حوار: مصطفى أفضل زاده مراسل “زاد إيران” في طهران
ترجمة: شروق السيد
في ظل تطورات الساحة الدولية وتعقيداتها المتزايدة، لا سيما في ما يتعلق بالصراع في أوكرانيا والعلاقات الروسية مع الغرب وإسرائيل، أصبحت العلاقات الروسية الإيرانية محطّ أنظار كثير من المحللين والمراقبين.
يُعدّ هذا الحوار الذي أجراه “زاد ايران” مع محمود شوري، نائب مدير معهد دراسات إيران وأوراسيا في طهران، والمتخصص بالشؤون الروسية، فرصة لفهم أعمق للتوجهات الاستراتيجية التي تحكم العلاقات بين موسكو وطهران، وكيفية تأثرها بالتوترات الإقليمية والدولية.
نص الحوار
تشير بعض التحليلات إلى أن روسيا لا تريد أن تتدهور علاقتها مع إسرائيل، وتسعى للاستفادة من هذه العلاقة في حرب أوكرانيا، من ناحية أخرى، فإن تكلفة دعم إيران مرتفعة بالنسبة لها، ومع ذلك، تُقيَّم العلاقات بين إيران وروسيا من قِبل الطرفين على أنها جيدة، كيف تُعرّف سياسة روسيا تجاه الصراع بين إيران والاحتلال الإسرائيلي؟
تتأثر العلاقات بين روسيا وإسرائيل بمحفزات وعوامل مختلفة، وقد شهدت السنوات العشرون الماضية توسعا مستمرا في هذه العلاقات، خصوصا أن نتنياهو في إسرائيل أبدى اهتماما كبيرا بتعزيز وتوطيد العلاقات مع روسيا، وكانت لديه عدة أسباب لتحقيق ذلك، من خلال هذه العلاقة، تمكن نتنياهو من إدارة والسيطرة على سياسات روسيا تجاه إيران، وكذلك منطقة الشرق الأوسط، بالطبع، لم يكن الروس يعارضون إقامة علاقة جيدة مع إسرائيل، إذ كانت لديهم مصالح متنوعة تدفعهم نحو ذلك.
من المهم أن نأخذ في الاعتبار أن روسيا كانت منذ حقبة الاتحاد السوفيتي على علاقة وثيقة مع الجماعات المقاتلة في المنطقة، مثل الجماعات الفلسطينية والحركات الجهادية، وكانت تربطها علاقة جيدة معهم، حاول الروس في هذه السنوات أن يوازنوا في هذه العلاقة؛ فبينما حافظوا على علاقة جيدة مع الجماعات الفلسطينية، سَعوا أيضا للاستفادة من مصالح العلاقة التي تربطهم بإسرائيل، وهذه المصالح تتوزع في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية. منذ عملية “طوفان الأقصى”، تغيرت الظروف إلى حد ما في المنطقة، وعلى الرغم من ذلك، كان للحرب في أوكرانيا أيضا تأثير على العلاقات بين روسيا وإسرائيل، رغم أن إسرائيل لم تنضم قط إلى العقوبات الغربية ضد روسيا ولم تدنها، لكنها حاولت أن لا تقترب من روسيا بشكل كبير في هذين العامين، كما حافظت على علاقاتها مع أوكرانيا، وسعت بشكل ما إلى إيجاد توازن في علاقاتها مع أوكرانيا وروسيا، لكن بعد “طوفان الأقصى” رأى الروس لأسباب مختلفة، أن لديهم علاقة أكثر برودة مع إسرائيل وعلاقة أقرب مع حماس، حيث زارت وفود من جماعات فلسطينية أخرى موسكو في السنة الأخيرة، كما زار محمود عباس موسكو، وكذلك مصطفى مرزوق، كما سعى الروس إلى الاستفادة من هذه العلاقة الجيدة للوساطة بين إسرائيل والجماعات الفلسطينية، لذلك يمكن القول إنه بسبب العلاقة الوثيقة بين روسيا والجماعات الفلسطينية، أصبحت العلاقة بين روسيا وإسرائيل في العام الأخير علاقة باردة نسبيا، ويعتقد كثيرون أن الأسباب التي كانت في الماضي تدفع الروس إلى الحفاظ على علاقة وثيقة مع إسرائيل لم تعد موجودة، خاصةً أن إسرائيل جزء من جبهة الغرب التي تتعارض روسيا معها.
ومن الممكن اعتبار الاشتباكات في المنطقة وتورط الولايات المتحدة فيها فرصة استراتيجية بالنسبة لروسيا، حيث إن توزيع المساعدات الأمريكية بين أوكرانيا وإسرائيل يشكل فرصة بالنسبة لروسيا، لكن من جهة أخرى، يمكن القول إن روسيا لا ترغب في التصعيد مع إسرائيل ولا تريد أن تتأثر مصالحها في سوريا بسبب هذه التوترات، هذا كان نظرة عامة عن العلاقات بين روسيا وإسرائيل.
هل يمكن القول إن المصالح بين إسرائيل وروسيا قد تراجعت ولم يعد بالإمكان متابعة العلاقات من الجانب الروسي؟
نعم، بعد الحرب في أوكرانيا، توقفت العديد من العلاقات العسكرية بين روسيا وإسرائيل، وروسيا أصبحت عمليا غير قادرة على الحصول على بعض التقنيات العسكرية الحساسة التي كانت تحصل عليها من إسرائيل، إضافة إلى ذلك، شهدت موجة كبيرة من هجرة اليهود من روسيا بعد الحرب، حيث هاجر العديد منهم إلى إسرائيل؛ لتجنب التجنيد الإجباري في حرب أوكرانيا، روسيا مارست ضغوطا على الوكالة اليهودية في إسرائيل، وهي الهيئة التي تسهل هجرة اليهود إلى إسرائيل، وأوقفت نشاطاتها بسبب انتهاك قوانين روسية، مما أدى إلى توتر دبلوماسي بين البلدين.
بل إننا شهدنا ذات مرة، وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، يتحدث حول الأصول اليهودية لهتلر، مما أثار غضب الإسرائيليين وأدى إلى إدانة شديدة في إسرائيل وتصعيد دبلوماسي بين البلدين. هذه بعض المواضيع التي أثرت على العلاقات بين روسيا وإسرائيل خلال السنتين والنصف الماضية منذ بدء الحرب في أوكرانيا.
على مدار السنوات التي كانت فيها العلاقة بين روسيا وإسرائيل جيدة، حافظت روسيا على علاقة وثيقة أيضا مع إيران، كنا نعلم نوع العلاقة التي تربط روسيا بإسرائيل، وكان الروس يعرفون جيدا وجهة نظرنا تجاه الكيان الصهيوني، لكنهم حاولوا التصرف بطريقة تمنع الإسرائيليين من القلق بشأن العلاقة التي تربط روسيا بإيران، وفي الوقت نفسه منعنا من أن نعتبر العلاقة الروسية الإسرائيلية تهديدا جادا، ولهذا السبب، نرى أنه خلال السنوات التي تعاوننا فيها مع الروس في سوريا، لم يضع الروس أي عوائق أمام الإسرائيليين، حيث تمكّنوا من استهداف مواقع الجماعات المقربة من إيران في سوريا من حين إلى آخر أو إلحاق الأذى بها، وحتى في الصراعات الأخيرة بين إيران والكيان الصهيوني، حاول الروس تبني مسار وسطي، فلم يدينوا هجوم إيران ولم يدينوا هجوم إسرائيل على إيران، رغم أن السيد أوريانوف، ممثل روسيا في الأمم المتحدة، أدلى بتصريحات أقوى ضد إسرائيل.
تأخذ روسيا، في المواقف الصعبة، مصالحها بعين الاعتبار عند التعاون أو عدم التعاون مع إيران، هذه المسألة تعود إلى أسباب عديدة، ولكن في الواقع لا يمكن توقع أن تتنازل روسيا بالضرورة عن مصالحها أو سياساتها في أماكن أخرى؛ فقط لأنها تتمتع بعلاقة جيدة مع إيران، في النهاية، لا يجب المبالغة في مدى قرب العلاقة بين إيران وروسيا؛ فالعلاقة الاقتصادية بين إيران وروسيا تعتبر ضعيفة مقارنة بعلاقات روسيا مع دول أخرى مثل إسرائيل.
مستوى علاقاتنا لا يتجاوز أربعة مليارات دولار، بينما تصل علاقة روسيا مع إسرائيل إلى سبعة مليارات أو أكثر، وعلاقة روسيا مع الإمارات تصل إلى عشرة مليارات دولار، من الناحية الاقتصادية، وعند المقارنة، نلاحظ أن العديد من منافسينا الإقليميين مثل تركيا وأذربيجان والإمارات، لديهم علاقات أقوى وأكثر قربا مع روسيا، من ناحية التوجهات السياسية، الروس لا يعتبرون أن التوجهات السياسية الإيرانية وموقف إيران المعادي للغرب يعكسان بالضرورة العلاقة الخاصة مع روسيا، بل يرون أن إيران لديها أهداف سياسة خارجية قائمة على معاداة الغرب، وفي بعض القضايا قد تتقاطع مواقف إيران وروسيا، وفي قضايا أخرى قد يكون هناك اختلافات بينهما، لذلك، نظرة الروس إلى العلاقة مع إيران هي نظرة قائمة على حسابات التكلفة والمنفعة.
السؤال: بعض الناس داخل إيران لديهم تصور أيديولوجي، يعتقدون أنه إذا كان لإيران مشكلة مع إسرائيل لأسباب معينة، يجب على روسيا كحليف لإيران أن تكون لديها المشكلة نفسها مع إسرائيل، بينما يتم تعريف السياسة الخارجية للدول بناء على مصالحها، قد تكون مصالح روسيا مثلا أن يكون لها علاقات أو تجارة مع أمريكا.
يرجى توضيح العلاقة بين إيران وروسيا، وكيف تُعَرَّف المصالح المشتركة بين البلدين بحيث تتضح تكلفة هذه العلاقة وفوائدها؟
على أية حال، على المستوى الدولي، تمتلك إيران وروسيا، خصوصا في مواجهة السياسات الأحادية الغربية والأمريكية وفي العديد من القضايا الأخرى، وجهات نظر مشتركة، لكن أولا، هذا الموقف المشترك لا ينبغي أن يوقعنا في خطأ الاعتقاد بأن ذلك يمكن أن يؤدي بالضرورة إلى تقارب أكبر، أو إلى اتحاد أو تعاون استراتيجي بين البلدين، على الرغم من أن هذا يوفر أرضية جيدة لتقريب البلدين من بعضهما، فإن السياسة الدولية، خاصة بعد الحرب الباردة، أصبحت أكثر تعقيدا.
جزء صغير من هذه العلاقات يتعلق بالاتجاهات الدولية المتوافقة، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنه سيؤدي إلى علاقة جيدة، هناك دول تتبنى مواقف دولية متعارضة ولكنها تتعاون بسبب المصالح الاقتصادية، مثل العلاقة بين روسيا وتركيا أو بين روسيا ودول الخليج، تركيا عضو في الناتو وتعتبر في الجانب المقابل لروسيا، لكن المصالح الاقتصادية تدفعهما إلى التعاون، لذلك، فإن التوافق الاستراتيجي على المستوى الدولي لا يعني بالضرورة وجود التزام بالتعاون بين الطرفين، ولكنه يمكن أن يكون أرضية جيدة لتوسيع التعاون.
في العلاقات الدولية، لا توجد دولتان في العالم تربطهما علاقة إلا على أساس المصالح، في ظل الظروف الحالية التي تشهد تورط روسيا في الحرب، خاصة في أوكرانيا، هل أدت هذه الظروف الجديدة إلى تحسين العلاقات بين إيران وروسيا؟
بعد حرب أوكرانيا، أصبحت نظرة روسيا وعلاقتها مع الدول الأخرى قائمة على معايير جديدة، الدول التي ترغب روسيا في تعزيز علاقاتها معها تُقَيَّم بناء على موقفها من الحرب في أوكرانيا ومدى مساعدتها روسيا في الالتفاف على العقوبات أو تقليل عزلتها السياسية.
للأسف، لم تستطع إيران تقديم مساعدة تُذكر لروسيا في هذين المعيارين الجديدين، أولا، إيران لا تستطيع المساهمة كثيرا في تخفيف العقوبات المفروضة على روسيا؛ لأن إيران نفسها تعاني من العقوبات بشكل أشد، وبالتالي التعامل مع إيران لا يُسهم في ربط روسيا بالاقتصاد العالمي، ثانيا، من الناحية السياسية، العلاقة مع إيران لا تُساعد روسيا في الخروج من عزلتها الدولية.
بناء على هذين المعيارين، يمكن القول إن أهمية العلاقات بين روسيا والإمارات أكبر بكثير من أهميتها مع إيران، لأن الإمارات تستطيع المساعدة في تخفيف العقوبات وربط روسيا بالاقتصاد العالمي، وأيضا تقليل عزلتها السياسية، لهذا السبب، في قضايا مثل موضوع الجزر، تسعى روسيا إلى كسب تأييد الإماراتيين.
التصريحات الصادرة عن المسؤولين الروس تجاه إيران إيجابية وقوية، سواء في مسألة البريكس أو غيرها، فهل تُعتبر إيران دولة مؤثرة بالنسبة لروسيا أم لا؟
المسألة هنا أن روسيا لا ترى أي سبب يدفعها إلى الإضرار بعلاقتها مع إيران بسبب تفاعلاتها مع دول أخرى، ولا يوجد مبرر لذلك، من جهة أخرى، ليس من مصلحة إيران أن تُضعف علاقتها مع روسيا بحجة أن موسكو تتعاون مع خصومها، لذلك، ليس من مصلحة أي من الطرفين في الظروف الحالية أن يُفسد علاقته مع الآخر.
لهذا السبب، يسعى قادة البلدين إلى الحفاظ على مستوى جيد من العلاقات، حتى لو لم يكن بإمكانهم تحقيق تقدم عملي كبير في توسيعها. على الأقل، يستمرون في استخدام خطاب إيجابي نظري يعكس رغبتهم في تعزيز العلاقات، إضافة إلى ذلك، لا يمكن تجاهل أن إيران وروسيا قدمتا خلال الأعوام الثلاثين الماضية دعما استراتيجيا كبيرا لبعضهما البعض، في مواقف مختلفة، استطاعت كل منهما مساعدة الأخرى بشكل جاد، وهذا الجانب لا يمكن إنكاره.
الروس يدركون جيدا مدى الدعم الاستراتيجي الذي قدمته إيران لهم، ويعلمون أن أي تغيير في موقف إيران كان سيؤثر سلبا على مصالح روسيا، من جهة أخرى، قدمت روسيا دعما استراتيجيا كبيرا لإيران، سواء في المجال النووي من الناحية التقنية أو في المفاوضات، وكذلك في مجالات التعاون العسكري والتكنولوجي المتقدم، وقضايا الفضاء، هذه قضايا استفادت فيها إيران من الدعم الروسي.
لذلك، من مصلحة البلدين عدم السماح بتدهور هذه العلاقة، لأن كليهما يستفيد من الحفاظ عليها، ولكن لا ينبغي أن ننسى أن روسيا، كأي دولة أخرى، تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة، إذا نظرنا إلى العلاقة بين إيران وروسيا بواقعية، نجد أنها علاقة قائمة على الضرورة وليس على الاختيار الحر، بمعنى أنه لو كانت الظروف طبيعية، ربما كانت كل من إيران وروسيا ستختار طريقا مختلفا، ولكن هذه الضرورة أصبحت طويلة الأمد وليست مؤقتة، مما أجبر البلدين على العمل معا.
مع ذلك، فإن هذه العلاقة كانت مفيدة لكلا الطرفين، حيث سعيا للحفاظ على نهج تعاوني وتجنب التركيز على نقاط الخلاف، في النهاية، من مصلحة كل من إيران وروسيا التعاون والعمل المشترك.