كتبت – ناهد إمام
يعتبر قطاع السياحة من أكثر القطاعات تضررا في إيران، فعلى الرغم من العقوبات المفروضة على طهران، والتحديات الطارئة بين الفينة والأخرى، مثل وباء كورونا، وتلك القائمة حاليا، بسبب تداعيات التطورات الأخيرة للضربات الإسرائيلية التي استهدفت عددا من المواقع العسكرية في إيران، تبقى السياحة لإيران كبقية الدول، الملاذ الآمن، الذي يشكل أهمية اقتصادية كبرى، لتحصيل العملة الأجنبية، وتحسين الوضع الاقتصادي للبلاد، وفقا لـ”إيسنا” الإيرانية.
وفي تصريح لافت، عن الوضع الحالي، قال أمير بويان رفيعي، رئيس مجلس إدارة اتحاد وكالات السفر الجوي في إيران، إن رفض طلبات الحصول على تأشيرة سياحية للإيرانيين من السفارات الأوروبية تزايد بعد “التطورات الإقليمية” الأخيرة، مشيرا إلى تأثر الرحلات الخارجية للإيرانيين؛ نظرا إلى الإلغاء المتتالي لرحلات الطيران الدولية، بحسب وكالة الأنباء الإيرانية “إيسنا”.
وأضاف: “هناك مشكلة لدى وكالات السفر والركاب بسبب إلغاء الرحلات الجوية الأجنبية، ومشكلة أخرى لدى المسافرين الإيرانيين بسبب استرداد تذاكر الطيران الأجنبية الملغاة”، معزيا ذلك إلى التوتر العسكري بين إيران وإسرائيل، وتابع: “انخفاض الاهتمام بالرحلات الترفيهية في إيران أدى أيضا إلى انخفاض معدل إشغال الفنادق”، مشددا على أن حالة السياحة الوافدة إلى إيران غير مواتية حاليا، وأن عدد الرحلات الوافدة في الوضع الحالي وصل عمليا إلى الصفر، مما يهدد العديد من المؤسسات الاقتصادية بالإفلاس، ما يتطلب تعديل القوى العاملة الخبيرة لدى المؤسسات السياحية.
أزمة كورونا وتراجع السياحة
وكانت زهرة خدادي، رئيس كتلة السياحة بالبرلمان الإيراني، قد صرحت في 30 أكتوبر/تشرين الأول، بأن السياحة في إيران لم تعد كما كانت قبل كورونا، قالت: “إن السياحة والتراث الثقافي مجال تم إهماله، وقد تسبب وباء كورونا في أضرار جسيمة لهذه الصناعة، ولم تعد بعد إلى حالتها الأصلية”، وشددت على ضرورة إجراء تغييرات في أولويات ونظرة السياحة في البلاد، وتحويل التركيز من عائدات النفط إلى عائدات السياحة، والعمل على إزالة العقبات كما فعلت الدول المجاورة، بحسب وكالة أنباء “مهر” الإيرانية.
وكان نائب الغرفة التجارية للجان المتخصصة قد أعلن في أغسطس/آب 2024 ومن خلال نشر تقرير يستند إلى بيانات عدة منظمات دولية، عن حصول إيران على المرتبة الـ73 في مؤشر “تنمية السياحة والسفر” من بين 119 دولة في العالم، وأنها ليست من بين 40 دولة آمنة للسياحة.
في هذا التقرير، الذي تم إعداده بناء على مؤشر تنافسية السفر والسياحة (TTDI) لعام 2024، احتلت إيران المرتبة الـ73 برصيد 3.72.
وبحسب منظمة السياحة العالمية، في تقريرها الأخير عام 2024، فقد أعلنت عن استمرار الاتجاه التصاعدي في قدوم السياح الأجانب إلى إيران، فبينما شهدت إيران نموا كبيرا بنسبة 43% في جذب السياح الأجانب خلال عام 2023، فإن إحصائيات هذه المنظمة التابعة للأمم المتحدة تظهر أن ايران شهدت في الربع الأول من عام 2024، نموا بنسبة 60% في قدوم السياح الأجانب إليها، وفقا لوكالة أنباء “مهر” الإيرانية.
أما في الربع الأول من العام الجاري (2024)، فقد زار مليون و398 ألف سائح أجنبي إيران، بينما في الفترة نفسها من العام السابق (2023)، بلغ عدد السياح الأجانب الذين وفدوا إلى إيران 872 ألفا.
وبحسب هذا التقرير، دخل البلاد 495 ألف شخص في يناير/كانون الثاني من هذا العام، و506 آلاف في فبراير/شباط، و397 ألفا في مارس/آذار.
وفي الأشهر الـ12 من العام الماضي، زار 5.9 مليون سائح أجنبيٍّ إيران، وكان هذا الرقم لعام 2022، 4.1 مليون شخص، وبالنسبة لعام 2021 تم الإعلان عن 880 ألف شخص فقط.
وكانت إيران قد اتخذت عددا من الإجراءات ضمن سياسات تهدف إلى تحسين وضع السياحة فيها، منها: الاهتمام بالترويج عبر وسائل الإعلام، وتخصيص إذاعة للسياحة في إيران، عبر عدة جهود قامت بها وزارة التراث الثقافي، ومنها أيضا ما قامت به بدراسة مجموعة قصص كتبت عن السياحة في إيران، واختيار 14 منها، أرسلتها إلى منظمة السياحة العالمية ليتم جمعها ضمن كتاب، وإصدار عدة نسخ منه باللغة الإنجليزية، وتوزيعه على السفارات والمحافل الدولية.
هذا، ويعد تسهيل إصدار التأشيرات وإلغائها لمواطني 33 دولة، أهم الإجراءات التي قامت بها إيران، ما أدى إلى انتعاش وازدهار صناعة السياحة فيها بعد انحسار تفشي كورونا.
السياحة الإسلامية
وتحتل إيران المرتبة السادسة، بين أفضل 20 دولة في العالم، في مؤشر السفر الإسلامي العالمي، إذ يدرس هذا المؤشر حالة “السياحة الحلال” ويضع إيران بعد تركيا وقطر، بحسب وكالة أنباء “إيسنا” الإيرانية.
وتأتي ماليزيا وإندونيسيا بشكل مشترك في المركز الأول بهذه القائمة لعدة سنوات.
وعلى الرغم من ارتفاع عدد السياح الدوليين الذين يدخلون إيران من 2.94 مليون شخص في عام 2010 إلى نحو 5.8 مليون شخص في عام 2023، فإن هذا العدد صغير جدا مقارنة بإجمالي عدد السياح الدوليين، وعلى سبيل المثال، استقبلت دولة الإمارات العربية المتحدة 28 مليون سائح في عام 2023 .
وتعتبر عائدات السياحة في إيران منخفضة، مقارنة بدول أخرى في العالم، فمع إجمالي دخل يبلغ 3.7 مليار دولار من صناعة السياحة في عام 2022، فإن إيران بعيدة كل البعد عن الإمارات العربية المتحدة، حيث يبلغ دخلها أكثر من 21 مليار دولار من هذا القطاع.
وبحسب تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي حول المخاطر العالمية، فإن الركود الاقتصادي يعد من أهم التحديات التي تواجه إيران، فضلا عن التضخم، ونقص المياه، وتآكل التماسك الاجتماعي، وعدم المساواة (في الثروة والدخل)، بحسب تقرير لموقع “خبربان” الإيراني في يوليو/تموز.
في السياق نفسه، أشار تقرير المخاطر إلى الأزمة الناجمة عن انتشار “المعلومات الكاذبة” في السنوات المقبلة، وذكر أن حرية الإنترنت العالمية آخذة في التناقص، واعتبرها مصدرا للاضطراب الاجتماعي، وأداة للسيطرة العامة من قبل اللاعبين السياسيين..
وفي إشارة إلى مقتل المتظاهرين في إيران بسبب انعدام حرية التعبير، وسجن المعارضين والصحفيين، تم التأكيد في هذا التقرير على أن نشر المعلومات الكاذبة والمضللة لصالح “الاستبداد الرقمي”.
إلى هذا، وعلى الرغم من هذه الظروف، أعلن مسلم شجاعي، المسؤول بوزارة السياحة، في 5 يونيو/حزيران 2024، عن زيادة بنسبة 50% في السفر إلى إيران، وقال: “في العام الماضي، سافر أكثر من ستة ملايين سائح أجنبي إلى إيران”، بحسب وكالة أنباء”مهر” الإيرانية.
وقال حرمت الله رفيعي، رئيس الرابطة التجارية لمكاتب الطيران والسياحة، في 21 ديسمبر/كانون الأول 2023، إنه “بعد احتجاجات العام الماضي”، انخفض وصول السياح الأوروبيين، وتابع: “إن وصول السياح من الغرب لا يزدهر لأسباب أمنية، والسياح من الكتلة الشرقية مثل روسيا والصين حلوا محل الغربيين”، وفقا لـ”مهر” الإيرانية.
ومن جهته، أعلن نائب وزير السياحة في إيران، في مارس/آذار 2024، عن زيارة 20 من مشاهير الصين لإيران، قال محتفيا: “إن هؤلاء لديهم أكثر من 60 مليون متابع على وسائل التواصل الاجتماعي، ويسافرون إلى مدن مختلفة تحت عنوان مشروع (سلام إيران)؛ لإنتاج محتوى على شبكات التواصل المختلفة، وضمن ذلك التيك توك”.
السياحة العلاجية
تعد إيران، التي تشير الإحصائيات إلى زيادة عدد السياح بنسبة 25% أغلبهم من الهند، والكويت، والبحرين، من أهم وجهات السياحة العلاجية، بحسب موقع “إذاعة طهران”.
ويشير الموقع إلى مهارة الأطباء الإيرانيين، وتوافر مستوى متطور في المستشفيات الإيرانية، إلى جانب التكالبف المعقولة، ما يجعل من إيران، وجهة مهمة للحصول على العلاجات المتخصصة، وإجراء العمليات الجراحية المتطورة، فضلا عن وجود الطبيعة الخلابة، والمراكزالترفيهية، والطقس المتنوع، مما يجذب لإيران السياح من كافة أنحاء العالم.
طبيعة خلابة ومكانة تاريخية
تمتلك إيران معالم طبيعية، وتاريخية، وثقافية، ودينية، ثرية، فضلا عن فرص التجارة، والعلاج، والاستفادة من مراكزها البحثية المنتشرة في كبرى جامعاتها، إلى جانب المكتبات الأكاديمية التخصصية والمكتبة الوطنية الكبرى، وأختها التابعة للبرلمان، مما يؤهلها لاستقطاب السياح العرب، والأجانب، من جميع أنحاء العالم، لاسيما في محافظاتها الجنوبية والشمالية، بحسب “توداي فلاي” الإيرانية.
فالمناطق الشمالية بإطلالتها على بحر قزوين، وغاباتها الكثيفة الخضراء التي تغطي جبالها الشاهقة، وسلسلة جبال ألبرز، وحقول الأرز، والشلالات والكهوف والينابيع، ومناخها شبه الإستوائي، ومطاعمها ذات الأسماء العربية، كفيلة بفتح شهية السائح، عربيا كان أو أجنبيا، بحسب موقع “اقامت ۲۴” الإيراني.
هذه الطبيعة الساحرة لمدن وقرى الشمال الإيراني، تحتضن أيضا تلفريك، ومجمعات ترفيهية، ومنتجعات، ومراكزاستقبال وفنادق، فضلا عن بيوت لبعض الأهالي، مجهزة لاستقبال السائح مقابل 50 دولارا لليلة الواحدة، وهو مبلغ يساوي سعر الاقامة في فندق 3 نجوم.
وبشكل عام، فالسائح في إيران يمكنه السكن والتنقل، بأسعار رخيصة مقارنة ببعض الدول الأخرى، وقد يعود السبب إلى تراجع قيمة العملة الإيرانية خلال السنوات الأخيرة، بحيث لا تزيد تكاليف الإقامة والطعام والترفيه على 200 دولار للفرد يوميا.
وتعتبر طهران، وأصفهان، وشيراز، من أهم المدن الإيرانية، الجاذبة لهواة المعالم التاريخية والثقافية، لامتلائها بقصور الملوك، والمتاحف، والأسواق القديمة، فأصفهان وحدها تحتوي على أكثر من 6 آلاف أثر تاريخي يصل بعضها إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد، فضلا عن ارتباطها بالملوك الإيرانيين منذ العهد الإخميني، ثم السلالة الأشكانية فالساسانية والصفوية، لذا ترمز اغلب معالمها إلى تلك الحقب التاريخية، وآخرها العهد الصفوي، حيث أصبحت حينها عاصمة لبلاد فارس، بحسب موقع “سایت اتاقک” الإيراني.
وعلى غرار أصفهان، هناك”شيراز” المعروفة بـ”عروس المدن الإيرانية”، بغاباتها وحدائقها وبساتينها، وتاريخها الذي يعود إلى ما قبل الميلاد، لكنها ازدهرت بعد دخول الإسلام إلى بلاد فارس حتى بلغت ذروة التطور في العهدين الصفوي والزندي، حيث اختارها الملك “کريم خان زند” عاصمة لبلاده.
ومنذ ذلك الحين ارتبط اسم شيراز بالسلالة الزندية، ولقلعة كريم خان الزندي التي تقع في الوقت الراهن وسط المدينة دور كبير في المحافظة على هذا الارتباط التاريخي، لأنها کانت بمثابة المقر الحكومي للدولة الزندية.
كما أن المدينة تحتضن قبر “أحمد بن موسى الكاظم” المشهور باسم “شاه جراغ”، ويشكل عتبة مقدسة عند الشيعة، فضلا عن معالم تاريخية وثقافية أخرى مثل “بوابة القرآن” وهي عبارة عن مدخل للمدينة بنيت فوقه غرفة صغيرة وضع فيها المصحف، تبرکا ولصون المارة من المكاره والحوادث، بحسب موقع “لست سکند” الإيراني.
ويعتبر الربع الثاني من السنة أفضل وقت لزيارة شيراز لاعتدال مناخها في فصل الربيع حتى بداية الصيف، حينها ترتفع الحرارة فيها وتزداد رطوبة أجوائها.
شيراز، التي طالما تغنى بها الشعراء والأدباء، تبعد 300 كيلومتر من المياه الخليجية، وبها مقبرتان مهمتان، أحدها للشاعر شمس الدين الشيرازي (من 727 إلی 792هـ)، والأخرى للكاتب والشاعر سعدي (600 إلى 691هـ)، وهما من أبرز المعالم الثقافية، واللتين يقصدهما هواة الفن والأدب من داخل إيران وخارجها.
وتشتهر طهران، العاصمة، بعدد كبير أيضا من المعالم السياحية، منها:
ساحة باهريستان، ومتحف رضا عباسي، الذي يحتوي على العديد من المقتنيات الهامة كالمجوهرات، والحلي، والفخاريات، ومتحف إيران الوطني، ويقع بالقرب من الساحة المعروفة باسم ساحة الإمام الخميني، ويحتوي على العديد من المقتنيات التاريخية الإيرانية المميزة، ومسجد وضريح الإمام زاده صالح، الذي يرجع بناؤه إلى القرن الثامن الميلادي، وحدائق وقصر جولستان، وبناه حاكم فاجار ناصر الدين شاه، وقد لقب القصر بقصر الورود، وهو بمثابة المتحف؛ نظرا إلى جماله وغرادته، واحتوائه على قطع أثرية مميزة، وكاتدرائية سركيس، وترجع إلى نهايات عقد الستينيات من القرن العشرين، تمتاز بجمالها، وبإحاطتها بالحي الأرمني، وبرج وساحة آزداي، الذي أنشئ في عام 1971 خلال الاحتفالات بمرور 2500 على إمبراطورية فارس، بحسب موقع “تهرانیکا” الإيراني.