوز الاحتجاجات وتم فرض الحجاب على مرحلتين خلال عامي 1981 و1983.
المرحلة الأولى عام 1981 حيث طُلب من جميع النساء والفتيات ارتداء ملابس “إسلامية” محتشمة بموجب القانون، وكان هذا يعني ارتداء الشادور، وهي عباءة تغطي الجسم بالكامل.
والمرحلة الثانية في عام 1983، حيث قرر البرلمان فرض عقوبة الجلد، 74 جلدة، على من لا تغطي شعرها في الأماكن العامة، إضافة لعقوبة بالسجن التي تصل إلى شهرين.
وأخذت دوريات الإرشاد مهمة تطبيق قانون الحجاب ومكافحة ما يعرف بالحجاب السيئ على عاتقها، لكنها كانت مثار جدل منذ تشكيلها بشأن سلوك عناصرها مع الإيرانيات غير المحجبات.
ففي الأشهر الأولى من سن قانون الحجاب، حيث كثرت التقارير عن تعرض غير المحجبات لمضايقات في الأماكن العامة، عارض مؤسس الجمهورية الإيرانية، آية الله الخميني، سلوك هذه الدوريات وقال: “لا يحق لأحدٍ التعرض لتلك النساء، وهذا النوع من التدخل حرام على المسلمين، ويجب على قوات الأمن واللجان (الثورية) أن تقف في وجه هذه التيارات”، واصفا من يقومون بهذه المخالفات بالـ”منحرفين” و”أعداء الثورة الإسلامية”.، حسب موقع دويتش فيله.
اندماج اللجان الثورية
استمرت دوريات “جند الله” و”أنصار”، و”ثار الله” بالتعاون مع قوات الباسيج، في عملها لتطبيق قانون الحجاب حتى عام 1996 في أثناء رئاسة الرئيس الإيراني الراحل علي أكبر هاشمي رفسنجاني، حيث تم اندماج اللجان الثورية مع الشرطة والدرك، وأصبح عمل هذه الدوريات على شكل قوة شرطة.
شرطة الأخلاق
استمرت هذه الدوريات في السنوات التالية مع تغييرات في الشكل والاسم، إلى أن وافق المجلس الأعلى للثورة الثقافية الذي يتبع للمرشد علي خامنئي على ما سمي ب ـ”استراتيجيات تنمية ثقافة العفة والحجاب” في 4 أغسطس/آب 2004، آخر أيام الحكومة الثانية للرئيس الإصلاحي الأسبق محمد خاتمي، ومن ضمن بنود الاستراتيجية الجديدة، تشكيل قوات شرطة الآداب والأخلاق.
وتم تشكيل دورية الأخلاق والآداب عام 2005، ودخلت حيز التنفيذ، مع بدء حكومة محمود أحمدي نجاد، تحت عنوان “شرطة الأخلاق”، لـ”الرقي بالأمن الاجتماعي”، وبدأت العاصمة طهران ومن ثم مدن أخرى تشهد ازديادا هائلا في عدد الحافلات البيضاء ذات الخطوط الخضراء في شوارع مدينتهم، مكتوب عليها دورية الإرشاد، والتي ضمت عددا كبيرا من رجال ونساء الشرطة الذين حضروا معها.
وجدير بالذكر، أنه في عام 1997، كان هذا المجلس قد أقر إطار مبادئ وأساسيات طرق تنفيذ هذا القرار بدعوى توسيع ثقافة “الحجاب والعفاف”، لكنه لم يدخل حيز التنفيذ إلا في أغسطس/آب 2005.
شرطة الآداب
سعى رئيس بلدية طهران السابق محمود أحمدي نجاد، التابع للتيار الأصولي، للظهور أمام الناخبين بمظهر أكثر تقدمية بشأن هذه القضية في أثناء حملته الانتخابية من أجل الرئاسة في عام 2004. وقال في مقابلة تلفزيونية: “الناس لديهم أذواق مختلفة، وعلينا أن نخدمهم جميعا”، ولكن بعد فترة وجيزة من فوزه في الانتخابات في العام التالي (2005) تم تأسيس شرطة الآداب “غشتي إرشاد” بشكل رسمي.
وفي عامي 2006 و2007 ظلت تتوسع مجالات عمل شرطة الآداب لتشمل قضايا أخرى تخص المجتمع، من التعامل مع النساء اللواتي لا يرتدين الحجاب إلى التعامل مع البلطجية والذين اعتبرتهم الشرطة مخربين بالأمن والنظام الاجتماعي.
وبموجب قرار 2005 يتعين على 26 هيئة تشريعية وتنفيذية لأداء مهام متخصصة في هذا الشأن، وهي: “وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، وزارة التجارة، وهيئة الإذاعة، وقوة الشرطة، والمنظمة الوطنية للشباب، وهيئة الدعاية الإسلامية، ووزارة التربية والتعليم، ووزارة الشؤون الاقتصادية والمالية، ووزارة العلوم، ومركز شؤون المرأة والأسرة، ووزارة الاتصالات، ومنظمة التربية البدنية، البلدية، ووزارة الصحة، والمقر الرئيسي لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومنظمة الرفاه، ووزارة الخارجية، ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية، والمجلس الإسلامي، ووزارة الداخلية، ومنظمة الإدارة والتخطيط، والسلطة القضائية، والوزارة للإسكان والتنمية الحضرية، ومنظمة التراث الثقافي والسياحة، وقوات ووزارة الطرق والمواصلات.
لكن مسؤولي الشرطة صرحوا مرارا وتكرارا، بأنه نظرا إلى عدم وفاء الأجهزة الأخرى بواجباتها بموجب هذا القرار، فإن قوة الشرطة تتحمل كل العبء وستعمل على ملاحقة المخالفين بنفسها، وفقا لـ”ميدل إيست نيوز”.
الرئاسة الثانية لأحمدي نجاد
في عام 2009، أُثير نقاش بشأن “شرطة الأخلاق” في الانتخابات الرئاسية، ودعا المرشحون الإصلاحيون إلى تفكيكها، غير أن تلك الآمال تبددت مع فوز أحمدي نجاد بولاية ثانية في الانتخابات.
وعشية انتخابات 2009، تضاءل وجود الدوريات الأخلاقية في الشوارع لفترة وجيزة. واستمر هذا الوضع حتى عام 2010، ولم يرد خلال تلك الفترة أنباء عن وجود سيارات شرطة الأخلاق في الشوارع، لكنها عادت للظهور ثانية منتصف العام نفسه، وفقا لما ذكره موقع “بي بي سي فارسي”.
تقييد شرطة الأخلاق
بعد فوز حسن روحاني التابع للتيار الإصلاحي، في الانتخابات الرئاسية لعام 2013، عمد إلى تخفيف قواعد الإلزام بقانون الحجاب، واتَّهم “شرطة الأخلاق” بالعدوانية المفرطة ذات مرة، وفي عهده، كان يمكن رؤيةُ نساء يرتدين الجينز الضيق بحجابات ملونة، بحسب “أسوشيتيد برس”.
عودة نشاط دوريات الإرشاد
استمر التقييد النسبي في عمل شرطة الأخلاق حتى نهاية حكم روحاني وتولي إبراهيم رئيسي التابع للتيار الأصولي رئاسة إيران عام 2021.
دعا رئيسي فور تنصيبه إلى حشد “جميع المؤسسات لتعزيز قانون الحجاب”، مؤكدا أن “أعداء إيران والإسلام يريدون تقويض القيم الثقافية والدينية للمجتمع عبر نشر الفساد”، بحسب ما نقلته عنه وكالة تسنيم الإيرانية.
وعادت “شرطة الأخلاق” مجددا إلى تكثيف أنشطتها، وتم تسجيل ارتفاع في مضايقات “دوريات الإرشاد”، وفقا لمنظمة العفو الدولية.
وشهد عصر رئيسي مقتل الشابة مهسا أميني إثر احتجازها من قبل شرطة الأخلاق بدعوى عدم التزامها بقواعد الحجاب، وجابت الاحتجاجات ربوع إيران تحت شعار انتفاضة “المرأة، الحياة، الحرية”، حتى أصدر المدعي العام الإيراني قرارا بحل شرطة الأخلاق في ديسمبر/كانون الأول 2022.
خطة النور
رغم إعلان حلها رسميا فإن بعثة الأمم المتحدة بإيران أكدت في بيانات عدة، وجود عناصر لشرطة الأخلاق في الشوارع بالفعل، وظل الوضع كذلك- قرار نظري بالحل يخالفه وجود حقيقي بالشارع- حتى أعلنت قيادة الشرطة الإيرانية، في بيان لها، أنه انطلاقا من الواجبات الشرعية، سيتم اتباع خطة جديدة للتعامل مع الحجاب تحت عنوان “خطة النور الوطنية”.
وأضاف البيان أن قوات الشرطة الإيرانية سوف تتعامل مع قوانين الحجاب والعفة بجدية أكبر، اعتبارا من يوم السبت 13 أبريل/نيسان 2024، في كافة الطرق والأماكن العامة، ليبدأ عمل دوريات “خطة النور” وفق ما نشرته وكالة فارس للأنباء المقربة من المرشد الإيراني علي خامنئي.
وما زال هذا الوضع قائما حتى الآن، ولم يفلح بعدُ الرئيس الإيراني المنتخب حديثا مسعود بزشكيان، في تنفيذ أي من وعوده الانتخابية بسحب عناصر شرطة الأخلاق من الشوارع وجعل الحجاب حرية شخصية لا قانونا إلزاميا.