ترجمة: يسرا شمندي
أكد الناشط الأصولي وأستاذ الحوزة العلمية في مدينة قم، محسن غرويان، أن التيار الأصولي المعتدل يقف ضد تشدد بعض الفئات داخل صفوفه. وأشار إلى أن الأزمات السياسية الحالية ناتجة عن مصالح حزبية وفئوية، مؤكدًا على أهمية الوحدة والتعاون في تحسين وضع إيران وتجاوز تحديات العزلة الدولية.
نشرت وكالة أنباء خبر أونلاين حواراً بتاريخ 13 يناير/كانون الثاني 2025 مع محسن غرويان ورد فيه:
في الفترة الأخيرة، ازداد الضغط الذي يمارسه المتشددون على حكومة بزشكيان وحتى على قرارات مثل مراجعة ملف مجموعة العمل المالي واحتمالات التفاوض لرفع العقوبات. حتى في قرارات تتعلق بقوانين العفاف والحجاب وحظر الإنترنت، شهدنا تجمعات ضد رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف وبزشكيان. برأيكم، ما الأسباب الخفية وراء هذه الضغوط والتشدد؟
إن الذين يمارسون هذه الضغوط على الحكومة يسعون لتحقيق مصالح حزبية وفئوية وأهواء شخصية. في اعتقادي، يريدون الانتقام للانتخابات، لأن مرشحهم سعيد جليلي لم يفز وتعرض للهزيمة. ومن خلال هذا الأسلوب من التعامل، يسعون للانتقام من حكومة بزشكيان، ونائب الرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية محمد جواد ظريف، وغيرهم ممن يمثلون تيارهم. وبالتالي، فإن المتشددين مدفوعون بأهداف حزبية ورغبة في الانتقام السياسي.
النقطة الثانية هي أن أولئك الذين يقومون بهذه التحركات لا يأخذون في الاعتبار مصالح الشعب أو مصلحة المجتمع ككل، بل ينظمون هذه التجمعات بشكل يتعارض مع المصالح الوطنية والاجتماعية، وبالتالي فإنها مخالفة للشريعة. هذه التحركات تهدف إلى إضعاف الحكومة، وبرأيي تعتبر انتهاكاً للقانون، وهي من الجرائم الكبيرة. كما أن هذه التصرفات تتعارض مع توجيهات المرشد علي خامنئي ومن قبله الخميني .
فالخميني وخامنئي أكدا دائمًا على أهمية الوحدة والانسجام الوطني. وحاليًا، تسعى حكومة بزشكيان إلى تحقيق التوافق الوطني، لكن المتشددين بمحاولاتهم هذه يحاولون خلق خلافات بين الحكومة والشعب. كما أنهم يسعون لزرع الانقسامات والخلافات بين أفراد الشعب نفسه، وهو ما يتعارض مع توجيهات القيادة و السلطات الحاكمة.
النقطة الأخرى هي أنه إذا كانوا يعتقدون حقًا أنهم يعملون لصالح المصالح الوطنية ويريدون الدفاع عن الشعب، فليقوموا بإجراء استفتاء لمعرفة ما إذا كان غالبية الناس يدعمون آراء الحكومة وبزشكيان وظريف أم آراء جليلي، والأشخاص الذين يعارضون الحكومة. إن هؤلاء يخشون الاستفتاء، وهذا يدل على أنهم يدركون أنه إذا تم إجراء استفتاء عام، فإن الشعب سيصوت ضد هذه الفصائل المتشددة التي لا تحظى بأي مكانة بين الشعب.
وهؤلاء النواب المتشددون القلائل في البرلمان لا يفعلون سوى إحراج أنفسهم بشكل أكبر، والشعب بات ينفر منهم. إنهم يثيرون ضجة فارغة داخل البرلمان، ويمارسون الفوضى والصخب بلا طائل.
هؤلاء المتطرفون غير قادرين على التسامح ويجب وضع قيود على التجمعات غير القانونية ومعاقبة المسؤولين عنها حتى لا تؤدي هذه التحركات إلى إثارة الخلافات في البلاد في ظل الظروف الحساسة التي تمر بها المنطقة. ومن خلال هذه الفتن، يجب على الشعب ألا يتراجع عن دعم الحكومة. فبممارساتهم هذه، ستهتز ثقة الناس في الحكومة.
يمكن القول إن هذا التيار الذي تشيرون إليه سيستمر في اتباع نفس النهج الحالي من المعارضة للحكومة حتى نهاية فترة حكم بزشكيان؟
هؤلاء الأشخاص يضعفون يومًا بعد يوم. فالانتخابات أظهرت أن هذا التيار المتشدد يمثل الأقلية في المجتمع، وهم يضعفون تدريجيًا. وبعض هؤلاء الأفراد قد انسحبوا الآن من الساحة السياسية، مثل السياسي الأصولي آقا تهراني الذي كانت له مواقف متشددة في الماضي. لكن الانتخابات أظهرت أن الشعب لا يؤمن بالتشدد.
بالطبع، لا يمكن القول إن آقا طهراني قد انسحب، بل ربما أصبح خلف الكواليس بينما يظهر في الساحة شخصيات أكثر تشددًا من هذا التيار الفكري.
نعم، هذا صحيح. هؤلاء ينتمون إلى التيار الذي تبنى توجهات متشددة منذ أيام المفكر الديني الإيراني وأستاذ الحوزة العلمية في قم، مصباح اليزدي، الذين كانوا يحملون أفكارًا قاسية ومتطرفة. وبعد رحيل مصباح اليزدي، ضعفت تياراتهم، ولكنهم لا يزالون متمسكين بتلك الأفكار ويواصلون اتباعها. وهم يدركون أيضًا أن الشعب لا يقف إلى جانبهم، ولذلك يحاولون التمسك بما تبقى لهم من تأثير.
لكن في رأيي، الأحداث تتطور يومًا بعد يوم في اتجاه يشعرون فيه أنهم يتحركون ضد المصالح الوطنية. والشعب أصبح أكثر وعيًا بهم وأصبح صامتا حيالهم. وهذه المحاولات اليائسة التي يقومون بها هي على ما يبدو آخر محاولات المتشددين. فالاتجاهات السياسية والاجتماعية تسير في طريق يسعى فيه بزشكيان بكل إخلاص وصفاء لتحقيق مصالح الشعب في أقصى الحدود، وتوجهات سياسته تصب في مصلحة الأمة.
إن مفاوضات مجموعة العمل المالي ما زالت مطروحة على الطاولة. وقد أصدر المرشد الأعلى توجيهًا لإعادة فحص ملف مجموعة العمل المالي في مجمع تشخيص مصلحة النظام. وهذا يشير إلى رغبة خامنئي في أن يتمكن بزشكيان من حل قضايا الناس. ويجب علينا أن نخرج من العزلة والعقوبات المفروضة علينا في هذا المجتمع الدولي، لأن ذلك يعود بالضرر على شعبنا. وعلى الرغم من ذلك، فإن المتطرفين في البرلمان يتصرفون بما يتناقض مع توجيهات القيادة. وفي رأيي، هؤلاء مثل الرغوة على الماء، ومع مرور الوقت، سيختفون تدريجيًا.
وهؤلاء المتشددون يمثلون انحرافًا عن مسار الشعب. فلقد أظهر شعبنا من خلال تصويته أنه يفضل الفكر المعتدل. ولقد اختار الشعب نوع الفكر الجديد والحداثة الدينية. أما أفكار المتشددين فهي أفكار تقليدية تتجه نحو الماضي.
نحن الآن نعيش في عالم حديث وجديد، ومن الضروري أن تتماشى أفكارنا وتوجهاتنا مع هذا العصر، ويجب أن تكون اجتهاداتنا واستنباطاتنا من الدين بحيث يمكنها حل مشاكلنا في العالم الحديث.
منذ انتخابات البرلمان وحتى الآن، شهدنا في الأشهر الأخيرة عدة مرات أن بعض وسائل الإعلام المحافظة انتقدت بعض المتشددين مثل السياسي الأصولي حميد رسائي والسياسي الأصولي أمير حسين ثابتي وغيرهم. ما رأيكم في هذا الموضوع؟ هل وصل عقلاء التيار المحافظ إلى القناعة بأنه لا ينبغي إعطاء أهمية للمتشددين؟
نعم، لا أرى في وجه المتشددين من التيار الأصولي شخصية مفكرة ومميزة. فهم يطرحون مجموعة من التصريحات المفعمة بالعواطف والتي تفتقر إلى أساس منطقي وعلمي أو فلسفي قوي. كما أن أفكارهم لا تستند إلى قاعدة فقهية أو فكرية متينة، بل هي مجرد عواطف جماعية ومشاعر حزبية، ولا أعتقد أنها تحمل أساسًا فقهيًا قويًا.
حتى في زمن مصباح اليزدي، لم تكن أفكارهم مبنية على أسس فقهية قوية أو استدلالات فلسفية متينة، بل كانت تفتقر إلى قاعدة فكرية راسخة. وجبهة الصمود لم تتمكن من تأسيس أطر فكرية أو فقهية مدعومة بالحجج القوية، مما جعل هذه الأفكار غير مقبولة لدى الشعب.
لكن لا يمكن اختزال الأصوليين في فئة واحدة أو تصنيفهم ضمن مجموعة واحدة، فهناك بين صفوفهم تنوع في الآراء والمواقف، بدءًا من المتطرفين وصولًا إلى المعتدلين والعقلانيين. ولذلك نجد اختلافات في الرؤى بينهم، بينما يقوم عدد من الشباب غير الناضج بإطلاق تصريحات باسم الأصولية التي لا تمتلك أساسًا علميًا أو سياسيًا. فالأصوليون العقلاء الذين يتسمون بالحكمة والتوازن يعتبرون هؤلاء المتطرفين غريبين عنهم، ويرفضون هذه الوجوه الصاخبة والمزعجة في البرلمان.